إعادة إعمار درنة المنكوبة.. كيف أصبحت غنيمة لأبناء حفتر وحلفائهم بمصر؟
في خطوة مثيرة للجدل، أقدم رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب في طبرق أسامة حمّاد على تعيين بلقاسم النجل الأصغر للواء المتقاعد خليفة حفتر رئيسا لصندوق إعادة إعمار درنة.
وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2023، اجتاح الإعصار المتوسطي "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا الخاضعة لسيطرة مليشيات اللواء الانقلابي خليفة حفتر أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة.
بالإضافة إلى مناطق أخرى بينها درنة التي كانت المتضرر الأكبر بسبب انهيار سدود كانت تحبس المياه في "وادي درنة" الضخم، ما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة من المدينة بالإضافة إلى آلاف الضحايا.
أموال ضخمة
وما ضاعف من الجدل بعد التعيين الذي تشم منه رائحة المحاباة للحاكم الفعلي للشرق الليبي خليفة حفتر، توقيع الصندوق عقودا لتنفيذ مشاريع إنشاء 11 جسرًا جديدًا مع شركة نيوم المصرية المملوكة لرجل الأعمال ورئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم العرجاني.
وهو متهم بتشكيل مليشيات داعمة لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأحد أبرز أمراء الحرب في شبه جزيرة سيناء.
في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، قررت حكومة حماد، غير المعترف بها دوليا، إنشاء صندوق لإعادة إعمار مدينة درنة ومناطق شرق البلاد المتضررة جراء الإعصار دانيال الذي اجتاحها وتسبب في أضرار مادية واسعة.
ولم تحدد الحكومة التي تتخذ من مدينة بنغازي (شرق ليبيا) مقرا لها كيفية تمويل الصندوق الجديد، لكن البرلمان ومقره أيضاً في طبرق (شرق ليبيا)، خصص بالفعل 10 مليارات دينار ليبي (2 مليار دولار) لمشاريع إعادة الإعمار.
ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2023، انطلق في مدينة بنغازي المؤتمر الدولي لإعادة إعمار درنة والمناطق المتضرّرة من الفيضانات والسيول.
وبحسب بيانات الحكومة حضر أكثر من 70 ممثلاً عن شركات دولية وعربية من دول الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والبرتغال والإمارات وتركيا ورومانيا وفرنسا وبيلاروسيا ومصر، لمناقشة سبل إعادة إعمار المناطق المتضرّرة من السيول في الشرق الليبي.
هذه الأموال الضخمة المرصودة لإعادة الإعمار، والاهتمام المحلّي والدولي بالملف أثار لهفة بلقاسم نجل حفتر، والذي يعيش حالة من العطالة بعد فشل الحملة العسكرية التي أطلقها والده في محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس.
مشاريع توريث
بعد زيارات متتالية لمدينة درنة والمدن المتضررة وسيطرة مليشيات والده أمنيا على العمليات الإغاثية بعد إعصار دنيال، تم يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2023 بقرار من رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان والمدعومة من ميليشيات حفتر تعيين بلقاسم حفتر رئيسا لصندوق إعمار مدينة درنة والمناطق المتضررة في الشرق الليبي.
ولدى حفتر ستة أبناء هم خالد وصدام وعقبة والصديق والمنتصر وأسماء،وتتداول تقارير إعلامية ليبية أنه بسبب وضعه الصحي وتقدمه في العمر (80 عاما) جعلاه يمنح نجله صدام صلاحيات أوسع، من بينها إدارة الملف السياسي بحرية تكاد تكون كاملة.
هذا الظهور المتصاعد لأبناء خليفة حفتر أثار تساؤلات حول ما إذا كان يسعى الرجل القوي في الشرق الليبي إلى منحهم مزيداً من الصلاحيات وتوريثهم مناصب سياسية وعسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وكشف تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن ليبيا عن خطة للواء المتقاعد خليفة حفتر خلال عامي 2022 و2023 لتعزيز سيطرة أسرته على مفاصل قيادة قواته، وتوسيع دائرة نفوذها على الشأنين الاقتصادي والسياسي.
وذكر التقرير، الذي صدر يوم 29 سبتمبر 2023 ويغطي الفترة من 25 إبريل/ نيسان 2022 إلى 17 يوليو/ تموز 2023، جانباً من خطة حفتر التي سمحت بتغلغل أسرته بهدف السيطرة على العمليات العسكرية والمالية وعلى قيادة القوات التي شكلها منذ عام 2014، من خلال إقصاء العديد من الضباط والقيادات العسكرية وتولي أفراد من أسرته مناصبهم.
وأشار التقرير إلى عدد من الإجراءات والخطوات التي اتبعها حفتر منذ هزيمته العسكرية في عدوانه على العاصمة طرابلس وانسحابه من محيطها في يونيو/ حزيران 2020، من بينها تعيين أبنائه في المناصب العسكرية الأهم إلى أن وصلت خطته "إلى مستويات متقدمة من السيطرة".
وسمى التقرير ثلاثة من أبناء حفتر تولّوا مهام وصلاحيات مطلقة داخل القيادة العسكرية، وامتد نفوذهم إلى حد التأثير على الحياة السياسية والاجتماعية، وهم خالد وبلقاسم وصدام، إلا أن التقرير أكد أن الأخير أكثرهم نشاطاً ونفوذاً.
وعن بلقاسم، ألمح التقرير إلى أنّه سعى من تعزيز نفوذ أسرته داخل مجلس النواب والحكومة المكلفة من مجلس النواب، وضغط باتجاه ذلك للتأثير على المؤسسة السياسية.
وذلك من خلال شبكة من الشخصيات دفع بهم للسيطرة على عملية صنع القرار السياسي، حتى إن العملية السياسية لم يعد بإمكانها أن تمضي دون موافقة بلقاسم.
تبادل منافع
وفي حديث لـ"الاستقلال" رأى المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أن " تولّي هذا المنصب من قبل نجل حفتر محاولة للالتفاف من أجل الحصول على الأموال نظرا للأزمة المالية التي تعيشها المليشيا بعد توقف المعارك في ليبيا وخسارتها عدّة مواقع في البلاد بالإضافة إلى تراجع الدعم الأجنبي".
وأكّد الزبير أن "حفتر الابن استغل فشل مؤتمر إعادة الإعمار وكذلك الخلاف بين مصرف ليبيا المركزي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا عبد الحميد دبيبة والتي تسبب في تأخر صرف اعتمادات لإعادة الإعمار، فوقع اتفاقات مع هذه الشركات المصرية والإماراتية لتتحول إلى أمر واقع لا يمكن تجاوزه في درنة والمناطق المتضررة".
وأضاف أن "أموال إعادة الإعمار ضخمة وكبيرة لذلك يريد حفتر الإبقاء عليها تحت سيطرته، وكذلك لتتحول مشاريع إعادة الإعمار مدخلا لمنح شركات الدول التي دعمته سابقا في حربه على جنوب ليبيا وعلى المنطقة الغربية، مثل مصر والإمارات وبذلك يؤكّد حفتر أنه وفي لهم ويضمن بقاء مصالحهم في ليبيا حتى في صورة تراجع دور حفتر السياسي".
وفي هذا السياق جاء توقيع عقود بناء عدد من المنشآت مع شركات مصرية مملوكة لرجل الأعمال المصري المثير للجدل إبراهيم العرجاني.
وتؤكّد تقارير مصرية أن إبراهيم العرجاني، الذي كان مهربا سابقا خلال حكم حسني مبارك وسجن لهذا السبب، تحول إلى لغز كبير بعدما أصبح في عهد عبد الفتاح السيسي رجل أعمال يدير بيزنس الجيش ويشرف على العديد من الملفات مع المخابرات الحربية.
حيث تقوم شركاته بتنفيذ الكثير من المشروعات الخاصة بتلك الأجهزة، لا سيما في قطاع غزة، وهو سبب تسميته في مصر بـ"مقاول غزة" كون شركاته تحتكر كل ما يتعلق بالقطاع من بضائع وتشييد ونقل للسكان.
وبالإضافة لأدواره الاقتصادية والمالية، يقود إبراهيم العرجاني مجموعات مسلحة تحت اسم اتحاد قبائل سيناء، تم تشكيلها في العام 2017 بحجة مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.
ورغم إعلان الحكومة المصرية في بداية العام 2023 "إنهاء الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء، لا تزال هناك مجموعات قبلية موالية لنظام السيسي تحمل السلاح وتقوم بمهام شبه شرطية في مناطق نفوذها.
فقد نشر مسلحون تابعون لما يسمى بـ"اتحاد قبائل سيناء" فيديو يوم 24 يونيو 2023 عرضوا فيه قوتهم وتسليحهم. ورغم أن الفيديو تم حذفه لاحقا من الصفحات الرسمية لاتحاد قبائل سيناء، فإنه لا يزال موجودا على صفحات موالين له.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير، إن "هذه الميليشيات رغم وضعها غير القانوني، فإنها تتمتع بسلطات اعتقال بحكم الأمر الواقع وتعمل تحت إشراف وقيادة الجيش .. لهم دور حاسم في حملات الاعتقال التي يقوم بها الجيش، والتي يستغلونها في كثير من الأحيان لتصفية حسابات شخصية أو تعزيز مصالح تجارية".
وما يخشاه الليبيون أن يتحوّل إعادة الإعمار إلى مظلّة للاستعانة بميليشيات أجنبية للاستقواء بها على بقية الفرقاء الليبيين.
خاصّة وأن التاريخ القريب أثبت تورط حفتر في استقدام مليشيا " الفاغنر" الروسية سيئة السمعة، بالإضافة إلى مليشيات سودانية وتشادية خلال هجومه على العاصمة طرابلس.