باستفتائها الجديد.. اسكتلندا قد تكتب شهادة وفاة بريطانيا العظمى

محمد العربي | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد ما يقرب من 5 أعوام على فشل تجربة انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى، أعاد خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، الأمل مرة أخرى للاسكتلنديين في أن يكونوا دولة مستقلة، وهو الأمل الذي ترجمته كلمات محددة لرئيسة الوزراء وزعيمة الحزب القومي الاسكتلندي نيكولا ستيرجن، تعليقا على أزمة البرلمان البريطاني مع حكومة تريزا ماي في أزمة البريكست، بأن "النظام البرلماني البريطاني بات معطلًا مما يحتم على اسكتلندا اتخاذ قرار بشأن مستقبلها".

الأربعاء 24 أبريل/ نيسان الماضي أعلنت ستورجن أن حكومتها ستطرح قريبا مشروع قانون يهدف إلى إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال عن بريطانيا خلال عامين، أملا في البقاء في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا.

وقالت ستورجن، إن "تصويت 62% من الاسكتلنديين لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي أصبح هباء". في إشارة إلى استفتاء أجري عام 2016 حول مغادرة الاتحاد الأوروبي، وصوّت فيه 52% من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بينما صوّت 62% من الاسكتلنديين للبقاء.

ووعدت رئيسة وزراء اسكتلندا بتقديم مشروع قانون لوضع القواعد لأي استفتاء على الاستقلال، معربة عن أملها في أن يتم تبني هذا المشروع قبل نهاية العام، مضيفة أن الحكومة ستعمل من أجل ضمان أن يكون للشعب الحق في الاختيار بشأن الاستقلال عن المملكة المتحدة خلال ولاية البرلمان الحالي التي تنتهي في مايو/أيار 2021.

ما طرحته ستيرجن، ليس جديدا على حزب القوميين الذي يسيطر على البرلمان، حيث كان مجال نقاش متواصل منذ أعلنت بريطانيا انسحابها من الاتحاد الأوروبي وفق خطة بريكست، وهو ما رفضته اسكتلندا، والتي اعتبرت الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فرصتها للانفصال عن الاتحاد البريطاني.

ورغم أن المجتمع الأوروبي على قناعة بأن اسكتلندا دولة شبه مستقلة، وتشارك دول الاتحاد في مختلف المناسبات السياسية والرياضية والاقتصادية، إلا أن انفصالها بشكل كامل عن بريطانيا، لا يحظى بدعم أوروبي، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي يضع كل من اسكتلندا وويلز إيرلندا الشمالية، ضمن اتفاق البريكست فيما يعرف بالحدود غير المنظورة.

هذا التشابك في الأحداث دفع بالعديد من التساؤلات عن مصير بريطانيا، وهل يمكن أن تقبل باستفتاء جديد لاسكتلندا يزيد من أوجاع وأزمات تريزا ماي، التي تواجه رياحا عاصفة بسبب البريكست، والخروج من الاتحاد الأوروبي، وهل يمكن أن تواجه اسكتلندا نفس مصير كتالونيا عندما أعلنت الانفصال عن أسبانيا نهاية 2017، أم أن الأوضاع في بلاد الضباب يمكن أن تكون مختلفة عن بلاد الأندلس.

لماذا الانفصال؟

التقارير التي تناولت الرغبة الاسكتلندية الجديدة اعتمدت على تصريحات رئيسة الوزراء ستيرجن التي قالت أمام برلمان بلادها: "السنوات الثلاث الأخيرة أظهرت لاسكتلندا بما لا يدع مجالًا للشك أن نظام وستمنستر بات معطلًا"، ونظام وستمنستر الذي قصدته ستيرجن، هو النظام الذي وضعه البرلمان البريطاني، خلال السنوات الأخيرة ليكون الحكم مركزيًا في لندن، وحكرا على البرلمان البريطاني، الذي من حقه فقط اتخاذ القرارات السياسية في المملكة المتحدة، دون أن يكون لبرلماني اسكتلندا أو ويلز دورٌ في رسم مصير تلك القرارات.

ويري المحللون أن هذا النظام الذي تسبب في أزمة البريكست مع الاتحاد الأوروبي، هو نقطة الضعف التي اعتمدت عليها رئيسة الوزراء الاسكتلندية عندما صرحت قبل عدة أيام قائلة: "مهمتنا الآن هو حشد الدعم للاستقلال.. وثقوا بأنه لا يمكن لأي حكومة في وستمنستر على الإطلاق الوقوف في وجه حق اسكتلندا في الاختيار"، وهي التصريحات التي جاءت بعد 48 ساعة من إعلان سابق لـ "ستيرجن" أكدت فيه أن حكومتها ستطرح قريبًا مشروع قانون يهدف إلى إجراء استفتاء جديد على استقلال البلاد قبل عام 2021.

هل تقبل الأم؟

ورغم أن رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، لم ترد على التصريحات الساخنة لزميلتها الاسكتلندية، إلا أن الإعلام البريطاني استحضر تصريحات سابقة لـ "ماي" أعلنت فيها أن الوقت غير ملائم لإجراء أية استفتاءات في المملكة المتحدة، ويشير صمت الحكومة المركزية وعدم ردها على دعوات اسكتلندا، إلى أن حكومة ماي لا تريد الدخول في أزمات جديدة، داخل مجلس العموم، إلا بعد التخلص من أزمة البريكست، والذي يرفض المجلس التصويت لصالحها، رغم تعهد ماي بتقديم استقالتها في حال صوت البرلمان على البريكست.

وتشير التحليلات التي تناولت تأثيرات أزمة البريكست على بريطانيا، إلى أن أي خطوة من شأنها تفتيت المملكة المتحدة في الوقت الراهن، سوف يكون لها تأثيرات سلبية إضافية على الصعيد الاقتصادي والسياسي، خاصة وأن اسكتلندا التي تعارض الخروج من الاتحاد الأوروبي، تمثل ثلث مساحة المملكة المتحدة، بالاضافة لقوتها البشرية التي تقدر بـ 6 ملايين نسمة، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الانفصال، حيث ستفقد الخزانة البريطانية ما يقرب من 250 مليار دولار، بخلاف الأزمة المتوقعة بين الجانبين حول الثروات النفطية في بحر الشمال.

أكدت دراسة أعدها الخبير الدولي في شؤون النفط وليد خدوري، عن أزمة استقلال اسكتلندا على الاحتياطات النفطية في بحر الشمال، إلى أن ما يقرب من 89% من الاحتياطات النفطية للمملكة المتحدة تتمركز في بحر الشمال وفي الجرف القاري الاسكتلندي خصوصاً، ما يعني ان الغالبية الساحقة من النفط البريطاني في بحر الشمال ستكون ملكاً لاسكتلندا في حال استقلالها. ولا خلاف حول ملكية الموارد البترولية في حال الاستقلال، بل حول كمية الاحتياطي البترولي المتبقي في بحر الشمال، ومدى إمكانية استفادة اسكتلندا منه مستقبلاً.

واعتمدت الدراسة على الأرقام الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية الدولية، والتي تشير إلى انخفاض معدل الإنتاج النفطي خلال السنوات الماضية في بحر الشمال، وحسب التقرير السنوي الإحصائي لمنظمة "أوبك" لعام 2013 فإن إنتاج بريطانيا من النفط الخام سجل عام 2008، 1.362 مليون برميل يومياً، وعام 2009، 1.301 مليون، وعام 2010، 1.202 مليون، وعام 2011، 1.006 مليون، وعام 2012، 868 ألفاً.

وحسب نفس الدراسة فإن قطاع النفط والغاز يعتبر أكبر جهة صناعية مستثمرة في المملكة المتحدة، حيث يوظف حوالى نصف مليون شخص.

ميزة لكنها أزمة

وذهبت تحليلات عديدة إلى أن المميزات التي تبحث اسكتلندا عنها من وراء الانفصال، هي نفسها التي سوف تمثل لها الأزمة، وهو ما فطن إليه المواطن الاسكتلندي في استفتاء 2014، حيث صوت 55% لصالح عدم الانفصال خوفا من الانهيار الاقتصادي، وتداعيات الابتعاد عن الجنيه الإسترليني، بالإضافة إلى أن التعويل على نفط بحر الشمال، لم يعد مبررا ايجابيا في ظل تراجع نسب الإنتاج طوال السنوات العشر الماضية.

وتشير تحليلات أخرى، عقدت مقارنات بين أسباب التصويت بلا في استفتاء 2014، وأي تصويت جديد، إلى أن الذين صوتوا لعدم الانفصال عام 2014 كانت نسبتهم 55%، ومعظمهم من كبار السن الذين فضلوا البقاء في أحضان المملكة المتحدة، بينما صوت الشباب لصالح الانفصال، ورغم أنهم لم يكونوا الأغلبية وقتها ولكنهم أيضا ليسوا أقلية حيث بلغت نسبتهم 45%، وبعد 5 سنوات على التجربة الأولى، يمكن أن تكون لهم كلمة مؤثرة، وربما الكلمة الأقوى في أي استفتاء قادم.

وحسب التحليلات نفسها، فإن استفتاء 2014، لم يكن وقتها مرتبطا بحدث كبير، وهو انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعتبر متغيرا جديدا يمكن أن يكون له تأثير على توجه الاسكتلنديين لصالح أي استفتاء قادم، وهي النقطة التي تخشاها الحكومة البريطانية، ولذلك وضعت الأمور في يد مجلس العموم الذي يجب أن يوافق على رغبة الاستفتاء، كشرط لإجراءه والاعتراف بنتائجه.

وحسب مختصين فإن الحزب القومي الاسكتلندي الذي حقق وجودا مستقرا في الساحة السياسية منذ عام 2011، عندما فاز في الانتخابات البرلمانية، لم يقنع حتى الآن الجمهور الاسكتلندي بالتصويت لصالح الانفصال، لكنه يعتمد في الوقت نفسه على التأثيرات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كأحد وسائله في إقناع الاسكتلنديين على ضرورة الانفصال والاستمرار داخل الاتحاد، لما يمثله ذلك من أهمية في حرية التنقل والانضمام لحلف الأطلنطي والاستفادة من القوة الاقتصادية لمنطقة اليورو.

هل تقبل أوروبا؟

الإجابة عن السؤال السابق، لم تكن واحدة، خاصة وأن نتيجة الاستفتاء السابق لم تكن في صالح الانفصال، وبالتالي لم تكن هناك ردود أفعال مؤيدة أو رافضة، إلا أن ما جرى مع استفتاء إقليم كتالونيا الإسباني نهاية 2017، جعل المعادلة مغايرة، حيث رفضت إسبانيا نتيجة الاستفتاء الذي أيده 90% من الشعب الكتالوني، كما رفضه الاتحاد الأوروبي واعتبره محاولة لتفتيت أوروبا، ودعم الاتحاد الإجراءات القمعية التي اتخذتها الحكومة الإسبانية ضد دعاة الانفصال بمن فيهم حاكم الإقليم ورئيس البرلمان الكتالوني الذي يتمتع بالحكم الذاتي، وفي النهاية تكتلت أوروبا خلف إسبانيا لإنهاء حلم انفصال كتالونيا.

ويشير المحللون إلى أن هناك تجارب أخرى دعمتها أوروبا مثل تجربة انفصال أوكرانيا عن روسيا، وقبلهم انفصال البوسنة والهرسك وكرواتيا والجبل الأسود عن صربيا، وهو ما يعني أن نفس الدعم يمكن أن يحدث لاسكتلندا، إذا ما قرر شعبها الانفصال عن المملكة المتحدة، من باب المعاملة بالمثل، خاصة وأن الوضع في اسكتلندا مغاير بالمرة للوضع في كتالونيا.

وانتهى فريق ثالث من المحللين إلى أن الاتحاد الأوروبي رغم أنه سوف يعاني سلبا من خروج بريطانيا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد، إلا أنه دعم كل الإجراءات التي طالبت بها بريطانيا فيما يتعلق بالحدود المشتركة مع باقي دول الاتحاد وجميعها حدود مع الدول الممثلة في المملكة المتحدة وخاصة اسكتلندا وايرلندا الشمالية، بينما انجلترا نفسها، لا ترتبط مع الاتحاد الأوروبي بأية حدود مشتركة، وهو ما يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي ربما لن يدعم فكرة استقلال اسكتلندا خوفا من انفراط عقد المملكة المتحدة، والذي يمكن أن يكون انفراط لعقد عدد آخر من الدول الأوروبية ذات التركيبات المتداخلة والأقاليم الحالمة بالاستقلال.