الأزمة المالية في لبنان.. هكذا يعيش "حربا أخرى" منذ 5 أعوام

a month ago

12

طباعة

مشاركة

الأزمة المالية التي يعيشها لبنان منذ خمس سنوات، تعد "الحرب الأخرى" التي تواجه البلاد بجانب الحرب الجارية مع إسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وفي إطار هذه الأزمة، سلط "لو فيغارو" الفرنسي الضوء على الأضرار الاجتماعية التي نتجت عن الأزمة، بما في ذلك تدهور قيمة العملة وارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة وتفاقم الفقر حيث يعاني ثلث السكان.

وإلى جانب ذلك، يدعي الموقع أن "لحزب الله دورا في منع الإصلاحات المالية وعرقلة التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، مما يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد".

ربح وهمي

ولفت الموقع النظر إلى أنه في ظل الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان، كانت السندات الأوروبية اللبنانية من بين الأكثر أداء على المستوى العالمي في الأسابيع الأخيرة". 

وارتفعت أسعارها بشكل كبير، مما يعكس أمل عدد قليل من المستثمرين الغربيين بأن النظام السياسي الجديد بعد الحرب -مهما كان غامضا- سيكون أكثر تفضيلا لهم من الناحية المالية. 

وفي السياق، ذكر الموقع أنه “بعد خمس سنوات من اندلاع واحدة من أخطر الأزمات في الأزمنة الحديثة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم يتفاوض لبنان بعد على حوالي 30 مليار دولار من الديون مع دائنيه، كما لم يُبرم أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

وأكد أن "أزمة الدين العام -حيث يعود التخلف السيادي إلى أبريل/ نيسان 2020- ليست سوى الجزء الظاهر من جبل جليد أزمة مالية هائلة". 

وأردف: "فقد تراكمت خسائر تزيد عن 70 مليار دولار، أي مرة ونصف حجم الاقتصاد عام 2019، في البنوك التجارية والبنك المركزي".

وحدث ذلك -بحسب الموقع- نتيجة لعملية احتيال من نوع "بونزي" نظمها حاكم المصرف السابق، رياض سلامة.

جدير بالإشارة إلى أن احتيال "بونزي" هو النوع الأكثر شهرة من عمليات الاحتيال الاستثماري، حيث تتضمن هذه السلسلة استخدام رأس المال من المستثمرين الجدد لدفع عوائد للمستثمرين السابقين، مما يخلق الوهم بوجود عمل مربح.

وبالحديث عن حاكم المصرف المركزي السابق، قال الموقع الفرنسي إنه "بعد بضعة أشهر من انتهاء ولايته الأخيرة، اعتُقل سلامة في بيروت في إطار قضية تتعلق باختلاس الأموال العامة". 

كما أنه ملاحق قضائيا في فرنسا بتهم غسيل الأموال واختلاس الأموال العامة. 

ولكن بحسب ما ورد عن الموقع، فإن مسؤوليته عن الأزمة "لم تخضع لأي تحقيق قضائي أو سياسي".

تدهور مستمر

ومعربة عن قلقها، قالت رئيسة معهد المالية، لمياء المبيض بساط: "لقد فقد اللبنانيون أكثر من 30 عاما من الاستثمار في رأس المال البشري لبلدهم".

وأوضحت أن "مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة بالنسبة للبنان في تدهور مستمر.. فقد كان أعلى بكثير من المتوسط العالمي عام 2009، لكنه انخفض بشكل كبير بعد عام 2019".

وإلى جانب هذه المأساة الاجتماعية، سلط الموقع الفرنسي الضوء على حادث انفجار مخزون من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، والذي دمر العاصمة في 4 أغسطس/ آب 2020. 

وصُنف الانفجار كواحد “من أخطر الانفجارات غير النووية في التاريخ”. 

ورغم ذلك، استنكر الموقع "بقاء قادة النظام الطائفي اللبناني في مواقعهم بعد هذا الانفجار". 

واستطرد: “فمن ناحية، استخدم حزب الله قوته العسكرية لترهيب مؤيديه ومعارضيه على حد سواء، لمنع أي مخرج سياسي للانتفاضة العابرة للطوائف التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019”. 

وأضاف أن "الحزب كان أحد الفاعلين الرئيسين في التكتم السياسي، وعمل على عرقلة التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت". 

ويُقال -وفق الموقع- إنه "هدد شخصيا القاضي المكلف بهذه القضية".

إذ إن "توجيه الاتهام للوزراء وكبار المسؤولين الأمنيين كان سيهز السلطة ويكشف تواطؤ الجميع في أعلى مستويات الدولة، سواء بالإهمال أو النية الجنائية".

ومن ناحية أخرى، نتيجة لهذا الانفجار، توقفت مشاريع إعادة الهيكلة المصرفية والنقدية والمالية، التي تُعد ضرورية لإعادة الانطلاق الاقتصادي والاجتماعي.

تضخم هائل

وبعد سنوات من استغلال الموارد العامة لصالح أقلية، حيث يصف بعض علماء السياسة النظام اللبناني بأنه "نظام سرقة"، اتُّخذ قرار بتوزيع الخسائر على المجتمع. 

وفي هذا الصدد، لفتت "لو فيغارو" إلى أنه "لم يُطبق أي حد أدنى لحماية الودائع المصرفية بالدولار، بل حُولت إلى الليرة اللبنانية مع خصومات كبيرة تصل إلى 85 بالمئة".

وبالإضافة إلى "محو شبه كامل للمدخرات، تسببت عملية تخفيض قيمة الليرة العنيفة وغير المنضبطة في تضخم متوسط يزيد على 100 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية، وهو ما يمثل ضريبة عشوائية على الأسر".

ومن ناحية أخرى، أشار الموقع إلى أنه "بالتوازي، حدثت تحولات ضخمة في الثروة تجاوزت 30 مليار دولار، أي أكثر من حجم الاقتصاد في عام 2023". 

"وجاءت هذه التحولات نتيجة لآليات الدعم عبر تطبيق أسعار صرف متعددة"، وفق ما ورد عن الموقع. 

وفي الواقع، أكد الموقع أن "البنوك تعيش حالة إفلاس فعلي".

ولكن في غضون ذلك، على حد وصف الموقع، يعيش مديروها في العمل بشكل يشبه "الزومبي" مع اقتصار أنشطتهم على خدمات تحويل الأموال التي أصبحت ذات تأثير محدود على الاقتصاد.

المشكلة الرئاسية

وبعد الانتخابات التشريعية لعام 2022، لا تزال وظيفتان أساسيتان في السلطة التنفيذية شاغرتين. 

فمن ناحية، يدير رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نجيب ميقاتي، الأعمال اليومية ويستحوذ على صلاحياته وفقا لمصالح الأطراف المختلفة.

ومن ناحية أخرى، لم يجد قصر بعبدا الرئاسي من يشغله منذ انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. 

وتتواصل الوساطات منذ عامين في دفع البرلمان لانتخاب رئيس واستعادة حد أدنى من الشرعية المؤسسية. 

ولكن من جانبه، يرفض حزب الله "أي شخصية يعدها تهديدا إستراتيجيا له"، وفق الموقع.

وفي هذا السياق، أشار إلى أن "فرنسا حاولت القيام بوساطة تقترح قبول شخصية مقربة من الحزب، بالتوازي مع رئيس وزراء قادر على تنفيذ خطة للخروج من الأزمة". 

ولكن، كما لفت الموقع إلى أنه "في المعسكر المناهض لحزب الله، لا أحد يريد سماع شيء عن الإصلاحات الاقتصادية".

ومن زاوية أخرى، نوه إلى أن "محاولات حديثة أُقيمت لإيجاد حل للمشكلة الرئاسية، لكن الأطراف المختلفة، بما في ذلك حزب الله الذي تضرر ولكنه لا يزال مؤثرا، تبقى بعيدة عن التوافق". 

وتابع: "ومع الحرب التي أُضيفت إلى خمس سنوات من الأزمة غير المحلولة، تواجه المؤسسات المدمرة صدمة ديمغرافية غير مسبوقة بسبب نزوح أكثر من مليون شخص، بينما تقع ثلث الأراضي اللبنانية تحت القصف الإسرائيلي".

وأوضح الموقع أن "الموظفين الحكوميين الذين لا يزالون في مناصبهم يبذلون قصارى جهدهم، رغم أن الإدارات منهارة بفعل تراجع الأجور، وأصبحوا حاليا تحت تهديد القصف". 

ووصف المبادرات التي تصدر عن مقر مجلس الوزراء، بأنها "تبدو أقرب إلى تلك التي تقوم بها منظمة غير حكومية ضخمة مدعومة من المنظمات الإنسانية الدولية، أكثر منها مبادرات دولة حقيقية".