جدل التطبيع مع إسرائيل يتجدد.. ما حقيقة رسو ناقلة نفط ليبية في حيفا؟

خالد كريزم | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية العلاقات بين ليبيا وإسرائيل إلى الواجهة من جديد بعد الكشف عن رسو ناقلة نفط مملوكة لحكومة طرابلس في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وهذه هي الحادثة الثانية من نوعها خلال عام التي تثير تساؤلات متجددة حول حقيقة وجود هذا النوع من العلاقات، لكنها تأتي اليوم في ظل عدوان إسرائيلي مدمر على قطاع غزة.

أنوار النصر

وكشفت مواقع لتتبع ناقلات النفط عن رسو ناقلة "أنوار النصر" المملوكة للحكومة الليبية في ميناء حيفا بالأراضي الفلسطينية المحتلة، قادمة من العاصمة طرابلس.

وأظهر موقع "مارين ترافك" الذي يتتبع مواقع ومعلومات السفن حول العالم، أن الناقلة انطلقت من طرابلس إلى حيفا ومن ثم إلى جزيرة قبرص.

كما تداول ناشطون ليبيون خط الرحلة، وفق مواقع تتبع مختلفة أظهرت ذات المسار للناقلة التي تعد من أبرز سفن الأسطول الليبي لنقل النفط ودخلت الخدمة منذ سنوات.

وبعد ساعات من تداول الخبر، نفت المؤسسة الوطنية للنفط ما يجرى تداوله حول رسو إحدى الناقلات الوطنية في أحد الموانئ بفلسطين المحتلة، “في محاولة للتشويش على المؤسسة”.

وقالت المؤسسة خلال بيان مقتضب في وقت متأخر من 21 أغسطس/آب إن “الإدارة المختصة على تواصل مستمر ومتابعة دقيقة لحركة النواقل وعمليات الشحن في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حوض البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال أنظمة مراقبة وملاحة حديثة وموثوقة”. 

وبالتزامن، قالت صحيفة المرصد الليبية إن الخبر الصحيح هو أن “الناقلة مجدولة في رحلة بين طرابلس وقبرص لنقل الوقود وليس لإسرائيل”.

وفي تغريدة على منصة إكس، أرجعت هذا الخطأ في تتبع السفن، إلى “تشويش عسكري إسرائيلي مستمر على أنظمة الملاحة GPS في شرق المتوسط”.

وبينت أن هذا التشويش “يتسبب في ظهور السفن والطائرات بغير محلها حيث تسبب في ظهور طائرات مدنية إسرائيلية في مطار بيروت وطائرات سورية في تل أبيب وأخرى تحلق في حركة دائرية بغير محلها كما تسبب بظهور الناقلة الليبية أنوار النصر في حيفا بينما هي في قبرص”.

واستندت في ذلك إلى أن موقع عالم الـGPS ووكالة رويترز البريطانية نشرا تقارير أخيرا عن تشويش إسرائيل المتواصل على أنظمة الملاحة في شرق المتوسط. 

 وقالت زارة الخارجية اللبنانية في 22 مارس/آذار 2024 إن لبنان سيتقدم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن ما أسمته انتهاك إسرائيل لسيادته من خلال تعطيل أنظمته الملاحية.

وفي 3 يوليو/تموز 2024، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن باحثين في جامعة تكساس في أوستن حددوا قاعدة جوية إسرائيلية كمصدر رئيس للهجوم على GPS مما عطل الملاحة الجوية المدنية في الشرق الأوسط.

وقالت الصحيفة: "ترسل الهجمات، المعروفة باسم التزييف، إشارات GPS مُتلاعب بها تجعل أجهزة الطائرة تقرأ موقعها بشكل خاطئ.

وقال الباحثان تود همفريز وزاك كليمنتس إنهما "واثقان للغاية" من أن هجمات التزييف نشأت من مطار عين شيمر العسكري في شمال إسرائيل.

وقد ارتفعت عمليات التلاعب بالهواتف، إلى جانب تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بشكل حاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، وخاصة بالقرب من مناطق الحرب في أوكرانيا وغزة، حيث تتدخل الجيوش في إشارات الملاحة لإحباط هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار.

وقد برز الشرق الأوسط كنقطة ساخنة أخيرا لهذا النوع من التلاعب. وتقول نيويورك تايمز: “لقد جعلت الهجمات الطيارين يعتقدون أنهم كانوا فوق مطارات في بيروت أو القاهرة عندما لم يكونوا كذلك”.

سوابق تثير الشكوك

وبالرغم من النفي والتشكيك، تفاعل العديد من الناشطين مع خبر رسو الناقلة الليبية في ميناء حيفا، واستذكروا حادثة أشعلت الجدل قبل نحو عام.

ففي أغسطس/آب 2023، عقدت وزيرة الخارجية الليبية السابقة نجلاء المنقوش اجتماعا في روما مع نظيرها الإسرائيلي السابق إيلي كوهين، وهو ما دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة لإيقافها عن العمل وإحالتها للتحقيق في السابع والعشرين من نفس الشهر.

ومن هنا أثيرت تساؤلات عن موقف ليبيا بحكومتيها وبرلمانها وشعبها من قضية التطبيع مع إسرائيل الذي يعد مجرما بالبلاد، في ظل سعي أطراف الحكم السياسي والمتنفذين العسكريين للبقاء في مراكز القوة والسلطة.

وتشهد ليبيا صراعا على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022 وحكومة الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا إلى حكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب، وحاولت الأطراف السياسية إجراء انتخابات أكثر من مرة دون أن تنجح في ذلك.

وبعدما أثار الكشف عن اللقاء الأخير جدلا حادا ومظاهرات حاشدة، قرر الدبيبة، إقالة المنقوش وأكد أن ما فعلته "لا يمثل موقف الحكومة والشعب".

ويشير قرار الدبيبة إيقاف المنقوش إلى أنه لم يكن على علم بالاجتماع. ومع ذلك، قال اثنان من كبار المسؤولين في الحكومة الليبية رفضا الكشف عن اسميهما إن رئيس الوزراء كان على علم بالمحادثات بين وزيرة خارجيته وكبير الدبلوماسيين الإسرائيليين.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس الأميركية عن أحد المسؤولين في 28 أغسطس، أن الدبيبة أعطى الضوء الأخضر للاجتماع في يوليو/ تموز 2023، عندما كان في زيارة إلى روما. وأضاف أن مكتب رئيس الوزراء رتب اللقاء بالتنسيق مع المنقوش.

وبين المسؤول الثاني للوكالة أن الاجتماع استمر نحو ساعتين، وأن المنقوش أطلعت الدبيبة على الأمر مباشرة بعد عودتها إلى العاصمة طرابلس.

وقال إن الاجتماع توج الجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة لجعل ليبيا تنضم إلى الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وأوضح أن تطبيع العلاقات نوقش لأول مرة في اجتماع بين الدبيبة ومدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز في طرابلس يناير/ كانون الثاني 2023.

ولفت إلى أن رئيس الوزراء الليبي أعطى موافقة مبدئية على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام التطبيعية التي توسطت فيها الولايات المتحدة، لكنه كان قلقا بشأن رد الفعل الشعبي العنيف في بلد معروف بدعمه للقضية الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن الأزمة بدأت بسبب الكشف عن اللقاء وليس مردها رفض الدبيبة للتطبيع، مستدلين على ذلك بتسريبات سابقة حول علاقته بإسرائيل.

وكان آخرها ما كشفته وكالة سبوتنيك الروسية من أن مسؤولا ليبيا زار إسرائيل أخيرا للتمهيد للقاء المنقوش وكوهين، حاملا رسائل من الدبيبة إلى حكومة تل أبيب خلال توقفه فيها قبل وصوله إلى رام الله، وفق ما نقلت عن مصادر محلية ليبية.

وأكدت المصادر أن محادثات سابقة جرت بين أعضاء حكومة الدبيبة والجانب الإسرائيلي برعاية "أميركية غربية"، مقابل بقاء حكومته في السلطة.

بدورها، نقلت الإذاعة العبرية عن مصادر قولها في نهاية أغسطس 2023، إن لقاء كوهين والمنقوش جاء بعد تنسيق كامل مع القيادات الليبية العليا. وحسب هذه المصادر فإن رئيس الحكومة الليبية معنيّ باستخدام إسرائيل كجسر للغرب وللإدارة الأميركية.

كما عد معهد الدراسات السياسية الدولية (إيطالي)، رواية الدبيبة وإنكاره أي نية لبدء التطبيع وكذلك فتحه تحقيقا في اللقاء "أمرا غير منطقي".

وأوضح في 28 أغسطس، أن عقد مثل هذا اللقاء على مستوى وزراء الخارجية لا يجرى دون موافقة أعلى هرم في السلطة، كما أن حقيقة عقده في روما تشير إلى ضرورة بقائه سريا.

من جانبه، قال الوزير الليبي السابق عمر حسن القويري لـ i24NEWS العبرية إنه "بعد تسريب الخبر وردة الفعل الغاضبة داخل ليبيا خصوصا من المناوئين لحكومة الدبيبة، اضطر رئيس الوزراء للتبرؤ من الأمر والإعلان عن أنه لا علاقة له بهذا اللقاء وأنه تصرف فردي من الوزيرة".

وأردف القويري أن "توقيف المنقوش سيناريو لامتصاص غضب الشارع الليبي لكن هذه الأمور مرتبة بينهما".

وبين أن الدبيبة يحاول بكل الطرق إنقاذ حكومته الضعيفة عبر الوصول إلى طريق نحو البيت الأبيض من بوابة العلاقات مع إسرائيل.

سباق محموم

وتحدث موقع أوراسيا ريفيو عن استمرار رغبة الدبيبة بالتطبيع مع إسرائيل حتى بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في مستوطنات غلاف غزة.

وقال الموقع في 14 يناير/كانون الثاني 2024 إن الدبيبة إلى جانب اللواء الانقلابي خليفة حفتر يبذلان جهودا لتحقيق هذا الهدف.

ففي سرية تامة، حطت طائرة لحفتر في مطار "بن غوريون" بتل أبيب، مرتين، الأولى في  2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 والثانية في منتصف يناير 2022.

وكان الهدف من الزيارات وفق صحيفة "هآرتس" العبرية "السعي إلى إقامة علاقات دبلوماسية من أجل الحصول على مساعدة عسكرية إسرائيلية مباشرة في الصراع" الدائر على السلطة.

فبعدما خسر معظم أوراقه في الداخل، بدأ اللواء الانقلابي الليبي حفتر المدعوم من البرلمان في طبرق، تقديم الولاء والطاعة للكيان الإسرائيلي من خلال نجله صدام، وذلك استباقا للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، دون أن تتم.

ولم تنفصل إسرائيل عن "الوضع الشائك" في ليبيا منذ سنوات، وهو ما أكدته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 27 يوليو/ تموز 2020، عندما قالت إن "ضباطا إسرائيليين تولوا تدريب مليشيات حفتر على حرب الشوارع في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها خلال أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2019".

ومن أخطر ما ورد في تقرير الصحيفة العبرية واسعة الانتشار أن "حفتر التقى ما بين 2017 و2019، بمبعوثي جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) في العديد من المناسبات بالعاصمة المصرية القاهرة، حيث أمدوا مليشياته وساعدوه في شراء تجهيزات الرؤية الليلية وبنادق القنص".

وفي 25 يونيو/ حزيران 2020، كشف موقع "ديبكا" العبري، عن عقد مجموعة من أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) مؤتمرا مع شخصيات سياسية مقربة من حفتر، في جزيرة رودس اليونانية عام 2017، تحت عنوان "المصالحة بين إسرائيل وليبيا".

وبرر رئيس اتحاد يهود ليبيا في إسرائيل، رفائيل لوزون، مشاركته في المؤتمر بأن "جميع الفصائل في البلاد تريد بناء علاقات مع تل أبيب".

ولكن في المقابل، يرفض الشعب الليبي التطبيع بشدة ويقف خلف القضية الفلسطينية، وهو ما أكدته المظاهرات الواسعة بعد حادثة المنقوش.

ويقول موقع أوراسيا ريفيو: “منذ نشأتها في عام 1948، تهدف إسرائيل إلى الجمع بين تفوقها العسكري والتكنولوجي وقدراتها السياسية والدبلوماسية، فضلا عن اعتمادها على الضغوط الأميركية، لتحقيق هدفها المتمثل في التطبيع الإستراتيجي”.

ولا تزال إسرائيل تحاول إقامة التطبيع مع ليبيا على الرغم من تدهور أوضاعها خاصة بعد الصراعات الداخلية التي أعقبت حكم معمر القذافي.

وأشار إلى أن “الجهود المستمرة التي تبذلها إسرائيل لتطبيع العلاقات مع ليبيا، والتي استمرت لما يقرب من 20 عاما، تشير إلى الجدية التي تنظر بها إلى أي علاقة محتملة بينها وبين النظام المعترف به دوليًا في طرابلس، أو حتى بينها وبين الجنرال خليفة حفتر وقواته”.

وبين أن إسرائيل “تهدف إلى تشكيل حكومة تلغي اتفاقية ترسيم الحدود المائية مع تركيا، لأنها ستمنح الأخيرة السيطرة على المنطقة التي سيمر بها خط الأنابيب المخطط له والذي يحمل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا”.

وتتضمن الخطة الإستراتيجية لإسرائيل بناء خطوط أنابيب غاز تحت البحر كجزء من مشروع إيست ميد لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. 

ولكن المسار المخطط له يتقاطع مع المنطقة البحرية بين تركيا وليبيا، كما حددتها اتفاقية 2019 بين أنقرة والحكومة الليبية. 

والحصول على موافقة تركيا أمر صعب بسبب الخلاف السياسي المستمر والمنافسة مع مشروع "ممر الغاز الجنوبي" التركي.

ولفت الموقع الأميركي إلى أن “هذا من شأنه أن يضع صادرات الغاز الإسرائيلية تحت رحمة القرارات التركية”.

وذكر أن “تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا سيكون بمثابة انتصار كبير لإسرائيل، مما يقربها من المناطق الحساسة، لا سيما الجزائر، بما يتماشى مع أهداف السياسة الأوسع لها في المنطقة العربية”.

ولذلك يؤكد الموقع أن مصالح إسرائيل في تطبيع العلاقات مع ليبيا واضحة وتشمل الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، بما في ذلك تصدير الغاز ومنع تهريب الأسلحة (إلى غزة).