العملية الأولى من نوعها.. لماذا خطفت إسرائيل اللبناني "عماد أمهز"؟
"الموساد أراد من وراء عملية الخطف توجيه العديد من الرسائل"
في حادثة هي الأولى من نوعها، أثارت عملية القوات الإسرائيلية التي انتهت باختطاف قبطان بحري لبناني من منطقة البترون في محافظة الشمال، تساؤلا ملحا عن تغيّر أسلوب الاحتلال في التعاطي مع الأهداف التي يضعها، لا سيما تلك التي تخص "حزب الله" اللبناني.
ومنذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2024، اتبعت إسرائيل أسلوب الاغتيالات في التعامل مع القادة البارزين لحزب الله، السياسيين منهم والعسكريين، والذين وصل عددهم مع زعيم الحزب السابق، حسن نصر الله، إلى أكثر من عشر قيادات خلال أقل من شهر.
"قيادي بارز"
وزعم جيش الاحتلال أنه اختطف قياديا بارزا في “حزب الله”، وأن وحدة "شايطيت 13" نفذت العملية بدقة، ومن دون أحداث استثنائية أو اشتباك، وأن المعتقل لم يقاوم، حسبما أفادت به وسائل إعلام عبرية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال، إن "عملية الكوماندوز الإسرائيلية في البترون شمال لبنان كان مخططا لها منذ فترة طويلة، وإن تل أبيب انتظرت الفرصة المناسبة لتنفيذ العملية، وتتبعت عماد أمهز لفترة".
ولفتت الإذاعة إلى أن الجيش لم يكن ينوي تحمل مسؤولية عملية البترون، ولولا الكشف عنها بوسائل الإعلام لظلت سرية.
وبحسب جيش الاحتلال، فإن وحدة الكوماندوز البحري "شايطيت 13" اعتقلت عنصرا من حزب الله يمتلك معرفة واسعة في المجال البحري، متوعدا في الوقت ذاته بـ"العمل على أسر عناصر بارزة في حزب الله أينما استطاع".
وفي اليوم نفسه، نقلت صحيفة "معاريف" عن مصادر (لم تسمها) أن وحدة "شايطيت 13"، وصلت إلى عمق 200 كيلومتر داخل لبنان تحت حماية سفن وصواريخ إسرائيلية، وغادرت الساحل باستخدام سفن سريعة، بعد اختطاف أمهز من منزله.
وأشارت إلى أن المداهمة، التي نفذتها قوة قوامها 25 جنديا إسرائيليا، استهدفت من قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله وضابط في البحرية اللبنانية.
وزعمت "معاريف" أن عماد أمهز الذي تم اختطافه في عملية البترون من لبنان، هو “المرساة” بين إيران وحزب الله، مشيرة إلى أنه الرجل الذي هدد الأصول الاقتصادية البحرية لإسرائيل.
وقالت الصحيفة إنه "تم اعتقال الضابط الكبير في الوحدة البحرية التابعة لحزب الله، أمهز، فهو أحد كبار المسؤولين الذين يمتلكون قيمة استخباراتية وعملياتية عالية بشكل خاص".
وبحسب معلومات الصحيفة العبرية، فإن المختطف أمهز "جرى نقله إلى التحقيق في الوحدة 504 التابعة لجهاز (أمان)، المتخصصة في جمع المعلومات الاستخبارية البشرية عبر الحدود".
وبينما ادعى الاحتلال أن المختطف مسؤول عسكري في حزب الله وضابط بحري بالجيش اللبناني، لم يصدر عن الحزب أي تأكيد أو نفي حتى 4 نوفمبر 2024.
وتناقل ناشطون ووسائل إعلام محلية في 2 نوفمبر، مقطع فيديو يُظهر اقتياد عدد من جنود الاحتلال، المواطن اللبناني أمهز بعد اختطافه من مقر سكنه في منطقة البترون.
اتهامات لليونيفيل
مع النفي الرسمي لصحة ادعاءات إسرائيل بأن يكون المختطف ضابطا في البحرية، ألمح وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، علي حمية، إلى مسؤولية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) عن عملية أمهز، كونها تتولى مسؤولية مراقبة شواطئ لبنان.
وفي السياق، قال فاضل أمهز والد عماد، إن "ابني قبطان بحري مدني، وكان يخضع لدورة في البترون بمعهد مرساتي للعلوم البحرية، وليست الأولى، فهو خضع لعدة دورات في نفس المعهد منذ عام 2013، ويعمل عادة على بواخر مدنية تنقل إما المواشي أو السيارات".
وأضاف فاضل عبر رسالة نشرها بموقع "فيسبوك" في 3 نوفمبر، قائلا: "يمضي أكثر أوقاته في البحر، وليس له أي علاقة بالأحزاب، ولا يتدخل في السياسة.. وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد ويعيل والديه".
وحمّل فاضل أمهز الحكومة اللبنانية والقوة الألمانية المسؤولية عن مراقبة البحر وتسهيل عملية الاختطاف، مطالبا الصليب الأحمر الدولي وقوات اليونيفيل بالتواصل مع الخاطفين لعودة ابنه إلى أهله وذويه سالما.
في المقابل، نفت اليونيفيل على لسان نائبة الناطق باسمها، كانديس أرديل، أي علاقة في تسهيل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك آخر للسيادة اللبنانية، حسبما نقلت قناة "الميادين" اللبنانية في 2 نوفمبر.
بدوره، طلب رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي من وزير خارجيته عبد الله بو حبيب تقديم شكوى لمجلس الأمن بشأن اختطاف إسرائيل لمواطن لبناني.
وقال بيان لمكتب ميقاتي في 2 نوفمبر، إن الأخير أجرى كذلك اتصالا بقيادة اليونيفيل التي أكدت بدورها أنها تجري التحقيقات اللازمة بشأن القضية وتنسق في هذا الأمر مع الجيش.
على الجانب الآخر، جاءت المعلومات الأولى حول القضية من وكالة "الأنباء اللبنانية" الرسمية، التي قالت في 2 نوفمبر، إن الأجهزة الأمنية فتحت تحقيقا في حادث وقع في منطقة البترون شمالا.
وأشارت الوكالة الرسمية إلى أن أهالي المنطقة أفادوا بأن قوة عسكرية لم تُعرَف هويتها نفذت عملية إنزال بحري على شاطئ البترون.
وأضاف شهود عيان للوكالة أن القوة العسكرية انتقلت بكامل أسلحتها وعتادها إلى شاليه قريب من الشاطئ؛ حيث اختطفت لبنانيا كان موجودا هناك، واقتادته إلى الشاطئ، وغادرت بواسطة زوارق سريعة إلى عرض البحر.
"سر الاختطاف"
وبخصوص أسباب اتباع الاحتلال الإسرائيلي أسلوب الاختطاف في عملية أمهز، قال الكاتب اللبناني، هيثم زعيتر، إن عملية "الكوماندوز الإسرائيلي، باختطاف عماد أمهز، شكلت تطورا أمنيا بارزا، في توقيته ودلالاته وأهدافه ومخاطره، بانكشافٍ أمني واستخباراتي جديد وخطير".
وأضاف زغيتر خلال مقال نشرته وكالة "معا" الفلسطينية، أن "الحدث لم يكن عاديا، في حلقة الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، مُنذ انطلاق المُواجهات مع لبنان، في اليوم التالي لعملية (طوفان الأقصى)، بتاريخ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
وعن دوافع الاختطاف، رأى أن "الموساد أراد من ورائها توجيه العديد من الرسائل، منها، أنه يريد عماد أمهز حيّا، وليس بتنفيذ اغتيال، كما جرى مع بعض المسؤولين والكوادر في حزب لله، وأحزاب وفصائل أخرى، وشخصيات في لبنان، والهدف من ذلك، الحصول على معلومات، خاصة أن مجاله البحر".
كما أراد الموساد إيصال رسالة بأنه "قادر على الوصول إلى أي مكان يُريده، حتى لو كان على بُعد أكثر من 150 كلم من الحدود الجنوبية مع الأراضي الفلسطينية المُحتلة، التي تشهد المُواجهات"، وفقا للكاتب.
وبحسب زعيتر، فإنه "سبق أن قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعمليات إنزال لفرق (كوماندوز) جوية أو بحرية، وفي أماكن عدة، لتنفيذ اغتيالاتٍ أو خطفٍ في لبنان والخارج".
وأشار إلى أن "عددا كبيرا من العملاء، الذين جرى توقيفهم في لبنان، اعترفوا بأنه كان يتم نقلهم عبر زوارق مطاطية من الشاطئ اللبناني إلى عرض البحر، ومنه إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، لتزويدهم بمعلومات أو تدريب العملاء على تقنيات وأجهزة جديدة".
وأردف: "ثبت باعترافات العملاء أن الفرق البحرية الإسرائيلية، عمدت إلى إجلاء عدد من العملاء عبر البحر، وبينهم الضابط (جورج)، الذي شارك في عملية اغتيال القيادي في (حركة الجهاد الإسلامي) محمود المجذوب، وشقيقه نضال، بمدينة صيدا في 26 مايو/أيار 2006".
وأوضح الكاتب أنه جرى في حينها "إعادة إيصال الضابط (جورج) إلى نقطة مُحددة على شاطئ البحر في جبيل (اللبنانية)، حيث قامت قوة (كوماندوز) بنقله وتسليم محمود رافع، حقيبة ومبلغا ماليا، كما قامت بإيصال حقائب تحتوي على مُتفجرات سُلّمت إلى عدد من العملاء بلبنان".
وتساءل زعيتر، قائلا: "كيف يُمكن ألا تلتقط الأجهزة البحرية التابعة للجيش اللبناني أو قوات اليونيفل، التي تتولاها قوة ألمانية، رصد مثل هذه العمليات، ما يُنذر بإمكانية قيام قوات الاحتلال بعمليات إنزال بحرية أو برية أو جوية، في أي منطقة من لبنان، لتسجيل إنجازاتٍ في معركة الصراع؟".
من جهتها، نقلت صحيفة "المدن" اللبنانية في 4 نوفمبر، عن مصادر أمنية (لم تسمها) أن "التحقيقات كشفت أن أمهز يحمل جواز سفر من دولة باناما، وتحاول الأجهزة الأمنية التواصل مع السفارة للتأكد من صحته، وأنه يرفع علم باناما على سفينته التجارية ويدخل إلى بلدان عدة خلال رحلته البحرية".
وأشارت المصادر الأمنية اللبنانية إلى أن "التحقيقات، وإن توسعت، لن تؤدي إلى الحقيقة الكاملة، إذ لم يتبين بعد أسباب اختطاف هذا الشاب، ولم يُعرف أي معلومات عن طبيعة عمله في البحر".
ولفتت إلى أن "دقة هذه العملية تُؤكد أن إسرائيل هدفها الحصول على معلومات من المخطوف، وهي بدأت بالتحقيق معه منذ اللحظات الأولى لاختطافه، ولو أرادت قتله لفعلت، وهذا الأمر طرح تساؤلات كبيرة حول أهمية هذا الشخص بالنسبة لإسرائيل".
وبحسب الصحيفة، فإن "مصادر أمنية لبنانيّة متابعة للتحقيق تفيد بوجود فرضيات كثيرة حول أسباب عملية الاختطاف، وأبرزها أن تنفيذ عملية دقيقة بهذا الشكل، يعود لارتباطه بحزب الله".
ورجحت المصادر الأمنية أن "تكون طبيعة عمله في تهريب ونقل السلاح من سوريا إلى لبنان عبر البحر، وفي حال أثبتت التحقيقات هذا الأمر، فهذا يعني أن جهات استخباراتية خارجية أبلغت إسرائيل عن طبيعة عمل أمهز وأمدّتها بالمعلومات الكاملة عنه".
المصادر
- اختطاف أمهز.. غضب في لبنان واتهام لليونيفيل وتوعد إسرائيلي بالمزيد
- لغز خطف "الكوماندوز" الإسرائيلي عماد أمهز.. انكشاف أمني واستخباراتي!
- اين كان وماذا فعل.. تفاصيل جديدة عن الانزال الإسرائيلي على عماد أمهز
- هذا ما قاله والد اللبناني "عماد أمهز" حول اعتقال الاحتلال نجله
- عطّلت الرادارات البحرية: ماذا تُريد إسرائيل من عماد أمهز؟
- لبنان: نائب الناطق باسم "اليونيفيل" كانديس أرديل: "اليونيفيل" ليس لها أي علاقة في تسهيل أي عملية اختطاف أو انتهاك للسيادة اللبنانية