وضع إسرائيل السيستاني ضمن بنك الاغتيالات.. تهديد حقيقي أم حرب نفسية؟
"لن يتجرأ العدو على هكذا خطأ إستراتيجي قاتل، لأن حينها لن يبقى حجرا على حجر"
في خطوة "تصعيدية"، وضعت القناة الـ14 الإسرائيلية، صورة المرجع الشيعي الأعلى بالعراق، علي السيستاني، ضمن بنك الاغتيالات الإسرائيلية، ما أثار تساؤلات عن دلالات ما أقدمت عليه القناة القريبة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ففي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ظهرت صورة السيستاني على القناة العبرية إلى جانب صور لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، ونعيم قاسم نائب أمين عام "حزب الله"، ورئيس حركة حماس يحيى السنوار، والمرشد الإيراني علي خامنئي، وقائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني.
وظهرت علامة "هدف" على رأس كل واحد من هؤلاء ضمن الصور المنشورة، من دون أن تفسّر القناة سبب وضع السيستاني ضمن قائمة الاغتيالات، إذ جاءت أثناء حديث مراسلها عن الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل في 1 أكتوبر.
خلافا للأسماء الأخرى، فإنه لم يسبق أن تحدثت إسرائيل عن السيستاني (94 عاما) كأحد أهداف الاغتيال، فهو مرجع ديني للشيعة الاثني عشرية الأصولية ويقيم في مدينة النجف وسط العراق، وهو من أكثر الشخصيات تأثيرا في البلاد نظرا لامتداد مرجعيته الدينية.
"خط أحمر"
على الصعيد الرسمي، أعلنت الحكومة العراقية، أنها "ترفض بأشدّ العبارات أي مساسٍ بمكانة المرجعية الدينية العليا في النجف، التي تحظى بتقدير واحترام كل الشعب العراقي والعالمينِ العربي والإسلامي والمجتمع الدولي".
وأفاد بيان للناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي في 9 أكتوبر، بأنه "بعد أن أوغل الكيان الصهيوني بحرب الإبادة الجماعية، وارتكب الجرائم المفضوحة ضدّ الإنسانية، وممارسته علنا القتل والعدوان في غزة ولبنان، يأتي الدور على وسائل إعلامه المحرّضة والعنصرية، في محاولة رخيصة للإساءة إلى صورة المرجعية الدينية العليا".
وحذر المتحدث "من خطورة هذه المحاولات المُستندة إلى خلفية فكرية عنصرية، وأسس أمعنت في الاستهتار بمقدّسات الشعوب، ما يشجع على توسيع دائرة العدوان ويعرض الأمن والسلم الدوليين إلى تهديد حقيقي".
وتابع: "يُثبت الكيان الصهيوني، مرّة أخرى، بأنه ليس سوى جماعة إجرامية تعتاش على اختلاق الأزمات، وتغذية العدوان والحروب، وتزداد عُزلتها يوماً بعد آخر، وما المواقف الشعبية والدولية في العالم الرافضة لسلوكه إلّا تأكيد لهذا المنحى العدواني".
وانطلاقا من هذه الوقائع، دعت الحكومة العراقية الأمين العام للأمم المتحدة، ومجمل المحافل الأممية والدولية، إلى رفض واستنكار كل ما يمسّ مشاعر المسلمين في العالم، ومحاولات النيل من الشخصيات ذات التأثير والاحترام العالمي.
من جهته، قال فادي الشمري المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، عبر تغريدة على منصة "إكس" في 9 أكتوبر، إن "مراجعنا العظام وفي مقدمتهم الإمام السيستاني خط أحمر غامق للمسلمين الشيعة في العالم وليس العراق فحسب".
وأضاف الشمري: "أقولها بضرسٍ قاطع لن يتجرأ العدو على هذا تلخطأ الإستراتيجي القاتل، لأن حينها لن يبقى حجر على حجر. لنركز على أهدافنا ولا يتم إلهاؤنا وتشتيتنا بحرب نفسية مكشوفة النوايا والمآلات".
بدوره، قال مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، في بيان له إننا "نشدد على أن المرجعية الدينية في العراق والعالم الإسلامي لها مكانتها واحترامها وثقلها ولا يمكن بأي حال من الأحوال التعرض لهذه المكانة، لما يشكله من خطر يهدد الرموز الدينية".
ووصف الأعرجي، جعل السيستاني هدفا إسرائيليا، بأنه "يمثل تهديدا صارخا بحق المراجع الدينية التي مازالت تنادي بالسلم وعدم التعرض لأرواح الأبرياء في كل بقاع الأرض".
استدراج للمعركة
وبخصوص دلالات وضع السيستاني هدفا لإسرائيل، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي، أنه "تهديد مباشر للمرجع الشيعي الأعلى، في حال دعا إلى (جهاد كفائي) ضد إسرائيل في حال استهدفت الأخيرة العراق وقادة مليشيات عراقية".
وعندما اجتاح تنظيم الدولة العراق وسيطر على ثلث مساحة البلد عام 2014، أعلن السيستاني، "الجهاد الكفائي" لمقاتلة التنظيم، إذ تشكلت بناء عليه قوات الحشد الشعبي من مجموعة من فصائل مسلحة كان العديد منها يقاتل في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد.
وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "الإسرائيليين ليس لديهم خطوط حمر، وبالتالي قد يقدمون على اغتيال السيستاني، فهم ربما يعتقدون أنه بضرب شخصية كبيرة مثل الأخير قد يكبح جماح قادة المليشيات، لكن قد يحصل العكس وتحدث فوضى بالعراق".
ولفت الباحث إلى أن "إسرائيل بقتلها للسيستاني تستدرج العراق للحرب وليس فقط المليشيات؛ لأن المرجعية تلعب دورا أشبه بولاية الفقيه، فهي أفتت بعدم مقاتلة الاحتلال الأميركي في 2003، وحثت على المشاركة بالانتخابات، وأعلنت الجهاد الكفائي ضد تنظيم الدولة عام 2014".
واستدرك المهداوي، قائلا: "صحيح أن إسرائيل تفعل ما يحلو لها، لكن أعتقد أن الولايات المتحدة لن تسمح لها باستهداف السيستاني، لأن دخول العراق الحرب، ليس من مصلحة الجميع، كونه بلدا نفطيا وتأثيره سيضر المصالح العربية والتركية والأميركية".
ولفت إلى أن "اغتيال السيستاني سيجبر جميع الشيعة للتحرك ضد إسرائيل والمصالح الأميركية، وليس فقط المليشيات الموالية لإيران، بل ربما تبرر للأخيرة هجماتها وتعيد إنعاش حاضنتها الشعبية؛ لأن اغتيال رمز شيعة العراق شيء، وقتل قيادي مليشياوي شيء آخر".
ومن زاوية أخرى، يضيف المهداوي، "تحاول إسرائيل، أن تكسب ود العالم الإسلامي السني، الناقم على الشيعة ورموزهم، لا سيما في العراق وسوريا واليمن ولبنان، والخليج، بأنها الوحيدة القادرة على تخليصهم من القيادات الشيعية، المتهمة بالتحريض على قتلهم وتشريدهم".
وتابع: "هذه الدعاية الإسرائيلية يجب عدم تصديقها بكل الأحوال، لأن إيران والاحتلال الإسرائيلي يتنافسان على قتل المسلمين وإضعافهم في العالم العربي والإسلامي، وأن الطرفين يحاولان إظهار نفسيهما على أنهما الوحيدان القادران على رفع الظلم في المنطقة".
"تخويف وتهويل"
وفي السياق ذاته، قال كاظم الفرطوسي المتحدث باسم مليشيا كتائب "سيد الشهداء" العراقية بقيادة أبو آلاء الولائي، إن "التهديدات الإسرائيلية والخطابات تعيش حالة من العشوائية، وهي قضايا نفسية، ومنها نية استهداف الكيان الصهيوني للمرجع السيستاني".
ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 9 أكتوبر، عن الفرطوسي، قوله إن “محاولة للضغط على الداخل العراقي وتخويف وتهويل حجم الرد”.
مشيرا إلى أن "المرجعية هي ليس من يُقال عنها خط أحمر، بل هي فوق كل تلك الخطوط وفوق كل الحسابات والمسميات، وهي المقدس الذي لا يمكن المساس به".
وحذر الفرطوسي "الكيان الصهيوني من ارتكاب أي حماقة تجاه المرجعية، لأنها تعني أننا سوف نخوض حربا طويلة لا تنتهي إلا بزوال إسرائيل".
وأوضح المتحدث أن "العراق في حالة حرب مع إسرائيل منذ سنة 1948، ولا يوجد أي شيء لإنهاء حالة الحرب لا اتفاقية دولية ولا غيرها وليس هناك هدنة أو أي قرار أممي".
وأردف: "لن تتوقف إسرائيل عن استهداف العراق، والاعتداءات الإسرائيلية على العراق هي متكررة، ولهذا نحن في حالة حرب ولا نحتاج إلى إعلان الحرب ضد هذا الكيان الغاصب".
من جهتها، استنكرت “الرابطة الإسلامية الشيعية العالمية”، خلال بيان لها في 9 أكتوبر، ما وصفته بـ"تحريض قناة 14 الإسرائيلية ضد المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية في العالم آية الله العظمى علي الحسيني السيستاني، وجعله ضمن بنك أهداف الكيان الصهيوني".
وتساءلت الرابطة اللبنانية عما إذا "كانت إسرائيل تريد الدخول في مواجهة شاملة عالمية مع كل المسلمين الشيعة كطائفة في كل العالم من خلال هذا الاستفزاز بالتهديد بقتل رموزها الدينيين عبر إعلامها.. بعدما كانت المواجهة شبه محصورة بينها وبين فريق من المسلمين".
وأضاف البيان أن "الرابطة تعارض أي عمل عدائي قد تقوم به إسرائيل ضد الشيعة في إيران أو ضد المرشد الأعلى المرجع الديني المجاهد علي الحسيني الخامنئي مد الله في عمره الشريف، والذي يشكل إحدى أبرز المرجعيات الشيعية بعد السيستاني".
ومنذ بدء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دأب "حزب الله" والحوثيون في اليمن، وجماعة تطلق على نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق" على إطلاق صواريخ ومسيرات تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك مساندة لغزة.
ومطلع أكتوبر 2024، شنت إيران هجوما بأكثر من 180 صاروخا على إسرائيل، وذلك "ردا على اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بطهران والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في بيروت ومجازرها في لبنان وغزة.
المصادر
- الاعرجي يشدد: المرجعية لها ثقلها ولا يمكن بأي حال التعرض لهذه المكانة
- قناة إسرائيلية تضع السيستاني ضمن قائمة الاغتيالات
- مستشار السوداني: السيد السيستاني "خط أحمر غامق" والعدو لن يتجرأ على المساس به
- ما حقيقة التهديدات الإسرائيلية للمرجع الشيعي السيد علي السيستاني؟
- الفصائل العراقية تعلق على "نية إسرائيل استهداف السيستاني: تهويل وتخويف
- الحكومة العراقية ترفض بأشدّ العبارات أي مساسٍ بمكانة مرجعية النجف الاشرف