تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران يثير حفيظة أوروبا.. ما القصة؟
"العلاقات بين تونس وروسيا والصين وإيران تاريخية وليست جديدة"
في تصريح لا يخلو من نزعة تحكمية، أبدى الاتحاد الأوروبي انزعاجه من التقارب بين تونس وكل من روسيا والصين وإيران، الأمر الذي عدته الدولة المغاربية تدخلا في شؤونها الداخلية.
هذا الموقف صدر عن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والذي أعرب عن قلق كتلة بروكسل البالغ إزاء تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران؛ الذي عده بمثابة "تطور مثير للقلق".
جاء ذلك خلال اجتماع مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي الذي عقد في 25 يونيو/حزيران 2024، حيث أشار بوريل إلى أن تونس تعد شريكا مهما للاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة.
وفي ضوء التطورات الداخلية والخارجية الأخيرة، قال بوريل إنه "يجب على الاتحاد أن يجري تقييما جماعيا ويتجنب بعض الأحداث التي تؤدي إلى تقارب بين الحكومة التونسية والصين وروسيا وإيران"، مؤكدا أن "هذا النقاش هو الأول من نوعه حول هذا الموضوع".
وكانت إيطاليا سباقة للتحذير من التقارب التونسي مع الصين وروسيا، عندما قال وزير خارجيتها، أنطونيو تاياني، 26 أبريل/نيسان 2023، إن هناك "حاجة إلى وجود سياسي ومالي للولايات المتحدة وأوروبا في تونس التي تعاني من وضع اقتصادي صعب".
وتابع المسؤول الإيطالي، في تصريحات إذاعية نقلتها وكالة "آكي" الإيطالية في نسختها العربية: "الخطأ الذي يجب ألا يرتكبه الغرب، وقد قلته أيضا لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: دعونا لا نترك تونس بين أيادٍ روسية أو صينية".
اختيار الشركاء
وسبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن توجه إلى طهران في 22 مايو/أيار 2024، للتعزية في وفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي.
وبعد تلك الزيارة أعلنت وزارة الخارجية التونسية منتصف يونيو 2024، إلغاء تأشيرة دخول الإيرانيين إلى البلاد، في خطوة تعزز هذا التقارب الثنائي.
وبالموازاة مع ذلك، أدى سعيد في 28 مايو، زيارة إلى الصين حضر خلالها أشغال الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني.
وقال سعيد في زيارته إلى بكين إن "تونس تتقاسم مع الصين عديد المبادئ والمثل، وهي حريصة على تكثيف العمل المشترك والتنسيق من أجل استشراف فرص تعاون جديدة بين البلدين".
وكذلك "إطلاق شراكات إستراتيجية في أقرب الآجال في قطاعات ذات أولوية قصوى، من بينها الصحة والنقل الحديدي والجوي والبنية التحتية إلى جانب السياحة والمنشآت الرياضية".
وفي 21 ديسمبر/كانون أول 2023، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة إلى تونس التقى خلالها سعيد.
وأكد لافروف وقتها حرص بلاده "على مزيد تدعيم روابط الصداقة المتينة والتعاون المثمر القائمة بين البلدين، لا سيّما في قطاعات الفلاحة والحبوب والطاقة والسياحة والتعاون الثقافي والعلمي والتبادل الطلابي".
من جانبها، أصدرت السفارة التونسية في بلجيكا، بيانا للرد على تصريحات مسؤول الخارجية بالاتحاد الأوروبي، 25 يونيو 2024 قالت فيه "الحكومة في تونس تمثل تطلعات الشعب بشكل شرعي، وتعبر عن إرادتها السيادية".
وشدد البيان على أن "تونس تجري علاقاتها مع جميع شركائها بشكل مستقل، وتظل ملتزمة باتساق ومكاسب شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، وتعمل على ضمان تكييفها باستمرار مع التحديات والتغيرات الجارية".
من جانبه، أكد وزير الشؤون الخارجية نبيل عمار، أن "العلاقات بين تونس وروسيا والصين وإيران تاريخية وليست جديدة"، وأن بلاده "تختار الشركاء وفق المصالح لا وفق أيديولوجيات".
وأوضح عمار في ندوة صحفية عقدها بمقر الوزارة 27 يونيو، أنه "في السابق كان بعض المسؤولين يخافون من إعلان العلاقات مع تلك الدول، أما اليوم، فكل شيء يقال بوضوح".
ورأى أن "خيارات رئيس الدولة واضحة، وهي تنويع الشركاء والأصدقاء، وإقامة علاقات متوازنة مع الجميع، بما فيه الاتحاد الأوروبي، بما يخدم مصالح تونس".
وقال عمار إن تصريح بوريل لا يمثل مواقف كل دول الاتحاد الأوروبي، وأنه مبني على تقييمات خاطئة يسوقها البعض، مضيفا: "لماذا هم خائفون وقلقون من علاقتنا الخارجية، نحن لا نقبل دروسا من أحد".
وشدد وزير الخارجية على أن "تونس لها علاقات مع جميع الأطراف الدولية، سواء أوروبا أو أميركا أو الدول الأخرى، ولا تستبعد أي شريك دولي يخدم مصالحها".
وخلص إلى أن العالم يشهد صراعا دبلوماسيا واقتصاديا، وكل دولة تحاول الدفاع عن مصالحها بقدر المستطاع، وأن من مصلحة البلاد تنويع العلاقات.
قراءات متعددة
يرى المحلل السياسي نصر الدين السويلمي، أن توجه قيس سعيد إلى الدول الثلاث المذكورة لم يأت نتيجة لإستراتيجية طويلة أو متوسطة الأمد، وإنما هي عملية انتقامية أو استفزازية.
وأوضح السويلمي لـ "الاستقلال"، أن هذا التوجه جاء نتيجة فكرة تقليدية عتيقة، حيث يعتقد سعيد في رأيه أو ذهنه أنه سيضرب أكثر من عصفور بحجر واحد عبر هذا التوجه.
"ومنها اعتقاده أنه سيستفز الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وأنه سيعاقبهم، ظنا منه أنه قوة كبيرة، وأن موقعه الإستراتيجي الضخم والرهيب قادر على زلزلة القوى الغربية التي أدانت انقلابه على المؤسسات بشكل أو بآخر".
وتابع السويلمي، إذ إن "العديد من مؤسسات الدول الغربية ما تزال تصدر تقارير وتوصيات على المستوى الحقوقي والسياسي وضرورة عودة الديمقراطية واستمرار الانتقال الديمقراطي في البلاد"، وذلك بعد سيطرة سعيد على جميع السلطات في انقلاب يوليو/تموز 2021.
وقال المحلل السياسي إن "تصريح مسؤول الخارجية بالاتحاد الأوروبي يشير إلى أن الأخير يريد أن يلعب مع سعيد على المكشوف، كما يريد أن يضع الأوراق على الطاولة".
من جانبه، رأى الدبلوماسي التونسي السابق نجيب حشانة، أن تصريحات جوزيب بوريل تتضمن نزعة استعمارية قديمة بأن تبقى تونس تحت "سلطة أوروبا"، وذلك بتدخله في علاقاتها الخارجية.
وقال حشانة في تصريح لإذاعة "جوهرة"، 27 يونيو 2024، إن اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي لا تمنع الدولة من ربط علاقات مع طرف آخر، أو أن يكون لديها شركاء جدد بحكم التحولات العالمية وذلك ضمن سياسة تنويع الشركاء.
ووفق ترجيحه يأتي هذا التصريح الأوروبي في إطار ممارسة الضغوط لكبح تونس من توجهها نحو تطوير علاقتها مع الصين أو روسيا.
ورأى أن تنويع تونس لعلاقاتها الخارجية مهم جدا ويضمن القرار السيادي لها.
أما المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، فيرى أن "هذا القلق الأوروبي طبيعي ومنتظر، لأن تونس بلد مهم للأوروبيين، إذ يعدونه ضمن منطقة نفوذهم السياسي والاقتصادي وهم غير مستعدين لتسليم هذا البلد لأي قطب آخر".
ويرى الجورشي في حديث لموقع "أصوات مغاربية"، 26 يونيو 2024، أن "مرد هذا القلق هو النسق السريع للتقارب التونسي مع الصين وروسيا، بينما تزداد المسافة مع الأوروبيين اتساعا يوما بعد يوم".
وأشار إلى أن "انضمام تونس إلى الجزائر في تقاربها مع هذا القطب سيحدث اختلالا إستراتيجيا مهما في شمال إفريقيا بالنسبة لبروكسل".
ويرى المتحدث ذاته أنه "يصعب التكهن بردة الفعل الأوروبية إزاء التقارب التونسي مع دول هذا المحور، خاصة في ظل وجود خلافات أوروبية داخلية حول هذه المسألة".
أنصار الرئيس
أبدى محمود بن مبروك، أمين عام حزب "مسار 25 جويلية" (المؤيد لسياسات الرئيس سعيّد) تأييده لاتجاه بلاده نحو تنويع علاقاتها الدبلوماسية، بفتح نافذة نحو الشرق.
وقال ابن مبروك في تصريحات صحفية، "نحن من أوائل الناس الذين دعوا إلى تنويع العلاقات الدبلوماسية التونسية، وتحدثنا عن ضرورة الانضمام إلى مجموعة البريكس (تكتل سياسي اقتصادي دولي) منذ سنة ونصف".
وأضاف: "الرئيس استجاب ونوع العلاقات الدبلوماسية مع المحافظة على العلاقات القديمة".
واستدرك: "لكننا نحتاج أكثر للعلاقات الجديدة مع روسيا والصين".
ورأى أن من مؤشرات توجه القيادة التونسية لتنويع العلاقات خلال الفترة الأخيرة، استقبال وزراء خارجية الصين وروسيا وإندونيسيا ورئيس البرلمان الكوري الجنوبي.
وأشار في هذا الصدد إلى مشاريع كبيرة تُنجز حاليا في تونس بأيدٍ صينية، فيما تضع "البريكس" بصمتها عبر مشاريع أخرى.
ورفض ابن مبروك تهويل البعض في المخاطر التي قد تتعرض لها تونس جراء تنويع علاقاتها الخارجية.
وقال: "نحن لن ندخل في حرب مع أي دولة، بل نحن مع تنويع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وفتح آفاق لهذا الشعب".
وأضاف: "نحن مع فتح آفاق أمام شباب تونس للتكوين (للتدريب) المهني والدراسة في الخارج، لا أن تكون علاقاتنا الاقتصادية مقتصرة على الجانب الأوروبي والأميركي".
ورأى أن تونس كانت "منحازة للجانب الأوروبي الأميركي، والآن نريد علاقات على نفس المسافة من الشرق والغرب".
كما أكد على حاجة بلاده إلى بناء علاقات مع الدول التي ترحب بأن "تكون تونس بوابة لإفريقيا".
في المقابل، يعتقد نصر الدين السويلمي، أن سعيد لا يستطيع إلا أن يتعايش مع مثل هذه الدول، أي روسيا والصين وإيران، نظرا لإعجابه بنظمها السياسية.
وقال السويملي لـ "الاستقلال"، إنه على المستوى المنهجي، "نرى أنه تقارب مع الجزائر لأن لها ديمقراطية موجهة في ظل مركزية القرار السياسي، وهذا يتماشى مع فلسفته القائمة على عدم التفاعل مع ديمقراطية مفتوحة".
وزاد، أن النظام في إيران هو في نفس الشكل، من حيث إنه ديمقراطية موجهة تحت سلطة ولاية الفقيه ومجمع تشخيص مصلحة النظام، كذلك الشأن في روسيا، أما الصين فهي دولة شمولية مغلقة، وفق المتحدث ذاته.
ورأى السويلمي أن سعيد لا يريد الاحتكاك بالدول الديمقراطية لأن ذلك لا يساعده على أهدافه السياسية.
بل إن الدول الثلاث المذكورة تغذي فكرته الديكتاتورية الشمولية، التي يمارسها في تونس ما بعد وصوله للرئاسة وانقلابه على الدستور والمؤسسات المنتخبة، وفق تقديره.