الجماعة الإسلامية بجامو وكشمير.. كيف أصبحت درعا لمواجهة احتلال الهند؟
"اعتمدت الجماعة إضافة إلى نشاطها السياسي على التربية والتعليم للحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الكشميري"
الحكومة الهندية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" المعروف بانتهاكاته بحق المسلمين، أعلنت في 27 فبراير/ شباط 2024، تمديد الحظر المفروض على "الجماعة الإسلامية" في جامو وكشمير لمدة 5 سنوات.
وقررت حكومة مودي في 28 فبراير 2019 حظر الجماعة الإسلامية، مدعية أنه "من المتوقع أن تصعد دعوتها الانفصالية وتدعم التشدد وتحرض على العنف".
وأقدمت الحكومة الهندية على تلك الخطوات الأحادية قبل أشهر من إلغاء الحكم الذاتي في الإقليم وقمع المقاومة المناهضة للهند.
ففي 5 أغسطس/ آب 2019، ألغت الهند المادة 370 من دستورها والأحكام الأخرى ذات الصلة، لتلغي بذلك استقلالية إقليم كشمير، بوصفه المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في البلاد، وتقوم بتقسيمه إلى إقليمين خاضعين للإدارة الفيدرالية الهندية.
ويطلق اسم "جامو وكشمير" على الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، ويضم منظمات تناضل منذ 1989، ضد ما تعده "احتلالا هنديا" لمناطقها.
على رأس تلك المنظمات، الجماعة الإسلامية في "جامو وكشمير" التي تحمل راية الكفاح ضد الهند.
ويطالب السكان بالاستقلال عن الهند والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسام إسلام أباد ونيودلهي الإقليم ذا الأغلبية المسلمة.
ففي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند 3 حروب أعوام 1948 و1965 و1971، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين.
الجماعة الإسلامية
الجماعة الإسلامية في جامو وكشمير، تأسست بشكل رسمي عام 1953، في سريناغار عاصمة إقليم كشمير، لكن جذورها الفكرية بدأت قبل ذلك بسنوات طويلة.
ففي عام 1899 ظهرت نواة تشكيل الجماعة عندما دشنت أنشطة إصلاحية إسلامية في كشمير.
وقتها انتفضت الطبقة الوسطى من المسلمين الكشميريين ضد حكم سلالة دوغرا الهندية.
وكان "رسول شاه" أحد رواد الحركة خلال تلك المرحلة، وبدوره شكل جمعية نصرة الإسلام، التي مثلت الرافد الأول لما سيعرف بالجماعة الإسلامية في جامو وكشمير بعد ذلك.
أقيم أول اجتماع تمهيدي كبير للجماعة عام 1945، وكانت تعرف باسم "الجماعة الإسلامية في عموم الهند".
عقد الاجتماع في ولاية باثانكوت الهندية وحضره ما بين سبعين ومئة شخص من الكشميريين بما في ذلك موظفو الحكومة والشباب والتجار.
وتقرر بعد ذلك أن تبدأ الجماعة في تنظيم نفسها داخل كشمير، وأصبح سعد الدين قاري أول أمير للجماعة، وهو المنصب الذي شغله حتى عام 1985.
فيما شكل مسجد "جامع" في سريناغار مقرا وموقعا للاجتماعات الأسبوعية للجماعة، حيث قاموا بتوزيع ودراسة أدب الفقيه والعالم الإسلامي أبو الأعلى المودودي.
واعتمدت الجماعة إضافة إلى نشاطها السياسي ضد الاحتلال الهندي، على التربية والتعليم للحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الكشميري.
لذلك لها حضور واسع عبر فروعها النشيطة في معظم أنحاء كشمير، كما تعتمد اتجاه الانضمام إلى باكستان.
صِدام 1989
نشطت الجماعة الإسلامية بقوة في النشاط السياسي والدعوي بين عامي 1965 و1987، حيث شاركت في جميع الاستحقاقات الانتخابية المختلفة بكشمير.
وفي عام 1989، فور اندلاع الكفاح المسلح ضد الحكم الهندي في جامو وكشمير، انضمت الجماعة إلى "المقاومة" ضد الاحتلال الهندي للإقليم.
وقتها تم عد الجماعة بمثابة الجناح السياسي لحركة "حزب المجاهدين" العسكرية، ثم نأت بنفسها عن تلك الحركة في عام 1997.
لكن ذلك لا ينفي أن الهند تعد الجماعة من أخطر الكيانات التي تواجهها في الإقليم حتى قبل اندلاع الصدام العسكري عام 1989.
وفي ذلك العام تحديدا أطلق اسم جامو كشمير، على الجزء الخاضع لسيطرة الهند، والذي ضم جماعات المقاومة ضد ما تعده "احتلالا هنديا" لمناطقها.
ورغم أن الجماعة الإسلامية في جامو وكشمير تراجعت عن الصدام المسلح، لكن هناك جماعات قريبة منها مازالت تخوض غمار الاشتباكات من آن إلى آخر ضد المحتل الهندي.
من أبرزها حزب المجاهدين الذي تأسس عام 1989 بقيادة سيد صلاح الدين، ويضم حوالي 10 آلاف مسلح أغلبهم من الكشميريين، وكان قد تحالف مع الجماعة الإسلامية في بداية النزاع.
ثم جماعة معسكر طيبة، وهي جماعة سلفية جهادية أسست عام 1995 برئاسة البروفيسور حافظ سعيد، وتضم أكثر من 6 آلاف مقاتل، وقد أدرجتها الولايات المتحدة ضمن قائمة "الجماعات الإرهابية".
وكذلك هناك حركة "جيش محمد" ويقودها مولانا مسعود، وتضم حوالي 3 آلاف مقاتل، أيضا أدرجتها الولايات المتحدة ضمن قائمة الجماعات الإرهابية المطلوب تفكيكها.
وتأتي حركة الأنصار التي أسست عام 1986 وانشقت إلى جناحين، الأول حركة المجاهدين التي يقودها مولانا فاروق كشميري، وتضم 3 آلاف مقاتل وتتبع توجهات جمعية "علماء إسلام الديوبندية" التي يتزعهما مولانا عبد الرحمن.
والثاني حركة الجهاد الإسلامي التي يقودها سيف الله أختر، وتعد أقل عددا من الأولى، وتتبع أيضا نهج جمعية "علماء إسلام الديوبندية".
وأخيرا جماعة مجاهدي بدر التي انشقت عن حزب المجاهدين الذي كان متحالفا وتابعا للجماعة الإسلامية، ويقودها حاليا بخت زمين، وتضم حوالي ألف مقاتل.
ومنذ العام 1989، قتل أكثر من 100 ألف كشميري، وتعرضت أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب في الشطر الخاضع للهند من الإقليم، المعروف بجامو وكشمير، ذلك وفق إعلان "مؤتمر الحرية لعموم الأحزاب" الكشميري عام 2021.
صِدام 2019
وشهد 5 أغسطس/ آب 2019، صداما جديدا بين الهند والأحزاب الكشميرية على رأسها الجماعة الإسلامية.
وقتها ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، والتي تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد، ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
وقبل تلك الخطوة، اتخذت نيودلهي قرارا استباقيا بالتصعيد الكامل ضد الجماعة الإسلامية بالحظر والاعتقال، تحت ادعاء أنها ستصعد وتحرك الجماعات المتشددة وتحرض على العنف.
وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت وزارة الداخلية الهندية اعتقال 5 آلاف و161 شخصا في جامو وكشمير، في إطار ما أطلق عليه "الاعتقال الوقائي".
وكان معظم المعتقلين من أفراد الجماعة الإسلامية، التي ذهب 177 من قادتها إلى السجون، على رأسهم رئيس الجماعة (آنذاك) غلام محمد بخت.
ولم يتحمل بخت ظروف الاعتقال القاسية فوافته المنية بعد شهر واحد عن عمر ناهز 65 عاما في السجن بولاية أوتار براديش.
دعوة للتحرك
بسبب الحملة الهندية القمعية المتواصلة، قامت الجماعة الإسلامية بجامو وكشمير، في 25 مارس/ آذار 2022، بإرسال بيان يحمل في مضمونه رسالة إلى اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، المنعقد (حينئذ) في إسلام أباد.
ودعت في البيان إلى اتخاذ إجراءات ضد حكومة مودي التي تمارس "كل أنواع الوحشية" ضد المسلمين في كشمير.
ولفتت إلى أنه "جرى اعتقال جميع القيادات البارزة في مؤتمر الحرية لعموم الأحزاب، المنظمة الجامعة لكل حركات الحرية الكشميرية، والعديد من النشطاء، كما تم اعتقال آلاف الشباب في المداهمات، واحتجزوهم في زنازين التعذيب دون محاكمة، وقتل العديد منهم في الحجز".
وأشار بيان الجماعة الإسلامية إلى أن المسلمين الكشميريين "يعانون من التدهور الاقتصادي"، موضحا أن القوات الهندوسية المحتلة "حرمت الكشميريين من مصادر رزقهم، من خلال إخضاعهم لعمليات حصار وحظر تجوال مستمر".
وأكد أن الشباب الكشميري أعدموا دون محاكمة، وأن جثثهم ألقوا بها في المناطق الريفية من قبل المحتلين الهندوس بدلا من تسليمها لأسرهم.
وذكر أنه تم إحضار 4 ملايين هندوسي متعصب إلى كشمير، لتغيير الهوية الإسلامية لمنطقة جامو وكشمير.
ودعا البيان دول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى "عدم ترك باكستان وحدها ضد الهند، وإيقاف انتهاكات الهندوس المتكررة ضد ملايين المسلمين بالإقليم المتنازع عليه".
أكبر سجن
وصرح رئيس وزراء إقليم آزاد كشمير الخاضع لسيطرة باكستان رجا فاروق حيدر خان، لوكالة الأناضول التركية الرسمية، في 3 سبتمبر/ أيلول 2019، أن ولاية جامو كشمير "تحولت إلى أكبر سجن مفتوح في العالم".
وأضاف خان أن حظر التجوال المفروض في جامو كشمير وقطع خطوط الاتصال والإنترنت "زاد من صعوبة الحياة في الولاية، وأن سكان المنطقة يعانون صعوبات في تلبية احتياجاتهم من الدواء والمواد الغذائية".
وأشار إلى أن السلطات الهندية اعتقلت في الآونة الأخيرة، نحو 6 آلاف شاب من أبناء جامو كشمير، وأن أقرباء هؤلاء المعتقلين لا يعلمون أي شيء عن مصير أبنائهم.
وفي 28 فبراير/ شباط 2024، أعلن المتحدث باسم الجماعة الإسلامية في جامو وكشمير، عبد الرشيد مينهاس، أن إحباط جميع الوسائل السلمية والديمقراطية لحل نزاع كشمير وسحق نضال الكشميريين من أجل الحرية بوحشية "يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المنطقة وخارجها".
وأضاف مينهاس أن "الناس رفضوا مرارا وتكرارا الاحتلال الهندي غير القانوني والقسري وقدموا تضحيات مثالية لتأمين حقهم في تقرير المصير".
وتقدر المصادر الكشميرية شبه المستقلة عدد الكشميريين في الجانبين الهندي والباكستاني وفي الدول الأخرى بـ13.5 مليون نسمة، بواقع 8.5 ملايين نسمة في جامو وكشمير، و2.5 مليون نسمة في كشمير الحرة، ومليون نسمة في جلجت وبلتستان.
وهناك 1.5 مليون نسمة موزعون في الهند وباكستان ودول الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة، غير أن الحقيقة المتفق عليها هي وجود أغلبية مسلمة في الإقليم.