بعد العقوبات على ظريف.. هل يسعى ترامب للتفاوض مع إيران؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، تقريرا تحدثت فيه عن تبعات العقوبات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مشيرة إلى التناقضات في إدارة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بالتعامل مع إيران.

وقال التقرير الذي أعده محرر الشؤون الإيرانية في المجلة، ماثيو بيتي، إن الرئيس الأمريكي يريد إجراء محادثات مع إيران، إلا أن العناصر المتشددة في إدارته تغلق بابا آخر للتفاوض مع إيران.

وأوضح، أن "ترامب دائما ما يردد أنه يفضل مائدة الحوار والمفاوضات مع إيران، في الوقت الذي تُغلق فيه العناصر المتشددة في إدارته بابا جديدا للتفاوض، حينما فرضت عقوبات اقتصادية على وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الأربعاء الماضي".

وأشار التقرير إلى أن "واحدا من المتشددين ضد إيران، هو السيناتور، ليندسي جراهام، الذي فرض لنفسه دورا في السياسة الأمريكية حيال الأزمة مع إيران، ليبرز كمنافس قوي لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو".

العقوبات على ظريف

ونقلت المجلة عن تريتا بارسي، نائبة المدير التنفيذي لمعهد "كوينسي" قولها: "إن لمن السخف أن يدّعي شخص ما رغبته في الفوز بكأس العالم، في الوقت الذي يقوم فيه بقطع قدميه ويعاقب الفيفا".

وذكر التقرير، أن وزير الخزانة الأمريكي، ستيف منيوشن، قد أصدر قرار بمنع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، من القيام بأية أنشطة اقتصادية في الولايات المتحدة أو مع الأمريكيين.

واستشهد الوزير الأمريكي، بحسب التقرير، بقرار ترامب التنفيذي رقم (13876)، الذي وقعه في 24 يونيو/حزيران الماضي، وينص على منع أي شخص يعينه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية كمسئول دولة إيراني أو رئيس كيان تابع لإيران من مزاولة أية أنشطة اقتصادية في الولايات المتحدة أو مع الأمريكيين، معللا ذلك بسلطة ترامب الممنوحة له بالقيام بذلك، نظرا لأن العلاقات الأمريكية الإيرانية تم توصيفها منذ عام 1995 أنها في حالة طوارئ.

ولفت التقرير إلى أن "وزارة الخزانة الأمريكية كانت قد زعمت أن وزارة الخارجية الإيرانية تقوم بالتنسيق مع أحد أخطر الكيانات الإيرانية وهو: فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني".

ونقلت المجلة، عن باربرا سلافين، مديرة "المجلس الأطلنطي لمستقبل المشروع الإيراني"، أن إدارة ترامب كانت قد صنفت الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية في أبريل/نيسان 2019، وتُعد المرة الأولى التي تُصنف فيها الولايات المتحدة مؤسسة عسكرية في دولة أخرى كمنظمة إرهابية، هي فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وأكد التقرير، أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد اشتكت في بيانها من أن وزارة الخارجية الإيرانية ليست فقط الذراع الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية، بل تُعتبر وسيلة لتنفيذ سياسات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية التي تؤدي في النهاية الى زعزعة الاستقرار.

تناقض الإدارة الأمريكية

وبحسب حديث تري سينا توسي، الباحثة في المجلس القومي الأمريكي الإيراني لـ"ناشيونال إنترست"، فإن هناك تناقضا داخل الإدارة الأمريكية، ففي الوقت الذي قالت فيه وزارة الخزانة أنها فرضت عقوبات على ظريف نظرا لقربه من خامئني، يدّعي مسئولون أمريكيون، من وراء ظهر ترامب، أن وزير خارجية إيران ليس عاملا رئيسيا في صناعة القرار الإيراني، لذا فهم لا يفضلون التفاوض معه.

ونقلت المجلة عن باربرا سلافين، مدير المجلس الأطلنطي لمستقبل المشروع الإيراني، قولها إنه "إذا كنا نريد اتفاقا مع إيران فمن المفترض أنه (ظريف) سيقود المفاوضات، فلا يمكن للجانب الأمريكي أن يختار كبير المفاوضين الإيرانيين، كما أنه لا يجوز للجانب الإيراني أن يختار كبير المفاوضين الأمريكيين، وإن دل هذا الطرح على شيء، فإنما يدل على قصد تخريب الجهود الدبلوماسية من الذين قاموا بتقديم هذا الطرح، لانهم، وبشكل صريح، لا يريدون أن يروا اتفاقا جديدا بين الولايات المتحدة وإيران.

وأشار التقرير إلى أن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف رد على وزير الخزانة الأمريكي، حين قال: إن العقوبات ليس لها أي تأثير عليه أو على عائلته، لأنه لا يوجد لدية أية ممتلكات خارج إيران، كما أن ظريف شكر الوزير الأمريكي بقوله: "شكرا لأنك تعتبرني تهديدا كبيرا لأجندتك". وأضاف في تغريدة على موقع "تويتر" إن "الحقيقة بالفعل مؤلمة".

وبيّنت المجلة الأمريكية، أن وسائل الإعلام التي تديرها الحكومة الإيرانية كانت قد نشرت سخرية ظريف، فيما استغل السياسيون مزاعم وزير الخزانة مينوشي بأن ظريف ينشر دعاية النظام وتضليله في كل ربوع العالم.

وأشار التقرير إلى تصريح الرئيس الإيراني، حسن روحاني للتلفزيون الإيراني، الذي قال فيه إن "الولايات المتحدة، الدولة القوية والقوة العظمى التي تحكم العالم تبدو خائفة من تصريحات وزير خارجيتنا".

ونقلت المجلة عن عباس علي كدخوداي، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في إيران، الذي يشرف على العلاقات بين الحكومة والمرشد الأعلى قوله، إن "أمريكا لا تخشى فقط صواريخ إيران، بل كلماتها أيضا"، مضيفا "أن العقوبات المفروضة على جواد ظريف تعني أن ما يسمى بحرية التعبير الأمريكية هي مجرد  كذبة".

ونوهت المجلة إلى أنه في الوقت الذي استنتج فيه محسن زرقش، محامي العقوبات، أن هناك اتجاها قويا لدى الإدارة الأمريكية أنهم بالفعل غاضبون من استخدام ظريف لموقع "تويتر" باللغة الإنجليزية وتغريداته، خاصة حينما قام بزيارة مقر الأمم المتحددة بنيويورك، حيث التقى المشرعين الأمريكيين، وأجرى لقاءات إعلامية مع مختلف وسائل الإعلام، بما في ذلك "ناشونال إنترست".

وحذر زرقش قائلا لـ"ناشونال إنترست" يمكن القول إنه من غير القانوني مقابلة ظريف أو استضافة حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي الآن. "أعتقد أنه يمكن القول أنه يكفي مساحة رمادية، مضيفا أنه إذا كنتُ إعلاميا أمريكيا فسأسعى للحصول على دليل للاسترشاد به حيال هذا الأمر، وأن السؤال يجب أن يكون: " هل من الممكن أن تتحمل وسائل الإعلام الأمريكية تبعات استضافة مسؤول إيراني فرضت عليه الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية؟"

وأكد التقرير، أن موقع التواصل "تويتر" كان قد رفض طلبا للتعليق على حساب وزير الخارجية الإيراني ظريف، لأسباب تتعلق بالخصوصية والأمان.

ماذا قال ظريف؟

وصرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لـ"ناشونال إنترست" فيما يخص قُدرة ظريف على مخاطبة الأمم المتحدة، قائلا: "إن الولايات المتحدة ستواصل الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية مقر الأمم المتحدة، حيث يمكن للأفراد المعنيين بمخاطبة الأمم المتحدة السفر إلى الولايات المتحدة دون التعرض لمخاطر الاعتقال أثناء ممارسة وظائفهم وسفرهم من وإلى الولايات المتحدة".

في حين استشهدت باربرا سلافين للمجلة، بتأخير حصول ظريف على التأشيرة عند حضوره اجتماعات الأمم المتحدة قبل أسبوعين، بالقول: "يمكن للولايات المتحدة أن تجعل الأمر صعبا أو مهينا بالنسبة إلى ظريف. "وفي فبراير/شباط 2018، رفضت سلطات المطارات في ألمانيا إعادة تزويد طائرة ظريف بالوقود"، مشيرة إلى "عدم اليقين بشأن العقوبات الأمريكية المفروضة على الحكومة الإيرانية، حتى وافق الجيش الألماني على توفير الوقود بنفسه".

وأشار التقرير إلى ما قاله هاري روما، المحلل في السياسة الإيرانية والإسرائيلية في مجموعة "أوراسيا"، إن "من المرجح أن الصقور في الإدارة دفعوا في اتجاه فرض العقوبات الأخيرة على ظريف كمحاولة أخرى لتقييد ترامب، الذي سخر من فكرة التفاوض مع إيران في الماضي، ففي خلال زيارته الأخيرة للأمم المتحدة ، التقى ظريف مع السناتور راند بول ، الذي حظي بمباركة ترامب العلنية لبدء مفاوضات جديدة".

وأعرب بول في حديثه لـ"فوكس نيوز" عن اعتقاده بأن "الدبلوماسية فكرة جيدة، وأعتقد أنه إذا كانت العقوبات ستنجح، يجب عليك أيضا التحدث عن رفعها، لذلك أعتقد أن النقاش الآن، نظرا لأن لدينا أقصى ضغط على إيران والعقوبات القصوى على إيران، يتعين علينا الآن أن نقول ما الذي يجب أن نفعله لرفع بعض من هذه العقوبات".

وفي مقابلة حصرين مع "ناشونال انترست" قال ظريف: "لقد التقيت بأعضاء من الكونجرس، ولكنني لا أعلق على لقاءات محددة بأعضاء محددين للكونجرس، فأعضاء الكونجرس وأعضاء مجلس الشيوخ أو مجلس النواب ليسوا أحزابا نتفاوض معها، ولكنهم الممثلون الشرعيون للشعب الأمريكي الذي نحترمه ، ونحن معنيون فقط بإظهار الحقيقة، وليس المفاوضات، فإننا في النهاية لا يمكننا التفاوض سوى مع الحكومات".

من جهتها، أوضحت تري سينا توسي، الباحثة في المجلس القومي الأمريكي الإيراني، في حديث للمجلة، أن الإيرانيين لا ينظروا إلى راند بول باعتباره مفاوضا يمكنهم الوثوق به لأنه يقول ما يُمليه عليه ترامب، مضيفةً أنه يجب أن يكون هناك شخص يتمتع بسجل حافل في الدخول في مفاوضات مع إيران".

وأشارت الباحثة للمجلة الأمريكية، إلى المبعوث  الخاص زلماي خليل زاد، الذي يشرف بنجاح على المفاوضات مع طالبان في أفغانستان، كنوع من الدبلوماسيين الذي من الممكن أن يكون ملائما لإنجاح المفاوضات.

وأكد التقرير، أنه بات من الراجح أن تميل الإدارة الأمريكية اتجاه الصقور، حيث أجرى جراهان بيل مفاوضات مكثفة مع مسؤولين ذوي مكانة رفيعة في الإدارة الأمريكية، حيث اقترح السيناتور بيل، أنه يمكن لدول الشرق الأوسط أن تمتلك سلاحا نوويا، شريطة أن تتولى الولايات المتحدة عملية تخصيب الوقود الإشعاعي.

صفقة جراهام

ونقلت المجلة، تصريحات عن السيناتور بيل، قال فيها "إن هذا الطرح يلائم دول الشرق الأوسط فيما عدا إسرائيل، وأنا هنا لا أتحدث عن إسرائيل، فهم في فئة خاصة بهم، حيث يرفضون الإشراف الدولي على برنامجها النووي، الذي يعتقد مسؤولون أمريكيون أنه يتضمن أسلحة نووية".

وبحسب التقرير، فإن الخبراء يقولون إن صفقة جراهام، التي من شأنها أن تحول البرنامج النووي الإيراني  إلى قوة منافسة مع السماح في الوقت نفسه بالنمو لترسانة العدو الإستراتيجي للولايات المتحدة بدلا من ذلك، قد يكون الاقتراح خدعة من الصقور لإجبار إيران على رفض المفاوضات.

وأوردت المجلة عن تريتا بارسي، قولها: "لقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أنه من السيء النظر إليهم باعتبارهم يريدون الدبلوماسية ، في الوقت الذي لا يقدمون شيئا للمفاوضات يُمكن أن يُؤخذ على محمل الجد"، في إشارة الى وزير الخارجية الأمريكي، ماىيك بومبيو ومستشار الأمن القومي، جون  بولتون، وكلاهما من المتشددين ضد إيران.

وأضافت بارسي: "إنهم يحتاجون إلى شخص مثل ليندسي جراهام، لأنهم يستطيعون أن يثقوا تماما في أن كل ما يطرحه سيكون بلا هوادة بحيث لا داعي للقلق بشأن الدبلوماسية الجارية فعليا".

وأردفت: "إنهم يريدون خيارا دبلوماسيا غير فعّال لا يأتي من بومبيو أو بولتون فقط من أجل ملئ الفراغ، ويفضلون ترامب بذلك إذا كان حريصا حقًا على الدبلوماسية، وأن فكرة أن ليندسي جراهام سوف يتبع دبلوماسية جادة هي فكرة مضحكة. إنه شخص له سجل حافل في دفع الأمور نحو الحرب طوال الوقت ".

ونقل التقرير عن السناتور المحسوب على الصقور وصفه الجمهورية الإيرانية، بأنها نظام استفزازي، وعدو للبشرية، محذرا إيران بالقول: "أنهم يجب أن يستعدوا لألم شديد".

وبحسب المجلة، فقد اتفق كلا من سلافان وتوسي، أن خطة جراهام بيل لا يمكنها التحرك للأمام قدما واحدا، كانا قد تكهنا أن يكون طرحه مجرد مقدمة ليحل محل مايك بومبيو، إذا قرر الأخير الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ في 2020.

وأوضحت بارسي، بحسب التقرير، أنه "إذا كان هذا هو التفسير، فهذا يعزز أن جراهام لا علاقة له على الإطلاق بالدبلوماسية الفعلية، سيكون هذا الأمر بالنسبة له ليختبر مدى فاعليته في التأكد من عدم نجاح الدبلوماسية".

وأشارت المجلة في نهاية تقريرها إلى أن إيران وافقت على الخضوع لعمليات التفتيش الدولية لبرنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات في الاتفاق النووي عام 2015، وخطة العمل الشاملة المشتركة، مع إدارة أوباما، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي. لكن في عام 2017، انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق، مطالبة "بصفقة أفضل" وفرض "أقصى قدر من الضغط" على الاقتصاد الإيراني.

واختتمت تقريرها نقلا عن سلافين قولها، إن "سياسة الإدارة غير متماسكة تماما فهم لن يحققوا أي شيء، لكن لها عواقب حقيقية، لأنها تضعنا على طريق يُحتمل أن يكون خطيرا للغاية مع إيران يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الدبلوماسية، ولكننا نسير في الاتجاه المعاكس".