إلغاء اتفاقيات التجارة بين أوروبا والمغرب.. كيف ينعكس على الصحراء الغربية؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

يمثل إلغاء اتفاقيات الصيد والزراعة في الصحراء الغربية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، انتصارا لجبهة البوليساريو التي تطالب بالاستقلال عن المملكة.

ولا يخلو هذا الإلغاء من تأثيرات سياسية واقتصادية بين المغرب وكتلة بروكسل في خضم أزمة الصحراء، وفق ما تقول صحيفة جون أفريك الفرنسية.

اتفاق بلا تنفيذ

وقضت محكمة العدل الأوروبية في 4 أكتوبر/تشرين أول 2024، بأن "المفوضية الأوروبية انتهكت حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير بإبرامها اتفاقات تجارية مع المغرب".

والقرار الصادر أخيرا هو حكم نهائي بعد بضعة طعون قدمتها المفوضية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، والذي سبق أن أبرم اتفاقات تتعلق بالصيد والزراعة مع المغرب عام 2019، شملت أيضا منتجات من الصحراء الغربية.

وقالت المحكمة إن "موافقة شعب الصحراء الغربية على التنفيذ، شرط لصحة القرارات التي وافق بموجبها مجلس (المفوضية) على هذه الاتفاقات نيابة عن الاتحاد الأوروبي".

في اليوم نفسه، أعلنت وزارة الخارجية المغربية، أن "المملكة تعد نفسها غير معنية بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية".

ويدور على منطقة الصحراء الغربية أطول نزاع إقليمي في إفريقيا منذ أن غادرت إسبانيا -القوة الاستعمارية السابقة- المنطقة عام 1975، حيث تطالب جبهة "البوليساريو" المدعومة جزائريا بتقرير المصير فيما يقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا لحل الملف.

وتقول جون أفريك إن المفوضية الأوروبية تتفاوض بشأن اتفاقيات جديدة، مع استمرار النقاش حول الشرعية الدولية لهذه التعاملات في الصحراء الغربية.

وفي هذا الصدد، توضح أن "هذا التطور الجديد في المسلسل السياسي والقضائي، انتهى هذه المرة بمنح ميزة للحركة الانفصالية".

وتشير إلى أن المغرب رد مؤكِّدا أنه "غير معني إطلاقا بهذا القرار"، والذي ترى فيه الرباط "انحيازا سياسيا واضحا".

عواقب غير واضحة

وفي أعقاب رد الفعل المغربي، أبدى عدة قادة أوروبيين بارزين دعمهم للمملكة، مشددين في كل مرة على "أهمية العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي". وبهذا الشأن، اتخذت إسبانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا مواقف متشابهة إلى حد ما. 

وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 30 يوليو/تموز 2024 أن الخطة المغربية للصحراء الغربية ستكون “الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومتفاوض عليه”.

وبعد نحو شهرين، أعادت باريس تأكيد "التزامها الثابت بالشراكة الاستثنائية التي تربط البلدين وعزمهما على مواصلة تعميق هذه الشراكة".

ومن ناحية أخرى، تلفت الصحيفة الفرنسية إلى أن التأثير الفعلي لهذا القرار غير واضح، على الرغم من أن المواقف المعلنة من قبل أبرز السفارات الأوروبية تظهر تباعدا واضحا مع قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

وبما أن اتفاق الصيد الذي استهدفه الحكم كان قد انتهى في يوليو 2023، فإن الاتفاق القادم يخضع لمفاوضات جديدة، قد يكون لحكم المحكمة تأثير عليها.

وعلى جانب آخر، توضح الصحيفة أن "محكمة العدل الأوروبية قررت، فيما يتعلق بالتبادلات في مجال الزراعة، تمديد الاتفاق الموقع في 2019 لمدة عام إضافي".

وعزت المحكمة هذا القرار لـ "العواقب السلبية الخطيرة على العمل الخارجي للاتحاد التي قد تنتج عن إلغائه الفوري، ولأسباب تتعلق بالأمن القانوني".

علاوة على ذلك، وبالتوازي مع هذا الحكم، أصدرت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي أيضا قرارا في قضية رفعتها "الكونفدرالية الفلاحية"، وهي نقابة للمزارعين الفرنسيين تدافع عن المزارع الصغيرة. 

ووفقا لهذا القرار، يجب أن يُذكر على ملصقات البطيخ والطماطم اللذين يُحصدان في الصحراء الغربية -التي تُسمى "الأقاليم الجنوبية" حسب المصطلحات المغربية- "هذا الإقليم وليس المغرب" كبلد المنشأ.

ملايين اليوروهات 

وفي إطار ما ذكر سابقا، تتساءل "جون أفريك" الفرنسية: “عمليا، ما هي نسبة الإنتاج الزراعي والسمكي التي يشملها قرار محكمة العدل الأوروبية؟”

وللإجابة عن السؤال، تنقل أنه في مارس/ آذار 2024، نشرت المفوضية الأوروبية تقريرا في إطار تنفيذ الاتفاق المتمثل في تبادل الرسائل بين المغرب والاتحاد الأوروبي. 

والهدف من هذا التقرير كان قياس التأثيرات والفوائد للسكان في الصحراء، والتي تشمل جهتي "العيون-الساقية الحمراء" و"الداخلة-وادي الذهب". ولتحقيق ذلك، اعتمدت المفوضية على البيانات الإحصائية التي قدمها المغرب.

وبحسب الإحصاءات، صدّرت المنطقتان إلى أوروبا عام 2022، نحو 60 بالمئة من منتجات الصيد و85 بالمئة من الطماطم والبطيخ، أي ما يعادل 203 آلاف طن من المنتجات. 

وهذا يمثل بالكاد 0.02 بالمئة من إجمالي واردات هذه المنتجات في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن "الاتفاق كان له تأثير تجاري كبير".

إذ أسهم بشكل خاص في خلق ما يقرب من 50 ألف وظيفة، أي ما يعادل حوالي 18 بالمئة من السكان النشطين في المنطقتين المعنيتين. كما سمح، منذ دخوله حيز التنفيذ عام 2019، بمضاعفة الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي عام 2022، أُنتج ما يزيد قليلا عن مليون طن من الأسماك والقشريات على سواحل إقليمي العيون-الساقية الحمراء والداخلة-وادي الذهب. 

وهذا يمثل حوالي 70 بالمئة من صيد الأسماك الساحلي والحرفي، وفقا لإحصاءات وزارة الصيد البحري المغربية.

ومن ناحية أخرى، تقدر الرباط أن "حوالي 60 بالمئة من المنتجات البحرية القادمة من الصحراء موجهة إلى السوق الأوروبية، حيث يشكل السمك الطازج 1 بالمئة فقط من هذه المنتجات". 

وتتمثل غالبية الصادرات في منتجات ذات قيمة مضافة، أي تلك التي تُعالج في المصانع المحلية، وتشمل مجموعة متنوعة من المنتجات مثل السردين المعلب وأسماك الأنشوجة والماكريل، إلى جانب تجميد جراد البحر أو إنتاج دقيق السمك.

إجهاد مائي

وفي غضون ذلك، توضح الصحيفة أن الوضع أكثر تباينا فيما يخص الجانب الزراعي من الاتفاقيات. 

إذ إن الغالبية العظمى من المحاصيل المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي تأتي من إقليم "الداخلة-وادي الذهب".

وتقتصر هذه المحاصيل تقريبا -بحسب الصحيفة- على الطماطم الطازجة، خاصة طماطم الكرز والبطيخ الشارني. 

وحاليا، تمثل إنتاجية الطماطم الطازجة في الصحراء أقل بقليل من 10 بالمئة من إجمالي الطماطم المغربية المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي.

وتبرز "جون أفريك" أن المفوضية الأوروبية تطرقت إلى تأثير الاتفاق على الموارد الطبيعية في المنطقة. 

وكما هو متوقع، فإن الوصول إلى مياه الري يُعد التحدي الرئيس، نظرا لنوع التربة وندرة الأمطار، إلى جانب فترات طويلة من الجفاف منذ عام 2020.

ولذلك، تؤكد الصحيفة أن "زراعة الطماطم والبطيخ، وهما محصولان يحتاجان لكميات كبيرة من المياه، تحت هذه الظروف تُعد تحديا كبيرا". 

ونظرا لأن المصدر الرئيس لري الحقول هو المياه الجوفية التي تتناقص بسرعة، توضح أن عدد الهكتارات المزروعة في المنطقة لم يزد بشكل ملحوظ منذ بدء تنفيذ الاتفاق.

وفي هذا الصدد، تقدر السلطات الأوروبية أن الموارد الحالية غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه. 

وبحسب الصحيفة الفرنسية، اتخذ المغرب تدابير للتصدي لذلك من خلال استثمار مئات الملايين من اليوروهات في تطوير مشاريع محطات تحلية المياه. 

ومع ذلك، فإن 75 بالمئة من المياه المحلاة المعنية ستخصص لري 13 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الجديدة المقرر إنشاؤها بحلول عام 2030.