مؤسسة أمريكية: عقوبات واشنطن فشلت ووكلاء إيران أصبحوا أقوى

12

طباعة

مشاركة

نشرت مؤسسة "راند" الأمريكية للأبحاث والتطوير، ورقة بحثية ناقدة، للباحثين أريان طباطبائي وكولن كلارك، تناولت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران، أشارا فيها إلى أن الحصار الاقتصادي ليس كفيلا بتحقيق الأهداف المرسومة له.

وقال الباحثان إنه: "منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الأول 2017، اتبعت إدارته إستراتيجية (الضغط الأقصى) المصممة لتغيير مسار السياسات الخارجية والأمنية الإيرانية. التي تعتمد الإستراتيجية بشكل رئيسي على العقوبات لتغيير السلوك الإيراني من خلال تعقيد وصولها إلى الأسواق الخارجية والتجارة المالية الدولية".

فشل العقوبات

وأشارا إلى أن: "الهدف النهائي هو حرمان طهران من الموارد المالية اللازمة للحفاظ على البرامج النووية والصاروخية وشبكة الوكلاء التي تضم كلا من حزب الله اللبناني ومليشيات شيعية مختلفة في العراق والحوثيين في اليمن وشبكة متنامية من المقاتلين الأجانب في سوريا الذين جندتهم إيران من سوريا،وأفغانستان وباكستان."

وأكد الكاتبان أن من المستحيل إنكار أن حملة "الضغط الأقصى" قد أضرت بإيران. فقد تباطأ اقتصاد البلاد بشكل كبير، وهبطت عائداته النفطية. وهذا هو سيناريو النجاح الذي تراه إدارة ترامب، فقد صار لإيران الآن موارد أقل لتكريسها لجدول أعمالها الإقليمي. وكلما كانت أموال إيران تحت مراقبة الولايات المتحدة، وفقا لطريقة التفكير هذه، ستقل الخسائر التي يمكن أن تلحقها مباشرة أو عبر وكلائها في المنطقة.

وأضافا: لكن إذا نجحت إستراتيجية الضغط هذه في تحقيق الهدف الضيق المتمثل في إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، فقد فشلت في تحقيق هدفها الأوسع المتمثل في تغيير السياسة الخارجية الإيرانية.

ونقلا عن السفير ناثان سيلز، الذي يتولى ملف مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله: "لا تزال إيران تزود حزب الله اللبناني وحده بمبلغ 700 مليون دولار سنويا. حتى لو شكك البعض في المبلغ واعتبروه تضخيما، فمن يستطيع أن يجادل عن أن طهران هي المستفيد الرئيسي من تحركات حزب الله".

وأردف: يكسب حزب الله أيضا ما يقدر بنحو 300 مليون دولار سنويا من خلال الاعتماد على مجموعة واسعة من آليات التمويل، بما في ذلك الأنشطة الإجرامية وغير القانونية، مثل: الاحتيال وتهريب المخدرات والاتجار بالمنتجات المزيفة، بما في ذلك حبوب الفياجرا.

ولفت إلى أن المؤشر الوحيد الذي يشير إلى تأثر حزب الله من المقاطعو الاقتصادية المفروضة على إيران هو أن الجماعة قد وضعت المزيد من صناديق التبرعات في جميع أنحاء بيروت وأجزاء أخرى من لبنان.

وأوضح السفير: أما في الأذرع الأخرى لإيران، فقد واصلت العمل دون أي اضطراب. في اليمن، على سبيل المثال، حصل الحوثيون على أسلحة أكثر تطورا خلال العام الماضي، والتي استخدموها ضد أهداف عسكرية ومدنية إماراتية وسعودية حيث قاموا بالانتقام من حملة الضغط الأمريكية على إيران بتعطيل التجارة النفطية.

ويرى الباحثان: أن العقوبات المالية لا يمكن أن تؤثر في العديد من وسائل الحرب بالوكالة في المنطقة، بما في ذلك التدريب والملاذات الآمنة ونقل الأسلحة والتكنولوجيا التي توفرها إيران لجماعاتها المقاتلة.

وأوضحا: أن طهران لم تكن أبدا مهتمة بتطوير شبكة من الوكلاء المعتمدين عليها تماما. وإنما حاولت مساعدة هذه المجموعات الموجودة على الأرض على أن تصبح أكثر اكتفاء ذاتيا من خلال السماح لها بالاندماج في العمليات السياسية والأنشطة الاقتصادية لبلدانهم ومساعدتهم على بناء صناعاتهم الدفاعية الخاصة - بما في ذلك منحهم القدرة على تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية في دولهم الخاصة بدلا من الاعتماد على إيران في إمدادهم.

ماذا عن سوريا؟

وفي الملف السوري، أوضح الباحثان: أنه في الوقت الذي انسحبت الولايات المتحدة من سوريا واستعاد بشار الأسد السيطرة على البلاد، أخذت طهران تتقدم ببطء نحو هدفها المتمثل في إقامة جسر بري يمتد عبر المنطقة.

وبحسب قولهما: فإنه إذا أصبح هذا الحلم حقيقة، فسيكون نظام الملالي قادرا على تحريك الأسلحة والأفراد ذهابا وإيابا بين إيران وجيوشها  المتنامية من الوكلاء، أينما كانوا، وبناء قواعد ومستودعات في جميع أنحاء المنطقة دون مخاوف تذكر. لا توقف العقوبات المالية التقدم نحو هذا الهدف الإستراتيجي، والسياسة الحالية للولايات المتحدة مبنية بشكل حصري تقريبا على فرضية أن "العقوبات وحدها قادرة على حل هذه المشكلة".

وشدد الباحثان: على ضرورة أن تضع إدارة ترامب مقاربة أكثر شمولية تقوض قدرة إيران على تجنيد وتدريب ونشر العملاء والجماعات المسلحة. إن المكان المناسب لبدء الولايات المتحدة هو وقف انسحابها المفاجئ من سوريا، الأمر الذي قد يفيد إيران وشركاءها.

وأوضحا: أن أحد أكثر الحواجز فعالية ضد التوسع الإيراني داخل سوريا، خاصة في الشمال الشرقي للبلاد، كان وجود القوات الديمقراطية السورية، حتى وقت قريب بدعم من قوات العمليات الخاصة الأمريكية. بدون هذا الردع، يمكن لإيران أن تعمل دون رادع وتزود الوكلاء وتؤمّن الأراضي التي ستزيد من تمكين الحرس الثوري

رفع الحظر الأممي

من جهة أخرى، قال الباحثان إنه: "من المقرر أن ينتهي حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران بعد عام واحد من الآن، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020. وعلى الرغم من أنه يستهدف البرنامج النووي الإيراني، فإن الحظر يحتوي أيضا على حظر معين على المواد التي يمكن استخدامها في برنامج الصواريخ، وهو مصدر قلق خاص لأن طهران تزود عملاءها بشكل متزايد بالصواريخ العادية والصواريخ ذات الدقة العالية.

وأردفا: "كما أنه بموجب الاتفاق النووي القائم، فمن المفترض رفع الحظر العام المقبل، إلى جانب رفع حظر السفر على قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، المسؤول عن تنسيق علاقات طهران بوكلائها".

وأشار الباحثان إلى أن: واشنطن تشترك مع حلفائها الأوروبيين في مصلحة منع تدفق نقل الأسلحة إلى الوكلاء الإيرانيين، لكن لديهم خلافات في الرأي حول كيفية متابعة هذا الهدف. سعيا وراء التوافق، من المحتمل أن تتخلى واشنطن عن مواقفها المتطرفة الحالية بشأن برنامج الصواريخ الإيراني.

وتوصلا إلى أنه: "يمكن خدمة المصالح الأمريكية بشكل أفضل من خلال متابعة المزيد من التغييرات التي يمكن تحقيقها من خلال سياسة الحظر، والتي تركز على وقف انتشار إيران للصواريخ وتكنولوجيا الصواريخ إلى الوكلاء".

تنوّع الوكلاء

بشكل عام، يرى الباحثان ضرورة أن تدرك إدارة ترامب تنوع الوكلاء الإقليميين لإيران، وأن تفهم أنه لا يمكن تعطيلها بشكل كامل عن طريق الإضرار بالاقتصاد الإيراني.

وبحسب قولهما: فإن مقاتلي حزب الله يختلفون عن الحوثيين، وتختلف الجماعات الشيعية في العراق من نواح كثيرة عن المليشيات الأفغانية والباكستانية العاملة في سوريا. هذه القوى لها قدرات وأهداف مختلفة، حيث تمارس طهران مستويات متفاوتة من القيادة والسيطرة عليها، وهذا هو السبب في أن المقاربة التي تناسب الجميع يمكن أن تفشل.

وأكدا أن: "إستراتيجية المواجهة قد تنجح مع حزب الله وتخنق المجموعة الإجرامية العالمية، في حين أن الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة الحوثيين تنطوي على الأرجح على التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن. وأي إستراتيجية تحاول تعطيل تدفق المجندين الأفغان إلى سوريا يجب أن تأخذ في الاعتبار تداعيات الانسحاب الأمريكي المتسارع من أفغانستان.

وفي الختام خلص الباحثان إلى أن: "العقوبات المالية هي جزء مهم من أي إستراتيجية مكافحة الإرهاب، لكنها ليست كافية، وكلما تأخرت إدارة ترامب في إدراك ذلك، كلما تعاظم تأثير إيران المتزايد".