أسقطوا نائبا داعما لغزة.. هل تنجح "أيباك" في السيطرة على الكونغرس الأميركي؟
إسرائيل الولاية الأميركية هي 51 التي تعد واشنطن حمايتها جزءا من دفاعها عن نفسها ومصالحها فوق مصالح الأميركيين
من يحكم أميركا؟ ظل هذا السؤال القديم يتردد دائما، وكانت إجابته محصورة بين "اللوبي اليهودي الأميركي الصهيوني"، و"المجمع الصناعي العسكري" الذي يستحوذ على إنتاج وبيع السلاح، لأن كليهما يشتري السياسيين والحكم لتحقيق مصالحهما.
كان المتصور، بعدما انتفض غالبية الأميركيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، رافضين دعم بلادهم لمجازر غزة، أن تغييرا ما حدث أو سيحدث، لأن الجيل الجديد، الذي سيحكم لاحقا، بدأ يضغط بقوة ويطالب بانتفاضة ضد هؤلاء الذين يتحكمون في قرار أميركا.
كانت انتخابات الكونغرس التمهيدية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتحديد من يصعد منهما لعضوية مجلس النواب، اختبارا لهذا التحول المأمول، لكن جاء بعض النتائج سلبيا وبعضها إيجابيا.
تكتل اللوبي الصهيوني الأميركي ضد نواب بالكونغرس دعموا غزة وانتقدوا الابادة الإسرائيلية، وإغراق الانتخابات بالأموال لإسقاطهم مثلما حدث مع نائب بارز داعم لغزة هو "جمال بومان" وهو ما يعد مؤشرا مقلقا، طرح السؤال: هل اللوبي الصهيوني لا يزال يحكم أميركا؟
تشويه السمعة
كان يوم 26 يونيو/حزيران 2024 أول اختبار لهذا الأمل في إزاحة نفوذ اللوبي الصهيوني، الذي ضخ 15 مليون دولار في دائرة الكونغرس رقم 16 لإسقاط النائب جمال بومان، لكن حدثت انتكاسة.
فلم يعتد الأميركيون أن يتم إنفاق 15 مليون دولار على انتخابات تمهيدية فرعية داخل حزب واحد (الديمقراطي) لترشيح نائب للكونجرس.
مما جعلها أغلى انتخابات تمهيدية في تاريخ مجلس النواب، وفق موقع "ذا هيل" الأميركي 25 يونيو 2024، انتهت بخسارة النائب عن الحزب الديمقراطي جمال بومان مقعده لصالح مرشح اللوبي الصهيوني من نفس الحزب "جورج لاتيمر".
تدفقت ملايين الدولارات على السباق من داخل وخارج المنطقة الانتخابية، من جانب اللوبي الصهيوني والمليارديرات اليهود الجمهوريين والديمقراطيين معا، لإسقاط النائب بومان بسبب دعمه لغزة، ومهاجمته الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
تبين أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) AIPAC انفقت الـ 15 مليون دولار على تشويه سمعة "جمال" بكل الأسلحة التي كانت بحوزتها بما في ذلك الإعلانات التلفزيونية والرقمية والبريدية المباشرة.
وعبر حملات الشوارع والمنصات ووسائل الإعلام وركزوا على وصفه بـ "النائب المتعاطف مع حماس والمتمرد"، لتشويهه وإسقاطه.
لذا اجتذب السباق بين بومان ومنافسه، أكبر قدر من الإنفاق الإعلاني في أي انتخابات تمهيدية في مجلس النواب في التاريخ، لكنه سلط الضوء على الانقسام الهائل في الحزب الديمقراطي بشأن حرب غزة، وفق شبكة "CNBC" 24 يونيو 2024.
وفي غضون شهر واحد فقط، أنفقت لجنة العمل السياسي الكبرى التابعة لـ "أيباك" 14.5 مليون دولار، أي ما يصل إلى 17 ألف دولار في الساعة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" 24 يونيو/حزيران 2024.
هذه التلال من ملايين الدولارات، التي كدسها اللوبي الصهيوني، حذر منها نائب الكونجرس جمال بومان، ومن خطورة اللوبي الصهيوني وسعيه بالأموال لإسقاط منتقدي الاحتلال الصهيوني وداعمي غزة قبل أن يتم اسقاطه لصالح مرشح اللوبي.
كتب يحذر عبر حسابه على إكس (تويتر): "نحن ننتفض ضد لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) ومليارديراتها من اليمين المتطرف، كل صوت سيسهم في ضمان دفاعنا عن صوت الشعب".
التحذير ذاته أطلقه السيناتور بيرني سندرز، وهو يحذر الأميركيين من المال الصهيوني المتحكم في انتخاب نواب أميركا.
قال عبر حسابه على أكس (تويتر): "نحن بحاجة إلى قادة في الكونجرس يقفون ضد شراء المليارديرات للانتخابات ويقاتلون لصالح الشعب وجمال بومان هو أحد هؤلاء القادة، اخرجوا وصوتوا لصالحه".
والمثير للاهتمام بشأن صراع النائب الأسود جمال بومان واللوبي الصهيوني، أنه كان مؤيدا لإسرائيل من قبل، إلى أن ذهب في زيارة للضفة الغربية والقدس عام 2021، وهناك رأى أن دولة الاحتلال هي "دولة فصل عنصري".
وحينئذ قال إنه أدرك أنه يجب عليه التحدث عن مآسي الفلسطينيين، حتى لو كلفه ذلك حياته المهنية، وفق مجلة "بولتيكو" الأميركية 21 يونيو/حزيران 2024.
قوة هائلة
وفق "مفوضية الانتخابات الأميركية"، يُعد أكبر مانحي الأموال لـ "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية"، أيباك، (التي تمثل اللوبي الصهيوني في أميركا) "هم من المليارديرات وأصحاب الملايين خاصة من الحزب الجمهوري".
هذه اللجنة، "أصبحت قوة هائلة لجمع التبرعات في الانتخابات الأميركية خلال السنوات الأخيرة، إذ جمعت أموالا للمرشحين المؤيدين لإسرائيل، أكثر من أي مؤسسة مماثلة في هذه الدورة الانتخابية، وفقا لمجلة "بوليتيكو" 9 يونيو 2024.
بحسب تحليل "بوليتيكو" لبيانات تمويل الحملات الانتخابية، أصبحت أيباك "أكبر مصدر لأموال الجمهوريين، التي تتدفق للانتخابات التمهيدية".
بين أن المرشحين الذين يتلقون الأموال من اللجنة، إما ديمقراطيون مؤيدون بشدة لإسرائيل مثل توريس وجوتايمر، أو أعضاء في قيادة الكونجرس، بما في ذلك رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزعيم الأقلية حكيم جيفريز.
التحليل أوضح أن المانحين الجمهوريين يركزون على التبرع لحملات المرشحين الديمقراطيين "الأكثر تأييدا لإسرائيل" في المقاعد التي تُعد فرص الجمهوريين ضعيفة فيها.
حيث يرون أن الدعم المالي للجمهوريين الضعفاء في بعض الدوائر سيكون إهداراً للموارد، فيتبرعون بهذه الأموال لـ "ديمقراطيين" مؤيدين لإسرائيل!
هذا يعني أن جزءاً كبيراً من الأموال التي تُستخدم لدعم مرشحين ديمقراطيين معينين في الانتخابات التمهيدية يأتي من مصادر مرتبطة بالحزب الجمهوري.
وكمثال على ذلك، نقلت "بوليتيكو" عن دوج فوراند، وهو مخطط إستراتيجي يعمل في حملة المرشح الديمقراطي جورج لاتيمر، قوله إن "مانحي أيباك دعموا مرشحه ضد جمال بومان ببساطة لدعم إسرائيل".
وهو ما يفسر ضمنا غضب النواب الديمقراطيين التقدميين (مثل بومان) بشأن "هذا التدخل (بالمال) من جانب الحزب الجمهوري في انتخابات نواب الحزب الديمقراطي"، أي تدخلهم ضد النواب غير المؤيدين لإسرائيل، وفق بوليتيكو.
تأثير مخيف
ويقول "أسامة أندرابي"، المتحدث باسم "منظمة الديمقراطيين من أجل العدالة"، وهي المجموعة التي دعمت بومان، لموقع "هافينجتون بوست" 25 يونيو/حزيران 2024، إن إنفاق اللوبي الصهيوني له "تأثير مخيف على الديمقراطية في أميركا".
وأضاف: "إن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية ترسل بما تفعله تحذيرا إلى نواب الكونجرس من "الكتلة الديمقراطية"، التي ينتمي لها جمال بومان، أنهم إذا انتقدوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو حكومة إسرائيل فسوف يخسرون!".
وبعد إسقاطها "بومان"، حولت "أيباك" ومجموعات أخرى انتباهها الآن إلى هزيمة النائبة "كوري بوش" من ميسوري في الانتخابات التمهيدية التي ستقام في أغسطس/آب 2024.
الأن، وعقب هذه الهزيمة لجمال بومان بمليارات دولارات اليهود الأميركيين، هدرت أمواج من الغضب عبر مواقع التواصل بين الأميركيين، وخاصة الشباب، الذين يدعمون نوابا "تقدميين" لا يخضعون لسيطرة اللوبي
ووفق مراقبين فإن جيلا كاملا في كل أميركا من الشباب، ومن فئات أخرى مثل السود، والخارجين عن السيطرة الصهيونية التقليدية باتوا غاضبين للغاية من الصهاينة واليهود الداعمين لإسرائيل.
ويؤكدون أن أيباك تفسد الديمقراطية في أميركا، عبر طرق غير شريفة وغير ديمقراطية للفوز بالانتخابات تعتمد على المال.
وبعضهم يقول إن الانتقام سيكون من الرئيس جو بايدن في انتخابات نوفمبر 2024، التي يكاد أن يخسرها بسبب عزوفهم عنه لسقوطه التام في أحضان الصهاينة وإنفاق أموال بلاده على حماية الدولة العبرية.
النائبة "ألكساندريا أوساكيو كورتيز" (ديمقراطية من نيويورك) قالت للصحفيين بعد هزيمة بومان: إنه يجب مراجعة دور حول لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، و"كيف تلعب "منظمة جمهورية" في المقام الأول وممولة من قبل الجمهوريين إلى حد كبير دورا مثيرا للانقسام للغاية في الحزب الديمقراطي".
مخربه للديمقراطية
وأشار تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز" 25 يونيو/حزيران 2024 حول خمسة استنتاجات من النتائج المترتبة على خسارة جمال بومان، أن هجمات أيباك ضده أدت إلى حشد حملة مضادة منسقة ضد "أيباك" شوهت صورتها، كمخربه للديمقراطية.
وأوضح التحليل أن "أيباك"، باتت متهمة بعدما تدخلت بالمال بين عضوين ديمقراطيين، بأنها أعادت الانقسامات العنصرية والطبقية بين الديمقراطيين بعدما تمكنوا من الحفاظ على تحالف من الناخبين السود واللاتينيين واليهود والشباب والليبراليين أيديولوجيا من جميع الأطياف، فاز على ترامب والجمهوريين عام 2020.
حيث أظهر السباق بين بومان (الأسود) ولاتيمر (الأبيض) مدى التصدع الذي أصاب هذا التحالف وسوف ينعكس سلبا على انتخابات الرئاسة والرئيس بايدن.
وقد اهتز نفوذ "أيباك" بعدما بدأ أميركيون يخرجون عن السردية اليهودية التقليدية، وشعروا بالرعب من خروج مراكز الحكم في أميركا أيضا عن السيطرة الصهيونية.
لذا قرع "أيباك" أجراس الخطر، وأطلق أضخم حملة دعم لمرشحي انتخابات الكونغرس المؤيدين لإسرائيلي وفق شبكة "NBC" نيوز الأميركية.
ويسعى هذا اللوبي بشكل خاص لإسقاط مجموعة نواب معادين للاحتلال الذين يُطلق عليهم "فرقة" أو "سكواد".
ومن أبرز أعضاء "السكواد"، إلهان عمر من مينيسوتا، ورشيدة طليب من ميشيغان، وأيانا بريسلي من ماساتشوستس، وجمال بومان وآخرون.
ويطلق عليهم اللوبي الصهيوني اسم "فرقة غزة"، لتشويههم، بسبب رفضهم العدوان الإسرائيلي، وقد خصص 100 مليون دولار لإسقاطهم في انتخابات 2024 بحسب ما ذكر موقع "الديمقراطية الآن" في يناير/كانون الثاني 2024.
وتشير تقديرات أميركية أخرى إلى أن أيباك تنفق ما بين 200 إلى 300 مليون دولار سنويا لشراء السياسيين الأميركيين.
وتتغني أيباك على موقعها الرسمي بأنها دعمت 365 مرشحا ديمقراطيا وجمهوريا مؤيدا لإسرائيل في عام 2022 بأكثر من 17 مليون دولار، كدعم مباشر، وكانت من بين أكبر 20 مانحا في الانتخابات بتبرعات مالية ضخمة.
زعمت أنها أسهمت في فوز 98 بالمئة من المرشحين المدعومين من أيباك في الانتخابات بينما أسهمت في هزيمة 13 مرشحا لا يؤيدون إسرائيل.
وظل اللوبي الصهيوني يسيطر تاريخيا على القرار في البيت الأبيض والكونجرس ما جعل إسرائيل الولاية الأميركية رقم 51 التي تعد أميركا الدفاع عنها جزءا من دفاعها عن نفسها، وتفضل مصالحها على مصالح الأميركيين.
ظهر هذا في العدوان على غزة في صورة صفقات سلاح ضخمة وإرسال قوات وبوارج وأساطيل وطائرات تجسس أميركية لدعم الحرب ضد الفلسطينيين.
ويقول"جون ميرشايمر" أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، إن العلاقة بين أميركا وإسرائيل ليست إستراتيجية ولا أخلاقية، ولا ناتجة عن مواءمات سياسية أو مصالح مشتركة لأميركا.
ولكنها ناتجة عن ضغط اللوبي اليهودي الأميركي بقسوة على الساسة الأميركيين، وتفضيله مصالح إسرائيل على أميركا.
وحذر "ميرشايمر" صُناع القرار في أميركا من أن الكيان الصهيوني سيضُر بمصالح الولايات المتحدة ويجعل العالم يعاديها بسبب دعمها مصالح إسرائيل العنصرية في العالم.
وسبق أن فضح عضو مجلس الشيوخ "ناصر بيضون" اللوبي وكيف يتحكم في شراء السياسيين الأميركيين حين كشف أنهم عرضوا عليه 20 مليون دولار للترشح ضد النائب الفلسطينية رشيدة طليب لأنهم يرغبون في إسقاطها.
بارقة أمل
المؤكد أن هزيمة النائب جمال بومان لا تعني انتصار اللوبي الصهيوني في كل معاركة ضد مؤيدي غزة ومنتقدي إسرائيل.
ففي نفس يوم هزيمة "بومان" فازت زميلته من نفس التيار التقدمي الذي يسمونه "الفرقة" أو "سكواد" squad، النائبة "ألكساندريا أوساكيو كورتيز" (ديمقراطية من نيويورك) كما فاز نواب آخرون معارضون للغزو الإسرائيلي لغزة والمجازر التي تجرى.
ورغم الحشد السياسي والإنفاق المالي بجنون، فقد خسر مرشحون دعمهم اللوبي الصهيوني.
حيث تفوقت النائبة المسلمة إلهان عمر وسمر لي على منافسيهما المدعومين من اللوبي الصهيوني بفارق كبير، رغم مواجهتهما إنفاقا ماليا باذخا من اللوبي لإسقاطهما ووصفها بأنها "إرهابية".
كما تفوقت النائبة المسلمة من أصل فلسطيني، رشيدة طليب، رغم إثارة انتقادها الصريح لإسرائيل حفيظة خصومها السياسيين، ومواجهتها منافسا قويا من اللوبي.
ويتميز أعضاء "سكواد" بدعمهم سياسات مثل التنوع والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وغالبا ما يعارضون السياسات العسكرية وينادون بالإصلاحات في النظام الاقتصادي والسياسي.
وهؤلاء النواب يعدون أصواتا قوية في الكونغرس ويعملون على تعزيز السياسات التي يرونها تعكس قيم العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي، وبعضهم يدعم غزة ويعارض الاحتلال الإسرائيلي.