قتل واغتصاب.. قصص مرعبة عن انتهاكات السعودية لحقوق الأطفال

شدوى الصلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مرتجى قريريص طفل سعودي اعتقل في سن الـ13 عاما وبقي رهن الاعتقال حتى تجاوز عمره اليوم الـ 18 عاما ووجهت له تهم من قبيل الإرهاب والتحريض على التمرد، وطالبت النيابة بقتله تطبيقا لحد الحرابة، فيما تعتزم السلطات السعودية تنفيذ حكم الإعدام بحقه على خلفية مشاركته باحتجاجات الأقلية الشيعية (2011) عندما كان عمره 10 سنوات.

"قريريص" قبض عليه بعد مرور 3 سنوات على واقعة تنظيم 30 طفلاً مسيرة احتجاجية بالدراجات الهوائية في المنطقة الشرقية في السعودية، طالبوا فيها النظام السعودي باحترام حقوق الإنسان.

ويعد "قريريص" أصغر معتقل سياسي يتعرض لطلب الإعدام، بعد أن وضعه المحققون في زنزانة انفرادية شهرا كاملا، وتعرض للتعذيب وسوء المعاملة لإجباره على الاعتراف والحبس الانفرادي لأكثر من 15 شهراً.

بدورها، رصدت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تنفيذ 703 أحكام إعدام، منذ تسلم الملك سلمان الحكم، حتى آخر مايو/آيار 2019، تضمنت إعدامات طالت 10 قاصرين على الأقل- ينتمون للطائفة الشيعية- مؤكدة تعرض المحكومين لانتهاكات وخروقات عميقة للأنظمة المحلية والمعاهدات الدولية، إضافة إلى وقوع جرائم تعذيب متعددة، لم تنتج عنها أي محاسبات قانونية.

وأشارت المنظمة إلى أن السلطات السعودية عمدت إلى قطع رؤوس 6 قاصرين ضمن إعدام جماعي حصد 37 سجيناً تم تنفيذه في 23 أبريل/نيسان الماضي، بتهم أغلبها يتعلق بممارسة احتجاجات سلمية، مشيرة إلى أن التهم وجهت للقاصرين وهم في سن 16 و17 عاما.

ولفتت إلى تنفيذ إعدام جماعي في يناير/كانون الثاني 2016 - بعد عام من تولي الملك سلمان الحكم-، بحق 47 سجيناً، بينهم 4 قاصرين، وبحسب المنظمة، يقبع حالياً 3 قاصرين تحت تهديد تنفيذ حكم الإعدام، هم علي النمر وداوود المروهون وعبد الله الزاهر، ورابعهم "قريريص".

تسميم الأفكار

أقحمت السلطات السعودية الأطفال في الأزمة الخليجية مع قطر، التي بدأت منذ ‏5 يونيو/ حزيران 2017‏، بإصدار الرياض أغنية كارتون باسم "صب يا مطر بالدوحة وإذا غرقت مسموحة" تتضمن كلمات نابية وعبارات غير لائقة بالفئة العمرية التي تقدم لهم هذه الأغنية خدمة لأهداف سياسية ضد قطر.

الأغنية تضمنت ذما في أهل قطر، دون مراعاة للفئة العمرية التي يقدم لهم العمل الفني، مستخدمة الأطفال في صراع المصالح، واستخدم القائمون على العمل لحنا خليجيا شهيرا، لإضفاء نوع من الألفة مع نص وصف بالقبيح، يتضمن إشارات جنسية وكلمات تغتال البراءة في مستهل أعمارها.

قبلها بأشهر قليلة، بث فيديو من داخل إحدى المدارس السعودية، يستعرض خلاله أحد الطلاب معلومات تشيطن قطر وتتهمها بالإرهاب. كما بثت قناة روتانا الخليجية مقطعاً يقوم فيه ممثلون بالتأثير على عقول أطفال صغار، والترويج بأن قطر تدعم الإرهاب.

وبدورها، أدانت مؤسسة "سكاي لاين" الحقوقية الدولية استخدام وإقحام الأطفال في الأزمة الخليجية، ووصفت ذلك بأنه انتهاك جسيم لحقوقهم، ومخالفة شنيعة للقانون الدولي.

وشددت في بيان لها في يناير/ كانون الثاني الماضي، على أن "استخدام الأطفال وتحريضهم على تبنّي مواقف سياسية، ومن ثم توظيفهم في الصراعات بمختلف أشكالها، أو الضغط عليهم لتبنّي مواقف معينة وتحريضهم على كراهية الآخرين ورفضهم، هو انتهاك صارخ لطفولتهم، واستغلال ممنهج لمشاعرهم".

ويحظر القانون الدولي استغلال الأطفال في أية أحداث لنشر الكراهية وخطاب العنف، خاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1989، الأمر الذي يجعل من إنتاج هذا الشيء انتهاكاً لأبسط حقوق الأطفال، واستغلالاً لبراءتهم وحقهم في العيش في بيئة ملائمة يسودها الأمن والمحبة والاستقرار، وفقاً لما قرره الإعلان العالمي لحقوق الطفل عام 1959، الذي ينص في مادته العاشرة على أنه "يجب أن يحاط الطفل بالحماية من جميع الممارسات التي قد تدفع إلى التمييز العنصري أو الديني أو أي شكل آخر من أشكال التمييز".

تجنيد الأطفال

لم يكن ذلك القانون المتعلق بحقوق الطفل الوحيد الذي خالفته السعودية، فقد صادقت على البروتوكول الخاص بعدم إشراك الأطفال في الحروب عام 2011، لكنها تواجه اتهامات بتجنيد أطفال من دارفور السودان، واستغلال حاجة الفقراء في حربها على اليمن، وتجنيد الأطفال اليمنيين بطرق خفية للدفاع عنها، بحسب ما كشفه تحقيق استقصائي أجرته الجزيرة في أبريل/نيسان الماضي.

بعد أن فشلت السعودية في حماية حدودها من هجمات الحوثيين، لجأت إلى تجنيد المدنيين والأطفال بطرق ملتوية من داخل وخارج اليمن، وتوظيفهم للدفاع عنها في "البقع وكتاف وعلب" وباقي المنافذ الحدودية للمملكة.

على الحدود اليمنية السعودية جرى الترويج لمنطقة جغرافية تسمى البقع، تدور فيها معارك طاحنة بين جماعة الحوثي والتحالف السعودي الإماراتي وجيش "الشرعية"، وتبعد هذه المنطقة نحو 150 كيلومترا عن صعدة و100 كيلومتر عن نجران، وهي أحد المنافذ البرية التي تربط بين اليمن والسعودية.

وكل يوم يقتنص السماسرة فرصة للتغرير بالأطفال، دفعهم شظف العيش لترك ذويهم وحمل السلاح دفاعا عن حدود السعودية من التقدم الحوثي تجاهها، مقابل حفنة من المال تتراوح بين 1500 و3000 ريال سعودي، بعد أن يصبح جنديا وهميا في صفوف التحالف السعودي الإماراتي وجيش الشرعية.

وقالت الجزيرة إنها تمكنت من الحصول على فيديوهات حصرية، تثبت وجود الأطفال في الأماكن السابق ذكرها، وتحديدا جبهتي البقع وكتاف الحدوديتين مع السعودية.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته في ديسمبر/كانون الأول 2018، استقدام السعودية لمقاتلين من ولاية دارفور السودانية بينهم أطفال دفعهم العوز والفقر، مقابل آلاف الدولارات، للقتال إلى جانبها في اليمن، ضد الحوثيين.

لائحة العار

الرياض لم ترحم الأطفال في معاركها ضد الحوثي، إما بقصف مدارسهم وتجمعاتهم وتعطيل الدراسة أو استهداف حافلات تقلهم، أو استخدامهم كجنود مرتزقة بسبب الفقر والوضع القبلي.

كل ما سبق وغيره الكثير دفع الأمم المتحدة عام 2016، لإدراج التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، مع باقي الأطراف المتنازعة في اليمن على اللائحة السوداء السنوية "لائحة العار"، للدول والتنظيمات التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات.

المنظمة الأممية اتهمت التحالف بالمسؤولية عن نحو 60% من حالات وفيات وإصابات الأطفال المسجلة في اليمن خلال 2015، قبل أن يرفع اسمها من لائحة العار بعد تهديد المملكة وحلفائها بسحب ملايين الدولارات من تمويل الأمم المتحدة.

وفي 26 مايو/ آيار الماضي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مقتل 27 طفلا في أعمال عنف في اليمن، داعيةً إلى وقف استهداف المنشآت المدنية في هذا البلد.

وأوضحت المنظمة أنّ الأطفال قُتلوا في صنعاء التي تعرّضت لضربات جوّية من قبل التحالف العسكري، وفي تعز جنوب غربي اليمن قتل مدنيون في قصف استهدف محطة للوقود، قال المتمردون اليمنيون إن التحالف نفّذه، ودعت يونيسف إلى "وقف الهجمات ضد البنية التحتية المدنية"، معتبرة أنه "لا مكان آمناً للأطفال في اليمن، فالنزاع يُلاحقهم في بيوتهم ومدارسهم وملاعبهم".

تفاصيل صادمة

ومن تجنيد الأطفال اليمنيين وغيرهم واستهدافهم إلى تعرضهم لانتهاكات جنسية، حيث كشفت التقارير أن الصراع في اليمن جعل الأطفال عرضة للاغتصاب والاستغلال الجنسي وهو ما يعد من جرائم الحرب حيث يتحول الأطفال إلى فئة مستضعفة.

موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، كشف تفاصيل صادمة عن اغتصاب عناصر من حرس الحدود السعودي للعشرات من الأطفال اليمنيين، العاملين في مجال تهريب القات، ناشرا شهادات لعدد من الأطفال، وذويهم، كشفوا فيها التهديدات التي تعرضوا لها في حال كشفهم ما حدث.

الموقع أشار في تقرير منشور خلال مارس/آذار الماضي، إلى أن منطقة الحدود الشمالية اليمنية، بمحافظة صعدة، يمر منها قرابة 50 طفلا كل أسبوع، لتهريب القات وغيرها من السلع، وسبق أن ألقي القبض على المئات منهم، من قبل حرس الحدود السعودي، بحسب شهادات العديد من المهربين وتعرض العشرات منهم لاعتداءات جسدية وجنسية.

وكشف الموقع البريطاني، تواصله مع 11 طفلا قال 5 منهم: إنهم "تعرضوا للاغتصاب من قبل حرس الحدود السعودي". فيما أكدت منظمة العفو الدولية أن أطفالاً، بعضهم في عمر الثامنة، تعرضوا للاغتصاب في مدينة تعز اليمنية، مشيرة إلى الاشتباه بعناصر في المليشيات المدعومة من التحالف، وبأنهم لم يقدموا للمساءلة.

ونقلت المنظمة في تقرير نشرته في مارس/آذار الماضي، شهادات 4 أسر من الصبية تعرضوا للاعتداء الجنسي، أفادت أسر حالتين منهم بأن المسؤولين عن الاغتصاب أفراد مليشيات مدعومة من التحالف. وأكدت المنظمة اطلاعها على تقارير طبية تكشف وجود علامات على التهتك الشرجي في حالتين ممن تعرضوا للاغتصاب، وهو ما يتفق مع شهاداتهم.

وكشفت منظمات حقوقية أخرى، عن تعرض الأطفال داخل دور الملاحظة بالمملكة لاعتداءات جنسية متكررة، ويخشى أغلبهم من الإفصاح عما يتعرضون له، خشية التعذيب والمزيد من التنكيل، ومع إنعدام من الثقة في أن تقوم الأجهزة الحكومية بحمايتهم من الانتقام.

المنظمات الحقوقية تحدثت عن صعوبة التحقيق في هذه القضايا ومحاسبة الجناة، بسبب ممارسة التعذيب في دور الملاحظة، وسياسة حماية موظفي الأجهزة القمعية، وتبعية القضاء للدولة، وغياب الإعلام الحر، وما يعيشه المجتمع المدني من ترهيب أدى لإقصائه بشكل كبير من المشهد العام.

اعتقال الرضع

في الشهور الأخيرة من حملها اعتقلت السلطات الكاتبة السعودية "خديجة الحربي" إحدى المدافعات عن قضايا المرأة والناشطات المعتقلات، وزوجة الكاتب المعتقل "ثمر المرزقي"، ضمن حملة اعتقالات طالت كتابًا ومدونين ونشطاء شنتها السلطات في 5 أبريل/نيسان الماضي.

القائم على صفحة "معتقلي الرأي" المعنية بالتعريف بالمعتقلين السعوديين كشف عبر تغريدة بتويتر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أن من بين المعتقلين في السجون السعودية، عشرات الأطفال والأحداث، منهم من يبلغ سنة وسنتين فقط من العمر، وأوضح أن هؤلاء الأطفال تم اعتقالهم مع والدتهم أو والدهم، ومنهم من يكون قد وُلد في السجن.

منع أطفال بالمملكة من السفر سياسة تتبعها الرياض كورقة ضغط على معارضيها بالخارج، كشف عنها الأكاديمي السعودي المقيم في لندن، الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، عندما كتب عبر حسابه بتويتر في مارس/آذار 2018، أن السلطات منعت أسرته وجميع أفراد عائلته وأطفاله الأربعة (تتراوح أعمارهم من 3 ـ 11 سنة) من السفر، مطالبا منظمات حقوق الإنسان بتوثيق هذا الانتهاك ومتابعته.

الناشط السياسي السعودي المعارض علي هاشم، قال: إن "القانون الدولي يعتبر اتخاذ الأطفال رهائن جريمة كبرى، مشيرا إلى أن النظام السعودي يتخذ أطفاله وأطفال "الغامدي" رهائن ويفرض عليهم الإقامة الجبرية في السعودية.

وسبق للسلطات السعودية أن منعت أطفال هاشم وأسرته من السفر، وأوقفت جميع الخدمات الحكومية المقدمة إليهم، للضغط عليه عبر تشتيت عائلته، مما عرض أطفاله لضغط نفسي كبير، مؤكدا أن كتبهم المدرسية لا تخلو من عبارات الشوق إلى لم شمل العائلة.

وقال حساب "معتقلي الرأي"، إنه تمت مصادرة جوازات سفر أطفال "هاشم" الخمسة، منذ يوليو/تموز 2017، وهم: الحسن (10 سنوات) والحسين (9 سنوات)، وزينب (8 سنوات)، والعباس (3 سنوات)، وفاطمة (سنتان).

تجاوز الخطوط

وبدوره، قال الدكتور عبد الله العودة نجل الداعية السعودي سلمان العودة، إن استخدام السلطات السعودية للأطفال في صراعاتها السياسية، طفرة استبدادية بسبب تجاوز الإدارة الحالية للخطوط الحمراء أخلاقياً وقبلياً ودينياً.

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" أن الإدارة السعودية تنتهك بشكل غير مسبوق أكثر الفئات الاجتماعية تهميشا وضعفا، في الوقت الذي تتحدث فيه عن "إصلاحات اجتماعية".

وأكد "العودة" أن التعامل غير الإنساني مع الأطفال بلغ ذروته ولم تكتف السلطات باستغلالهم للضغط على ذويهم عن طريق منعهم من السفر وتفتيش بيوتهم وغيرها، بل وصل إلى اعتقالهم والمطالبة بإعدامهم بسبب وجودهم في مظاهرات.

وقال علي الدبيسي، رئيس المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، إن أوضاع حقوق الأطفال في السعودية موضوعة في سياق التدهور العام لحقوق الإنسان.

وأكد في حديثه لـ"الاستقلال" أن الاتفاقات والقوانين الدولية المتعلقة بالطفل التي وقعّت عليها الحكومة السعودية لا يمكن مراقبة تطبيقها في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني، وعدم وجود فصل بين السلطات في البلاد.

وأشار "الدبيسي" إلى أن القضاء السعودي جهاز غير مستقل عن رؤية الدولة بل هو انعكاس لها، ومستمر في تبني أيديولوجية متطرفة تسوّق سجن الأطفال وإعدامهم متجاهلا دعوات وقف التعذيب والانتهاكات بحقهم.


المصادر