اللاجئون السودانيون في مصر.. هكذا يخطط نظام السيسي لإعادتهم إلى الموت

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

العلاقات التاريخية بين الخرطوم والقاهرة، لم تشفع للاجئين السودانيين في معاملة إنسانية بعد وصولهم أرض الكنانة، حيث تعرضوا لـ"اضطهاد وترويع" على يد حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي. 

وبحكم المصير المشترك بين البلدين، فقد كان طبيعيا مع اشتعال الأوضاع في السودان نتيجة الحرب التي اندلعت بين الجيش و"الدعم السريع" في أبريل/ نيسان 2023، أن يفر عشرات الآلاف من المدنيين إلى دولة الجوار.

وحتى نهاية يناير/ كانون الثاني 2024، فر حوالي 450 ألف لاجئ سوداني إلى مصر المجاورة، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لكن قطاعا كبيرا منهم أصبحوا يواجهون ظروفا سياسية واقتصادية قاسية مع انتهاج النظام المصري أساليب ضد حقوقهم الإنسانية والقانونية. 

معسكرات اعتقال 

وكشفت مؤسسة “ذي نيو هيومانتي” (الإنسانية الجديدة) الصحفية الدولية المستقلة، بالتعاون مع “منصة اللاجئين في مصر”، عن جانب من مآسي المهاجرين واللاجئين السودانيين في مصر. 

وذكرت في تقرير نشرته المؤسسة عبر موقعها في 25 أبريل/ نيسان 2024، أنه منذ مطلع العالم 2024 احتجزت سلطات نظام السيسي آلاف اللاجئين السودانيين الذين فروا إلى مصر، “داخل قواعد عسكرية سرية”.

بعدها تم ترحيلهم إلى بلادهم التي مزقتها الحروب، وفي كثير من الأحيان تم الترحيل دون أن تتاح لهم فرصة طلب اللجوء.

واعتمدت المؤسستان على شهادات موثقة للاجئين مرحلين ومحامين ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى سجلات أمنية وصور أقمار صناعية، وفيديوهات وصور موثقة تم جمعها على مدار 6 أشهر. 

وأضافوا أن عمليات الاعتقال والترحيل بحق السودانيين، كانت في بدايتها ضد من لم يحصلوا على تأشيرة من القنصليات المصرية داخل السودان، لكن سرعان ما توسعت العملية لتشمل كل اللاجئين بلا استثناء بمن فيهم الحاصلون على تأشيرات، إضافة إلى النساء والأطفال وكبار السن.

وذكرت أن بعض اللاجئين كانوا مصابين خلال رحلة الهروب من الحرب، وأن كثيرا من الأطفال والمسنين المعرضين للهلاك، تم منعهم من فرص الحصول على اللجوء، بالمخالفة لاتفاقيات اللاجئين الدولية، التي وقعت عليها مصر. 

وينص المبدأ الأساسي لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، على عدم الإعادة القسرية، والتي تشدد أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يواجه فيه تهديدات خطيرة لحياته وحريته.

ومن ضمن الحقوق التي يتمتع بها اللاجئون بموجب اتفاقية عام 1951، الحق في حرية التنقل (المادة 26)، والحق في عدم الإعادة القسرية (المادة 33)، والحق في عدم المعاقبة على الدخول غير القانوني إلى أراضي الدول الموقعة (المادة 31)، وتعد جميع الدول ملزمة بالتمسك بتلك المعايير كجزء من القانون الدولي العام.

وكشفت المقابلات والوثائق التي أنتجتها  مؤسسة “ذي نيو هيومانتي” عن عمل ممنهج على أعلى مستويات النظام المصري، لحرمان اللاجئين السودانيين من حق اللجوء. 

وقال بعض اللاجئين للصحفيين إن قوات حرس الحدود المصرية أطلقت النار عليهم في المناطق الصحراوية، ثم قامت باعتقالهم وترحيلهم دون أي إجراءات قانونية. 

وقال آخرون إنهم اعتقلوا في البلدات والمدن واتهمتهم الشرطة بارتكاب جرائم زائفة، بما في ذلك التهريب، أو الانضمام إلى جماعة تهريب إجرامية، أو "التسبب في ضرر جسيم" لمصر، ومن ثم وضعتهم في معسكرات اعتقال قاسية، منهم من تعرض للضرب والتعذيب ثم أخيرا الترحيل. 

انتهاكات جسيمة 

وفي سياق متصل، أعلنت 27 منظمة حقوقية في 28 مارس/ آذار 2024، عن تعرض الفارين من الحرب في السودان إلى “سوء المعاملة على يد الأمن المصري”، منددين بحملات توقيف واحتجاز لسودانيين وترحليهم بشكل قسري إلى موطنهم حيث الحرب والدمار. 

ونشرت منظمات محلية ودولية، منها “منا لحقوق الإنسان” و"مفوضية تسجيل اللاجئين"، بيانا مشتركا نبهت فيه من تدهور الأوضاع لا سيما منذ نهاية أغسطس/ آب 2023.

وأصدرت سلطات النظام قرارا سمح بـ“اعتقال واحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في ظروف غير إنسانية”، وإخضاعهم لمحاكمات غير عادلة، وإعادتهم بالإكراه إلى السودان في انتهاك لالتزامات مصر الدولية ومبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان والدستور المصري. 

أخطر ما في الأمر أن المنظمات الحقوقية رصدت إصدار السلطات وثائق سفر عاجلة من أجل ترحيل السودانيين، وقالت إن الكثيرين منهم يجبرون على التوقيع على أوراق رسمية بمثابة استمارة "عودة طوعية"، ومن يرفض يتعرض للتقريع والتعذيب والإهانة اللفظية والجسدية. 

وذكروا أن الانتهاكات وقعت في جميع أنحاء البلاد، داخل مدن مثل القاهرة والجيزة وأسوان والبحر الأحمر ومطروح والإسكندرية، وعلى طول الحدود الجنوبية لمصر.

لكن ليس القمع والتنكيل الأمني فقط الذي يواجهه السودانيون في مصر، فهناك حملات ذباب إلكتروني (لجان خفية افتراضية تعمل بشكل ممنهج) تشن هجوما على اللاجئين وتطالب بطردهم. 

وأوردت صفحة "الموقف المصري" على "فيسبوك" أن الحملة ضد السودانيين وصلت ذروتها في يناير 2024، عندما شاركت حسابات مشبوهة في إطلاق هاشتاغات (وسوم)، مثل ترحيل اللاجئين واجب وطني، ترحيل اللاجئين مطلب وطني، وغيرها.

ولفتت إلى أن "بعض الحسابات مشكوك في تبعيتها للأمن، وكان بعضها ينشر أكثر من 20 تغريدة في الساعة الواحدة للإساءة لأشقائنا وضيوفنا".

المحامي المصري وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، تقدم ببلاغات للنائب العام في 10 مارس 2024، ضد أصحاب حسابات إلكترونية شخصية على مواقع التواصل، حرضوا على ممارسة أعمال عنف ضد السودانيين، وطالبوا بترحيلهم من البلاد.

وذكر العوضي عبر حسابه على "إكس" أن "عدد تلك الحسابات بلغ نحو 100 وجميعها لجان إلكترونية"، أو ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني".

وأشار إلى أن تلك “اللجان قد تكون ممولة ومتخصصة في الهجوم على السودانيين والسوريين المقيمين في مصر”.

وذكر أن “عددا من الشباب الذين يجهلون الدور التاريخي للبلاد وقيمتها انساقوا وراء تلك الحسابات، مما يشكل خطرا على الأمن القومي المصري، وينذر بعواقب وخيمة قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم ضد المقيمين في مصر، ويستلزم بالتالي تدخل الأجهزة الأمنية على وجه السرعة".

جريمة إنسانية

يذكر أنه في 23 أبريل 2024، وقعت جريمة في مصر هزت المجتمع السوداني والمصري في آن واحد، عندما لقيت الطفلة السودانية جانيت جمعة، التي تبلغ من العمر 10 شهور، مصرعها بعد تعرضها للاغتصاب من عامل توصيل طلبات في مطعم شهير بمنطقة "مدينة نصر" بالقاهرة، وفق بيان صادر عن أكثر من 60 كيانا نسويا مصريا.

ونددت مجموعة "نساء ضد الظلم" و"متحالفات لإنهاء العنف والانتهاكات" في بيان مشترك، بالحادثة، وطالبت بتعجيل إجراءات القضية، حتى ينال المتهم العقاب اللازم.

وأشار البيان إلى أن الحادثة “تعكس جانبا من معاناة اللاجئين السودانيين في مصر”. 

ويعد "الاغتصاب" من الجرائم البشعة التي يتعرض لها قطاع من اللاجئين خاصة الأفارقة في مصر.

وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول 2022 نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنها تلقت أكثر من 2300 طلب نجدة بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي لأكثر من 2300 لاجئ مسجل في مصر.

وأكدت أن الاغتصاب “هو الشكل الأكثر شيوعا للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الاجتماع، وأن الأشخاص القادمين من إفريقيا هم الأكثر عرضة له”.

واتهمت المفوضية نظام السيسي بـ"الفشل في حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من العنف الجنسي المتفشي".

وذكرت أن الوضع لا يقتصر فقط على عدم حماية النساء والفتيات اللاجئات في مصر المعرضات لخطر العنف الجنسي، ولكن يبدو أن السلطات لا تهتم أيضا بالتحقيق في حوادث الاغتصاب وعرض المغتصبين إلى العدالة.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، نشرت مؤسسة "تومسون رويترز" ومقرها كندا، تقريرا عن "أوضاع اللاجئين الأفارقة في مصر"، وأوردت أن القاهرة التي يعيش فيها أكثر من ثلث اللاجئين في مصر، “هي من أخطر مدن العالم على النساء”. 

وأتبعت: "يرتفع هناك معدل الجريمة والاغتصاب ضد اللاجئين، خاصة ذوي البشرة السمراء، وتحدث الجرائم بشكل أكبر في الأحياء الفقيرة، حيث يعيش العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء".

ومنذ فترة يلعب رئيس النظام المصري  بورقة اللاجئين ويتحدث عنهم في خطاباته، ويربطهم بالأزمة الاقتصادية العاصفة وحالة الغلاء غير المسبوقة التي تضرب البلاد.

وفي 14 يونيو/حزيران 2023، كان السيسي  في زيارة لقرية الأبعادية بمحافظة البحيرة لافتتاح بعض المشروعات، ووجه خطابا للأهالي، تطرق فيه إلى الأزمة الاقتصادية.

ثم استخدم اللاجئين في معرض خطابه عندما قال: "مهم تعرفوا عدد الضيوف الموجودين في مصر، لما سألت لقيت العدد غير واضح، لن أقول الجنسيات، لكن لدينا 9 ملايين ضيف".

وأضاف: "بالمناسبة كل دولة فيها عدم استقرار واضطرابات، الناس تخاف وتفزع، يارب نكون أمن وأمان لنفسنا ولأي حد يلجأ إلينا".

حديث السيسي حمل تناقضات من جهات عدة، خاصة فيما يتعلق بأعداد اللاجئين، فبحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، فإنه بدءا من 31 يونيو 2022، كان عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية يتكون من 146 ألفا من سوريا و59 ألفا من السودان.

وكذلك 25 ألفا من جنوب السودان، و 8 آلاف من اليمن و5 آلاف من العراق وأكثر من 50 جنسية أخرى.

وهذا يوضح أن السيسي يخلط ما بين مفهوم اللاجئ والمهاجر، وهو فرق كبير في طبيعة المعيشة والاستحقاقات. 

وعما يتعرض له مجتمع المهاجرين واللاجئين السودانيين، قال الحقوقي المصري مصطفى عز الدين فؤاد: "نحن لسنا أمام مجرد انتهاك حقوقي وتجاوز في حق اللاجئين، كما يحدث من قبل طوائف وأحزاب يمينية في أوروبا أو مثل المعارضة التركية، بل نحن أمام جريمة متكاملة الأركان للنظام المصري".

وأوضح عز الدين فؤاد لـ"الاستقلال" أن "النظام جند مؤسساته وأجهزته الأمنية لقمع الفارين من جحيم الحرب، وبدلا من إيوائهم ومساعدتهم، وضعهم في معسكرات اعتقال وعذبهم وأعادهم إلى مناطق الحرب مرة أخرى، وهذه جريمة مخالفة للمواثيق الدولية والإنسانية". 

ولفت إلى أن "مجتمعات المهاجرين في مصر حاليا تنقسم إلى فئات كبرى، أولا السوريون ثم اليمنيون وثالثا السودانيون، ومع الأسف الأخيرة تحديدا يتعامل معها النظام ليس بدافع الجوار والعروبة والإسلام واللغة، بل يصنفون كأفارقة، والأفارقة هم أقل الفئات حظا بمصر، ويتم اضطهادهم بشكل مبالغ فيه دون النظر لمنظومة القيم أو السياسة حتى".