استثمارات حكومية ضخمة بالصناعات العسكرية الألمانية.. الدوافع والتداعيات

"تهدف الإستراتيجية الجديدة إلى تعزيز البعد الأوروبي للناتو"
منذ أكثر من عامين، وتعيش ألمانيا تغيرات متسارعة في العقيدة الأمنية والعسكرية، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي تعمل أميركا على تأجيجها.
وفي هذا السياق، يتحدث موقع "تيليبوليس" الألماني عن التحول الجوهري في السياسة الصناعية الألمانية المتعلقة بصناعة الدفاع.
حيث أعلنت الحكومة الألمانية، بقيادة وزيري الدفاع والاقتصاد، عن إستراتيجية وطنية جديدة تهدف إلى تعزيز صناعة الدفاع المحلية، في ظل التغيرات الأمنية العالمية المتسارعة.
ومن ناحية أخرى، يشير الموقع إلى أن الإستراتيجية تركز على التعاون الأوروبي من خلال إنشاء سوق موحد للدفاع، وتعزيز المعايير المشتركة مع حلف شمال الأطلسي “ناتو” لضمان التوافق بين الدول الأعضاء.
إضافة إلى ذلك، يذكر الموقع أن الشركات الكبرى -مثل "راينميتال"- استفادت بشكل كبير من هذه السياسات الجديدة؛ حيث سجلت زيادات ضخمة في الأرباح نتيجة للاستثمارات الحكومية.
وإجمالا، يلفت إلى أن هذه التحركات تمثل تحولا كبيرا في النهج الألماني التقليدي، حيث أصبحت الدولة ترى صناعة الدفاع كعنصر أساسي للأمن والسلام في أوروبا.
ألمانيا عن أمنها الخاص
مع "إستراتيجية الأمن الوطني وصناعة الدفاع" التي قدمها أخيرا وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ووزير الاقتصاد روبرت هابيك، من حزب الخضر، تخطط الحكومة الألمانية لـ "تكييف صناعة الدفاع الوطنية مع متطلبات الوضع السياسي الأمني الحالي".
وفي هذا الإطار، يسلط الموقع الضوء على أن أحد النقاط الرئيسة في الإستراتيجية تنص على أن الدولة يمكن أن "تشارك استثنائيا في حالات إستراتيجية خاصة في الشركات".
ونقلا عن ما لاحظته صحيفة "هاندلزبلات" الألمانية، فإن هذا الأمر يعد استثناء في ألمانيا حتى الآن، على عكس ما يحدث في الجارة فرنسا، حيث يُعد هذا النهج أكثر شيوعا.
وفيما يخص الإستراتيجية، يشير الموقع إلى أن هابيك صرح بأنها "توجه إشارة واضحة إلى الصناعة بأن الحكومة تعد صناعة الدفاع "جزءا لا غنى عنه" لتحقيق السلام والأمن في أوروبا وستعمل على دعمها".
وفي ظل تغير التهديدات بسبب "هجوم روسيا على أوكرانيا"، جاء في الوثيقة المكونة من 16 صفحة أن "ألمانيا ترى نفسها أكثر مسؤولية في المساهمة في أمنها الخاص وأمن حلفائها"، وفق ما ورد عن الموقع.

الاستخدام المزدوج
ولتأسيس صناعة أمن ودفاع قوية مستقبلية وذات كفاءة عالية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، يبرز الموقع ما توصي به الإستراتيجية، حيث أشارت إلى إنشاء "سوق أوروبية للسلع والخدمات الدفاعية" بالإضافة إلى "تعزيز التعاون عبر الحدود في مجال التسلح".
والهدف المعلن لضمان الأمن الوطني سيُحقق من خلال دعم اثنتي عشرة تقنية عسكرية رئيسة.
وتشمل هذه التقنيات -من بين أمور أخرى- تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتعلقة بالجيش والأمن والذكاء الاصطناعي وتقنيات الاستشعار ووسائل الحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تقنيات الكم والأنظمة غير المأهولة.
ومن المقرر أن يُربط البحث المدني بالبحث العسكري لتطوير تطبيقات الاستخدام المزدوج "Dual-Use"، التي يمكن استخدامها في كلا المجالين.

الإستراتيجية الجديدة
وبالنظر إلى تفاصيل الإستراتيجية الجديدة، يصف الموقع الألماني الدور الذي تتخذه الدولة بأنه "دور الطالب والممكن".
إذ تخطط الحكومة الألمانية، تحت هذا العنوان، لتعزيز "تنويع وسلامة سلاسل التوريد" لضمان توفير السلع المتعلقة بالأمن والدفاع.
ويضيف أن الدور المحوري للدولة يشمل أيضا إقامة "حوار وثيق مع الصناعة" لتأسيس عمليات تخطيط وتمويل وشراء أكثر مرونة وسرعة، وهو ما يتيح الاستفادة من الابتكارات بشكل أسرع لصالح القوات المسلحة والجهات والمنظمات ذات المهام الأمنية.
وتحقيقا لذلك، وبدعم الالتزام بهدف الناتو المتمثل في تخصيص 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، يذكر الموقع أن الحكومة ستضمن توفير تمويل مستدام وشامل لضمان "أمان الطلب" لشركات الدفاع.
إضافة إلى ذلك، سيُحسن وصول شركات الدفاع إلى القروض والتمويل القائم على أسواق رأس المال. ومع ذلك، يشير التقرير الإستراتيجي إلى أن هناك حاجة للتعديل في هذا المجال.
حيث يقول: "يجب تحقيق توازن بين متطلبات نقطة التحول من جهة، وتأثير معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) على الوصول إلى الأسواق المالية من جهة أخرى".
وأضافت الإستراتيجية أن "المفوضية الأوروبية، بقيادة أورسولا فون دير لاين، تسعى لإزالة هذه العقبة المحتملة من خلال إعلان أن صناعة الدفاع مستدامة".
وفي أبرز نقاط الوثيقة، على حد قول الموقع الألماني، يُنظر في استخدام "الدفعات المقدمة كأداة دعم مرافقة" في الحالات المناسبة.
كما يُدرس إمكانية أن تشارك الدولة "استثنائيا في حالات إستراتيجية خاصة" في شركات صناعات الأمن والدفاع، كما أشار الموقع سابقا.

نموذج القوة الجديد للناتو
وذكر الموقع أن الإستراتيجية الجديدة لا تهدف فقط إلى تعزيز التعاون الدفاعي بين ألمانيا وأوروبا، بل تؤكد أيضا على "ضرورة مراعاة (البعد الأورو-أطلسي) دائما".
حيث تسعى الحكومة الألمانية إلى تنفيذ "معايير جديدة للناتو" لتعزيز "التشغيل البيني وقابلية التبادل" للمعدات الدفاعية.
ومن خلال ما يُعرف بـ "مفاهيم الدولة القائدة" وعمليات الشراء المشتركة مع الدول الشريكة " على أساس متطلبات قدرات موحدة"، تهدف الإستراتيجية إلى تعزيز "البعد الأوروبي للناتو"، كما يؤكد الموقع الألماني.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الدفاع، أخيرا، عن دمج مروحيات القوات البرية والجوية في وحدة مشتركة لتحقيق "أهداف القدرات الخاصة بالناتو" و"تحسين قدرات الاستجابة في حالات الطوارئ ضمن الحلف".
وتحمل الوحدة الجديدة اسم "لواء الطيران NFM"؛ حيث تشير الأحرف إلى "نموذج القوة الجديد".
وهو برنامج مستقبلي يهدف من خلاله الناتو، وفقا لوزارة الدفاع، إلى تعزيز "قدرات الردع والدفاع".

"راينميتال" تحصل أكبر استفادة
كما يتحدث الموقع عن الشركات الألمانية للصناعات الدفاعية التي تحقق حاليا أكبر استفادة من الاستثمارات في ميزانية الدفاع، مشيرا إلى شركة "راينميتال"، والتي يقع مقرها في دوسلدورف.
ويذكر أن "الشركة سجلت خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نموا في الإيرادات بنسبة 36 بالمئة لتصل إلى 6.3 مليارات يورو، وزيادة في الأرباح التشغيلية بنسبة 72 بالمئة لتصل إلى 705 ملايين يورو".
ومن ناحية أخرى، يلفت الموقع النظر إلى أن "الشركة أثارت جدلا أخيرا بعد تعيين زيغمار غابرييل، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزير الاقتصاد السابق ورئيس منظمة "Atlantik-Brücke"، في منصب بمجلس الإشراف".
جدير بالإشارة إلى أنّ بداية فترة غابرييل جاءت متزامنة مع تطبيق نموذج القوة الجديد "New Force Model" الخاص بالناتو.
وهنا، ينقل الموقع ما قاله تقرير صحيفة "هاندلزبلات" بأن "الجيش الألماني يجب عليه أن يصبح مرة أخرى قادرا على الدفاع وبالتالي على القتال، وأن تصبح الركيزة الأوروبية للناتو قادرة على الردع مجددا".
أما مجلة "دير شبيجل"، فقد نشرت تغطيتها عن تعيين غابرييل بالإشارة إلى "تقرير من عام 2016، عندما لم تكن هناك تهديدات واضحة من روسيا، وكان وزير الاقتصاد آنذاك يدعم علنا شركات الدفاع الألمانية".
وفي هذه النقطة، اختتم موقع "تيليبوليس" تقريره بقوله إنه "من المفارقة أن غابرييل يتولى الإشراف على نفس الشركة الدفاعية التي دافع عنها في السابق".