الانسحاب المبكر لقوات حفظ السلام الروسية من قره باغ.. مؤشر سلام أم حرب؟

7 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة مفاجئة، أعلنت الرئاسة الروسية في 17 أبريل/ نيسان 2024، أن قوات السلام التابعة لها المنتشرة في إقليم "قره باغ" الأذربيجاني بدأت مغادرة المنطقة.

وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2020، أطلق الجيش الأذربيجاني عملية لتحرير أراضيه المحتلة في إقليم قره باغ، وبعد معارك استمرت 44 يوما أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، توصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق وقف إطلاق نار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات محتلة، ونشر قوات حفظ سلام روسية لمراقبة وقف إطلاق النار.

انسحاب مبكر

وفي هذا السياق، نشر مركز "فيكير تورو" التركي مقالا للكاتبة "يلدز ديفيجي بوزكوش" ذكرت فيه أنه في حين كان مركز اهتمام العالم بالعدوان الإسرائيلي على غزة والتوتر مع إيران، انسحبت قوات السلام الروسية من قره باغ قبل انتهاء فترة مهمتها.

فبعد انتصار أذربيجان في قره باغ عام 2020، تم نشر قوة السلام الروسية المكونة من 2000 جندي في قره باغ بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين أذربيجان وأرمينيا.

ووفقا للمادة الرابعة من الاتفاق تم نشر قوات السلام الروسية في المنطقة بالتزامن مع انسحاب قوات أرمينيا، وتم الاتفاق على أن يبقى الجنود في المنطقة لمدة 5 سنوات. 

وذكِر أيضا أنه إذا لم يقم أي طرف بإلغاء هذا البند قبل 6 أشهر من انتهاء المدة، فإن فترة مهمة قوات السلام ستمتد تلقائيا لخمس سنوات مقبلة.

ومع ذلك، أكد المسؤولون الروس انسحاب قوات السلام الروسية في منتصف أبريل 2024 من قره باغ قبل انتهاء المدة. 

وقد أثار هذا الانسحاب قبل الموعد المحدد في 10 نوفمبر 2025 العديد من التساؤلات. 

فهل تراجع أحد الأطراف، أم أن هذا القرار تم اتخاذه بالتوافق؟ وعلى الرغم من عدم وضوح الأمر حتى الآن، إلا أن بعض الاحتمالات تبرز أكثر بشكل تدريجي.

أسباب محتملة

وذكرت الكاتبة التركية أنه من الممكن الحديث في هذا السياق عن عدة عوامل تسببت في انسحاب قوات السلام الروسية قبل الموعد المحدد.

أولا، التوتر الذي تسببت فيه التطورات العالمية على روسيا. ومن المعروف أن الحرب في أوكرانيا وقضايا أخرى عالمية قد صعّبت الأمور على روسيا. ويجب أيضا ذكر أن أذربيجان استغلت هذه الفرصة.

ثانيا، حولت أرمينيا وجهها نحو الغرب في الآونة الأخيرة. وفي هذا السياق تتخذ أرمينيا خطوات يمكن أن تثير بها رد فعل روسيا. 

ففي فبراير/ شباط 2024، قامت أرمينيا بتجميد عضويتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تأسست في عام 2002 من قبل بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان، وأثار هذا القرار جدلا جديدا بين روسيا وأرمينيا. 

من جهة أخرى، من المعروف أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد لعبت دورا مهما في تسليح أرمينيا في السنوات الأخيرة. 

فإن دعم فرنسا المستمر لأرمينيا في مجال التدريب العسكري والدفاع والمركبات المدرعة وأنظمة الدفاع الجوي تزعج روسيا. 

ومثل باقي الدول في المنطقة تعتقد روسيا أن هذه الخطوة من فرنسا تزيد من سباق التسلح في المنطقة. لذلك، يمكن تفسير هذا الانسحاب على أنه تأثير لعزل روسيا في المنطقة. 

من هذا المنظور، يمكن عد انسحاب قوة السلام على أنه رد فعل من قبل روسيا على تسليح الغرب لأرمينيا بالإضافة إلى رغبة روسيا بجذب أذربيجان إلى جانبها في المنطقة.

موقف تركيا

وقالت الكاتبة التركية إنه عند النظر إلى الأمر من منظور تركيا بشكل خاص، فإنها تشعر بالتأثير العميق للتطورات العالمية بناءً على موقعها الجغرافي. 

بالإضافة إلى ذلك، تتابع عن كثب الانسحاب، وذلك بوصفها جهة إقليمية لها علاقات جيدة مع روسيا. ويمكن القول إن تركيا ترحب بالانسحاب لأنه سيعزز موقفها في المنطقة.

وتعد تركيا أذربيجانَ مهمة بسبب الدعم الكبير الذي قدمته في انتصار قره باغ وبيان شوشا الذي تم توقيعه بعد ذلك. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ شعار "أمة واحدة، ودولتان" يعبّر عن أنّ تحقيق الاستقرار والسلام في قره باغ مهم بالنسبة لتركيا.

من جهة أخرى، تلعب تركيا دورا حاسما في العلاقات مع روسيا. خاصة بعد الدور الذي لعبته في وساطة النزاع في أوكرانيا، فقد حظيت بتقدير جميع الأطراف. 

لذلك، تحاول تركيا أن تظل على مسافة متساوية من الأطراف، لكنها تظهر وجهة نظرها بوضوح عند الضرورة. 

وأضافت: أما بالنسبة لإيران فإن من المهم لها معرفة من سيملأ الفراغ الذي سيحدث بانسحاب قوة السلام الروسية. 

لذلك، على الرغم من عدم وضوح الموقف في الوقت الحالي، فإن تعبئة هذا الفراغ من قبل تركيا في المستقبل لن يسعد إيران.

توتر أذربيجان وفرنسا

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن العلاقات المتوترة بين فرنسا وأذربيجان تعود في الأساس إلى الدور المهم الذي لعبته فرنسا في حرب قره باغ. 

فإن حرب قره باغ كانت نقطة تحول حقيقية في توجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نحو هذه المنطقة.

وتم تنظيم الاجتماع في مدينة غرناطة في إسبانيا بحضور قادة أرمينيا وفرنسا وألمانيا ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، وكانت أذربيجان قد قررت عدم المشاركة فيه. 

وأعربت باكو عن أن الاجتماع كان بتنسيقٍ معادٍ لأذربيجان، وطلبت أذربيجان مشاركة تركيا في هذا الاجتماع، لكن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا، رفضت هذا الاقتراح، ما دفع أذربيجان إلى مقاطعة القمة احتجاجا.

وتسببت حادثة إعلان أن دبلوماسيي البلدين هم أشخاص غير مرغوب فيهم في تصاعد التوتر بين البلدين. 

حيث أعلنت أذربيجان أنها تعد موظفين يعملون في السفارة الفرنسية "أشخاصا غير مرغوب فيهم" بسبب سلوكهم الذي لا يتفق مع وضعهم الدبلوماسي. 

ثم أعلنت فرنسا بدورها "المعاداة المتبادلة" وصنفت دبلوماسيين اثنين من أذربيجان كـ"أشخاص غير مرغوب فيهم". وبالتالي، تصاعدت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

وكما يظهر، تعود الخطوات التي اتخذتها فرنسا تجاه أرمينيا وأذربيجان إلى سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة. 

لذلك، يمكن القول إن التوتر بين فرنسا وأذربيجان يعود إلى النصر الذي حققته أذربيجان في قره باغ. وقد أصبحت حركة قره باغ نقطة تحول في توجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نحو هذه المنطقة.

وختمت الكاتبة التركية المقال قائلة: بناءً على كل هذه التطورات ستبدأ فترة جديدة في جنوب القوقاز. ففي هذه الفترة الحساسة تتطلب الخطوات التي يقوم بها الأطراف مسؤوليات كبيرة.

ويجب عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية، ففي المناطق السابقة للاتحاد السوفيتي يتم خوض صراع بين القوى الإقليمية والعالمية من خلال الدول الصغيرة. لذلك، يعد انسحاب قوات السلام الروسية والتوتر بين فرنسا وأذربيجان تعبيرا مهما عن الصراع بين الشرق والغرب. 

وفي هذا السياق، يجب أن تكون الخطوات السلمية ذات أولوية لكي لا يتحول جنوب القوقاز إلى منطقة صراع جيوسياسي جديد. وإلا فإن أي اضطراب صغير قد يؤثر على الجميع وسيجعل الجميع يدفعون ثمنه.