القضاء العراقي يقيل الحلبوسي.. ما تفاصيل تهمته "المخلة بالشرف"؟
شكل قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق (أعلى سلطة قضائية) القاضي بإنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ضربة كبيرة لأحد أبرز قيادات المكون السني الذي جاء إلى منصبه بقطار إيراني منذ عام 2018، كما يذكر خصومه السياسيون.
إقالة الحلبوسي من منصبه في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، جاءت قبل نحو شهر واحد من انتخابات مجالس المحافظات (المحلية)، والتي يُعد حزب "تقدم" الذي يتزعمه الأخير أحد أهم المنافسين على مقاعدها، وخصوصا في بغداد والمحافظات ذات الغالبية السنية.
وهو قرار فتح باب التساؤل واسعا بخصوص التوقيت، وطبيعة القرار فيما إذا كان قضائيا بحتا أم سياسيا أو يحمل بعدا طائفيا كون الأمر لم يحصل سابقا مع أي شخصية أخرى تتولى رئاسة واحدة من السلطات الثلاث (البرلمان، الجمهورية، الحكومة).
خطوة مباغتة
حكم المحكمة الاتحادية جاء على خلفية دعوى قضائية اتهمت الحلبوسي بتزوير تاريخ استقالة النائب ليث الدليمي الذي كان عضوا عن حزب "تقدم"، والتي كانت سببا بإقالته من البرلمان في يناير/كانون الثاني 2023، وذلك عبر "أمر نيابي" أصدره مكتب رئيس مجلس النواب.
وفي الشكوى القضائية التي رفعها الدليمي ضد الحلبوسي، أقر بأنه قدم استقالة مكتوبة لا تحمل أي تاريخ إلى الأخير عندما رشح معه في الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر 2023، حتى تبقى عنده يحتفظ بها كونه رئيس الحزب الذي ينضوي إليه.
تعود قصة الخلاف بين الدليمي والحلبوسي إلى 7 مايو/أيار 2022، حين أقال الأخير الأول بموجب استقالة مقدمة منه.
لكن الحلبوسي طعن في الاستقالة، وجرت تسوية الموضوع بعد ضغوط سياسية من تحالف "السيادة" السني الذي ينضوي الاثنان تحت لوائه، ليتم التراجع عنها.
وعندما حدثت خلافات جديدة بين الشخصيتين في 15 يناير 2023، أخرج الحلبوسي ورقة بيضاء موقعة من الأول- كان من المقرر استخدامها لكتابة وصل أمانة مالية عليها-، وطبع عليها استقالة جديدة للنائب ليث الدليمي.
وجرت هذه العملية بعدما قص الحلبوسي، 3 إلى 5 سم من أعلى الورقة لأنها معنونة إليه بصفته الشخصية، وطبع عليها الاستقالة الجديدة للدليمي، والتي على إثرها جرى إنهاء عضوية الأخير رسميا من البرلمان العراقي.
وبعدها لجأ الدليمي إلى المحكمة الاتحادية العليا واتهم رئيس البرلمان بأنه زوّر هذه الاستقالة، ونظرت المحكمة بحججه واقتنعت بها وأدانت الحلبوسي بالحنث باليمين والتزوير.
كما أنهت عضويته في البرلمان وفق أحكام الدستور العراقي، لأنه مدان بتهمة مخلة بالشرف، كما أمرت المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية ليث الدليمي على إثر الاستقالة الأولى.
وعلى ضوء ذلك، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، ميثم محمد صاحب أن "قرار المحكمة الاتحادية كانت خطوة مباغتة لم يكن يتوقعها الحلبوسي ومعظم القوى السياسية في البلد، وجاءت بناء على إثبات واقعة تزوير تاريخ استقالة الدليمي ولم يستطع الممثل القانوني لرئيس البرلمان نفيها".
وبيّن صاحب في حديث لـ"الاستقلال" أن "البعض من جمهور حزب تقدم حاول إعطاء إقالة الحلبوسي بعدا طائفيا لكسب التعاطف الجماهيري السني في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة".
"لكنهم باعتقادي لم يفلحوا في ذلك، لسبب بسيط جدا يكمن في أن الخصم كان قياديا في الحزب نفسه، وقضيته متداولة في وسائل الإعلام منذ أشهر عدة".
ولفت إلى أن "هناك أمرا آخر منع أي تعاطف طائفي مع الحلبوسي، هو أن الأخير كان خصما لجميع القيادات السنية السياسية، ولم يبق له حليفا".
وأردف: "لذلك لم نجد أي صدى بالاستنكار أو شجب إقالته من منصبه، بل أغلبهم أصدر بيانات أيد فيها قرار المحكمة ودعا إلى احترامه، وهذا أفقد أي طرح يذهب بالقضية إلى المربع الطائفي".
وأشار الباحث إلى أن "الحلبوسي جاء بإرادة إيرانية إلى رئاسة البرلمان في ولايته الأولى عام 2018، خلافا للقيادات السنية التي جرى استهدافها لأسباب طائفية وتلفيق تهم الإرهاب لها مثل نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي، لذلك لا يمكن عد القرار طائفيا".
وفي 15 نوفمبر، قال النائب السابق في البرلمان العراقي، مشعان الجبوري إن نجله يزن "اصطحب الحلبوسي بسيارته إلى منزل نائب رئيس الحشد الشعبي السابق أبو مهدي المهندس في بغداد، وأدى القسم أمام قائد الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني حتى يتولى رئاسة البرلمان عام 2018، وبالتالي جاء إلى منصبه بقطار إيراني".
"قضية التطبيع"
وعما إذا كانت القضية تحمل بعدا سياسيا يقف وراءها الإطار التنسيقي الشيعي، خصوصا أنها جاءت قبل شهر من الانتخابات المحلية المقررة في 18 ديسمبر 2023، قال النائب السابق ليث الدليمي إن "الأمر يخلو من الاستهداف السياسي لأن الإطار كان متمسكا به".
وأوضح الدليمي خلال مقابلة تلفزيونية في 18 نوفمبر، أنه "طيلة المدة التي كنت أتابع فيها قضيتي مع القضاء، كان لدى الإطار التنسيقي توجه داعم للحلبوسي، وكانت بعض قياداته متمسكة بالأخير وحريصة جدا على عدم استقبالنا لتبيان مخالفات رئيس البرلمان، وكانوا يصدقونه ولا يستمعون إلينا".
ولفت إلى أن "الكثير من القيادات الشيعية والسنية كانت تحابي الحلبوسي وتستبعد أن يتخذ القضاء العراقي قرارا بهذه القوة والشجاعة، وعندما طلبنا من بعض النواب الشهادة بالمحكمة في قضيتنا، رفضوا وتوقعوا أنه تغلغل في مفاصل الدولة والقضاء ولا يمكن اتخاذ قرار ضده".
وشدد الدليمي على أن "الحلبوسي أدين بقضية مخلة في الشرف وهي التزوير، إضافة إلى أنه تعاقد مع شركة صهيونية وكان أس (مصدر وأصل) التطبيع مع إسرائيل في العراق، وهناك أدلة على ذلك. ويفترض أن يلقى عليه القبض ويحال إلى المحاكم المختصة لمحاكمته".
وعقب قرار المحكمة الاتحادية الأخير، تطارد الحلبوسي دعوى قضائية أخرى أقامها ضده النائب في البرلمان باسم خشان، تتعلق بتعاقد حزب "تقدم" الذي يتزعمه مع إحدى شركات مجموعات الضغط الأميركية التي يعمل لديها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك بوصفه مستشارا لديهم.
وقال خشان خلال مقابلة تلفزيونية في 14 نوفمبر، إن "هذه الشركة ذاتها كانت وراء اتفاقات أبراهام" التطبيعية بين إسرائيل وعدة دول عربية.
وعلق النائب السابق مشعان الجبوري على تداعيات قضية تعاقد حزب "تقدم" مع شركة إسرائيلية، بأن حلّ الحزب وحرمانه من العمل الحزبي وارد في حال تمت إدانة رئيسه بجريمة التعامل مع إسرائيل.
وكتب الجبوري تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 17 نوفمبر، جاء فيها: "سألت أحد عتاة القانون في العراق عن مستقبل حزب تقدم، فقال: إذا تمت إدانة رئيسه بجريمة التعامل مع إسرائيل على خلفية العقد المبرم بين الحزب والشركة الأميركية، فسيتم حل الحزب، وربما سجن من وقع العقد".
تداعيات أخرى
وعن انعكاسات قرار إنهاء عضوية الحلبوسي من البرلمان، كشفت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، أنه وفقا لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية فإنه سيتم استبدال الحلبوسي من رئاسة حزب "تقدم" وسيكون هنالك شخص آخر يدير تحالفه بشكل ينسجم مع القانون.
وأوضح رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية، عماد جميل، خلال تصريح له لوكالة "الفرات نيوز" العراقية في 16 نوفمبر، أنه "وفق نظام الحملات الدعاية، يجب استبدال الملصقات الدعائية التي تتضمن صور الحلبوسي وإلا ستفرض غرامات على تحالف تقدم، وهناك إجراءات بهذا الصدد".
ولفت جميل إلى أن "الغرامات ستتضاعف على المرشحين المخالفين في حملتهم الدعائية ونتوقع كثافة بالدعاية الانتخابية مع اقترابنا ليوم الاقتراع في 18 من الشهر المقبل".
وبدوره، رأى الحلبوسي، قرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء عضويته من البرلمان أنه "غير دستوري"، متسائلا في الوقت ذاته: إذا كانت الجهة المعنية تخالف الدستور "فإلى أين يلجأ المختصمون؟"
وقال خلال مؤتمر صحفي عقده ببغداد في 15 نوفمبر، إن "واجب المحكمة الاتحادية الالتزام بالدستور وتطبيق نصوصه بنحو غير قابل للاجتهاد"، مبينا أنه "بقرارها (إنهاء عضويته من البرلمان) خالفت الدستور، وهذا أمر خطير".
ولفت رئيس البرلمان السابق إلى أن "إنهاء العضوية قانونيا يكون بوفاة النائب، أو انسحابه، أو سجنه، أو مرضه، وقرار المحكمة الاتحادية لم يعتمد على أي من هذه الأسباب".
ووفق الحلبوسي، فإنه "لا يحق للمحكمة النظر في عضوية نائب إلا من خلال المادة 52 من الدستور، ولا يحق لها النظر في صحة عضوية النائب إلا بعد صدور قرار من المجلس"، مستدركا بالقول: "نحن حريصون على إيضاح الجنبة القانونية وليس السياسية بشأن ما حدث".
وأفاد أيضا بأن "المحكمة الاتحادية لم تراع كل شروط إنهاء عضويتي من مجلس النواب"، مشددا على أنه "يجب عليها الالتزام بالدستور وتطبيق نصوصه على نحو غير قابل للاجتهاد".
وأشار إلى أن "المحكمة الاتحادية تعدت كثيرا بعملها على العديد من المفاصل، واتهامنا بالتعامل مع شركة أميركية هو كذب وافتراء".
وتولى محمد الحلبوسي رئاسة البرلمان العراقي لأول مرة عام 2018 حتى 2021، ثم جرى انتخابه رئيسا لدورة ثانية بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر من العام ذاته.
وبذلك يكون قد شغل المنصب- المخصص للمكون السني وفقا للعرف السياسي السائد في البلد- لمدة خمس سنوات متواصلة.