بعد فشل ردعهم عسكريا.. كيف تخطط أميركا لمعاقبة الحوثيين اقتصاديا؟

"رغم ما يبدو عليهم من صمود، إلا أن الحوثيين ليسوا بمنأى عن الهزيمة"
اقترحت مسؤولة أميركية سابقة أن تحول واشنطن إستراتيجيتها تجاه الحوثيين، بحيث تركز على الجانب الاقتصادي، بمساعدة الرياض، وليس على الجانب العسكري الذي ثبت فشله في ردعهم عن مهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل تضامنا مع غزة.
جاء ذلك في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية للباحثة "أليسون مينور"، التي شغلت منصب نائب المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن من عام 2021 إلى 2023.
وقالت مينور إن "الضغوط السياسية والاقتصادية من السعودية يمكن أن تكبح جماح الحوثيين بشكل أكثر فعالية من العمليات العسكرية الأميركية".
وأوضحت: "لقد أعادت الجولة الأخيرة من الضربات الأميركية على اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى الواجهة حقيقة لا تريح واشنطن ولا حلفاءها، وهي أن التهديد الحوثي لن يختفي في أي وقت قريب".
"فقد استمرت الجماعة اليمنية في تأكيد أنها رأس حربة "محور المقاومة" الإيراني، وهو الدور الذي أصبح شاغرا بعد وفاة حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في سبتمبر/أيلول 2024"، وفق المقال.

فشل الردع
ومنذ بدأ الحوثيون في مهاجمة السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها إعادة إرساء الردع، من خلال الغارات الجوية المتكررة والعقوبات وحملة بحرية كبرى.
لكن فشلت هذه الجهود في وقف الحوثيين، ما يجبر شركات الشحن على تجنب قناة السويس واتخاذ طرق أطول بكثير حول إفريقيا.
وتمثل حركة المرور في البحر الأحمر ثلث الشحن العالمي للحاويات، وسوف يؤدي تعطيلها إلى تفاقم التضخم العالمي، وخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى تعطيل سلاسل التوريد.
كذلك، فإن الحوثيين قادرون على شن هجمات على إسرائيل، كما فعلوا في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
والواقع أن “القليل منها نجح في الإفلات من الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك هجوم بطائرة مسيّرة على تل أبيب في يوليو/تموز 2024، أسفر عن مقتل إسرائيلي”.
ووصف الحوثيون هجماتهم بأنها تأتي ردا على حرب إسرائيل على قطاع غزة، مؤكدين أن ضرباتهم سوف تستمر طالما ظل القطاع تحت الحرب.
وترى المسؤولة الأميركية السابقة أن "من غير المرجح أن يؤدي وقف إطلاق النار في غزة بمفرده إلى وضع حد للتهديد الحوثي للتجارة البحرية العالمية".
وتفسر ذلك بأن الجماعة "تسعى إلى ترسيخ سيطرتها على شمال اليمن، وسط حرب مستمرة منذ عقد من الزمان، كما أن لديها خططا أوسع لتأكيد أنها لاعب إقليمي رئيس".
وتقول مينور إن الحوثيين "أدركوا أن هجماتهم ضد الشحن التجاري هي وسيلة فعالة يصعب التصدي لها، لتحقيق كلا الهدفين".
وأكدت أنه "رغم ما يبدو عليهم من صمود، إلا أن الحوثيين ليسوا بمنأى عن الهزيمة".
وأضافت: "من الممكن أن تكون هناك استجابة أكثر فعالية للتهديد الحوثي، ولكن لن تقودها الولايات المتحدة، التي تتمتع بنفوذ أقل كثيرا داخل اليمن مقارنة بالعديد من الدول المجاورة".
وأوضحت: "بدلا من ذلك، يتعين على السعودية وشركائها الاستفادة من أعظم نقاط ضعف الحوثيين، وهي الجدوى الاقتصادية طويلة الأمد لنظامهم".
وتابعت: "يتعين على السعودية إقناع الجماعة بأن معالجة مشاكلها المالية وحماية مصالحها داخل اليمن تتطلب كبح جماح عدوانها".

دعهم يرون الأموال
وقالت مينور: "إن الوضع الاقتصادي للحوثيين، وليس وضعهم العسكري، هو أعظم نقاط ضعفهم".
وأضافت: "على الرغم من أن معظم اليمنيين يعيشون تحت حكم الحوثيين، فإن موارد الهيدروكربون في اليمن -بما في ذلك مواردها النفطية المتواضعة ومشروع الغاز الطبيعي الأكثر ربحية والذي توقف مؤقتا حاليا- تقع خارج سيطرتهم".
وقبل بضع سنوات، قدّرت الأمم المتحدة أن عائدات الحوثيين السنوية كانت 1.8 مليار دولار فقط، وهو ما لا يكفي لحكم 25 مليون شخص وإرضاء المجموعات التجارية والقبلية المؤثرة، مع الحفاظ على ميزانية الحرب في الوقت نفسه.
وأشارت المسؤولة الأميركية السابقة إلى أنه "من غير المرجح أن تؤدي هذه العائدات الضئيلة إلى انهيار الجماعة في أي وقت قريب، لكن نظام الحوثيين غير قابل للاستمرار على المدى الطويل ما لم يؤمّن مصادر جديدة كبيرة ودائمة للتمويل قريبا".
وأوضحت: "لقد أمضى الحوثيون سنوات في محاولة الاستيلاء على حقول النفط والغاز في اليمن عسكريا، ومع زيادة عدد المجندين أخيرا، فقد يعيدون النظر في هذه الجهود".
وذكرت أن "ضعف الحوثيين الاقتصادي يتفاقم بسبب افتقارهم إلى الشرعية الدولية الرسمية، فقد أصبح هذا الضعف واضحا خلال الصيف، عندما بدأت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في استخدام سلطتها لقطع البنوك التجارية في شمال اليمن عن النظام المالي الدولي".
"وهي الخطوة التي كان من الممكن أن تعرض للخطر الواردات والتحويلات المالية التي تشكل أهمية حاسمة للاقتصاد في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون".
ولم يتمكن الحوثيون من إحباط هذا الإجراء، إلا لأنهم هددوا بشن هجمات متجددة على السعودية، التي ضغطت على الحكومة اليمنية لسحب قرارها.
وقالت مينور: "إن تعزيز عملية السلام في اليمن يتطلب مشاركة السعودية، فالمملكة هي الأكثر عرضة للخطر في كل من البحر الأحمر واليمن، إذ تشترك في حدود طويلة مع اليمن، مما يعرضها لضربات الحوثيين مباشرة".
"بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من أجندة المملكة الطموحة لعام 2030 تقوم على النشاط الاقتصادي على طول ساحلها على البحر الأحمر".
"كما تتمتع السعودية بأكبر قدر من النفوذ بسبب علاقاتها مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والتي تعتمد بشكل كبير على الدعم الاقتصادي والعسكري السعودي".
ونتيجة لهذا، يتمتع السعوديون بنفوذ كبير على شروط عملية السلام اليمنية، والأهم من ذلك، أن المملكة هي اللاعب المهيمن في شبه الجزيرة العربية، وفق المقال.
وأكدت الباحثة أنه "رغم أنهم يقدمون أنفسهم كأطراف محاربين لا تخيفهم القوى الجيوسياسية، فإن الحوثيين يدركون أنهم سيحتاجون إلى التعامل مع الحكومة السعودية لفترة طويلة بعد توقف هجماتهم على الشحن التجاري وتراجع الاهتمام الدولي باليمن".

سلام جديد
وترى مينور أن "السعوديين لم يستخدموا بعد نفوذهم للمساعدة في وقف التهديد البحري للحوثيين لأن لديهم أولوية أخرى، وهي تجنب هجمات الحوثيين المتجددة على أراضيهم، والتي توقفت إلى حد كبير منذ هدنة عام 2022".
وترى أنه إذا استأنف الحوثيون الهجمات على الأراضي السعودية، فإن ذلك يمثل فتح جبهة جديدة خطيرة في الصراع الإقليمي.
"علاوة على ذلك، فإن تجدد الأعمال العدائية قد يخلق عدم استقرار داخلي، في وقت لا يزال فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يحاول تنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة".
وقالت الباحثة الأميركية: "من المرجح أن يشكل خفض التصعيد في غزة شرطا مسبقا لإحراز تقدم في عملية سلام أكثر فعالية في اليمن".
وتابعت: "إذا تراجع مستوى التصعيد في غزة، فسيتراجع موقف الحوثيين لأنهم يعتمدون على الهجمات ضد إسرائيل والشحن البحري لكسب شرعية سياسية، وهذا بدوره سيتيح ذلك للسعودية فرصة لاعتماد نهج أكثر حزما".
واستدركت: "لكن الاستعدادات من جانب الرياض وشركائها لابد أن تبدأ الآن، بما في ذلك التوصل إلى إجماع على ضرورة توسيع خارطة طريق عملية السلام في اليمن لتشمل التزاما حوثيا واضحا بوقف الهجمات البحرية".
وتعتقد أن "من المرجح أن يرد الحوثيون على هذه الشروط الجديدة بتجديد الهجمات على السعودية، في سعيهم إلى اختبار صمود خصومهم".
وأردفت: "من الممكن أن يساعد الوسطاء -مثل الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية مثل عُمان- في ضمان عدم تسبب ذلك في تصعيد الأمور".
ونوهت على أنه "ينبغي للولايات المتحدة أن تلعب دورا داعما في هذا الجهد، خاصة المساعدة في تأمين شكل من أشكال خفض التصعيد في غزة".
ورغم ذلك، تشدد مينور على أن "الحوثيين سيظلون غالبا مصدر دائم لعدم الاستقرار في اليمن والمنطقة".
لكنها ترى أن "العودة إلى عملية السلام في اليمن من شأنها أن تساعد في تقييد سلوك الحوثيين، ولكن فقط إذا أُجبرت الجماعة على الاختيار بين أهدافها داخل اليمن وهجماتها الإقليمية".
وختمت قائلة: "كما استغل الحوثيون عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لتأكيد أنفسهم كزعماء جدد لمحور المقاومة، فيتعين على السعودية وشركائها اغتنام الفرصة لإنشاء كوابح جديدة لسلوك الحوثيين".