حكومة بغداد أقامت الحداد على نصر الله وتجاهلت السنوار.. ما السبب؟

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

في موقف أثار الجدل والغضب، التزمت الحكومة العراقية الصمت حيال استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار.

وأثيرت تساؤلات عن أسباب عدم إصدار حكومة بغداد أي موقف، بعدما كانت أعلنت الحداد ثلاثة أيام على مقتل زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، التي وصفتها بالجريمة الآثمة، تعدت فيها إسرائيل “كل الخطوط الحمراء”.

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت "حماس"، رسميا استشهاد السنوار، بعد اشتباك خاضه مع قوات الاحتلال في مدينة رفح جنوب غزة، وذلك بعد يوم من إعلان إسرائيل أن الأخير قتل "بمحض الصدفة" في مبنى وُجِد به مسلحون.

"تمايز المواقف"

رغم عدم إصدار الحكومة العراقية أي موقف أو تعزية حيال استشهاد السنوار حتى يوم 19 أكتوبر، فقد أدانت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء وجوده في طهران لحضور مراسيم تسلم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان منصبه.

وجاء في بيان وزارة الخارجية العراقية في 31 يوليو/تموز، أن "هذه العملية العدوانية تُعد انتهاكا صارخا للقوانين الدولية وتهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة"، داعية المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الاعتداءات المتكررة وانتهاك سيادة الدول".

وفي وقت عبرت فيه الحكومة عن "تضامن العراق الكامل مع شعب فلسطين وقيادته في هذه اللحظات العصيبة"، أكدت أنه ملتزم "بدعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، بما فيها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

لكن في قضية اغتيال زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية يوم 27 سبتمبر/أيلول، كان موقف الدولة العراقية، أكثر اندفاعا وتفاعلا.

إذ أصدرت رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة إدانات شديدة، حتى وصل الأمر إلى إعلان الحداد العام في البلاد لمدة ثلاثة أيام.

وقال رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال بيان في 28 سبتمبر، إنه "في اعتداء آثم جديد، وجريمة تؤكد تعدي الكيان الصهيوني كل الخطوط الحمراء، ارتقى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، شهيدا على طريق الحق، لينال الحُسنى في الدنيا والآخرة".

وأضاف: "إن الفعل الإجرامي الذي استهدف الضاحية الجنوبية يعبر عن الرغبة المستهترة الساعية إلى توسعة الصراع، على حساب كل شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها".

وقبل بيان الحكومة العراقية وقرارها إعلان الحداد، كتب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تدوينة على منصة "إكس" في 28 سبتمبر، نعى فيها حسن نصر الله، بالقول: "وداعا يا رفيق درب المقاومة والممانعة كفيت ووفيت. نعلن الحداد في العراق لثلاثة أيام".

"ضغط أميركي"

وبخصوص غياب موقف الحكومة العراقية من استشهاد السنوار، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن "المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى أنها تتواصل مع الجانب الأميركي من أجل إبعاد العراق عن شبح الحرب والصِدام مع إسرائيل"

وأضاف العبيدي لـ"الاستقلال" أنه "قد يكون هذا السكوت ضمن الأثمان المدفوعة، والدليل أن السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي أجرت سلسلة لقاءات مع رئيس الحكومة العراقية وعدد من الوزراء خلال مدة قصيرة، وهذا مؤشر على حراك نشط في توقيت حساس".

وأوضح أن "لقاءات السفيرة الأميركية بالمسؤولين يعطي صورة عن دعم الولايات المتحدة للاستقرار السياسي والأمني، مقابل أن ينأى العراق بنفسه رسميا عما يجرى في المنطقة من عدوان إسرائيلي في فلسطين ولبنان، إضافة إلى سوريا".

ومنذ 10 إلى 18 أكتوبر، التقت السفيرة الأميركية برفقة عضو الكونغرس الأميركي سيث مولتون، رئيس الحكومة العراقية ووزراء الدفاع والمالية والنفط.

وأوضحت السفيرة عبر منصة "إكس" في 10 أكتوبر، بعد لقاء السوداني، أنه خلال اللقاء "تناولنا في نقاشنا أهمية التعاون المشترك لتعزيز الاستقرار الإقليمي ودعم سيادة العراق واستقراره وأمنه".

وأضافت: "تطرقنا إلى مسألة الانتقال نحو علاقة أمنية ثنائية وضرورة هزيمة تنظيم الدولة تماما. إن تعاوننا في إطار الشراكة الأميركية العراقية الشاملة يدفع قدما أهدافنا المشتركة، بما في ذلك بناء دولة عراقية قوية ومستقرة تسهم في نشر السلام والتقدم في المنطقة بأكملها".

ورأى العبيدي أن "إعلان الحكومة العراقية الحداد على نصر الله، ربما جاء بإحراج من الصدر الذي أصدر بيانا قبل السوداني، خصوصا أن الأول يحاول وضع رئيس الوزراء والإطار التنسيقي في الزاوية، حيال القضايا الشيعية في داخل العراق وخارجه".

وبيّن أن "حالة التنافس قائمة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي الذي انبثقت منه الحكومة، وبالتالي قد يندرج الدفع باتجاه إعلان الحداد في العراق على مقتل نصر الله ضمن هذا السياق". 

"سلوك طائفي"

وفي المقابل، قال الإعلامي العراقي، عثمان المختار خلال تدوينة على “إكس” في 18 أكتوبر، إن "السلوك الطائفي للحكومة والأحزاب الحاكمة في العراق يظهر بشكل فاضح".

وأضاف: "عندما قُتل حسن (نصر الله) أعلنوا حداد 3 أيام وشاعوا الحزن في نواديهم؛ حتى الآن لم يُعلّق أي طرف منهم على استشهاد يحيى السنوار، ولا حتى بيان. تفكيرهم وقرارهم وكل شأنهم منبعه طائفي".

وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، بهاء خليل، عبر "إكس" في 18 أكتوبر، إن "السنوار لأنه سني، لم تعلن الحكومة العراقية الحداد عليه، بينما نصر الله كونه شيعي، أعلنوا عليه الحداد ثلاثة أيام، تلاحظون بأي عقلية يحكمون البلد. ويتهموننا بالطائفية".

وفي ظل غياب أي موقف من الحكومة، أصدر الإطار التنسيقي الشيعي بيانا في 18 أكتوبر، جاء فيه: "لقد مثّل الشهيد السنوار امتدادا حقيقيا للمقاومين الذين نذروا أعمارهم لمواجهة هذا الكيان القميء الذليل الحقير".

وأضاف: "عزاؤنا إلى الشعب الفلسطيني الكريم وإلى عائلة الشهيد وذويه، ونؤكد لهم أن دماء الشهداء ستشعل الرفض في كل حر حتى تحقيق النصر وتحرير كامل التراب".

وكذلك صدرت بيانات إدانة لمقتل السنوار من عدة أحزاب شيعية، منها: حزب “الدعوة” بزعامة نوري المالكي، و"المجلس الأعلى" بقيادة همام حمودي، و"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، و"كتائب سيد الشهداء" بقيادة أبو آلاء الولائي، و"حركة النجباء” برئاسة أكرم الكعبي.

وعلق الصحفي العراقي، عمر الجنابي على بيان الإطار التنسيقي وباقي القوى والمليشيات الشيعية، قائلا: "بعد يوم كامل من الصمت، وحملة انتقادات طالتهم من صحفيين ومدونين على منصات التواصل، تفطنت أخيرا أحزاب وفصائل محور إيران في العراق، ونعت السنوار".

وأردف عبر "إكس" في 18 أكتوبر: "شتان بين رد فعلهم بعد مقتل نصر الله، واغتيال السنوار". 

وفي 18 أكتوبر، أقام العراقيون في محافظات ومدن ذات غالبية سنية، صلاة الغائب على السنوار، ورفعوا صوره في المساجد وتحدثوا عن مواقفه الشجاعة في التصدي للاحتلال الإسرائيلي.

وشملت المساجد التي أقامت صلاة الغائب محافظات ومدن الأنبار والفلوجة وبغداد ونينوى وصلاح الدين وتكريت وسامراء وذي قار والبصرة، إذ تحدثت خطب الجمعة عن حياة السنوار ومشاهد ظهوره الأخير قبل استشهاده.

وكتب المدون العراقي، فايز الشمري، على "إكس" في 18 أكتوبر: "يوم الجمعة في مساجد العراق، أقيمت صلاة الغائب على الشهيد والقائد المجاهد والفارس البطل يحيى السنوار. نسأل الله أن يتقبلك قبولا حسنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء في الفردوس الأعلى".

ونشر الناشط العراقي، زبير السامرائي، مقاطع فيديو على منصة "إكس" في 18 أكتوبر، والتي قال إنها "إقامة صلاة الغائب على روح البطل الشهيد يحيى السنوار في العراق محافظة صلاح الدين مدينة سامراء جامع العشرة المبشرين بالجنة".