لا كروا: التونسيون يعانون لاسترداد ما نهبه بن علي رغم وفاته

في ظل تراخي الدول عن التعاون، والإجراءات المرهقة للغاية، وعدم وجود سياسة تونسية فعّالة، يساهم كل شيء في انخفاض الأمل لاسترداد أصول الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي تُوفي في منفاه بالسعودية، بعد أكثر من ثماني على إسقاط نظامه.
تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة "لا كروا" الفرنسية تقريراً تساءلت فيه عن مصير ثروات بن علي، الذي تُوفي في 19 سبتمبر/أيلول الجاري، في السعودية، والذي جاء في خضم انتخابات رئاسية قد تكون حاسمة لمصير البلاد.
حكم اللصوص
وقالت الصحيفة: بعد وقت قصير من هروبه من تونس في 14 يناير/كانون الثاني 2011، اكتشف الكوكب بأكمله "الكليبتوقراطية" - مصطلح يعني نظام حكم اللصوص ويُطلق على الحاكم الذي يراكم الثروة الشخصية وعادة ما يكون في الأصل ديكتاتورياً أو استبدادياً- التي نظمها بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي، وأقاربهم الذين سيطروا على اقتصاد البلاد وبالتالي اختلسوا أموالاً تُقدّر بعدة مليارات يورو خلال 23 سنة من حكم بلا منازع.
وأضافت: "قدّر البنك الدولي في عام 2014 أنه من خلال تخصيص القطاعات المربحة للاقتصاد مثل الاتصالات والإعلان والعقارات، وما إلى ذلك، فإن الأشخاص البالغ عددهم 114 يشكلون حاشية الرئيس، التي جُمدت أصوله في ربيع عام 2011، تمكنوا من تحويل 21 بالمئة من الأرباح التي حققها القطاع الخاص بأكمله خلال توظيف 1 بالمئة فقط من التونسيين".
وأوضحت الصحيفة، أنه بعد ثماني سنوات ونصف السنة من هروب الزوجين الرئاسيين، لم تستطع تونس تقريب استرداد ثرواتها الموجودة في الخارج. تم إرسال خطابات طلب بذلك إلى 37 دولة، لكن العديد من الدول، ولا سيما دول الخليج، أبدت القليل من رغبتها للتعاون، مشيرة إلى أن لبنان من بين أكثر الجهات تعاوناً، حيث أعاد لأول مرة إلى تونس في أبريل/نيسان 2013، نحو 26 مليون يورو كانوا في حساب مصرفي باسم ليلى الطرابلسي.
أصول في أوروبا
وفيما يخص الأموال المجمدة في الغرب، نوّهت "لا كروا" إلى أن سويسرا أعادت ما يقرب من 3 ملايين يورو على دفعتين في مايو/أيار 2016 ومايو/أيار 2017 ولا تزال تحتفظ بما يعادل 55 مليون يورو تم تجميدها في الحسابات المصرفية لعشرة أشخاص.
ونقلت الصحيفة عن المحامي دانيال ترايلوفيتش القول: "الإجراءات طويلة، والطعون كثيرة، والتطورات الأخيرة قد تجعل ورثة بن علي عقبة أكثر"، مضيفاً: "ليس هناك شك في أن كل هذه الأموال سوف تُعاد إلى الدولة التونسية في النهاية".
وأردفت: أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، فلم يتحقق أي شيء تقريباً تم إعادته عبر البحر الأبيض المتوسط، كل عام، يُجدد مجلس الاتحاد الأوروبي تجميد أصول بن علي وزوجته إضافة إلى 46 شخصاً، ففي يناير/كانون الأول 2019، رفع التجميد عن أصول مروان مبروك، صهر بن علي السابق، والتي تصل إلى أكثر من 7 ملايين يورو، وهذا بناء على طلب رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد، وفقاً لمنظمة "أنا يقظ" التونسية.
وبحسب موقع "نواة" التونسي، الذي نشر ترتيب أصحاب الثروات في العالم، فإن رجل الأعمال الذي يمتلك 51 بالمئة من شركة "أورانج تونس" كان في عام 2014 خامس أغنى رجل في تونس.
غياب سياسة الاسترجاع
ونقلت الصحيفة عن شوقي طبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أسفه على أن "النتائج لم ترق إلى مستوى توقعات المواطنين التونسيين"، كما انتقد الدول التي يخاطبها ورفضت التعاون، وكذلك أيضاً بلده، مشيراً إلى أن "تونس لم تضع سياسة شاملة بشأن استرداد الأصول".
وأضافت: من بين العقبات، التي تحول دون استرجاع أموال الرئيس السابق وأقاربه، عدم وجود موظفين أكفاء، وغياب لجنة تتمتع بصلاحيات موسعة لاتخاذ قرارات ملزمة وملزمة، وضعف الأموال المخصصة لدفع الرسوم القانونية لذلك".
وأكدت "لاكروا" أن أحدث تقرير صادر عن لجنة المصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أحصى 559 من الأصول العقارية المصادرة، و379 من الحسابات المصرفية المجمدة و 688 من المؤسسات المصادرة بين الاستيلاء الكلي أو الجزئي على أسهمها. ولكن، يُصر شوقي طبيب، أن مبالغ الأموال التي تم استردادها بالفعل "منخفض للغاية".
وكان البنك الدولي، أكد أن ربع أرباح القطاع الخاص في تونس كان حكراً على عائلة الرئيس المخلوع ومقرّبيه، وذلك بفضل تشريعات وأنظمة وضعت خصيصاً لحماية مصالحها من التنافسية.
احتكار حتى النهاية
وقال البنك في تقرير صدر عام 2014 إن "النظام التونسي السابق كان يستخدم الأنظمة القائمة ويضع أخرى جديدة لكي يستفيد منها أفراد العائلة والمقربون من النظام"، لافتاً إلى أن عائلة الرئيس المخلوع كانت تحتكر في نهاية 2010 "أكثر من 21 بالمئة" من مجمل أرباح القطاع الخاص، وذلك عبر شبكة من الشركات التي كانت تخضع لإدارتها المباشرة. وكانت تلك الشركات تزدهر على حساب غيرها بفضل تشريعات وأنظمة وضعت خصيصا لحماية مصالحها.
كما أكد تقرير البنك الدولي أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم بن علي تم تعديل "قانون حوافز الاستثمار" 25 مرة، وذلك بهدف الحد من دخول استثمارات إلى السوق التونسي و"حماية مصالح العائلة من المنافسة".
وشمل تقرير البنك الدولي دراسة 220 شركة كانت تابعة لعائلة بن علي، وبين أنه بغض النظر عن القطاع الذي كانت تعمل فيه هذه الشركات، فإن حصتها من السوق كانت تزيد في المعدل بنسبة 6.3 بالمئة عن حصة أي شركة أخرى منافسة لها.
ونقلت عن بوب ريكرز أحد معدي التقرير، أن تدخل الدولة في السياسة الصناعية في عهد بن علي كان "ستاراً لإخفاء حالات ريع"، لافتاً إلى أن الانفتاح الاقتصادي لتونس الذي أشاد به المجتمع الدولي يومها لم يكن سوى سراب.