"بساتين الذهب".. هل أدرك اليمنيون أخيرا أضرار القات؟

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

انطلقت مؤخرا، حملة شبابية أطلق عليها "بساتين الذهب" لزراعة البن في مناطق ريفية بمحافظة إب اليمنية، تسعى بحسب القائمين عليها، إلى زراعة 10 ألف شجرة بُن ، وتهدف إلى إيقاف تمدد زراعة القات، التي تنتشر على نحو متصاعد في عدد من محافظات البلد.

وقال القائم على الحملة محمد الفضلي، في حديث لـ"الاستقلال": إن "الحملة تتم بجهد شبابي من أبناء الريف ولا تتلقى أي دعم رسمي أو حكومي، وتأتي استشعارا من الشباب لقيمة الأرض، سواء المهدرة وغير المستغلة، أو الأراضي التي يتم زراعتها بالقات".

تأتي الحملة، بحسب الفضلي، كجهد استباقي للحيلولة دون زراعة الأراضي بالقات، التي بدأت تتمدد وخاصة في أراض زراعية ومحميات طبيعية، كمحمية عتمة، ووادي عنة الخصيب المليء بأشجار المانجو والجوافة، مؤكدا: زرعنا حتى الآن 400 شجرة بن، وهدفنا هو 10 آلاف، وهو هدف سوف نصل إليه بعون الله .

زمام المبادرة

لم تكن هذه الحملة هي الوحيدة، فقد سبقتها حملات عدة، كان أولها وأشهرها الحملة التي دعا إليها في العام 2013  زعيم طائفة البهرة السابق محمد برهان الدين، وقد لاقت تلك الدعوة ترحيبا كبيرا من أبناء طائفة البهرة في منطقة حراز ومناخة، غرب العاصمة صنعاء، حيث تقطن الأقلية الإسماعيلية.

ومثّلت هذه الحملة سبقا على مستوى اليمن كاملا، إذ كانت هي المبادرة الأولى لحملة من هذا النوع، وقد تم قلع ما يزيد على 325 ألف شجرة قات، وغرس البن واللوز وبعض الفواكه الأخرى، بديلا عنها. 

شهدت تلك الحملة نجاحا مشهودا، وكان الدعم المادي المقدم من قبل سلطان طائفة البهرة وراء ذلك النجاح، يقول عبدالله شغدر أحد أبناء طائفة البهرة في حديث لـ"الاستقلال": إن "السلطان برهان الدين، قدم دعما ماديا ومعنويا لقلع شجرة القات، وقدم مبلغا ماليا يغطي حاجة المزارع لحين بدء حصاد ثمرته الأولى من البن، وهو الأمر الذي لاقى ترحيبا، وشجع على تنفيذ الفكرة، ومن ثم نجاحها".

تلت تلك الحملةَ حملاتٌ عدة في المنطقة ذاتها في العام 2018، وامتدت إلى عدة مناطق أخرى شملت عددا من المناطق اليمنية مثل همدان التابعة لمحافظة صنعاء ووادي بنا التابعة لمحافظة إب.

العودة إلى البن

كانت اليمن المصدر الأكبر والأول للبن في العالم منذ القرن الخامس عشر ميلادي، ويعد بن "موكا" أشهر أنواع البن اليمني، وقد سمي "موكا" نسبة إلى مدينة "المخا" الساحلية اليمنية، التي كانت تعد قديما الميناء الرئيسي لتصدير البن إلى جميع أنحاء العالم. 

غير أن الوضع الاقتصادي في اليمن كان أحد الأسباب الذي جعل الناس تعزف عن زراعة البن، لاحتياجه وقتا طويلا يصل لسبع سنوات، حتى يتم حصاد الثمرة الأولى، بخلاف القات الذي يؤتي ثمره في الأشهر الأولى لزراعته، ويمكن قطف ثمرته عدة مرات في السنة الواحدة، تصل لسبع مرات في بعض الأحيان، ما يضمن عائدا ماديا فوريا و سريعا.

يتوق كثير من اليمنيين إلى العودة لزراعة البن، ربما لإدراك بعضهم للأضرار التي تسبب بها القات، فمن ناحية يستهلك القات كميات كبيرة من المياه، وهو ما يهدد باستنزاف المياه الجوفية، ومن ناحية أخرى، يتسبب بأضرار اقتصادية، على المستوى الفردي على الأقل، إذ أن نسبة كبيرة من دخل المواطن اليمني المتعاطي يتم إنفاقها على القات، وهو ما يؤثر على تلبية احتياجات العائلة، بالإضافة إلى الأضرار النفسية والصحية والاجتماعية. 

قال عبد الوهاب يحيى، وهو فلاح يمتلك مزارع عدة للقات بريف محافظة إب، في حديث لـ"الاستقلال"، أرغب بقلع القات، وغرس البن، غير أنه يتوجب عليّ الانتظار لسنوات عدة حتى أجني الثمرة الأولى من البن، فضلا عن الميزانية التي أحتاجها لتغطية نفقة نزع الآلاف من أشجار القات لدي، وشراء شتلات البن، فكيف يمكن تغطية هذه الفجوة؟ لا يمكن لذلك أن يتم إلا بدعم حكومي، وهذا غير قابل للتحقق حاليا، في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها البلد.

حصار البن

مع أن الدعم الحكومي غائب في التشجيع على زراعة البن وتصديره، إلا أن مبادرات فردية قد أخذت زمام المبادرة، وقامت بتصدير البن، ونالت شهرة عالمية في تسويق وتصدير البن اليمني ذي الجودة العالية، ولعل أبرز تلك الشخصيات التي أسهمت بإعادة البن اليمني للعالمية الشاب حسين أحمد، مالك شركة "صائد البن"، الذي نجح بتسويق البن اليمني في الأسواق الأمريكية، وخاصة في ولاية كاليفورنيا، وقد تناولت قصته صحيفة "فوربس" الأمريكية ووضعت صورته على غلاف الصفحة الأمامي.

وكان تقرير لموقع "ميدل أيست آي"، قد ذكر في مقابلة مع حسين أحمد، أن تسويق البن اليمني وإعادته للعالمية ليست مهمة مستحيلة، وإن كانت صعبة، خصوصا بعد الحصار المفروض على اليمن من قبل السعودية ودول التحالف، يقول أحمد: الحصار لم يصعب علينا تصدير منتجاتنا فقط، بل ساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج، بجانب نقص الوقود والمياه، وهما عاملان مهمان في الزراعة، كما أن النقل أصبح مكلفا للغاية. 

وعن آمال عودة البن للريادة في اليمن، تحدث  الشاب حسين أحمد لـ"الاستقلال"، قائلا: احتكر اليمنيون زراعة وتصدير البن لمدة ثلاثة قرون، من القرن الخامس عشر وحتى القرن الثامن عشر، غير أن البن اليمني مر بنكسات اقتصادية متأثرة بالحروب، لكن يمكن القول إن البن مازال يحمل خصائص التميز عن بقية البن في العالم، ولا يدرك هذا إلا من تذوق جميع أنواع البن.

وأضاف أحمد، أن البن اليمني متميز، لا أجامل بهذا منتج بلدي، لكنه بشهادة خبراء ومتذوقين عالميين، وأنا على ثقة بأنه سينهض من جديد، غير أنه لا يمكنه تغطية الطلب العالمي المتزايد، فالعالم يحتسي يوميا مليارين ونصف من القهوة يوميا، وإذا استطاع البن اليمني تأمين 5 مليون فنجانا يوميا، فهذا جيد.

وعن الصعوبات التي تواجه مزارع البن، أوضح حسين أحمد: "لا يتلقى المزارعون أي دعم أو تشجيع حكومي أو رسمي، وكل الجهود الذي يقومون بها في زراعة وإنتاج البن وتسويقه، كلها جهود شخصية فردية، مع أنه منتج ارتبط باسم اليمن، ويفترض أن تعمل الدولة على تشجيع ودعم المزارعين، ولو دعمت الدولة تسويق البن، لحصل المزارع على عائد مالي يفوق العائد الذي يجنيه المزارعون من القات، وهو ما يحصل حاليا مع بعض المزارعين، لقاموا من تلقاء أنفسهم بقلع القات".

صراع الأيام

كان أنصار البن والداعون إلى قلع القات، قد دشنوا "يوم البن"، وهي احتفائية سنوية يتم الاحتفاء بها على مواقع التواصل الاجتماعي، وينشر فيها ملصقات توعوية بأضرار القات، وفي مقابل ذلك دشن أنصار القات يوم "الغصن" في إشارة إلى غصن القات، وهو يوم سنوي دشنه المناصرون للقات الذين يتهمون أنصار البن بمثاليتهم في فكرتهم وبعدهم عن الواقع في دعواتهم لمقاطعة القات.

وفي مقابل من يتحدث عن سوء القات وأضراره، هناك من يتحدث عن مزاياه، وخاصة المزايا الاقتصادية التي تتمثل بتوفير آلاف فرص العمل، ابتداء من زراعة القات ورعايته، وحتى قطفه ونقله وتسويقه، وكذلك العائد المادي الذي تقوم الحكومة بتحصيله كضرائب على القات، على سبيل المثال بلغ حجم ضرائب القات في محافظة ذمار فقط، لشهر مارس الماضي 488 مليون ريال (الدولار 580 ريال)، وقس على ذلك بقية المحافظات.

من جهته، قال الأستاذ المختص في علم الاجتماع ناصر أبو أصبع لـ"الاستقلال": إن "القات ليس بذلك السوء، لقد أخذ سمعة سيئة أكثر من حجمه، وربما لأن اليمن هي الدولة الوحيدة التي تزرعه، وإلى حد ما أثيوبيا، فبخصوص كونه مخدرا، يدمن عليه من يتعاطاه، يمكنني الرد بأن من يسافر خارج اليمن، يتوقف عن تعاطيه، ولا يحصل له ما يحصل للمدمنين على أي عقار مخدر، بل يعيش بشكل طبيعي للغاية".

وأضاف: "عند تعاطي القات يبقى بكامل وعيه وقدراته الذهنية، يمكنني القول إن القات شأنه شأن الكافيين في القهوة أو الشاي، يحتوي على مادة منبهة ومحفزة، وإن كان من ضرر للقات، فهو ضرر غير مباشر، ليس في القات بذاته، بل بظروف تتعلق به، فبعض المتعاطين للقات يسرفون في شرائه، بشكل يمكن أن يؤثر على الوضع المادي للأسرة".

وتابع أبو أصبع: كما أن إهدار ساعات طويلة في تعاطي القات، ربما يتسبب باستهلاك وضياع وقت كان يمكن أن يستثمر في شيء مفيد، ولا خلاف في ترشيد استهلاك القات، أما عن الدراسات التي تتحدث عن أضرار القات الكيميائية فهي مسألة نسبية، إضافة إلى أن عددا من دراسات الأمس نقضتها دراسات حديثة.

وأشار إلى أن فكرة نزع القات، فكرة مثالية للغاية، أقصد بأنها ليست واقعية، لست ضد قلع القات، إلا أنه لابد من التفكير ببديل اقتصادي، يغني عن القات الذي تعتمد عليه آلاف الأسر اليمنية.

أما الدكتور الشيخ عبدالإله الشعري، فيقول في حديث لـ"الاستقلال": إنه "عندما جاء الإسلام كانت هناك تجارة الرقيق، وبالرغم أنها فكرة تتعارض مع جوهر حرية الإنسان التي هي أساس الإسلام، إلا أن الإسلام لم يأت ليقطعها، لأنها كانت أساسا من أساسات الاقتصاد حينها، بل أتى وضيق المداخل ووسّع المخارج، على حد تعبير الشيخ محمد متولي الشعراوي، حتى آل الأمر إلى انتهاء هذه الظاهرة الاقتصادية والاجتماعية في آن".

وأردف: "كذلك الحال في القات، فهو يمثل عصب الحياة الاقتصادية لكثير من الأسر، ويجب دراسة إيجاد بديل، ويتطلب ذلك دعما حكوميا بصيرا ومتأنيا، وقادرا على حل هذه المشكلة".