آخرها منظمة التجارة العالمية.. لماذا يفضل ترامب سياسة الانسحاب؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الثانية خلال عام واحد يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب بلاده من منظمة التجارة العالمية، مبررا ذلك بأن المنظمة تحابي الصين على حساب الولايات المتحدة، وفي حال عدم إصلاح هذا الوضع فإن واشنطن لن تكون جزءا من المنظمة الدولية.

ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن وضعية بلاده داخل المنظمة الدولية، فإنها أول مرة تشهد ردود أفعال رسمية عنيفة على تصريحاته، أهمها ما صدر عن مسؤولين بالإدارة الروسية، وآخرين يتبعون الحكومة التركية، عن التأثيرات السلبية لهذا القرار، وردود الأفعال المتوقعة عليه.

شهدت الولاية الأولى لترامب إجراءات عديدة فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية والثنائية التي وقّعت عليها بلاده قبل مجيئه للبيت الأبيض، من بينها الانسحاب من قمة المناخ، والاتفاق النووي مع إيران، ما وضع المنطقة العربية على فوهة الحرب.

كذلك انسحابه من اتفاقية الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى مع روسيا، وفرض رسوم حمائية على المنتجات الصينية، والانسحاب من المجلس العالمي لحقوق الإنسان، وأخيرا تهديده الجديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية.

لماذا ترامب؟

في لقائه بجمع من العمال في مصنع بولاية بنسلفانيا، في إطار التمهيد لحملته الانتخابية من أجل الفوز بولاية ثانية، اتهم ترامب المنظمة الدولية بأنها تحابي الصين على حساب الولايات المتحدة، وأنه لا يتردد في مغادرة المنظمة إذا لزم الأمر، لأنهم على حد قوله "يؤذوننا منذ سنوات، وهذا لن يحدث مرة أخرى".

سبق أن انتقد ترامب منذ عام منظمة التجارة العالمية قائلا إنها تتعامل "بشكل سيء جدا" مع الولايات المتحدة منذ سنوات عدة. مضيفا: "في حال لم تصلح نفسها فسيتم الانسحاب منها".

وفي يوليو /تموز الماضي طالب ترامب المنظمة بإصلاحات تحول دون التعامل بطريقة مميزة مع الدول النامية، منتقدا استمرارها في تصنيف الصين على أنها دولة نامية، ما يعفيها من بعض الواجبات المفروضة على الدول الكبرى.

حسب خبراء فإن مشكلة الرئيس الأمريكي ليست في منظمة التجارة العالمية، وإنما في أنه لا يستطيع التعايش مع المنظمات التي تضمّ في عضويتها أكثر من دولتين، لذلك يفضّل تأسيس اتفاق ثنائي مع المكسيك بدلا من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والتي تتضمّن المكسيك وكندا وأمريكا.

كذلك انسحابه من اتفاقية المناخ العالمي بزعم أن الاحتباس الحراري هو حدث جيّد وإيجابي، إضافةً إلى انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران لأسباب مجهولة، إذ يبدو أن ترامب كان يطالب إيران بصناعة السلاح النووي، ولأن هذا الاتفاق يمثل ضمانا لعدم صناعة الأسلحة النووية قرر ترمب الانسحاب من الاتفاق.

وفق مراقبين، يمكن للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، أن تقول لترامب: "اخرج إذا كنت ترغب بالخروج"، وإن حدث ذلك سيتوجبّ على الدول الأعضاء أخذ الاحتياطات اللازمة لتسهيل العلاقات التجارية بين بعضها البعض، وبذلك ستفشل سياسة الضغط الأمريكي التي تشكّل عائقا أمام العولمة الاقتصادية على المستوى العالمي، وبالتالي لن يبقى هناك إلا أمريكا وكوريا الجنوبية لتكون الدول التي تطبّق سياسة الاقتصاد المُغلق.

قانون الغاب

الجانب الروسي كان الأسرع من حيث الرد على تهديدات ترامب، حيث اعتبر وزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين، أن انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من منظمة التجارة لن يكون قاتلا للمنظمة، مؤكدا أن استغلال مثل هذه الفرصة يمكن أن يعطى دفعة لإصلاح وتحسين قواعد المنظمة العالمية.

وقال أوريشكين، في تصريحات نقلتها وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية: "بالنسبة للمنظمة نفسها، فإن فقدان لاعب رئيسي واحد ليس قاتلا، بل من الممكن أن تؤدي إعادة تشكيل التحالفات التكتيكية ومجموعات المصالح في إطار منظمة التجارة العالمية -التي ستعقب حتما خروج الأمريكيين- إلى إعطاء زخم لإصلاحها وتحسين قواعدها المتعددة الأطراف في تلك المجالات، التي كانت في طريق مسدود لفترة طويلة".

ورغم الدبلوماسية التي تعامل بها الجانب الروسي مع التهديد الأمريكي، إلا أن تصريحات سابقة لرئيس منظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو لم تكن على نفس القدر من الدبلوماسية، حيث اتهم الرجل صراحة الإدارة الأمريكية بأنها تريد تأسيس سيادة "قانون الغاب" على الاقتصاد العالمي.

ووفق تصريحات لـ "أزيفيدو" على التهديد السابق لترامب، فإن انسحاب الولايات المتحدة سيكون "ضربة للأنظمة متعددة الأطراف بالعالم"، لافتا إلى أنه سيكون "ضربة لأمريكا في الوقت ذاته"، محذرا في الوقت نفسه من تداعيات الحرب التجارية في إشارة للتوترات بين الصين وأمريكا، قائلا: "إن تأثير ذلك قد يتجاوز تأثير الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في العالم 2008".

خسائر ومكاسب

ورغم أن فريقا من المحللين ذهب إلى أن انسحاب أمريكا من منظمة التجارة العالمية، سيكون له تداعيات كارثية على استدامة السوق العالمية، وأنّ هذا الانسحاب يعني حرمان العالم من أنشطة تجارية تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات، إلا أن "ماريا ديمرزيس" نائبة مدير المركز التحليلي الأوروبي "بروغيل" المتخصصة في الاقتصاد، ترى أنه من غير المرجح انسحاب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية، لأن ذلك لن يجلب لها فوائد إضافية، وسيُنظر لذلك في العالم على أنه تدمير للمنظمات الدولية.

وأضافت الخبيرة الدولية: "سيكون الخطر السلبي للانسحاب كبيرا، لأن بقية العالم سيرون في ذلك تدميراً حقيقياً من قبل الولايات المتحدة للمنظمات متعددة الأطراف، وفي هذه المرحلة، لا توجد فائدة إضافية من هذه الإجراءات، لأن الولايات المتحدة، يمكنها السير في جدول أعمالها التجاري بمعزل عن منظمة التجارة العالمية."

وأشارت إلى أنه، يمكن أن يؤدي إبعاد الولايات المتحدة عن منظمة التجارة العالمية إلى تصعيد الحروب التجارية، وقالت: "إذا لم يقرر باقي العالم الاستمرار في العمل داخل منظمة التجارة دون الولايات المتحدة، فسوف يصبح النظام بأكمله متقادما، وفي هذه الحالة سيتفاعل الجميع مع غيرهم على أساس ثنائي، حيث لا يمكن استبعاد الحروب التجارية".

وأشارت إلى أنه إذا حدث ذلك، فقد تكون هناك حاجة لوضع قواعد عالمية جديدة، ولكن يمكن أن تحصل الصين على المزيد من الثقل هذه المرة.

أمريكا أولا

وبعيدا عن تهديدات ترامب، فإن العديد من الدراسات تشير لوجود خلل حقيقي في الأهداف التي على أساسها تم تأسيس منظمة التجارة العالمية عام 1995.

حسب سياسة الولايات المتحدة وفلسفة الاستفادة الأحادية التي تلتزم بها الإدارات الأمريكية المختلفة، فإن النظام الشبكي للولايات المتحدة، لن يتوائم مع نظام المنظمات الدولية على شاكلة منظمة التجارة العالمية.

المنظمة رغم ضعفها، إلا أنها تحقق الحد الأدني لحماية التنافسية الدولية، وخاصة للدول النامية، وهو ما يتصادم مع خطط الهيمنة الأمريكية، ويتصادم مع أسلوب تحركها القائم على عدم مشاركة قوتها مع الآخرين، وتفضيلها للعمل في النهج الفردي عن العمل وفق النهج الجماعي.

ووفق رأي البعض، فإن تهديد ترامب للمنظمات الدولية بالخروج منها، لا يرجع لقلّة أنشطة الدول الأعضاء فيها، بل على العكس تماما مشكلة أمريكا هي أنها تعتقد أن المنظمات المذكورة تحد من المبادئ التنظيمية والقوانين الدوليّة، لذلك فإن وجود هذه المنظمات يتصادم مع إستراتيجية أمريكا التي تعتمد على مبدأ: "ما دمت قويا فيجب أن يتم تنفيذ ما أقوله أنا فقط".

في الإطار ذاته يمكن لهذه الإستراتيجية أن تدفع أمريكا لتبني سياسة تجاهل التنظيمات والقوانين الدولية. وحسب رصد العديد من المحللين فإن ترامب لديه خلل في ترتيب الأوليات، كما أن لديه موقفا سيئا من المؤسسات والاتفاقيات الدولية ومتعددة الأطراف، كما أن تحول اهتمام إدارة ترامب بما تراه أولوية دعم القوة المادية، اقتصاديا وعسكريا، للولايات المتحدة سوف يؤدي إلى تراجع احترام الإدارة لما تضعه عليها الاتفاقيات الدولية من التزامات.

وتشير التحليلات إلى أنه منذ أن اعتمد ترامب شعار "أمريكا أولا" ثارت المخاوف على تداعيات ذلك على مؤسسات النظام الدولي، حيث يضع هذا الشعار الولايات المتحدة في موقف متناقض مع العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية والمتعددة الأطراف التي يرى ترامب أنها تمثل قيودا على سيادة الولايات المتحدة، ويتم استغلالها من قبل أطراف أخرى ضد مصلحتها.

ويعد المحللون في الولايات المتحدة هذا الموقف من ترامب كأبرز تحوّل في أسس السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1945.