رفض الناتو إسقاط صواريخ روسيا فوق أوكرانيا.. ما علاقة انتخابات أميركا؟
"إذا استمرت أوروبا الآن في مسار التصعيد، فستجد نفسها عند بدء المفاوضات أمام خيارين سيئين"
في 15 يوليو/ تموز 2024، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ينس ستولتنبرغ رفضه عرض بولندا اعتراض الصواريخ الروسية في المجال الجوي الأوكراني.
وعن هذا الرفض قالت صحيفة "روسيا اليوم" إنه جاء لتجنب التصعيد المباشر مع روسيا، لا سيما مع مخاوف من تغييرات محتملة على الحرب حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
موقف غريب
وذكرت الصحيفة الروسية أن موقف الناتو يبدو غريبا للوهلة الأولى، حيث لا يتوافق مع المسار العام للقادة الأوروبيين تجاه تصعيد الصراع الأوكراني.
وأضافت أنه "ليس سرا أن تفوق القوات الروسية في الأسلحة الجوية، وهو أحد الأسباب الرئيسة لعدم قدرة نظام كييف على تحويل دفة الحرب لصالحها".
ومن ناحية أخرى، تشير إلى أن إمدادات الدفاع الجوي إلى أوكرانيا لا تشكل حلا للمشكلة، حيث لا يملك الغرب العشرات أو المئات من منصات الإطلاق المتاحة.
ولمواجهة وسائل الحرب الحديثة، هناك حاجة إلى دفاع جوي متعدد الطبقات، وفق ما تذكره الصحيفة.
جدير بالذكر أن هذا النظام هو نظام عمل يتكون من منشآت قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، بالإضافة إلى الرادارات ومراكز القيادة وما إلى ذلك.
وفي رأي الصحيفة، من المستحيل فعليا نشر مثل هذا النظام في أوكرانيا الآن أثناء العمليات العسكرية، حيث سيُدمر كل شيء بالقنابل والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى الروسية.
ونتيجة لما ذُكر سابقا، تلفت "روسيا اليوم" الأنظار إلى اقتراح البولنديين باستخدام نظام الدفاع الجوي الخاص بهم لحماية السماء الأوكرانية، على الأقل الجزء الغربي منها.
وبالإشارة إلى كونه خيارا آمنا، تبرز الصحيفة أن بولندا تمتلك دفاعا جويا جيد جدا.
بالإضافة إلى أن الصواريخ الروسية لن تُدمر في المجال الجوي الروسي، مما يعني أن هذا ليس هجوما على الاتحاد الروسي اسميا.
ومن ناحية أخرى، توضح أن الطائرات بدون طيار ستُهاجم، مما يعني أنه لن تكون هناك خسائر في صفوف العسكريين الروس، وهو ما لا يمنح روسيا مرة أخرى الفرصة لاتهام بولندا قانونيا بالهجوم والرد.
علاوة على ذلك، ستشجع مثل هذه المشاركة نظام كييف، الذي يستعد بعض ممثليه -وفقا للشائعات- لإجراء مفاوضات منفصلة مع موسكو، على مواصلة المقاومة.
وكميزة أخيرة في اقتراح تدخل قوات الدفاع البولندية، تقول الصحيفة الروسية إنه "من الممكن أن تصبح تصرفات بولندا مثالا للدول الأوروبية الأخرى".
فعلى سبيل المثال، يستطيع الدفاع الجوي الروماني تغطية المنشآت العسكرية الأوكرانية في أوديسا، بحسب ما ورد عن الصحيفة.
تحذيرات غير مجدية
وبالعودة إلى الواقع، تسلط الصحيفة الضوء على حقيقة أن ستولتنبرغ لم يأخذ كل هذه المكافآت والمزايا في الحسبان، حيث سقطت المبادرة البولندية عند الإقلاع، عازية موقفه إلى "احتمالية خوفه من رد فعل روسيا".
حيث صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكثر من مرة بأن "موسكو تفسر التدخل غير المباشر للغرب في الصراع، على سبيل المثال مشاركة المتخصصين الغربيين في صيانة وتوجيه الصواريخ الغربية، على أنه هجوم على روسيا".
وفي المقابل، تشير "روسيا اليوم" إلى أن روسيا لا يهمها كيف يفسر الغرب هذا الوضع، إذ تحتفظ بحق الرد بضربة انتقامية إما على الفور أو بعد فترة.
ويبدو أن الشروط الأكثر تحديدا لهذه الضربة الانتقامية تُنقل عبر قنوات مغلقة، وقد يكون مشاركة الدفاع الجوي البولندي في تدمير الصواريخ الروسية واحدة من هذه الشروط.
وعلى جانب آخر، تقول الصحيفة: "يبدو أن التحالف الآن لا توجهه فقط الرغبة في تجنب الموت في حرب نووية، إذ لم توقفه هذه الرغبة لسبب ما في الأشهر الماضية عندما كان بروكسل يصعد الصراع في أوكرانيا باستمرار".
وتوضح ذلك بأن "الغرب لم يتوقف لأنه تيقن بأن كلمات روسيا مجرد كلمات".
بالإضافة إلى ذلك، حتى اليوم، لم يقنع تنفيذ روسيا لمبادراتها المعلنة، على سبيل المثال بدء إنشاء منطقة آمنة في منطقة خاركيف الأوكرانية حتى الآن، الزملاء الغربيين بجدية نوايا موسكو.
ولذلك، تذهب الصحيفة إلى أنه "برفض البولنديين مبادرتهم، لم يكن المسؤولون في حلف شمال الأطلسي يفكرون كثيرا في منع نشوب حرب نووية بقدر ما يفكرون في الاحتفاظ بمناصبهم".
وتتابع قائلة: "بعد مغادرة ستولتنبرغ المنصب في غضون أشهر قليلة، سيريد قادة التحالف الآخرين الاحتفاظ بمناصبهم في عهد الأمين العام القادم لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، وفي عهد الرئيس الأميركي المقبل، دونالد ترامب".
الانتظار هو الحل
وفي هذا الصدد، تلخص الصحيفة الروسية الأمر بأن "مديري الناتو ملزمون بالالتزام بالتيار الرئيس الأميركي وتنفيذ إرادة واشنطن ورئيس الولايات المتحدة".
وإذا كانت هذه الإرادة واضحة قبل سنة أو حتى نصف سنة، فإنها الآن، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والاحتمال الكبير لفوز ترامب، فإن مسار الإدارة الأميركية الجديدة لم يعد واضحا على الإطلاق، وفق الصحيفة.
ومن جانبهم، يتحدث ترامب نفسه، وكذلك نائب الرئيس المحتمل جي دي فانس، عن رغبتهم في تحميل أوروبا كل المسؤولية عن الحرب في أوكرانيا.
وفي حال حدوث ذلك، وفق ما ورد عن "روسيا اليوم"، لن تستطيع أوروبا تحمل هذا النزاع ببساطة.
حيث لا تمتلك الإمكانيات الصناعية ولا الكمية الكافية من الأسلحة ولا الموارد الانتخابية لدعم الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة بالمستوى الحالي، ناهيك عن المستوى الذي سيظهر في حال مُنِح البولنديون الإذن بالتصعيد.
وفي هذا السياق، توضح الصحيفة أن أوروبا إذا استمرت الآن في مسار التصعيد، فستجد نفسها عند بدء المفاوضات أمام خيارين سيئين بالنسبة لها.
ويتمثل الخيار الأول في البقاء خارج الطاولة والسماح لموسكو وواشنطن بتحديد النظام في المنطقة مرة أخرى دون مشاركة القادة الأوروبيين.
بينما يتمثل الآخر في التبديل المفاجئ للمواقف والتعرض بعدها لعدد هائل من التساؤلات من قبل ناخبيها والقادة الدوليين، بحسب ما ذكرته الصحيفة.
وفي النهاية، ترى الصحيفة الروسية أن هذه التساؤلات ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في الأفراد، سواء في الدول الوطنية أو في قيادة المنظمات الغربية، بما في ذلك الناتو.
ولهذا السبب، تؤكد الصحيفة على أن "أفضل إستراتيجية للتحالف الآن هي الانتظار والامتناع عن اتخاذ خطوات حادة حتى تصبح خطة ترامب بشأن أوكرانيا واضحة تماما، وكذلك مدى واقعية هذه الخطة".