وسط حديث عن هدنة.. ماذا يعني إعلان جيش السودان التعبئة العامة؟

شدوى الصلاح | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في مسعى لمواجهة التحديات الأمنية التي يتعرض لها السودان وتعزيز الروح الوطنية وتوحيد الجبهة الداخلية، أعلن مجلس الأمن والدفاع، التعبئة العامة للقوات المسلحة، واستنهض الشعب للمساعدة في القضاء على تمرد مليشيا الدعم السريع.

وفي ختام اجتماع طارئ عقده في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، بالخرطوم، وسط استمرار القتال بمناطق متعددة من البلاد، حيّا المجلس الشعب السوداني وتضحياته وترحَّم على شهداء معركة الكرامة، مؤكدا وقوف الدولة بجانب أسر الشهداء والأسرى والمفقودين.

وأوضح في بيان، أن الاجتماع ناقش "الترتيبات اللازمة لعدم تكرار مأساة الفاشر، كما تم التعرض للموقف السياسي والعسكري الأمني بجميع أنحاء البلاد"، داعيا إلى متابعة جهود الاستنفار والتعبئة للقضاء على "المليشيا المتمردة ومرتزقتها". 

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، استولت المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” على الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، وارتكبت مجازر بحق المدنيين، وسط تحذيرات من تكريس تقسيم جغرافي للبلاد.

وباقتحامها الفاشر، تسيطر مليشيات الدعم السريع المدعومة من الإمارات حاليا على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، وتشمل محافظات كرنوي وأمبرو والطينة شمالي الولاية.

ويشكل إقليم دارفور نحو خمس مساحة السودان، غير أن غالبية السودانيين البالغ عددهم 50 مليونا يسكنون في مناطق سيطرة الجيش.

وأشار البيان إلى أنه استعرض “الانتهاكات الجسيمة غير المسبوقة التي ترتكبها مليشيا آل دقلو الإرهابية بحق المواطنين العزل والتي أدانها المجتمع الدولي”.

واستنكر تقاعس مؤسسات المجتمع الدولي عن حمل المليشيا على تنفيذ القرارات الأممية الخاصة بعدم إمداد إقليم دارفور بالسلاح وفك حصار الفاشر.

وناقش الوضع الإنساني والمبادرات المقدمة من بعض الأطراف الدولية، ورحّب "بالجهود المخلصة التي تدعو إلى إنهاء معاناة السودانيين جراء تمرد المليشيا الإرهابية"، مقدما الشكر لمسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جهوده المقدرة حيال الأزمة.

وقال وزير الدفاع السوداني حسن داوود: "مستمرون في استنهاض الشعب لمساعدة الجيش بالقضاء على مليشيا الدعم السريع". مشيرا إلى أنهم سيواصلون القتال في مواجهة الأخيرة.

وأضاف في خطاب بثه التلفزيون الرسمي عقب اجتماع المجلس: "نشكر إدارة ترامب على جهودها ومقترحاتها لتحقيق السلام.. التجهيزات لمعركة الشعب السوداني متواصلة"، قائلا: "تجهيزاتنا للحرب حق وطني مشروع".

وفي موجز صحفي، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت: إن بلادها "تبذل جهودا فعالة لإيجاد حل سلمي للصراع المروع في السودان، وعازمون على العمل مع شركائنا الدوليين بمن فيهم مصر والسعودية والإمارات والدول الأخرى".

وأضافت: "نريد أن نسير في مسار سلام قائم على التفاوض، يعالج الأزمة الإنسانية بشكل عاجل والتحديات السياسية طويلة الأمد". مشيرة إلى أن الوضع على الأرض في السودان "مُعقّد للغاية" وأن الحل لا يمكن أن يكون ممكنا إلا بمشاركة جميع الأطراف المعنية.

وجاءت تصريحات البيت الأبيض في أعقاب تصاعد الجدل بالسودان حول مقترح تقدمت به الولايات المتحدة للجيش ومليشيات الدعم السريع يتعلق بهدنة إنسانية في البلاد لمدة 3 أشهر، وسط تباين في مواقف الأطراف الفاعلة في المشهد وتفاؤل حذر من واشنطن بإمكانية الموافقة عليها.

وبينما لم يعلن المجلس موقفا واضحا تجاه المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، أكد عضو في نفس المؤسسة (لم يكشف عن اسمه) لقناة الجزيرة أنه لن تكون هناك هدنة إلا بانسحاب الدعم السريع من المدن التي احتلتها والتخلي عن سلاحها وخروجها من المدن والتجمع في معسكرات محددة.

وتوقع ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أن يكون لقرار التعبئة العامة تبعات في قادم الأيام تنهي مليشيا الجنجويد، مشيرين إلى أن بيانه لم يجب بشكل قاطع على المقترح الأميركي للهدنة الإنسانية في البلاد واكتفى بتقديم الشكر للولايات المتحدة.

وخلصوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي “إكس” و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #التعبئة_الشعبية_العامة، مشروع_الإمارات_ينهار، #جيش_واحد_شعب_واحد، إلى أن موقف المجلس يعني رفضا مباشرا وصريحا لأي هدنة لا تردع المليشيا.

وقال وزير الثقافة والإعلام والسياحة خالد الإعيسر: إن السودانيين يعولون على تماسك وحدتهم وإرادتهم الوطنية، لا على أي جهة أخرى صمتت عن الحق وتخاذلت في إنصاف الضحايا، ولم تجرِّم المليشيات وداعميها، وتجردت من القيم الإنسانية والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

وأضاف أن الشعب السوداني سيواصل نفيره تحت إطار قومي ووطني موحد، بعيدا عن العصبية القبلية والمناطقية، مؤكدا دعمه لقواته المسلحة في حماية البلاد والحفاظ على كرامتها، في زحف جديد متصل بالزحف السابق الذي فكك الأجندات وهزم المؤامرات.

وتابع الإعيسر: "زحف لا سكون بعده حتى يرد هذا الشعب العظيم كيد الكائدين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين وظلم الظالمين، ويدحر المرتزقة المأجورين، والقتلة المجرمين وكل الإرهابيين".

إعلان حرب

وتعقيبا على إعلان السودان التعبئة، قال مكاوي الملك: "الله أكبر.. بُشرى تَقْصمُ ظهور الأعداء.. قيادة الدولة ترد اليوم على العالم بلغة الأبطال.. بإعلان التعبئة العامة والاستنفار الشامل!".

وأضاف أن مشاهد اليوم تُذيب القلب فرحةً. مشيرا إلى أن عشرات المعسكرات تفيض بأبطال السودان، وآلاف المتطوعين يندفعون كالسيول الجارفة".  

وعرض الملك مقاطع فيديو تظهر سلاح الجو البطل يمزق أوكار المليشيات إربا إربا والقوات البرية تسير في صمت الأقوياء: تقدم إستراتيجي في كل المحاور.. خطط متكاملة لتدمير مشروع دويلة السر الإمارات وضربات صامتة تقلب موازين المعركة.

وأكد: "لن تمر جريمة.. ولن تبقى أرض.. ولن ينسى دم..السودان يكتب فصله الجديد بدماء الأبطال!".

وقال معاوية عبدالله: إن إعلان التعبئة العامة والاستنفار والمقاومة الشعبية هي المسمار الأخير والقوي في نعش الرباعية وإعلان أن الشعب السوداني هو الذي يقرّر بشأن المفاوضات والاتفاقات مع المليشيا وأن القوات المسلحة هي التي تدير المشهد.

وأضاف أن لذلك كان الشعار جيش واحد شعب واحد، وبهذا نقول للعالم أجمع نحن دولة ذات سيادة وإرادة حرة لا يستطيع أحد أن يملي علينا شيئا وكلنا يد واحدة ضد العدو وحتما سننتصر وكل أجزائه لنا وطن.

وأكد السياسي أحمد مقلد، أن السودان لم يُتْرَك له خيار آخر سوى إعلان التعبئة العامة، قائلا: "سنقاوم بكل ما نملك مشروع الهيمنة والوصاية الخارجي على وطننا، ولن نخضع ولن نركع للمشروع الذي يريد أن يفرض علينا من يقتلنا ومن ينتهك حرماتنا ويعتدي على سيادتنا".

وأوضح أن إعلان التعبئة العامة رد فعل طبيعي لأن الإمارات تقتل السودانيين أمام أعين العالم وبغطاء أميركي أوروبي، لذا لا يوجد من سيدافع عنهم إلا هم أنفسهم.

ورأى إبراهيم شريف، أن قرار مجلس الأمن والدفاع برفض الهدنة الأميركية وإعلان التعبئة العامة ليس قرارا عاديا، وإنما إعلان حرب جديد، ورد فعل مباشر على الواقع العسكري الجديد.

وأشار إلى أن مقترح الهدنة من أميركا كان محاولة لإدارة الأزمة ومنع انتصار أي طرف والتسوية، موضحا أن رفض الجيش للمقترح يعني أن أميركا فقدت نفوذها على قيادته، ودورها القادم سيكون العقوبات والضغط وليس الحل.

وتوقع شريف أن يزيد دعم مصر وتركيا للجيش السوداني، وأكد وجوب حدوث ذلك، مشيرا إلى أن قراره بالتعبئة العامة والحسم العسكري يحتاج رصيدا من السلاح النوعي خاصة المسيرات التركية والدعم اللوجستي.

ولفت إلى أن الحل السياسي والهدنة فشلت، وبيان الجيش أنهى المنطقة الرمادية، ويعني إما التعبئة العامة للنصر أو السقوط.

تحليلات وقراءات 

وفي تحليلات وقراءات لقرارات المجلس، قال وليد عنبوور: إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وجد نفسه في مأزق وحرج بين الموقف الدولي الذي يطالب بهدنة إنسانية لأغراض إنسانية وبين ضغوط داخلية من قوى سياسية وعسكرية ترى فيها تهديدا لها ولنفوذها ومصالحها وتراجع عن الحسم.

وأضاف أن مخرجات الاجتماع خرجت كمحاولة للتوفيق بين المسارين عبر تبني خطاب مزدوج يجمع بين الانفتاح على المبادرات الدولية وبين استنهاض الجبهة الداخلية عبر الدعوة إلى التعبئة ومساندة القوات المسلحة.

وأكد عنبوور، أن مخرجات الاجتماع لا تعكس أي تقدم ميداني حاسم إنما تقرأ كمجموعة من الرسائل التكتيكية التي تهدف إلى تثبيت موقع القيادات العسكرية وأطراف سلام جوبا في المشهد السياسي رغم تعثرها في تحقيق اختراق على الأرض.

ورأى أن الدعوة إلى التعبئة العامة لا تمثل مؤشرا على تفوق عسكري، إنما تُوظّف كأداة رمزية لإعادة تأكيد شرعية هذه القيادة وتفادي الاتهام بالتخاذل والخيانة أو الخضوع للضغوط الأميركية.

وأشار عنبوور إلى أن البيان اتَّسم بلغة مزدوجة تحاول التوفيق بين مطالبات الخارج ومطالب مجموعة الداخل التي تدعم الحرب وذلك بالإشارة إلى تسهيل العمل الإنساني وشكر الولايات المتحدة وكأنما هناك ما تم الاتفاق عليه.

ولفت إلى أن البيان استخدم مصطلحات مثل المليشيا الإرهابية وآل دقلو حتى ينسجم مع خطاب دعاة الحرب، موضحا أن هذا ما يسمى في السياسة فن إدارة التناقضات والتحايل.

ونقل معاذ صديق بروك، عن الأكاديمي أبو بكر محمد إسماعيل، قوله: إن القرارات التي اتخذها مجلس الأمن والدفاع الوطني السوداني كانت زلزالا عنيفا غير متوقع ضرب أركان الرباعية، وأيضا كان صفعة موجعة مؤلمة في وجه مسعد بولس.

وأضاف: لم تتزعزع ثقتي في الجيش السوداني ولا قيادة الدولة يوما واحدا، ولن أتراجع عما قلته سابقا أنه صعب المِراس، وأن قائده الفريق البرهان يُعَد من أقوى وأشجع وأشرس القادة العسكريين على مستوى القارة الإفريقية.

وتابع إسماعيل، أن قرارات مجلس الأمن والدفاع الوطني كانت صادمة لمسعد بولس الذي كان يتحدث مع أقرب معاونيه وقال لهم: إن الفريق البرهان سيوقع على الهدنة خاضعا مُنكسرا.

وأكد أن الساعات واللحظات الماضية كانت بالنسبة لنظام أبوظبي من أصعب الأوقات، وكانت تنتظر حصادها بقبول الهُدنة وانكسار قيادة الجيش السوداني ليكون ثمنا لما تعرضت له دولة الإمارات (المعتدية) من هجوم عنيف في المواقع العالمية.

وتوقع إسماعيل، أن تحمل الساعات القادمة خيبة أمل مجموعات الضغط الأميركية حول مدى نجاح مسعد بولس فيما يسمونه صنع السلام، وهو الرجل الذي فرض نفسه على الساحة الأميركية بحكم قربه الاجتماعي من ترامب، وأن التفكير في استبداله سيكون هو القرار المتاح.

وأشار إلى أن أقوى صدى لقرارات المجلس أن أميركا ونظام أبوظبي فهموا جيدا أن وراءها آلة عسكرية ضخمة وصلت الجيش السوداني، وأن الأخير يتحدث من منطق القوة.

وأكد الناشط الحقوقي مسعد عبدالله، أن حملة إطلاق التعبئة العامة لمقاومة طغيان قوات الدعم السريع الإرهابية وحماية المدنيين، حق مشروع يندرج تحت مبدأ الدفاع عن النفس.

ورأى أن الحملة تنقصها أسس التعريف بتداعيات استمرار العدو استهدافه للمدنيين، وعدم وضوح الإستراتيجية العسكرية التي سيعتمد عليها الجيش لحسم المعركة.

وأوضح الناشط ياسين أحمد، أن إعلان التعبئة العامة والاستنفار يعني حسم التمرد بالسلاح ومواصلة الحرب.

لا هدنة

وفي قراءة لإعلان المجلس على أنه يعني الرفض المباشر للمقترح الأميركي بهدنة إنسانية، نقلت المغردة سلمى تفسير مصادر لمخرجات بيانه بأنها تعني أنه لا هدنة إذا لم تخرج المليشيا من المدن التي دخلتها وجمع سلاحها وتجمعيها في معسكرات محددة.

وعلق ياسر مصطفى على إعلان وزير الدفاع أن التجهيزات لمعركة الشعب السوداني متواصلة، قائلا: "كما قلنا قبل يومين: لا هدنة مع المجرمين.. هذه الحرب ليست مؤقتة، ولا قابلة للمساومة".

وأكد أن الحرب ماضية لتحرير كل شبر من أرض السودان من مليشيات الإمارات المجرمة، مضيفا: "لا هدنة مع من يحرق القرى ويهجر السكان".

وقال محمد الراشد: إن من يدعو إلى هدنة بعد خراب الفاشر لا يبحث عن سلام، بل عن فرصة جديدة للمساومة على دماء الأبرياء. مؤكدا أن التاريخ سيسجل أن قحت كانت الوجه المدني لأخطر مشروع لتفكيك السودان من الداخل.