آرون بوشنل.. عسكري أميركي دفع حياته ثمنا لفضح تواطؤ بلاده في إبادة غزة

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في يوم 25 فبراير/ شباط 2024، ارتدى الطيار في سلاح البحرية الأميركية آرون بوشنل زيه العسكري وتوجه إلى السفارة الإسرائيلية بالعاصمة واشنطن.

كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، حين بدأ بوشنل بثا مباشرا على منصة "تويتش" التابعة لموقع "أمازون".

وعند اقترابه من مقر سفارة الاحتلال، قال بوشنل وهو يسير بخطوات ثابتة: "سأنظم احتجاجا عنيفا للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيرا بالمقارنة مع ما يعيشه الفلسطينيون على أيدي محتليهم".

ثم وقف أمام بوابة السفارة، وسكب البنزين على رأسه وأضرم النار في نفسه، وهو يصرخ عاليا "الحرية لفلسطين"، كررها مرارا وتكرارا حتى توقف عن التنفس.

بعدها بعدة ساعات، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) وفاة بوشنل في المستشفى متأثرا بحروقه البالغة، ليسدل الستار على حياة الطيار الشاب لكن لم تنته سيرته التي سيخلدها التاريخ بهذه الواقعة. 

فمشهد بوشنل لن ينساه الأميركيون وإدارتهم بسهولة، فهو ليس إرهابيا، ولا مجنونا، ولا عربيا، أو مسلما، إنه أحد أفراد القوات المسلحة الأميركية.

ومن هنا ظهرت تساؤلات عن مسيرة الطيار الأميركي، فمن هو؟ وماذا درس؟ وما خلفياته السياسية والفكرية؟

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف من الضحايا معظمهم أطفال ونساء وتسببت في دمار هائل بالبنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب "إبادة جماعية".

بوشنل في سطور

آرون بوشنل يبلغ من العمر 25 عاما ينحدر من مدينة سان أنطونيو بولاية تكساس جنوبي أميركا.

وعن طفولته، نقلت مجلة "تايم" الأميركية يوم 26 فبراير 2024، عن بعض أصدقائه، أنه "كان الطفل الألطف صاحب الابتسامة الدائمة، الذي يسعى إلى مصادقة الجميع". 

وعن فترة نضوجه أفاد في أكثر من منشور له على منصات التواصل بأنه تبنى قيم التحرر وحرية الإنسان ورفض الظلم والقهر.

وحصل بوشنل على بكالوريوس هندسة البرمجيات في جامعة "ويسترن جوفرنرز" بولاية يوتا الأميركية.

واهتم كذلك بدراسة علوم الحاسوب، وفي سبتمبر/ أيلول 2020، حصل على شهادة CompTIA) Security+) للأمن السيبراني من جامعة ميريلاند.

وفي عام 2023 عمل بوشنل كمهندس برمجيات بينما كان تقدم للحصول على درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب أيضا من جامعة جنوب نيو هامبشاير.

ووفق شهادات زملائه المقربين فإنه كان مهندس برمجيات طموحا، ويتمتع بخبرة واسعة في تطوير الويب، ولديه موهبة لحل المشكلات المعقدة باستخدام التعليمات البرمجية.

خاصة أنه شغف بهذا المجال منذ صغره، حتى في سنوات مراهقته ما بين أعوام 2015 إلى 2017، عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير الويب لدى شركة (Paraclete Press)، وهي شركة ناشرة للكتب والموسيقى المسيحية مقرها في بروستر بولاية ماساتشوستس، وكانت والدته تعمل في نفس الشركة.

ويشير الحساب الشخصي لبوشنل على موقع "لينكد إن" إلى مشاركته في تلقي تدريب أساسي داخل القوات الجوية الأميركية لمدة سبعة أشهر، ومراقبة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات بالجيش الأميركي لمدة عامين.

وفق حساب آرون بوشنل على فيسبوك، فإنه كان يتابع صفحة مجتمع "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" التي تأسست في جامعة ولاية كينت الأميركية. 

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023، بدأ الجندي الأميركي متابعة الأحداث وما يحدث في إسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلة). 

ومع شن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلف عشرات الآلاف من الضحايا معظمهم أطفال ونساء، كتب بوشنل عبر حسابه بموقع "إكس": "يحب الكثير منا أن يسأل نفسه، ماذا كنت سأفعل لو كنت حيا أثناء العبودية؟ أو الفصل العنصري؟ ماذا سأفعل إذا كانت بلدي ترتكب جريمة الإبادة الجماعية؟"

وقد تأثر بوشنل بشدة بالكارثة الإنسانية في غزة وطالب بوقف الحرب، وتطور الأمر إلي أن وصل إلى التضحية بنفسه عندما أضرم النيران في جسده.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي آخر صرخات بوشنل "فلسطين حرة"، كما نقلوا عبارته الشهيرة "لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية في فلسطين".

لطمة بوشنل 

وحملت حركة "حماس"، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المسؤولية عن وفاة بوشنل، تنديدا بـ"الإبادة الجماعية" التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة.

وقالت الحركة في بيان: "تتحمل إدارة بايدن المسؤولية الكاملة عن وفاة الطيار في الجيش الأميركي آرون بوشنل، بفعل سياستها التي دعمت الكيان الصهيوني في حرب الإبادة ضد شعبنا الفلسطيني".

وأوضحت أن بوشنل "دفع حياته في سبيل تسليط الضوء على المجازر والتطهير العرقي الصهيوني ضد شعبنا في قطاع غزة".

وأعربت الحركة عن تعازيها وتضامنها مع عائلة وأصدقاء الطيار الأميركي.

وشددت على أن "بوشنل، خلّد اسمه كمدافع عن القيم الإنسانية ومظلومية الشعب الفلسطيني المكلوم بسبب الإدارة الأميركية وسياساتها الظالمة، مثل الناشطة الأميركية راشيل كوري، التي سحقتها جرافة صهيونية في رفح عام 2003".

ومضت حماس تقول إن رفح "هي نفس المدينة التي دفع بوشنل حياته ثمنا للضغط على حكومة بلاده لمنع الجيش الصهيوني المجرم من الهجوم عليها واقتراف مجازر وانتهاكات فيها".

وفي 16 مارس/ آذار 2003، تصدت الحقوقية الأميركية راشيل كوري، لمجنزرة إسرائيلية بجسدها الأعزل، رفضا لهدم بيوت مواطنين في غزة، لكنها لقيت حتفها تحت المجنزرة، لتصبح "أيقونة" التضامن العالمي مع أهل فلسطين.

وتابعت الحركة: "سيبقى الطيار البطل آرون بوشنل خالداً في ذاكرة شعبنا الفلسطيني وأحرار العالم، ورمزا لروح التضامن الإنساني العالمي مع شعبنا وقضيته العادلة".

ولفتت إلى أن الحادث "المأساوي" الذي أفقد الطيار بوشنل حياته هو "تعبير عن حالة الغضب المتنامي بين الشعب الأميركي الرافض لسياسة بلاده التي تسهم في قتل وإبادة شعبنا، والرافض لتعدي حكومة بلاده على القيم الإنسانية العالمية، عبر تقديم الغطاء لضمان إفلات الكيان وقادته النازيين من العقاب والمحاسبة".


 

من جانبها، علقت صفحة "الموقف المصري" على موقع "فيسبوك" على وفاة بوشنل بالقول: "الحادثة لطمة جديدة على وجه الحكومة الأميركية والجيش الأميركي، وجميعهم تزعموا الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة".

وأضافت: "تمثل كذلك لطمة لعدد كبير من مسؤولي إدارة بايدن، على رأسهم أنتوني بلينكن وزير خارجيته، ولويد أوستن وزير دفاعه، وجون كيربي المنسق العام لمجلس الأمن القومي، وجاك سوليفان مستشار الأمن القومي".

وأشارت إلى أن الحادثة ليست لطمة فقط لحكومات الولايات المتحدة أو النفاق الغربي وازدواجية المعايير، وإنما لطمة للضمير العالمي ككل، ولطمة لحكوماتنا الإقليمية التي تشاهد إسرائيل في عدوانها على غزة.
 

تضامن واسع 

وعبرت حادثة بوشنل المأساوية عن الغضب المتزايد بين الشعب الأميركي، الرافض لمسار إدارة بايدن الداعم والمساند الأكبر لإسرائيل في عدوانها الغاشم على غزة. 

وغداة الحادثة، نظمت وقفة كبيرة لنشطاء أميركيين بالشموع أمام مقر السفارة الإسرائيلية في واشنطن، في نفس المكان الذي أحرق فيه بوشنل نفسه احتجاجا على العدوان على غزة. 

وتعليقا على ذلك كتبت الإعلامية الفلسطينية "سمر جراح" عبر "إكس": "لحظات نادرة في الإعلام الأميركي الربحي: قراءة كل ما قاله الجندي أرون بوشنل عن أسباب إشعال النار بنفسه امام سفارة الكيان".

وأتبعت: "ملاحظة أن الرجل شاب أبيض من ولاية تكساس الجنوبية، ويخدم في سلاح الجو: أي كل مقومات تأييد الكيان فشلت في إخفاء حقيقة الإبادة الجماعية".

بينما كتب الناشط المقيم في الولايات المتحدة سام يوسف: "التاريخ يكرر نفسه.. آرون بوشنل، يحتج على الفظائع في فلسطين 2024، بينما الراهب المحترق، فيتنام، محتجا على الأعمال الوحشية في فيتنام عام 1963".

وذلك في إشارة منه إلى الراهب الفيتنامي الشهير الذي أحرق نفسه اعتراضا على الغزو الأميركي لفيتنام، والذي انتهى عام 1973 بالانسحاب الأميركي الشهير بعد أن تكبدت خسائر فادحة، لكنها أيضا ارتكبت مجازر وحشية سجلها التاريخ. 

من جانبه، قال الكاتب الدكتور رفيق عبدالسلام، إن مشهد طيار البحرية الأميركي، سيمثل بكل تأكيد هزة عنيفة في منظومة الانحياز والدعم الأميركيين المطلقين لدولة الاحتلال، وسيحرك الكثير من المياه الراكدة تحت الطبقات السميكة من التضليل السياسي والإعلامي الأميركيين.

وأضاف أن المشهد من بعض الوجوه يشبه حادثة حرق البوعزيزي في تونس لنفسه الذي هز منظومة التسلط في نظام -الرئيس التونسي الأسبق- بن علي وأشعل فتيل الثورات في أكثر من بلد عربي فيما بعد.

وخلص عبدالسلام، إلى أن مشهد حرق الجندي الأميركي لنفسه هو مقدمة لحرق شبكات الظلم والهيمنة الإمبريالية وسيحفز الكثير من الشباب الأميركي على مزيد التحرك والاحتجاج ضد حرب الإبادة في عزة، وسيكون له ما بعده بكل تأكيد.
 

مشهد طيار البحرية الأمريكي آرون بوشنال، وهو يقدم على حرق نفسه بتلك الصورة الاستعراضية أمام السفارة الاسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على حرب الإبادة الجماعية في غزة التي تدعمها بلاده، سيمثل بكل تأكيد هزة عنيفة في منظومة الانحياز والدعم الأمريكيين المطلقين لدولة الاحتلال، وسيحرك… pic.twitter.com/oBW7RklyGY

— Dr Rafik Abdessalem. د. رفيق عبد السلام (@RafikAbdessalem) February 26, 2024