"عيد الغدير".. ماذا وراء توقيت مطالبة الصدر بتشريع عطلة طائفية في العراق؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع أثارته مطالبة القوى السياسية الشيعية في العراق، بتسمية ما يعرف لديهم بـ"يوم الغدير" عيدا وطنيا في البلاد، الأمر الذي رفضته جميع الفعاليات السنية السياسية والدينية، رفضا قاطعا، وعدته خطوة باتجاه إشعال نار الفتنة الطائفية من جديد.

وفي 18 ذي الحجة من كل عام هجري، يحتفل الشيعة بما يسمى "عيد الغدير"، مدّعين بذلك أن خلافة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الأحق بها ابن عمه الصحابي علي بن أبي طالب وذريته من بعده، وليس الخلفاء الراشدين الذين تولوا الخلافة بعد وفاة النبي.

ويستند الشيعة بذلك على حديث للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قال فيه: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه"، رغم أن النص النبوي لا يظهر فيه ما يمكن أن يُعد إعطاء قيادة الأمة الإسلامية بشكل حصري أو عام لعلي وذريته من بعده.

أشعلها الصدر 

رغم إعلان رئيس البرلمان العراقي بالإنابة، محسن المندلاوي، الذي ينتمي إلى الإطار التنسيقي الشيعي، إدراج القراءة الأولى لقانون "عيد الغدير" بجلسة المجلس يوم 30 أبريل/ نيسان 2024، لكن ذلك لم يحصل واقتصرت الجلسة على مناقشة باقي جدول الأعمال.

وقال المندلاوي خلال بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع) في 29 أبريل، أن "جدول أعمال الجلسة القادمة سيتضمن القراءة الأولى لقانون (عيد الغدير)"، فيما نشرت الدائرة الإعلامية للبرلمان أجندة جلسة يوم 30 أبريل، تضمنت إدراج القراءة الأولى للقانون ذاته.

وقال مصدر برلماني عراقي لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته، إن "الضغوطات التي مارستها القوى السنية والموقف الموحّد الذي أبدته حيال الموضوع، حال دون قراءته قراءة أولى في البرلمان، رغم أنه كان مدرجا على جدول أعمال جلسة يوم 30 أبريل".

وأفاد المصدر، بأن "بعض قوى الإطار التنسيقي وليس كله هي من تدفع باتجاه إقرار القانون بعدما وضعهم الصدر في زاوية حرجة أمام الجمهور الشيعي، لكن كثيرين من الإطاريين والشخصيات المستقلة تقف ضد إقراره، أولا لأنه جاء من زعيم التيار وهو غريمهم، ثم بعضهم غير مهتم بتمريره".

جاء قرار المندلاوي بعد تسلمه طلبا رسميا تقدّم به النائب الشيعي المستقل في البرلمان، وعضو التيار الصدري السابق برهان المعموري، مشفوعا بتوقيع نحو 100 نائب من القوى الشيعية.

وبدأ الحراك الشيعي نحو تشريع هذا القانون، بعد دعوة وجهها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى البرلمان العراقي في 19 أبريل، لجعل "يوم الغدير" عطلة رسمية في عموم البلاد.

وقال الصدر، في بيان له، إنه "بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها: يجب على مجلس النواب تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيد الغدير الأغر عطلة رسمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم".

وتابع: "فالموصي والموصى له، لجميع من يؤمن بالإنسانية والخير والعدل"، مطالبا التيار الوطني الشيعي "مساندة هذا القرار بكل الوسائل السلمية المتاحة والقانونية كل بحسبه".

وزعم الصدر أن "هذا الأمر فيه نصرة للدين والمذهب والعقيدة والوطن ولكل محبي الاعتدال من الشيعة والسنة والمستضعفين الذين دافع عنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب".

وفي 25 يوليو/ تموز 2023، صوّت مجلس الوزراء العراقي على أن يكون "يوم الغدير" من كل عام عطلة رسمية، وذلك خلال جلسته الاعتيادية برئاسة رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني.

لكن دعوة الصدر لإقرار قانون بالمناسبة، تأتي من كون القرار الحكومي بجعل "يوم الغدير" عطلة رسمية، ينتهي بمجرّد انتهاء حقبة محمد شياع السوداني، أما إذا صوّت عليه البرلمان، فإنه سيثبت بشكل دائم ولا يزول بانتهاء مدة الحكومة الحالية في 2025.

غضب سنّي

على ضوء الحراك الشيعي، أعربت القوى السنية العراقية عن غضبها من محاولة تشريع أي قانون من شأنه أن "يغذي الانقسام المجتمعي" في البلاد، محذرين من تبعات فرض مناسبات ذات أبعاد طائفية يعتقد بها مكوّن واحد على كل شرائح المجتمع. 

وشدد الشيخ أحمد حسن الطه، كبير علماء المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة)، على ضرورة "تعزيز التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، والابتعاد عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة، لا سيما أن العراق يشهد استقرارا وازدهارا نسبيا منذ سنوات".

جاء ذلك، خلال استقبال الطه، رئيس لجنة الأوقاف والعشائر في البرلمان العراقي، النائب حسين اليساري، الذي أثنى على جهود المجمع الفقهي في الإصلاح المجتمعي، و"التميز بخطابه الديني المعتدل في مواجهة الأفكار المتطرفة والمظاهر الدخيلة على المجتمع"، وفق بيان للمجمع في 2 مايو 2024.

وفي السياق ذاته، قالت حركة "العدل والإحسان"، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في العراق، إنها تشعر بقلق بالغ تجاه التحركات السياسية بخصوص مقترح "عيد الغدير"، والذي يتناقض مع الدستور العراقي ومصالح البلد العليا ويتعارض مع ما يتطلبه المجتمع من احترام متبادل في الحقوق والحريات.

وأعربت الحركة خلال بيان لها في 30 أبريل، عن اعتقادها بأن "هذه الدعوة تحمل أبعادا طائفية تثير الفرقة بين أبناء البلد الواحد، فضلا عن الأبعاد السياسية في تحقيق المكاسب الفئوية"، داعية إلى "التصدي لمحولات إعادة إنتاج الصراع الطائفي والعنصري البغيض".

وأصدر حزب السيادة، أكبر القوى العربية السنية في العراق، بيانا في 2 مايو، حذّر فيه من "تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية (حكم رجال الدين أو الحكم الديني)"، مشيرا إلى "محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق".

وتابع: "إننا إذ نحترم المدارس الدينية والمذهبية بمختلف مرجعياتها، لكننا نرفض فرضها على المجتمع العراقي المتعدد كتشريع ملزم"، مقترحاً أن "تتولى مجالس المحافظات بعينها تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها".

بدوره، طالب حزب "متحدون" السني، بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، خلال بيان له في 2 مايو، أعضاء البرلمان بمقاطعة أي جلسة تشرع المقترح المتعلّق بـ"عيد الغدير".

وأكد الحزب السني أنّ "عيد الغدير أو عيد الولاية، وحسب السردية التي يعتنقها الفقه الشيعي، يُكفَّر من لا يعتقد بذلك، وهذا يعني أنّ اعتماد سردية طائفية تكفر نصف الشعب العراقي أمر في غاية الخطورة، بل إنه ينسف الهوية الوطنية التي تجمعنا جميعا". 

كما اعترض الحزب الإسلامي العراقي على مقترح القانون، وقال خلال بيان له في 30 أبريل، إن "المقترح لا يتوافق مع احتياجات العراق اليوم، وهذه مناسبة لها خصوصيتها لدى مكون دون آخر"، مؤكدا أن "المناسبة ستعيد إنتاج دوامة الفعل وردة الفعل بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا للبلاد".

"زيادة الشعبية"

وبخصوص توقيت طرح الصدر لمثل هذا الموضوع، قال المحلل السياسي القريب من التيار الصدري، مناف الموسوي خلال مقابلة تلفزيونية في 2 مايو، إن "الصدر يريد أن يضع النقاط على الحروف، فكما نحتفل بعيد رأس السنة، علينا أن نحتفل بعيد الغدير".

وأضاف الموسوي أن "بعض الجهات تعلم أن المقترح الذي قدمه الصدر ربما تزيد من شعبيته بشكل أكثر. وأين المشكلة في هذا الشيء؟"، مطالبا "قوى الإطار التنسيقي التي أعاقت تمرير القانون أن تقدم أعذارا لجمهورها. الصدر كشف بمطالبته هذه المجموعة التي تتعامل بازدواجية مع الشيعة".

من جهته، تساءل الباحث والمحلل السياسي العراقي، باسل حسين خلال تدوينة نشرها على منصة "إكس" في 1 مايو، قائلا: "ماذا يريد الصدر؟ هناك سؤال مركزي حول إثارة قضية عيد الغدير".

وأضاف: "إثارة قضية عيد الغدير لم تكن بهذه الحدة والاهتمام لو لم تصدر من الصدر، لكن ثمة تحليل خطي للنهج الجديد الذي ينتهجه الأخير في إثارة قضايا تتحمل بعدا طائفيا أو حمولة طائفية".

وتابع: "قضية عيد الغدير ليست الأولى بل هي جزء من سياق متصل من خالد بن الوليد إلى البقيع إلى التيار الشيعي ثم عيد الغدير؟".

وتساءل: هل هذا يعني أن "الصدر الطائفي"، أو لنقل الشيعي بات يسابق “الصدر الوطني” أم أنه تكتيك مرحلي لسحب البساط من تحت الإطار التنسيقي أم أن الصدر بات يصارع الجبهات الخاطئة.. ماذا يريد تحديدا؟

وفي 22 أبريل، طالب زعيم التيار الصدري من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ببناء قبور من أسماهم "أئمة البقيع" (من ذرية الخليفة علي بن أبي طالب)، وذلك بعد أيام إعلان الصدر من تغيير اسم تياره إلى "التيار الوطني الشيعي".

وقبل ذلك، وتحديدا في 8 سبتمبر/ أيلول 2023، وجه الصدر بيانا لأتباعه بذكرى "وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم" قال فيه: "لا تكونوا كالذين نسوا محمدا فنسيهم، واتبعوا نهج خالد بن الوليد ومعاوية (بن أبي سفيان) ويزيد (بن معاوية) والحجاج (بن يوسف الثقفي) وأمثالهم".

واتهم الصدر هؤلاء الذين ذكرهم في بيانه على منصة "إكس" بأنهم "شوهوا سمعة الدين بسوء أخلاقهم وبظلمهم ضد المؤمنين، فكانوا أشداء على المؤمنين رحماء مع الكافرين".

من جهته، وصف الباحث في الفكر الشيعي، أحمد الكاتب، مطالبة الصدر من البرلمان بإقرار عطلة "عيد الغدير"، بأنها "بدعة سياسية ابتدعها البويهيون ضد العباسيين في القرن الرابع الهجري".

وقال الكاتب خلال مقال نشره على "فيسبوك" في 4 مايو، إن "حديث (النبي) عن الغدير لم يتضمن أي معنى سياسي أو نصا على الإمام علي بالخلافة، ولذلك لم يفهم الإمام نفسه هذا المعنى المتأخر الذي حمله الشيعة الإمامية على النص".

وتابع: "كما لم يفهم عامة المسلمين لا سيما المهاجرين والأنصار معنى الخلافة، فقد ترك رسول الله أمر الخلافة للناس ولم يتحدث القرآن الكريم عن نظام الحكم ولا حق سلالة معينة به، ولا عن كيفية انتقال السلطة وعلاقتها بالناس وكيفية انتخاب الحاكم".

وأشار إلى أن "حديث الغدير ظل في أذهان المسلمين في القرون الثلاثة الأولى حدثا جزئيا شخصيا عابرا، لا ينطوي على معنى سياسي، ولكن اختلاف الهاشميين (عترة الرسول) فيما بينهم بين عباسيين وعلويين، دفع الشيعة الإمامية إلى إضفاء معنى جديد على حديث الغدير".

وأردف الكاتب قائلا: "عندما سيطر الفاطميون على مصر في القرن الرابع الهجري، ثم لحقهم البويهيون في السيطرة على بغداد، حاولوا القضاء على النظام العباسي، بالتأكيد على المعنى السياسي لحديث الغدير، وتجريد العباسيين من الشرعية الدينية، والاحتفال باليوم الثامن عشر من ذي الحجة كعيد أكبر".

وتساءل، المفكر الشيعي قائلا: "ما الذي يدعو ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب إلى الخوض في معارك التاريخ الغابرة، من خلال الدعوة إلى جعل (يوم الغدير) عطلة وعيدا رسميا؟"، مؤكدا أن "ذلك سيجر البلاد إلى فتنة طائفية قد تمتد عقودا من الزمن، لا سمح الله، كما كان يحدث في أيام البويهيين والعباسيين".