الغاز.. قاطرة تطوير العلاقات بين الجزائر وإيطاليا على حساب ليبيا وفرنسا

"ميلوني تولي اهتماما خاصا بالجزائر وتعتبرها شريكا موثوقا وذا أهمية استراتيجية مطلقة"
تتبنى إيطاليا، في ظل ولاية جورجيا ميلوني، إستراتيجية مختلفة تجاه القارة الإفريقية، لا سيما في ظل التقارب المتصاعد مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بحسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية.
ومنذ عامين، تضع رئيسة الوزراء الإيطالية إستراتيجيات متنوعة تجاه إفريقيا، وقد تقربت بشكل خاص -حسب التقرير- من الجزائر، ليس فقط من أجل غازها، بل لأسباب أخرى أيضا.
فبأكثر من 3.5 مليارات متر مكعب من الغاز المستورد خلال يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2025، سجّلت إيطاليا رقما قياسيا تعزوه بشكل كبير، وفقا لتقرير منتدى الدول المصدرة للغاز (GECF)، إلى زيادة بنسبة 31 بالمئة في وارداتها من الغاز من الجزائر مقارنة بيناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2024.
خطة ماتي
وهو واقع لا يثير استغراب الخبراء، إذ إن ميلوني تولي اهتماما خاصا بالجزائر، التي تعدها "شريكا موثوقا وذا أهمية إستراتيجية مطلقة لإيطاليا".
منذ انتخابها في سبتمبر/ أيلول 2022، تضع رئيسة الوزراء الإيطالية إستراتيجيات مختلفة تجاه إفريقيا.
وأشار التقرير إلى أن "محاولة ميلوني بدأت بمحاولة اتباع مقاربة (عادلة) للحصول على المواد الخام، بما في ذلك الطاقة، قبل أن تطلق خطتها المسماة بـ (خطة ماتي)".
وأوضح أن الخطة المذكورة هي "إستراتيجية تعاون موجهة نحو إفريقيا، تهدف من جهة إلى الحد من تدفق المهاجرين إلى إيطاليا، ومن جهة أخرى إلى إدخال الشركات الإيطالية إلى أسواق جديدة".
وتابع: "وبشكل عام، قد تبدو هذه الخطة جذابة، إلا أن تنفيذها يواجه الكثير من التعثر. ومع ذلك، ترى ميلوني أن انخفاض تدفقات الهجرة منذ صيف 2023 يمثل نجاحا يفوق توقعاتها".
ويُعزى هذا النجاح جزئيا إلى الرئيس الجزائري تبون، الذي قام بتقديمها إلى الرئيس التونسي قيس سعيد والذي تفاوضت معه ميلوني، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، على مذكرة تفاهم حول شراكة إستراتيجية وشاملة، وُقعت في 16 يوليو/ تموز 2023.
وعقبت المجلة الفرنسية: "وقد مكن هذا الدعم الجزائري الرئيس تبون من أن يحظى برضى ميلوني، وجعل من الجزائر مزودا رئيسا للغاز إلى روما".
مشيرة إلى أن "الجزائر حلت محل ليبيا، التي كانت تعتمد عليها الحكومات الإيطالية السابقة".
وأردفت: "فاحتياجات إيطاليا من الغاز، التي تستورد 95 بالمئة من استهلاكها، زادت بنسبة 16 بالمئة في عام 2024 مقارنة بعام 2023، لكن هذه الزيادة وحدها لا تبرر إنشاء مسارات جديدة للإمداد بالغاز من الجزائر".

أنبوب "غالسي"
ويقول التقرير الفرنسي: إن "السياسة التي انتهجتها رئيسة حزب "فراتيلي ديتاليا" (حزب "إخوة إيطاليا" بالترجمة العربية) تهدف إلى تحويل أزمة إمدادات الغاز، الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والحظر المفروض على الغاز الروسي، لصالح إيطاليا".
وأردف: "وهدفها هو إيجاد بدائل توقف اعتماد البلاد على روسيا، التي كانت تزودها بـ 45 بالمئة من احتياجاتها من الغاز، والتخلص من الاعتماد الحصري على خط أنابيب (ترانس ميد) التاريخي".
وبموجب اتفاق مبرم منذ عام 1983 بين شركة سوناطراك الجزائرية وشركة إيني الإيطالية، ينقل هذا الأنبوب الغاز الطبيعي من حاسي الرمل، في جنوب الجزائر (ولاية الأغواط)، مرورا بتونس وصقلية، وصولا إلى نقطة الربط مع الشبكة في منطقة بولونيا، وسط إيطاليا.
ومنذ لقائهما الأول في الجزائر في يناير 2023، أعلن تبون وميلوني رسميا عن إحياء مشروع أنبوب الغاز الجزائر–سردينيا–إيطاليا (غالسي)، والذي سينقل الغاز الجزائري، انطلاقا من حاسي الرمل، إلى ميناء القدية دراوش (شمال شرق الجزائر)، ومن ثم إلى مدينة بيومبينو في توسكانا، مرورا بجزيرة سردينيا.
وتابع التقرير: "وبهذا، يمكن أن تصبح إيطاليا، على المدى المتوسط، مزودا -أو بالأحرى ممرا- للغاز لا غنى عنه إلى الاتحاد الأوروبي".
وأضاف: "وفي هذا السياق، حركت ميلوني جميع الشخصيات الأساسية، السياسية والعلمية، التي يمكنها دعم مشروعها، ودمجتهم ضمن خطتها الشهيرة (ماتي)".
وتابع: "ونتيجة لذلك، قلّصت اعتمادها على الغاز من ليبيا، التي كانت قد أبرمت معها أيضا اتفاقا في أعقاب تنصيبها، لكن الوضع السياسي هناك بدا لها هشا جدا أو (غير مطمئن بما فيه الكفاية)، بحسب مستشار سابق للشؤون الإفريقية في القصر الرئاسي الإيطالي".
وأكملت المجلة الفرنسية: "وفي الوقت نفسه، كسبت ميلوني اليد العليا على ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي المعروف بميوله الروسية، لتعزز بذلك ورقتها الأوروبية".

أفضلية إيطالية على فرنسا
وحسب ما ذكرت “جون أفريك”: "نجحت ميلوني في إعادة تموضع إيطاليا كدولة رائدة بين الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبما يصب في مصلحتها دائما، أبعدت فرنسا شيئا فشيئا عن الجزائر وتونس، وبدرجة أقل عن ليبيا".
وأشار التقرير إلى تصريح كلاوديو ديسكالزي، الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، الذي قدّر فيه أن "إيطاليا ستخفض إلى الصفر وارداتها من الغاز الروسي بدءا من عام 2025".
وذكر أن "إيطاليا أصبحت تملك الآن شبكة ربط بواسطة أنابيب الغاز مع كل من الجزائر وليبيا ومصر ونيجيريا وأنغولا والكونغو وموزمبيق، وكذلك مع شمال أوروبا وأذربيجان".
وتابع: "وأخيرا، مع مشروع (غالسي)، وشريكتها الجزائرية، توجد إيطاليا في وضعية أفضل مقارنة بإدارة خط (ترانس ميد) الثلاثية (الذي يمر عبر تونس، التي تتولى صيانة البنية التحتية على أراضيها، وتتلقى سنويا حصة قدرها 6 بالمئة من الغاز المنقول)".
وشدد التقرير على أن "هذه المسألة ليست تفصيلية، إذ إن تونس شكلت أكثر من مرة نقطة ضعف على مسار (ترانس ميد)".
وأردف موضحا: "ففي عام 2019، هدد المحتجون في منطقة الكامور (الجنوب) بإغلاق صمام أنبوب الغاز، مما أثار قلق السلطات الإيطالية".
واستدرك: "لكن لم يكن ذلك بقدر قلقهم من فكرة الرئيس الحبيب بورقيبة في عام 1986 بزيادة حصة تونس من الغاز من أجل معالجة أزمة في المالية العامة".
وختم قائلا: "وهي خطوة دفعت حينها رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، بيتينو كراكسي، إلى التشاور مع نظيره الجزائري، الشاذلي بن جديد؛ حيث اتفقا وقتها على ضرورة إقصاء بورقيبة. وهو ما تم بالفعل في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987".