حرب إيران وإسرائيل.. مخاطرها الأمنية والاقتصادية على المشهد العراقي

تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية تنتظر العراق بسبب الحرب الإيرانية الإسرائيلية
بالنظر إلى التشابك السياسي والأمني بين بغداد وطهران، تزداد التقديرات بأن الحرب الإسرائيلية الإيرانية قد تعيد رسم الواقع العراقي من جديد.
ونشأ هذا الارتباط في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وسيطرة نظام ولاية الفقيه الإيراني على المشهد في بغداد بشكل كامل.
وتتحكم طهران في تشكيل الحكومات واختيار رؤسائها منذ أول انتخابات برلمانية عراقية بعد عام 2003، حتى وصل الأمر بقائد الحرس الثوري الإيراني السابق، اللواء محمد علي جعفري، للتفاخر بتمكّن إيران وحدها من اختيار الرئاسات الثلاثة في العراق.
وصرّح جعفري عقب الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2018، بالقول: إن “إيران انتصرت على أميركا في العراق بنتيجة ”ثلاثة– صفر"، وذلك في سياق حديثه عن اختيار مقربين منها لتولي الرئاسات العراقية الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان.

تداعيات كبيرة
وحول تأثير الحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران في 13 يونيو/ حزيران 2025، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي: إن “القوى السياسية الشيعية الحاكمة بالعراق منذ عام 2003، تديرها طهران”.
أضاف المهداوي لـ"الاستقلال" أن إيران هي من تُمسِك بخيوط تلك القوى وهي الوحيدة القادرة على توحيدها عند الخلافات التي تصل في بعض الأحيان إلى صدامات مسلحة.
وبين أن "انهيار النظام في إيران أو غيابه عن المشهد العراقي، قد يحدث تشظيا في البيت الشيعي لا يمكن لملمته؛ لأن طهران كانت تستخدم القوة والتهديد في الكثير من الأحيان لإنهاء أي تمرد شيعي، خصوصا مع وجود فصائل تمتلك السلاح والمال".
وأشار الباحث إلى أن "عملية اختيار رئيس حكومة العراق تحسمها إيران في كل مرة بعد أن تدخل الأطراف الشيعية في أزمة، وبالتالي فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، ستكون اختبارا حقيقيا للمشهد العراقي بلا حضور إيراني".
ولفت إلى أن "وجود السلاح بيد المليشيات المسلحة الشيعية في العراق وغياب التحكم الإيراني يجعل منها تحديات حقيقية للواقع الشيعي بشكل خاص؛ لأن كل واحدة تريد فرض سيطرتها على المشهد، وهذا قد يجعل الصدام المسلح أمرا واردا جدا، وبالتالي يتأثر الوضع الأمني للبلد".
وفي السياق ذاته، أكد الخبير في الشؤون العسكرية اللواء العراقي المتقاعد، صفاء الأعسم، أن "الحرب الإيرانية – الإسرائيلية تهدد استقرار العراق وقد تكون لها انعكاسات أمنية عليه".
ونقلت منصة "الجبال" العراقية عن الأعسم في 16 يونيو، قوله: إن "هذه الحرب تهدد استقرار العراق خاصة، وهو حاليا معبر للقصف المتبادل ما بين الطرفين، وكذلك للأمر أضرار اقتصادية واجتماعية بسبب حظر الطيران وتوقف كافة الرحلات الجوية، وهذا سبب أضرارا كبيرة جدا".
وبيّن الخبير العسكري أن استمرار المواجهة "ربما يدفع نحو تحرك فصائل عراقية مسلحة لتكون جزءا من المعركة، خاصة بعد تهديدها بشكل واضح وعلني وهذا قد يجعل العراق جزءا أساسيا من الحرب".
وحذَّر من أن دخول العراق للمواجهة "قد يعرضه إلى استهداف مباشر من إسرائيل أو الولايات المتحدة، ولهذا يجب الحذر من أي خطوة قد تجرّ البلاد نحو الحرب، وهذا ما يريده الجانب الإسرائيلي".

أزمات اقتصادية
التأثر العراقي لا يقتصر على الملفين السياسي والأمني، وإنما سيكون للحرب ارتدادات اقتصادية أيضا، خصوصا أن العراق يستورد مواد غذائية وصناعات أخرى من إيران بنحو 12 مليار دولار أميركي سنويا، بمعزل عن استيراد الغاز والكهرباء.
وبحسب المحلل الاقتصادي العراقي يعرب محمود، فإن "استمرار الحرب سيقود إلى توقف بعض المشاريع الصناعية والتجارية والسياحية في العراق أو انخفاض مستوى تنفيذها، وبالتالي ستزداد نسبة البطالة".
وأضاف محمود خلال تصريح لوكالة "شينخوا" الصينية في 17 يونيو، أنه "إذا أقدمت إيران على غلق مضيق هرمز فإن ذلك سيؤثر على جميع دول العالم ويشل الحركة الاقتصادية خاصة بالشرق الأوسط".
وأوضح أن "إمدادات النفط العراقي ستتوقف مما سيؤدي إلى حصول أزمة مالية، وربما لا تستطيع الحكومة دفع رواتب الموظفين؛ لأن العراق يعتمد على بيع النفط بنسبة أكثر من 90 بالمئة من موازنته العامة".
وأكد أن غلق مضيق هرمز (تلوح به إيران) سيؤدي أيضا إلى توقف عمليات الإعمار والتنمية في العراق.
وعلى صعيد آخر، رأى محمود أن "استمرار الحرب ستكون له نتائج سلبية على الشعب العراقي، خصوصا أن العراق جار لإيران وقد يشهد نزوح العديد من الإيرانيين للمدن العراقية وهذا سيشكل تحديا للحكومة العراقية".
وتزوّد إيران العراق بـ1200 ميغاواط من الكهرباء، لسد النقص الحاصل لديه في الطاقة الكهربائية، وتشكل صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية إلى الجانب العراقي نحو 4 مليارات دولار سنويا.
وتتهم إيران بالوقوف وراء إبقاء أزمة الكهرباء قائمة في العراق حتى تستفيد منها ماليا من خلال تصدير الغاز والطاقة الكهربائية إليه.
ويأتي ذلك رغم ما أنفقته الحكومات العراقية المتعاقبة على هذا القطاع منذ عام 2003، والذي يتجاوز 80 مليار دولار دون أي حلول ملموسة.

خطر نووي
وجرّاء تبادل التهديدات بقصف المفاعلات النووية، تضاعفت مخاوف العراقيين من التداعيات الخطيرة التي قد تحصل لعدد من المدن، إذا قصف الاحتلال الإسرائيلي مفاعلات نووية قريبة من الحدود العراقية الإيرانية.
وفي الوقت الذي كشف فيه مرصد "العراق الأخضر" خلال بيان له في 16 يونيو، عن عدم تسجيل نشاط إشعاعي في الأجواء العراقية جراء الهجوم الإسرائيلي على منشآت نووية إيرانية، فقد أكد أن ثلاث محافظات هي الأكثر عرضة للإشعاع.
ونقل المرصد في بيان عن الخبير الكيميائي العراقي، أيوب حسن، قوله: إن "المحافظات الثلاث (البصرة، ميسان، ذي قار) جنوب العراق، تعد الأكثر عرضة للإشعاع، في حال تكررت الهجمات العسكرية على المفاعلات النووية الإيرانية".
وحدد الخبير الكيمائي العراقي، مفاعلات “نطنز” و"فوردو" المستخدمة لتخصيب مادة اليورانيوم (المشع)، ومفاعل “بوشهر” المستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية، كونها تحتوي ضمن مواده التشغيلية على عناصر اليورانيوم، والسيزيوم، والسترونتيوم.
وأضاف أن "مفاعل نطنز أكبر موقع لتخصيب اليورانيوم، ويحتوي على منشأتين تحت الأرض، ومستوى التخصيب فيه لم يتجاوز 5 بالمئة (أي خطورته وسطى) على الأجواء العراقية في حال تعرضه مستقبلا لانفجار متكامل؛ حيث يبعد 400 كم جوا عن حدود العراق، و650 كم جوا عن العاصمة".
وتابع: "يبعد مفاعل بوشهر المستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية في إيران 450 كم جوا عن مدينة البصرة، و500 كم جوا عن مدينة العمارة، وقرابة الـ 700 كم جوا عن بغداد".
وفقا للخبير، فإن "مفاعل فوردو، المحصن جبليا، والذي يتم فيه تخصيب أكثر من 60 بالمئة من اليورانيوم، فهو لا يزال بعيدا عن الضربات الجوية، حسب ما ذكرت تقارير إيرانية، ويبعد بمسافات 550 كم جوا عن بغداد، و450 إلى 500 كم جوا عن مدينتي كربلاء والنجف".
وأوضح الخبير أن كلمة “جوا”، تدل على أن قضية التلوث تنتقل عن طريق سحابة غبارية مشعة، وتنتقل بشكل دائري حول مكان المصدر المشع، في حال تعرض أحد تلك المفاعلات إلى انفجار مباشر، شرط أن تكون الرياح شمالية شرقية قرب مفاعل بوشهر.
وتابع أن "الشرط الآخر هو أن تكون سرعة الرياح 30 إلى 50 كم في الساعة، وهنا تصل السحابة المشعة بعد 9 ساعات إلى البصرة و10 ساعات إلى ميسان و14 ساعة الى بغداد، ويمكن هنا تنبيه المواطنين قبل وصولها".
ولفت إلى “وجود جهد مكثف من قبل وزارة البيئة، ووزارة العلوم والتكنولوجيا المنضوية تحت إدارة وزارة التعليم العالي، لمتابعة الوضع على مدار 24 ساعة، وتسجيل قراءات النشاطات الإشعاعية (قرب الحدود) لمختلف العناصر في الجو (الطبيعية منها وغير الطبيعية)”.
وخلص الخبير إلى أن "أي نشاط سحابي إشعاعي يتجه للعراق في حال تعرض أي منشأة نووية إيرانية لتدمير مباشر، فسيكون التأثير متوسطا على الأراضي الزراعية، ثم مصادر الماء المكشوفة تدريجيا، ويكون التأثير طفيفا بشكل مباشر على الإنسان حال التعرض المباشر".
وعلى إثر الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو، سجلت إيران تلوّثا إشعاعيا في نطنز، أكبر المنشآت الإيرانية لتخصيب اليورانيوم.
ولكن أعلنت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، عدم تسجيل التلوث الإشعاعي خارج المنشأة.
المصادر
- السوداني: إسرائيل توسع رقعة الحرب لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط
- مخاوف التجار من تداعيات الحرب "الاسرائيلية - الايرانية" وانعكاسها على حركة السوق في العراق!
- رؤية شرق أوسطية: تداعيات حرب إسرائيل وإيران تطال الدول العربية اقتصاديا
- ما هي أبرز التحدّيات الاقتصادية والأمنية التي يواجهها العراق جراء الحرب الإيرانية - الإسرائيلية؟
- ماذا سيحدث في العراق إذا قصفت إسرائيل المفاعلات النووية الإيرانية؟
- أنتج الكهرباء بوقود محلي.. هل يتحرر العراق من احتكار إيران لإمدادات الطاقة؟
- ضرب نطنز.. إيران تنفي أي تسرب إشعاعي من المنشآت النووية