السلطة في المغرب.. هل تخرج من قبضة الإسلاميين؟

وصال طنطانا | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"بنكيران انتهى بالنسبة للحكومة المغربية"، كلمات جاءت على لسان رئيسها والأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" المغربي، عبدالإله بنكيران خلال ندوة صحفية عقب إعفائه من تشكيل الحكومة ومن الحياة السياسية، بقرار من الملك محمد السادس. فهل كانت تلك إشارة على انتهاء الدور الذي كان يلعبه الحزب كضامن استقرار للدولة؟

صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، رأت في هذا الإعفاء "مرحلة أولى من النظام لإعادة ترتيب الساحة السياسية، التي بعثر أوراقها حزب المصباح بقيادة بنكيران".

وقالت الصحيفة في تقرير لها عقب القرار، إن رئيس الحكومة السابق سعى إلى أن يكون الفاعل الأول الذي يصنع المشهد السياسي في البلد، وأدى أسلوبه هذا إلى الرفع من شعبيته وشعبية الحزب، معتبرة أنه دفع المغاربة إلى الانخراط بقوة في المشهد السياسي، وتنامي الوعي السياسي لديهم، وأدى إلى بناء قاعدة سياسية قوية جدا في بلد يعتبر العزوف السياسي هو سياسة الدولة، بحسب المصدر ذاته.

وجاء "العدالة والتنمية" خلال مرحلة تجاوب فيها الشارع المغربي مع ثورات الربيع العربي التي عمت دول الجوار، وخرجت حركة "20 فبراير" في عام 2011 لتطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، بل ذهبت إلى حد المطالبة بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.

لعب الحزب ذو المرجعية الإسلامية، دور الوساطة بين الدولة والشارع خلال هذه الفترة، بحسب المحلل والباحث المغربي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور إدريس الكنبوري، في حديث لـ"الاستقلال"، الذي أوضح أن الحزب كان ذا شعبية وغير مجرب سياسيا، كما أنه أعطى رسائل سياسية بالنظافة والرغبة في الإصلاح. ورفع شعار الإصلاح في ظل الاستمرارية لتلافي الشعارات الأخرى التي رفعت في بلدان أخرى، إذ ظل الأمين العام للحزب، بعد ترأسه الحكومة يشيد بالملكية في المغرب ويؤكد على أنها ضامن الاستقرار.

"بلوكاج" 2016

بعد الاستجابة للشارع في 2011 بالذهاب إلى انتخابات مبكرة وتغيير الدستور بتوسيع اختصاصات رئيس الحكومة، فاز العدالة والتنمية وترأس الحكومة لمدة 5 سنوات، حسمت خلالها الحكومة في عدد من الملفات الاجتماعية التي أثرت في المواطن على المدى القريب -مثل الزيادة في سن التقاعد- بعد أن كانت الحكومات السابقة تؤجل حسمها خوفا على شعبية الأحزاب التي كانت تقودها.

حل عام 2016 وجاء موعد الانتخابات الثانية في ظل الدستور الجديد للمملكة، واكتسح الحزب النتائج من جديد، ما شكل مفاجأة بالنسبة للسلطة وصلت إلى حد "الصدمة"، بحسب الكنبوري، إذ كانت المرة الأولى منذ حكومة التناوب سنة 1998، التي يفوز فيها حزب لمرتين متتاليتين في الانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أن الحزب حافظ على موقعه في صدارة الترتيب بسبب غياب بديل حزبي حقيقي.

لم تأخذ الأمور مسارها الطبيعي، فبعد أن كان من المفترض أن يشكل الأمين العام للحزب الفائز -حسب الدستور- الحكومة كرئيس لها، رفض حزب "التجمع الوطني للأحرار" (ليبرالي من يمين الوسط) التحالف مع العدالة والتنمية وفضل الذهاب إلى المعارضة والتحالف مع "الاتحاد الاشتراكي"، الذي رفض بنكيران التحالف معه.

دام الوضع لخمسة أشهر، وسميت المرحلة بـ"البلوكاج" أي العرقلة، ما جعل عددا من المهتمين يتساءلون، ومن بينهم الباحث في الشأن السياسي المغربي، كما القصير، في أحد أبحاثه: "هل تعثُّر تشكيل الحكومة بالمغرب: هَنْدَسَة الحقل السياسي أم فَرْمَلَة التجربة؟".

عدم تمكن بنكيران من تشكيل أغلبية حكومية، جعل الملك يتدخل -حسب ما ينص عليه الدستور- ليختار شخصية أخرى من الحزب، ووقع الاختيار على وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني، الذي تم تعيينه رئيسا للحكومة وأمينا عاما لحزب "المصباح".

معاش بنكيران

بدأت متاعب الحزب وقياداته مع توليهم الحكومة في 2011، لكن بعد فوزهم بالانتخابات للولاية الثانية على التوالي زاد الأمر حدة، وانتقل الهجوم من الأداء السياسي إلى المستوى الشخصي، وصل إلى حد اقتحام الحياة الخاصة لأعضاء الحزب.

أقام عدد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الدنيا ولم يقعدوها فور تسريب خبر يفيد أن رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران، يتلقى معاشا استثنائيا قدّروه عشرة ملايين سنتيم (عشرة آلاف دولار). كثرة اللغط جعلت بنكيران يخرج ليوضح أنه يتلقى المعاش من الملك محمد السادس، الذي علم بوضعيته المادية وأنه بدأ بالبحث عن عمل بعد اعتزاله الحياة السياسية.

الكثير من هذا اللغط، كان يستهدف شعبية الحزب، التي كانت تظهر في نتائج الانتخابات، وصورة أعضائه أصحاب المرجعية الإسلامية. لكن هذه الضجات لم تتمكن من خفض أسهم الحزب، واعتبر الدكتور الكنبوري أن الضجة التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي "متحكم فيها"، ولا تعكس الواقع، قائلا: "رغم ابتعاده عن الحياة السياسية مازال لبنكيران تأثير كبير وكاريزما سياسية ظهرت بتأثير رأيه في التصويت على مشروع فرنسة التدريس في البرلمان".

سجن قيادي

حكمت المحكمة بسنتين سجن بحق القيادي في حزب "العدالة والتنمية" وعضو مجلس المستشارين، عبد العالي حامي الدين، وذلك عام 1993 حين كان طالبا بجامعة فاس، في مشاجرة بين طلاب يساريين وإسلاميين أدت إلى مقتل أحد الطلاب اليساريين محمد آيت لجيد. وفي 2017 تقدم أقارب الطالب القتيل بدعوى جديدة أمام قاضي التحقيق الذي قرر ملاحقة القيادي بالحزب مع إعادة تصنيف الوقائع.

عرفت المحاكمة حضورا كبيرا لقيادات الحزب، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران دعما لحامي الدين، ما جعل باب الانتقاد يفتح على اعتبار أن هذا الحضور الكبير هو تأثير على القضاء.

وشكك وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان ووزير العدل السابق، القيادي بالعدالة والتنمية، مصطفى الرميد، في استقلالية القضاء ما أثار غضب القضاة، ونددت جمعيات القضاة بما اعتبرته "تجاوزا" و"مزايدة سياسية".

فيلا العثماني

مع بداية 2019، انشغل الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بفيلا اشتراها رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني. وزاد اللغط حول الموضوع بعد تصريح أحد أعضاء الحزب، الذي قال إن رئيس الحكومة اشترى الفيلا عن طريق "دارت" (وسيلة توفيرية تلجأ لها ربات البيوت أو محدودي الدخل بمنح مبلغ متفق عليه شهريا، يحصل على مجموعه أعضاء المجموعة بالتوالي).

وواجه أعضاء الحزب اتهامات بـ"استغلال مناصبهم والاستفادة المادية منها"، فيما ذهب البعض إلى اعتبارها "تغليط وظلم واستباحة الذمم"، ومنهم الصحفي المغربي يونس مسكين، الذي قال في تدوينة له على "فيسبوك"، تعليقا على الموضوع؛ الرجل اشترى منزله بالفعل عن طريق "دارت" أطرها قانونيا تأسيس جمعية لها حسابات دقيقة، وذلك قبل توليه المسؤولية الحكومية. هناك أطنان مما يؤاخذ على العثماني سياسيا وتدبيريا".

وأشار إلى أنه قبل أن يكون رئيس حكومة أو وزير هو طبيب له عيادته الخاصة، مضيفا: "مؤلم هذا القدر الذي بلغناه من استسهال الطعن في الذمم والشرف واستهداف الأشخاص بدل مناقشة الأفكار والأفعال والسياسات".

قضايا الأخلاق

واجه عدد من قيادي الحزب ذو التوجه الإسلامي ، منذ 2011، قضايا أخلاقية خرجت إلى العلن وخلقت نقاشا لدى الرأي العام عن مدى التزام أعضاء الحركات الإسلامية ورموزها بالنمط الاجتماعي والأخلاقي الذي يدعون إليه.

ورأى المحلل السياسي عمر الشرقاوي، في حديث سابق لـ"الاستقلال"، أن نشأة حزب العدالة والتنمية لم تكن كباقي الأحزاب السياسية، إذ أنه نشأ في رحم حركة دعوية إسلامية جعلت من القاموس والمرجعية  الأخلاقية أحد مصادر مجده السياسي.

وأردف: منذ دخوله للعمل من داخل المؤسسات لم يكن العدالة والتنمية ينافس ويصارع خصومه السياسيين من داخل الحقل القانوني والشرعي، بل كان يناقشهم بما هو أخلاقي، فكان يتفوق عليهم، وكسب بذلك الكثير من الشعبية والشرعية. وقال إن الحزب هو "ضحية أحد المصادر التي اعتمدها لكسب الشرعية، وتحولت إلى سلاح لنزع الشرعية عنه".

من جهته، قال المحلل السياسي والناشط الحقوقي والمؤرّخ في جامعة محمد الخامس بالرباط، المعطي منجب: إن "العدالة والتنمية" ليس هو الحزب الوحيد الذي يتعرض لحملات من نوع أخلاقي، كما أن "ضحايا هذا التشهير ليسوا إلا الأكثر انتقادا للنظام". ما اعتبره الحقوقي في حديث سابق مع الصحيفة "انتقاما سياسيا".

هل تأثر الحزب؟

المعطي اعتبرها "حربا انتقائية ولكنها ضروس، تركز على الشخصيات التي تحظى بدعم من الرأي العام". فهل انتصرت ضد العدالة والتنمية؟

من جهته، أجاب أستاذ العلوم السياسية المغربي، عبدالإله السطي، على السؤال في حديث لـ"الاستقلال"، قائلا: "ليس في اعتقادي أن قوة حزب العدالة والتنمية الحزبية قد خفتت، ولكن هناك تراجع لشعبية الحزب بالمقارنة مع السنوات الماضية".

وأوضح المتحدث، أن الحزب يحوز على كتلة ناخبة ثابتة، خصوصا في المدن الكبرى والحواضر، كما أن الحزب له قوة تنظيمية تعرف توسعا قاعديا وجماهيريا كبيرا، وهو ما لم تستطع حتى الساعة أي قوة تنظيمية أخرى امتلاكه.

وفي السياق ذاته، شدد الدكتور إدريس الكنبوري، على أن "العدالة والتنمية"، قد يصنع مفاجأة في انتخابات 2021، وقد ينتقل إلى المرتبة الثانية إذا كان هناك تحالف سياسي في مواجهته، لكنه سيبقى محافظا على قدراته الانتخابية لأن لديه وعاءه الانتخابي الثابت. وشخصية بنكيران قد تعود مجددا إلى الصدارة، لأن الحزب قد يلجأ إليه في حال رأى نفسه مهددا.

من البديل؟

رأى السطي، أنه في ظل الوضع الحزبي المتأزم، لم يبرز حتى الساعة حزب قادر على المنافسة السياسية والتنظيمية لحزب "العدالة والتنمية"، وذلك نظرا لكتلته الانتخابية وقوته التنظيمية.

لكن أستاذ العلوم السياسية، لم ينف أن المواجهة الانتخابية المقبلة لن تكون سهلة أمام حزب "العدالة والتنمية" خصوصا من غريمه الحالي حزب "التجمع الوطني للأحرار"، الذي يبدو أنه يعد العدة لكي يكون القوة السياسية رقم واحد مستقبلا، خصوصا في ظل "تراجع" شعبية حزب "العدالة والتنمية"، جراء تنازله عن مجموعة من الرهانات التي كان ينتظرها منه الشعب المغربي وكتلته الناخبة، بحسب المتحدث.

وبحسب الكنبوري: "لم تستثمر الدولة في أحزاب حقيقية"، موضحا أن حزب الأصالة والمعاصرة لم ينجح في أداء دوره كلاعب سياسي قوي في مواجهة الإسلاميين، رغم أن بداياته عام 2008 كانت جيدة. وأضاف: "لكنه فيما بعد انحرف عن مساره ولم يعد يطرح برنامجا واضحا، بل فقط مشروع إسقاط الإسلاميين، وهذا قدم خدمة للعدالة والتنمية الذي استغل الفرصة ورفع خطاب المظلومية".

وتابع المتحدث لـ"الاستقلال"، قائلا: "اليوم لا أعتقد أن الحزب فقد شعبيته لأنه ليس هناك حزب يطرح نفسه بديلا قويا"، مشيرا إلى أن "حزب الاستقلال" حزب تاريخي، لكن وزنه تناقص في الأعوام الأخيرة مع أمينه العام السابق، حميد شباط، بسبب غموض مواقفه السياسية وعدم الوضوح الأيديولوجي. وزاد: "هو حزب أعيان وحزب تقليدي لكن الجيل الحالي من الشباب بحاجة إلى خطاب مختلف".