تغريم "فيسبوك".. كيف أصبحت التكنولوجيا تحت أقدام الساسة؟

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

من جديد تطفو فضائح عملاق التواصل الاجتماعي "فيسبوك" على السطح، بعد تغريم الشركة 5 مليارات دولار، على خلفية فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا"، الخاصة بانتهاك خصوصية المستخدمين، والتي هزت العالم العام الماضي، لاطلاعها على بيانات 87 مليون مستخدم.

وليس ببعيد عن تلك الفضيحة، فضائح أخرى ثبت فيها تعاون "فيسبوك" مع أنظمة الحكم الديكتاتورية خاصة في العالم العربي لملاحقة الناشطين والمعارضين، والتحكم فيما ينشر على الموقع.

ثمن الانتهاك

تتويجا لتحقيقات مطولة وافقت أخيرا لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية (FTC) على تسوية قيمتها نحو 5 مليارات دولار بشأن التحقيق في أخطاء تعامل الشركة مع خصوصية بيانات المستخدمين فيما يتعلق بفضيحة "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica) لعام 2018.

وأفادت التقارير محل التحقيق بأن "فيسبوك" تبادلت على نحو غير ملائم البيانات الشخصية لأكثر من 87 مليون مستخدم مع الشركة البريطانية للاستشارات السياسية التي تم إشهار إفلاسها، وهو ما ينتهك اتفاقا يعود لعام 2011 بين "فيسبوك" والهيئة التنظيمية.

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن من المتوقع أن تتضمن التسوية قيودا حكومية على طريقة تعامل "فيسبوك" مع البيانات الشخصية للمستخدمين، فيما دفعت تلك الأنباء أسهم فيسبوك للصعود.

تلك الغرامة تعد الأكبر التي تفرضها اللجنة الفيدرالية على شركة تكنولوجيا، حيث كانت أكبر غرامة تعرضت لها شركة تكنولوجيا هي 22.5 مليون دولار ضد شركة "جوجل" عام 2012 بسبب ممارسات الخصوصية.

وقد تؤدي التسوية إلى إشراف فيدرالي غير مسبوق على الشركة، حيث من المتوقع أن تتضمن التسوية قيودا حكومية أخرى على كيفية تعامل "فيسبوك" مع خصوصية المستخدم، وتمثل الغرامة نحو 9 بالمئة من إيرادات "فيسبوك" لعام 2018 أو ربع أرباحها للعام نفسه.

بدأت لجنة التجارة الفيدرالية التحقيق مع "فيسبوك" في شهر مارس/آذار 2018، وذلك بعد ظهور تقارير تفيد بأن شركة الاستشارات السياسية "كامبريدج أناليتيكا" قد وصلت بشكل غير صحيح إلى بيانات 87 مليون مستخدم على "فيسبوك".

"كامبريدج أناليتيكا"، عمدت للوصول إلى البيانات من خلال تطبيق اختبار يسمى (This is Your Digital Life) والذي جمع المعلومات عن الأشخاص الذين قاموا بتثبيته وكذلك أصدقاءهم، وهو شكل من أشكال جمع البيانات التي سمحت بها فيسبوك بموجب نسخة سابقة من سياسة الخصوصية.

استغلت المؤسسة هذه البيانات لدراسة وفهم وتحليل شخصيات المستخدمين، وتوجهاتهم السياسية المحتملة، وبالتالي التأثير بشكل غير مباشر على قرارات أكثر من 50 مليونا من الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أواخر 2016.

مداراة الفضيحة

بعد تلك الفضيحة بشهرين وتحديدا في مايو/أيار 2018، سعت "فيسبوك" إلى تحسين صورتها فقررت حذف مئات الملايين من الحسابات الوهمية المزيفة، وكانت الرسائل المزعجة والحسابات المزيفة هي الأكثر انتشارا في الربع الأول من هذا العام، حيث أزالت "فيسبوك" نحو 837 مليون رسالة غير مرغوب بها، كما تمت إزالة 583 مليون حساب مزيف.

وبالإضافة إلى ذلك استطاعت الشركة إزالة 21 مليون منشور يضم "عري ونشاط جنسي"، و3.5 مليون منشور يضم محتوى عنيفا، و2.5 مليون مثال على خطابات الكراهية، و1.9 مليون منشور يضم محتوى إرهابيا.

وفى بعض الحالات، نجحت أنظمة "فيسبوك" في العثور على المنشورات الجديدة ووضع علامة على المحتوى قبل أن يتمكن المستخدمون من الإبلاغ عنها، وقد رصد هذا النظام ما يقرب من 100 بالمئة من الدعاية ضد الرسائل "الاقتحامية" و"الإرهابية"، ونحو 99 بالمئة من الحسابات المزيفة ونحو 96 بالمئة من المشاركات التي تنطوي على عري ونشاط جنسي.

أما بالنسبة للعنف بالفيديوهات والصور، فشكلت تقنية "فيسبوك" 86 بالمئة من التقارير، ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بالمحتوى الذي يحض على الكراهية، فإن تكنولوجيا الشركة قد حددت فقط نحو 38 بالمئة من المشاركات التي اتخذت إجراء بشأنها.

الغالبية العظمى من الحسابات المزيفة التي جرت إزالتها كانت تستخدم لأغراض حشد الرأي العام والإعلان عن أفكار مختلفة ضد سياسة الموقع أو للتأثير في نتائج الانتخابات والأحداث الدولية المختلفة.

جاءت تلك الخطوة بعد نحو شهر من الشهادة التي أدلى بها مؤسس الشركة ورئيسها مارك زوكربيرج أمام الكونجرس الأمريكي، بشأن قواعد الخصوصية وحماية بيانات المستخدمين عبر فيسبوك، على خلفية فضيحة "كامبريدج أناليتيكا".

خادم الديكتاتوريات

وبقدر ما شكّل "فيسبوك" ثورة في عالم التواصل الاجتماعي، بقدر ما كان سلاحا تستخدمه أنظمة الحكم الديكتاتورية، خاصة في العالم العربي، لتوجيه الرأي العام بما يتوافق مع مصالحها وأغراضها.

التقارير التي تحدثت عن الاستغلال الحكومي لبيانات مستخدمي فيسبوك، تعددت خاصة بعد ارتفاع شعبيته بدءا من عام 2010، من بين ذلك ما صرح به "جوليان أسانج"، صاحب موقع "ويكيلكيس" حين وصف "فيسبوك" عام 2011 بـ"أكبر آلة تجسس مروعة اختُرعت على مدار التاريخ".

ورغم أن "فيسبوك" لا يخفي طلبات الحكومات للحصول على بيانات بعض المستخدمين، لكن استخدام الحكومات لا يتركز فقط في مطالب رسمية، بل باتت الحكومات تستخدم الموقع للدعاية لها وللتأثير على الرأي العام، بحسب تقارير إعلامية.

ففي وثيقة نشرتها وسائل إعلام عن القسم التقني في "فيسبوك" عام 2017، يتحدث هذا القسم عن تقنيات تستخدم من حكومات ومنظمات لأجل نشر معلومات مضللة لأهداف سياسية، منها الأخبار الكاذبة، وتعميم المحتوى المضلل، واستخدام حسابات وهمية.

عربيا، ارتبطت ثورات الربيع العربي ارتباطا وثيقا بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك، الذي ساهم في اتساع دوائر المحتجين وتسهيل تواصل قادة الحراك في الشارع مع وسائل الإعلام العالمية، إلى حد وصف فيه تقرير لمعهد السلام في الولايات المتحدة عام 2012، أن هذه الشبكات كانت آلية سببية مهمة في الانتفاضات.

لكن الكثير من الأنظمة العربية استطاعت اللحاق بالتكنولوجيات الحديثة بعدما باغتها استخدام الشعوب لها لأجل الاحتجاج ورفع منسوب الوعي بالحقوق الأساسية، فلجأت إلى عدة طرق للدعاية، منها خلق صفحات رسمية وغير رسمية على المواقع الاجتماعية تتغنى بالحكام والمسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين المقرّبين من دوائر القرار.

تطور الاستخدام لاحقا، فلجأت جهات داخل السلطة بأكثر من بلد عربي إلى تقنيات متعددة لخلق رأي عام في الشبكات الاجتماعية ضد الآراء التي تنتقد الأوضاع، ومن ذلك "الذباب الإلكتروني" الذي يعني خلق آلاف الحسابات الوهمية عبر طرق برمجية بسيطة.

تتكفل هذه الحسابات بنشر تعليقات، تتكرر من حيث مضمونها، على صفحات المواقع الإخبارية والشخصيات المؤثرة، تتمحور كلها حول مساندة السلطة أو طرف فيها، أو تصفية حسابات سياسية داخل الدولة ذاتها أو على المستوى الخارجي.

كما تقوم هذه الحسابات الوهمية بالترويج لوسم (هاشتاج) معين يخدم مصالح من يحرّكها، حتى يصعد في السلم الأكثر تداولا، ثم تقوم وسائل إعلام، أغلبها يدور في فلك السلطة، وبعض منها ينشر عن حسن نية، بإنجاز تغطيات عن هذا الوسم باعتباره رأيا عاما في قضية معينة، وفضلا عن ذلك، تقوم هذه الحسابات بحملات تبليغ واسعة عن حسابات المعارضين حتى يتم إغلاقها.

فضائح بالجملة

ومن بين الفضائح التي يتورط فيها موقع "فيسبوك" ما توصلت إليه مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في 2016، حيث رأت أن منصات التواصل الاجتماعي تدعم الحكومات أكثر مما تدعم مناهضيها، وتقوض الديمقراطية أكثر مما تبنيها.

وأشارت إلى أن الزيادة المذهلة لحركات المقاومة السلمية جاءت قبل اكتشاف الإنترنت، وهو الأسلوب الذي حظي بوجود واسع النطاق، وتحديدا على يد غاندي، الذي روّج لنظرية "المقاومة السلمية"، ففي حين أن نحو 70 بالمئة من حملات المقاومة السلمية نجحت خلال تسعينيات القرن الماضي في تحقيق ما تصبو إليه، فإن 30 بالمئة منها فقط نجح منذ عام 2010.

في حين يستخدم الناشطون وسائل التواصل لنشر خروقات الحكومة، فإن العدد الأكبر من مستهدفي الحشد يقع ضحية هذا الترويج، وتشير تقارير حديثة إلى أن أقسام الشرطة المحلية في أمريكا تراقب وسائل التواصل الاجتماعي لجمع البيانات حول المناطق التي تعمل بها.

في الماضي كان يجب على الحكومة تخصيص قدر كبير من مواردها للكشف عن المعارضين، لكن في يومنا هذا يشجع المناخ الرقمي الناس على الإعلان بكل فخر عن معتقداتهم وهوياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية؛ ما يتيح للجهات الأمنية وهيئات إنفاذ القانون استهدافهم بفعالية، بحسب التقرير.

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها أثر عكسي في فض الحشود والتجمعات عن طريق تمكين العناصر المسلحة من تهديد أو حتى تنسيق أعمال عنف منظم ضد الناشطين.وعلى مدار السنوات الماضية، كشفت العديد من التقارير الإعلامية أن تطبيق "فيسبوك" يتجسس على مستخدميه، حيث يأخذ وهو مفتوح كلمات محددة من أحاديثهم ثم يحولها إلى إعلانات، إذ يقوم بتفعيل "المايكروفون" في هاتفك المحمول، بحيث يبقى مفتوحا يستمع لأحاديثك ويعطيك الإعلانات المتطابقة مع اهتماماتك.

صحيفة "الإندبندنت" البريطانية نبهت قراءها إلى ذلك قبل أشهر عديدة، مشيرة إلى أن الخاصية موجودة منذ نحو عامين لكن قليلا من المستخدمين من انتبه لها. في 2012، أزاح "جو سوليفان" كبير مسؤولي الحماية في "فيسبوك"، حينها، عن قيام الشركة باستخدام تقنيات تقوم وبشكل آلي بمراقبة رسائل الدردشة ومختلف مشاركات المستخدمين ضمن الموقع بحثا عن أية نشاطات إجرامية.

وتقوم تقنية المراقبة الآلية هذه بتحديد المحتويات المشكوك بها بحيث يقوم موظفون مختصون بالاطلاع عليها لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ومنها الاتصال بالشرطة في حال توجب ذلك.