إقليم الصحراء والتطبيع مع إسرائيل.. ما الذي طلبه مبعوث ترامب من تبون؟

"القوى الكبرى ترى أن الوقت حان للتوصل إلى تسوية"
بعد 50 عاما من "المسيرة الخضراء" التي نظمها المغرب سلميا من أجل الضغط على إسبانيا لمغادرة إقليم الصحراء الغربية الذي كانت تحتله، يبدو أن هذا الملف يقترب من منعطف تاريخي.
ففي الوقت الذي تتأهب فيه الأمم المتحدة لطرح قرار حاسم في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، يحظى مخطط "الحكم الذاتي" المغربي بدعم دولي متزايد، بعدما اعترفت كل من واشنطن وباريس ولندن بسيادة المغرب، ولحقت بها برلين ومدريد.
لكن الجزائر برئاسة عبد المجيد تبون، ما زالت متمسكة بخيار “الاستفتاء” ودعم جبهة "البوليساريو"، رغم اتساع دائرة عزلتها الدولية.
وكشفت تسريبات أميركية تفاصيل اللقاء المغلق، الذي جرى أواخر يوليو/ تموز 2025، بالجزائر بين تبون والمبعوث الأميركي مسعد بولس، والذي حمل رسائل مباشرة تدعو الجزائر إلى إقناع البوليساريو بقبول الحكم الذاتي وتهيئة مسار للتطبيع مع إسرائيل.
في المقابل، جاء موقف تبون صارما بالرفض، غير أن ضغوط المجتمع الدولي تنذر بتغيير موازين القوى في هذا الملف الشائك.
قرار حاسم
وأوضحت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن نيويورك تستعد لطرح مشروع قرار حاسم في أكتوبر 2025، وسط دعم دولي متزايد للمخطط المغربي القاضي بمنح الإقليم حكما ذاتيا.
وأشارت إلى أن واشنطن وباريس ولندن اعترفت بالفعل بسيادة المغرب على الصحراء، بينما اصطفت كل من برلين ومدريد إلى جانب هذا التوجه.
في المقابل، لفتت المجلة إلى أن "الجزائر ما زالت تتمسك بخيار الاستفتاء ودعم البوليساريو، غير أن عزلتها، لم تكن يوما أكثر وضوحا مما هي عليه الآن".
وزادت حدة هذا الوضع بعد تسريبات أميركية حول تفاصيل اللقاء، الذي جرى أواخر يوليو 2025، في قصر المرادية بين تبون والمبعوث بولس.
وأكدت المجلة الفرنسية أن اللقاء كان مواجهة مباشرة؛ حيث نقل مبعوث ترامب رسالتين واضحتين: ضرورة إقناع قيادة البوليساريو بالقبول بمخطط الحكم الذاتي المغربي، وتهيئة المناخ لعملية تطبيع بين الجزائر والكيان الإسرائيلي.
وبحسبها، شدد بولس على أن النزاع حول الصحراء واستمرار القطيعة الجزائرية المغربية يضران بالاستقرار الإقليمي ويقوضان التعاون في الساحل وفرص الاندماج الاقتصادي في شمال إفريقيا.
في المقابل، رد تبون بصرامة على الطرح الأميركي، رافضا أي تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية، كما جدد التأكيد على أن قضية الصحراء تمثل بالنسبة للجزائر "خطا أحمر".
وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الجزائري أعاد التأكيد على هذا الموقف علنا، في 19 يوليو 2025، حين صرح لوسائل إعلام محلية: "لن أتخلى عن الصحراويين لإرضاء البعض وأتحول إلى إمبريالي.. مبادئنا لم تتغير"، متهما الدول الداعمة للموقف المغربي بأنها تمارس "الإمبريالية".
ورأت أن "هذه المواقف المتشددة باتت تكلف الجزائر غاليا، في ظل تبني 3 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن (أميركا وفرنسا وبريطانيا) الموقف المغربي، وانضمام كل من إسبانيا وألمانيا، فيما تتهيأ دول أخرى مثل هولندا للحاق بهذا الركب".
بدوره، قال الدبلوماسي المغربي السابق أحمد فوزي: إن المجتمع الدولي بات "متعبا" من هذا النزاع. معتبرا أن "القوى الكبرى ترى أن الوقت حان للتوصل إلى تسوية؛ لأن هذا الملف يعرقل استقرار شمال إفريقيا ويؤثر على جنوب أوروبا".
ذكرى دبلوماسية
من جانب آخر، أشارت جون أفريك إلى أن الأمم المتحدة نفسها تعيش تحولات في مقاربتها للملف؛ إذ إن بعثة المينورسو التي أنشئت أصلا لتنظيم استفتاء لم تتمكن من ذلك طوال عقود، باتت على وشك الانهيار.
وقد يعيد مجلس الأمن تجديد مهمتها، في أكتوبر 2025، والذهاب باتجاه تكريس خيار الحكم الذاتي بصفته الأفق السياسي الوحيد، مع استبعاد خيار الاستفتاء وتحويله إلى مجرد "ذكرى دبلوماسية".
من جانب آخر، لفتت المجلة إلى أن "الصين، رغم إعلانها الحياد، لم تصوت يوما ضد المغرب داخل مجلس الأمن، في وقت ترتفع فيه استثماراتها بالمملكة، من السيارات والبطاريات إلى الهيدروجين الأخضر والطاقة، مقابل حضور اقتصادي محدود في الجزائر".
وأبرزت تصريح الدبلوماسي السابق أحمد فوزي، الذي أكد فيه أن بكين شديدة الحساسية لمسألة "السلامة الترابية"، مذكرا بسوابق هونغ كونغ وماكاو.
وأشار إلى أن "زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى بكين، في سبتمبر/ أيلول 2025، قد تفتح الباب أمام مواقف صينية أوضح".
وختمت "جون أفريك" بأن "العد التنازلي قد بدأ داخل الأمم المتحدة؛ حيث سيعرض المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تقريره السنوي الذي قد يمهد لقرار تاريخي يعيد صياغة الموقف الدولي".
وخلصت إلى أن الرباط تبدو في موقع قوة بدعم أميركي وأوروبي، بينما تواجه الجزائر خطر "هزيمة إستراتيجية" في وقت يتمسك رئيسها بخطوط حمراء تتآكل تحت ضغط المجتمع الدولي.
وبدأت قضية إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم
وتسعى الأمم المتحدة إلى تفاهمات بمشاركة المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة "البوليساريو" بحثا عن حل نهائي للنزاع بشأن الإقليم، منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.