بينها مصر والجزائر.. 4 من أكبر اقتصادات إفريقيا تواجه تحديات مالية صعبة
"12 بالمئة من الإيرادات العامة لإفريقيا جنوب الصحراء قد تم استخدامها لسداد الديون"
الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر، قاطرات اقتصادية تدفع القارة السمراء إلى التنمية، لكنها في الوقت ذاته تواجه آفاقا ضبابية تتعلق بمشاكل جوهرية مثل الديون والتضخم وعدم استقرار سعر صرف العملة أمام الدولار.
وفي هذا السياق نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، تقريرا رصدت فيه الأوضاع الراهنة لهذه الاقتصادات الأربعة والتحديات التي تواجهها في المستقبل القريب.
الجزائر تسعى للتحرر
تقول المجلة إن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة بين الاقتصادات الإفريقية، وفق بيانات تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي.
وتوضح أن الناتج المحلي الإجمالي للجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، يبلغ 264 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.
وتضيف أن الجزائر، مع 50 مليار دولار من عائدات الصادرات الجزائرية من الهيدروكربونات، تأخذ ثأرها من دول المغرب العربي.
وأشارت المجلة إلى أن الجزائر قررت تنويع اقتصادها في عام 2024 من خلال تقليل اعتمادها على الهيدروكربونات.
كما حددت لنفسها هدفا لتحقيق 13 مليار دولار من خلال الصادرات غير الهيدروكربونية، وفق ما ذكرته المجلة.
وفي فبراير/ شباط 2024، أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أن البلاد على وشك تحقيق هدفها، حيث قال إن "الجزائر غير مدينة. ونتيجة لذلك، تظل حرة في قراراتها السياسية والاقتصادية".
وعلى جانب آخر، تسلط المجلة الضوء على أن البلاد "تسعى أيضا إلى غزو أسواق جديدة في جنوب القارة، فضلا عن الانضمام إلى مجموعة البريكس".
وتابعت: "فبعد فشل في أول عام 2023، لا تتخلى الجزائر عن رغبتها في أن تصبح عضوا في هذه المنظمة، التي تمثل سوقا لأكثر من ثلاثة مليارات مستهلك".
نيجيريا تتراجع
وبعد أن كانت أكبر اقتصاد في القارة حتى عام 2022، فقدت نيجيريا مكانتها لصالح جنوب إفريقيا، بحسب المجلة.
ويكشف خبراء صندوق النقد الدولي في تقريرهم، الصادر في أبريل/ نيسان 2024، أن "الركود الذي ضرب الدولة الواقعة في غرب إفريقيا قد أضر بمالية البلاد وآفاق النمو".
وعلى حد وصف “جون أفريك”، فإن البلد يغادر الصدارة ويحتل المرتبة الرابعة بين أغنى دول القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، تذكر المجلة أن "نيجيريا تعاني من أزمة اقتصادية مرتبطة بانخفاض قيمة عملتها -النايرا- وانخفاض إنتاجها من النفط".
مما أدى إلى "انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من 477 مليار دولار في عام 2023 إلى 253 مليار دولار في عام 2024".
"ولإعادة مكانتها المفقودة، تسعى نيجيريا إلى احتواء هبوط عملتها، حيث تعرضت النايرا لعمليتي تخفيض قيمة منذ عام 2023"، أردفت المجلة.
ففي 19 أبريل/ نيسان 2024، وصلت قيمة الدولار الأميركي إلى 1152 نايرا.
وفي محاولة منه لتهدئة العاصفة بأفضل ما لديه، تولى الرئيس بولا تينبو زمام الأمور.
فقد أعاد ملف فضيحة البنك المركزي إلى مساره الصحيح من خلال إقالة المحافظ غودوين إمفيلي، المتهم بأنه أصل الداء في نيجيريا والمتورط الآن في قضايا متعددة تبحث أمام القضاء.
وبالإضافة إلى إنشاء العديد من فرق العمل المكونة من أعضاء حكومته ورجال الأعمال النيجيريين بشكل خاص، بما في ذلك توني إلوميلو وأليكو دانغوت، أطلق الرئيس تينبو برنامجا واسعا لإصلاح العملة.
فبحسب المجلة الفرنسية، أُنشئ المجلس الرئاسي للتنسيق الاقتصادي (PECC) في 27 مارس/ آذار 2024، والذي يعمل على إيجاد حلول للخروج من الأزمة.
جنوب إفريقيا طالب متميز
وفي غضون انتظار العثور على "العلاج المعجزة" بالنسبة لنيجيريا، تحتل جنوب إفريقيا المرتبة الأولى بين الاقتصادات الإفريقية.
وفي هذا السياق، تتوقع المجلة أن تهيمن الدولة الأكثر تصنيعا في القارة على "الاقتصاد على مستوى القارة" خلال السنوات الثلاث المقبلة.
كما أنه "من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لجنوب إفريقيا إلى 373 مليار دولار في عام 2024".
ووفقا لمؤسسة "بريتون وودز"، فإن البلد سيستفيد من "تحسين إمدادات الطاقة وخطط القضاء على الاختناقات اللوجستية".
جدير بالذكر أن مؤسسات "بريتون وودز"، التي تحولت إلى اتفاقية "بريتون وودز"، انبثقت عن مؤتمر حضره ممثلو 44 دولة عام 1944 في نيوهامشاير بالولايات المتحدة الأميركية.
وتوضح المجلة أن هذه الاتفاقية استهدفت وضع خطط من أجل استقرار النظام المالي العالمي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية. ونتج عن هذه الاتفاقية إنشاء منظمتين دوليتين؛ هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ثم إنشاء منظمة التجارة العالمية في مرحلة لاحقة.
ديون مصر
وبالعودة إلى الحديث عن الاقتصادات الإفريقية، تشير المجلة الفرنسية إلى أن "مصر تحتل المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا".
وترى "جون أفريك" أن "القاهرة، من خلال قبول تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي بحذافيرها، تمكنت من احتواء انخفاض قيمة عملتها".
وعلى حد قول المجلة فإن مصر؛ ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وافقت على تعويم عملتها. حيث سمحت هذه العملية، التي أدت إلى فقدان العملة 40 بالمئة من قيمتها، إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
وبهذا الشأن، يقول صندوق النقد الدولي: "في حين أنه ليس من السهل أبدا الشروع في إعادة التوازن المالي، فمن الأفضل عدم الانتظار حتى تملي الأسواق الشروط".
نقص التمويل
وعلى هامش ما ذُكر سابقا، يشير تقرير صندوق النقد الدولي من ناحية أخرى إلى أن "الدول الإفريقية ستواجه نقصا في التمويل".
ومن المتوقع -بحسب المجلة- أن "تتجاوز احتياجات إفريقيا جنوب الصحراء 70 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة".
وإلى جانب ذلك، يحذر الصندوق من "مخاطر أنظمة القروض الموازية".
كما يكشف أن "12 بالمئة من الإيرادات العامة لإفريقيا جنوب الصحراء قد تم استخدامها لسداد الديون".
وفي هذا السياق، ترجح المجلة أن "تسجل المنطقة نموا بنسبة 3.8 بالمئة في عام 2024، أي بزيادة قدرها 0.2 بالمئة".
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يرحب صندوق النقد الدولي بتباطؤ التضخم، مؤكدا "دعمه لاقتصادات هذه المنطقة المتأثرة بالصراعات في المنطقة، بما في ذلك الصراع بين حماس وإسرائيل".
وبحسب ما ورد عن المجلة فإن المؤسسة أعلنت استعدادها لتقديم المشورة حول السياسات الاقتصادية والمساعدة التقنية والتمويل للدول في المنطقة.
وبالفعل، كان صندوق النقد الدولي قد قدم أكثر من 40 مليار دولار من التمويل للدول في المنطقة منذ بداية عام 2020، منها أكثر من 16 مليار دولار لسبعة بلدان منذ بداية عام 2023.
وفي النهاية، تختتم "جون أفريك" تقريرها بقولها إن "بعض الدول في المنطقة يمكنها الاستفادة من ظهور محاور تجارية جديدة ناتجة عن الخلافات التجارية الدولية".
"وفي الوقت ذاته، قد تواجه دول أخرى عدم يقين متزايدا وتفاقما في التوترات المالية المرتبطة بتدفقات اللاجئين"، وفق المجلة.