واشنطن بوست: هذا ما على ترامب تعلمه من سقوط ديكتاتور السودان

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها ليوم الجمعة 12 أبريل/ نيسان، إن امرأة سودانية ظهرت في الأيام الأخيرة في صورة ملهمة، وهي ترتدي ثوبا أبيض تقف فوق سيارة ملوحة بيديها عالياً، تقود المتظاهرين في أغاني ثورة ضد نظام الرئيس عمر حسن البشير.

وفي يوم الخميس 10 من أبريل الجاري، تابعت الصحيفة، تمت الاستجابة لهتافاتها في خطوة أولى نحو سودان جديد، إذ اقتلع الجيش البشير من منصبه، وفقا لإعلان تلفزيوني صادر عن نائب الرئيس السوداني ووزير الدفاع، عوض بن عوف.

من طاغية إلى آخر

وأضافت الصحيفة أنه وعلى مدار ثلاثة عقود أثبت البشير أنه دمر بلاده وشعبه، وأن إسقاطه دليل جديد على قوة الاحتجاجات الشعبية في مقاومة الطغيان، الذي أتى متزامناً مع قدرة الشعب الجزائري على إسقاط طاغيتهم عبدالعزيز بوتفليقة الذي استمر طغيانه لسنوات طويلة، بحسب المصدر ذاته. ورأت الافتتاحية أن الأمر أظهر أن التوق لمزيد من الحرية لا يزال قويا في العالم العربي، على الرغم من إخفاقات الربيع العربي.

وذكرت الصحيفة أنه مما لا شك فيه أن السودان يواجه عقبات هائلة للتغلب على الكوارث التي تسبب فيها البشير، إذ وجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهام إلى "الديكتاتور المخلوع" بارتكاب جرائم حرب بسبب القتل الجماعي للمدنيين في دارفور قبل عقد من الزمن، في ذات الوقت فإن بن عوف، الذي كان قد أعلن أنه سيترأس حكومة انتقالية لمدة عامين، هو نفسه تحت طائلة العقوبات الأمريكية لدوره في دارفور، بل إنه جزء من النظام الديكتاتوري الذي نهب السودان وغير مؤهل لقيادة عملية الانتقال، بحسب الافتتاحية.

الحل في حكومة لإنقاذ البلاد

وقالت الصحيفة في افتتاحيتها أن السودان يحتاج الآن لنفض تراب الماضي عنه تماماً، كما يحتاج إلى حكومة انتقالية تحظى بثقة الداخل والخارج لكي تستطيع طلب مساعدات اقتصادية دولية، فضلا عن بناء نظام متعدد وشفاف، بينما ظهر للعيان داخليا وخارجيا أن وزير الدفاع بن عوف ليس هو هذا القائد، ولا تحتاج الفترة الانتقالية عامين كما ذكر في بيانه الأول.

وأضافت الصحيفة: "إذا كان يريد الاستقرار الداخلي وتجنب المزيد من الاحتجاجات، فعليه تعيين قيادة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية، ويمكن لاتحاد المهنيين السودانيين -الذى فجر ثورة السودانيين على نظام البشير- أن يوفر هذه القيادات المدنية التي تستطيع أن تقود البلاد خلال الفترة الانتقالية، إذ سارع الاتحاد بالرد على بيان بن عوف فور إصداره قائلا: "إن ما حدث هو انقلاب لإعادة إنتاج الوجوه والمؤسسات التي ثار الشعب السوداني عليها".

محاكمة البشير

وذكرت الصحيفة أن مكان البشير لا يزال مجهولاً، وأنه إذا أراد السودان التخلص من ماضيه والإبحار في سفينة المستقبل، فإن عليه محاكمة البشير، إما أمام محكمة العدل الدولية وإما في وطنه، وكذا محاكمة كل قيادات وأفراد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الذين أيدوه وعاونوه في قمعه للسودانيين.

وأردفت الصحيفة، إن الطغاة مثل البشير يظنون أنهم قادرون على النجاة والبقاء في الحكم مهما كان رأي شعوبهم، ويجب على كل الطغاة أن يعتبروا لما حدث في السودان ومع البشير، حيث بدأت الاحتجاجات رمزية بسبب الأزمة الاقتصادية وأشعلها الفساد المنتشر والمتراكم في البلاد لعقود، ومما زادهم إصراراً في ثورتهم هو التعالي والغطرسة واللامبالاة التي أولاها البشير ونظامه القمعي لتلك الاحتجاجات.

واختتمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة، أنه على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يعي الدرس أيضا، لأن ما حدث في الجزائر والسودان دليل قاطع أن دعم إدارته غير المحدود لطغاة عرب آخرون مثل عبدالفتاح السيسي في مصر ومحمد بن سلمان في السعودية، هو رهان خاسر، على حد تعبير الكاتب.

سقط البشير لكن نظامه لم يسقط

من جهة أخري علقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على سقوط البشير في مقال افتتاحي للكاتبين ديكلان والش وجوزيف جولدستاين، قائلة: "إن البشير سقط ولكن نظامه لم يسقط".

وقالت الصحيفة إنه بمجرد أن أعلن الجيش السوداني خلع البشير من الحكم، انطلقت موجات الفرح القصيرة من المحتجين الذين احتشدوا أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة. مشيرة إلى أنه بعد قرابة أربعة أشهر من الاحتجاجات وعشرات القتلى من المدنيين على يد قوات الأمن وهتافات ثورية لا منتهية، أخيرا حصل السودانيون على مطلبهم الأول، وهو إسقاط البشير، الذي حكم البلاد المترامية الأطراف، وأصابها بالمجاعات والحروب على مدار 30 عاماً، ولكن سرعان ما تحولت النشوة إلى حزن وغضب بعدما أيقن السودانيون من كان سيخلف البشير.

وكان الرجل صارم الوجه الذي قرأ البيان الأول للمجلس العسكري، بحسب الصحيفة، هو وزير الدفاع الفريق عوض محمد أحمد بن عوف، المقرب من البشير والمتهم مثله بارتكاب جرائم حرب في درافور غرب السودان.

"لن نستبدل لصا بلص آخر"

وأضاف الكاتبان أن المحتجين التزموا الصمت أثناء قراءة بن عوف البيان وبنوده، التي تحتوي على: الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفترة انتقالية مدتها عامان يقودها مجلس عسكري، وتعليق العمل بالدستور السوداني، وحل الحكومة، وفرض حظر التجول بداية من الساعة العاشرة مساء هذه الليلة، ثم ما لبث أن تحول الصمت إلى همهمات غاضبة تحولت إلى غضب عارم، وانطلقت هتافات صارخة، "لن نستبدل لص بلصا آخر"، بينما هتف آخرون "لا نريد نفس الشخص"، وفي غضون ساعات تحولت الهتافات إلى سخرية بعد أن غيروا هتافهم من "يسقط بس"  إلى "يسقط ثاني".

وأشارت الصحيفة إلى أن المحتجين وقعوا بين ابتهاجهم بسقوط الطاغية البشير وهو الزعيم القاسي الذي وعدهم بالحرية والتقدم والرخاء، لكنه لم يأتِ سوى بالحرب والعزلة الدولية، وبين قلقهم من خليفته.

وقالت  المتحدثة باسم "تجمع المهنيين السودانيين" سارة عبد الجليل، "إن ما تم إعلانه في البيان هو انقلاب عسكري وهذا غير مقبول، يريدون إعادة انتاج نفس الوجوه وهذا سيعيدنا إلى نقطة البداية حيث كنا".

سمعة البشير السيئة

واعتبرت الصحيفة أنه حتى بمعايير الاستبداد في العالم، فإن البشير الذي يبلغ 75 عاماً، يحظى بسمعة سيئة، حيث إنه الرئيس الوحيد المطلوب اعتقاله من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، التي اتهمته بلعب "دور أساسي" في عملية إبادة جماعية في دارفور من خلال الإشراف على القوات التي قتلت واغتصبت وروّعت مئات الآلاف من المدنيين حيث فر آلاف السودانيين من بلادهم، ويخشون الآن توابع مجريات الأمور في السودان.

وأردفت الصحيفة أن البشير هو أطول حكام السودان فترة منذ حصول البلد على استقلاله عام 1956، وتعتبره العديد من دول العالم منبوذاً، حيث إنه في تسعينيات القرن الماضي استضاف أسامة بن لادن، الأمر الذي تسبب في فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على السودان، وفي عام 1998 أصاب صاروخ كروز أمريكي مصنعًا في الخرطوم بسبب صلاته المزعومة بتنظيم القاعدة.

واختتمت الصحيفة تقريرها بتصريح منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فدريكا موجرينى، التي قالت: "عملية انتقال سياسي شاملة ومدنية وشفافة هي فقط ما تحقق تطلعات الشعب السوداني".

وفي آخر التطورات تنحى الفريق أول عوض بن عوف من رئاسة المجلس العسكري الذي تشكل أول الخميس إثر الإطاحة بالرئيس عمر البشير، ليعوضه الفريق أول عبدالفتاح البرهان. كما قدم مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبد الله قوش استقالته، وذلك بعد ساعات من تنحي عوف ونائبه.