سياسة واشنطن تجاه أميركا اللاتينية.. لماذا يتفوق الجيش على الدبلوماسية؟
"العجز الرئيس الذي تواجهه واشنطن مع أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي اليوم سياسي واقتصادي"
في تعاملها مع أميركا اللاتينية، تعتمد الولايات المتحدة بقوة على قواتها المسلحة أكثر من اهتمامها بتطوير العلاقات السياسية وفتح قنوات دبلوماسية.
وتشير صحيفة "إي ريفرانسيا" البرتغالية إلى أن رئيسة القيادة الجنوبية للجيش الأميركي الجنرال لورا ريتشاردسون، أصبحت الوجه الأبرز للسياسة الأميركية في المنطقة، من خلال الأنشطة التي تتجاوز المجال العسكري التقليدي.
ورغم أهمية الأمن، إلا أن التركيز العسكري يغفل الجوانب السياسية والاقتصادية المهمة، مما يؤدي إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة لصالح الصين وروسيا.
وفي هذا الإطار، توصي الصحيفة بزيادة الانخراط السياسي والدبلوماسي الأميركي لتعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية بشكل متوازن.
الوجه الأبرز
وتؤكد أن "المسؤول الأميركي الشمالي الأكثر ظهورا في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في الآونة الأخيرة هي الجنرال لورا ريتشاردسون".
فمنذ أن أصبحت أول امرأة تتولى هذا المنصب عام 2021، كانت ريتشاردسون نشطة للغاية، بما في ذلك في قضايا خارج المجال العسكري التقليدي.
ففي أوروغواي، التقت ريتشاردسون في فبراير/ شباط 2024، بمسؤولين من وزارة الدفاع والخارجية، وتبرعت بأربعين جهاز تنفس لتعزيز قدرات البلاد على الاستجابة للكوارث.
وفي بنما شاركت رئيسة القيادة الجنوبية للجيش في يونيو/ حزيران 2024، في مناقشات حول أمن الحدود والأمن السيبراني وقضايا أخرى.
علاوة على ذلك، تشير الصحيفة إلى رحلات أخرى أجرتها ريتشاردسون أخيرا إلى كولومبيا لمناقشة الشراكة الأمنية مع الرئيس الأرجنتيني السابق، جوستافو بيترو.
كما أنها نفذت رحلة أخرى للقاء نائبة الرئيس آنذاك، كريستينا فرنانديز، بالإضافة إلى رحلة منفصلة جنوبا لمناقشة خطط إنشاء مركز لوجستي محتمل في تييرا ديل فويغو.
وبحسب ما ورد عن الصحيفة، تبرعت القاعدة الجنوبية، المعروفة بـ "ساوث كوم"، بحزم "محاليل الإماهة الفموية" لدولة هايتي، والأثاث والأدوية للسلفادور، فضلا عن المستشفيات الميدانية لكوستاريكا.
وفي تصريحاتها العلنية، أكدت ريتشاردسون على الحاجة إلى تعميق التعاون مع المنطقة، معربة عن قلقها بشأن نفوذ الصين المتزايد.
كما أوضحت أن أميركا اللاتينية مهمة للولايات المتحدة جزئيا بسبب حاجتها إلى الموارد الطبيعية، بما في ذلك الليثيوم.
قلة المشاركة
وفي إطار ما ذُكر سابقا، تتساءل الصحيفة البرتغالية: "إذا كانت تشعر بقلق حقيقي بشأن فقدان نفوذها لصالح بكين في أميركا اللاتينية، لماذا حولت واشنطن الكثير من علاقتها بالمنطقة إلى مؤسسة عسكرية مثل ساوث كوم؟".
وفي إجابتها على هذا التساؤل، تلفت إلى أنه "في السنوات الأخيرة، أضاعت القيادة المدنية الأميركية فرصا لا حصر لها لتعزيز العلاقات مع أميركا اللاتينية".
وكما كتبت شانون أونيل، في تحليلها في مجلة "فورين أفيرز"، فقد وقعت 11 دولة في المنطقة على ما يسمى بـ "شراكة الأميركيتين من أجل الرخاء الاقتصادي".
وهذه الشراكة أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في يونيو 2022، كمنتدى لمناقشة سلاسل التوريد ومكافحة الفساد ومسائل أخرى تخص الشؤون الاقتصادية.
ولكن في الوقت نفسه، هناك 21 دولة تنتمي حاليا إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وفق ما لفتت الصحيفة البرتغالية.
علاوة على ذلك، تقول إن "الكثير من التقييمات الأخرى تسلط الضوء على فقدان النفوذ الأميركي في المنطقة".
وفي تحليلها لهذا المشهد، تذهب إلى أن "العجز الرئيس الذي تواجهه واشنطن مع أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي اليوم هو سياسي واقتصادي، وليس عسكريا".
ومع ذلك، لم يزر الرئيس جو بايدن المنطقة إلا مرة واحدة خلال فترة ولايته.
وفي مقابل ذلك، سافر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بشكل متكرر بما في ذلك المكسيك التي تربطها الولايات المتحدة بعلاقة تجارية فريدة من نوعها.
كما سافر بلينكن إلى ريو دي جانيرو كجزء من مجموعة العشرين، التي ترأسها البرازيل حاليا.
وعلى الرغم من هذه الزيارات، تنوه الصحيفة أنه في كل عاصمة في المنطقة تقريبا، تسمع عبارة مفادها أنه "كان هناك إقلال في المشاركة السياسية والدبلوماسية الأميركية مع نصف الكرة الغربي في السنوات الأخيرة".
وبالنظر إلى هذا الواقع، تعتقد "إي ريفرانسيا" أن "ساوث كوم" تحاول سد هذه الفجوة.
“ساوث كوم”
وتشير إلى أن وثيقة إستراتيجية "ساوث كوم" للفترة 2017-2027 تنص على أنها “ستشارك مع المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمنظمات الأخرى لتحسين الحكم وقدرة المجتمع على الصمود”.
وكذلك ستعمل على "توسيع الفرص الاجتماعية والتدابير الاقتصادية لمساعدة السكان الضعفاء".
كما تؤكد الوثيقة على "ضرورة مقاومة الفساد والشبكات غير المشروعة والجهات الخارجية الخبيثة".
ومن الجدير بالملاحظة أن الوثيقة تشير بوضوح إلى أن "روسيا والصين تشكلان تهديدا للاستقرار السياسي في المنطقة".
وهنا، تؤكد الصحيفة البرتغالية على أن "روسيا تعمل بالفعل على تقويض الاستقرار السياسي من خلال حملات التضليل واسعة النطاق".
ومن جانبها، تسلط الوثيقة الضوء أيضا على "أهمية العمليات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية التي تخلق سياقا سياسيا واقتصاديا يمكن لموسكو وبكين استغلاله".
وعلى حد قول الصحيفة، فإن برنامج المساعدة الإنسانية التابع لـ "ساوث كوم" على استعداد لتقديم المساعدة في حالة وقوع كوارث طبيعية؛ حيث يمكن للقاعدة إنشاء مراكز عمليات الطوارئ والملاجئ والمدارس.
كما أنها مستعدة لدعم تطوير البنية التحتية المدنية اللازمة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية في المناطق الفقيرة، وفق ما ذكرته الصحيفة.
مظلة أكثر شمولية
وبجانب الأسباب التي تجعل العديد من هذه البرامج في أيدي الجيش غير واضحة، تلفت "إي ريفرانسيا" الأنظار إلى أنه من المفارقة أن العديد من الأنشطة التي تنفذها "ساوث كوم" في أميركا الوسطى أو الجنوبية لا يمكن أن يقوم بها الجيش في الولايات المتحدة.
وتعزو الصحيفة ذلك إلى القيود المفروضة على قانون "Posse Comitatus" الفيدرالي لعام 1878، والذي حُدث في عام 2021.
وهذا القانون يحد من صلاحيات الحكومة الفيدرالية في استخدام الأفراد العسكريين الفيدراليين لفرض السياسات المحلية داخل الولايات المتحدة.
وكما تنوه الصحيفة، فإن هذه المفارقة لا تغيب عن أذهان القادة المدنيين في أغلب أنحاء أميركا اللاتينية.
وتابعت: "إن الاعتماد على الوسطاء العسكريين يبدو أقل منطقية، نظرًا للمخاوف التي أعربت عنها حكومة بايدن بشأن التراجع الديمقراطي في أجزاء من أميركا اللاتينية".
وأردفت: "وفي وقت يستعيد فيه العسكريون النفوذ السياسي في بعض البلدان، يبدو من غير المنطقي أن يكون الجندي بزيه العسكري هو المبعوث الرئيس للمنطقة".
وكمفارقة إضافية، تقول الصحيفة إنه “على مدى عشرين عاما، كانت النظرة التي تركز على المخدرات في المنطقة هي السائدة”.
وحتى إن العديد من الإدارات الحكومية الأميركية يتحدث عن الإرهاب المرتبط بالمخدرات بصفته المشكلة المركزية في أميركا اللاتينية.
وفي هذا السياق، تلفت الصحيفة البرتغالية إلى أن “ساوث كوم” تدخلت من حين لآخر لدعم هذه المبادرات.
ومع ذلك، تعتقد أن "القيادة تبدو أكثر تركيزا على السياسات الاجتماعية والتواصل مع أعلى النخب السياسية في أميركا اللاتينية".
وفي النهاية، توضح أنه "رغم الأهمية الشديدة للأمن بالنسبة لجميع البلدان، إلا أن هذه ليست القضية الوحيدة في أميركا اللاتينية".
وفي رأي الصحيفة، إن وجود مظلة أكثر وضوحا تضم اللجنة الجنوبية، ولكن تتمتع بمشاركة أكثر نشاطا من أجزاء أخرى من حكومة الولايات المتحدة، من شأنه أن يساعد في تعزيز مصالح واشنطن ومواطني المنطقة.
وفي نهاية المطاف، تخلص إلى أن ""ساوث كوم" تبدو، في بعض الأحيان، وكأنها المؤسسة العامة الوحيدة التي لها علاقات دائمة مع نصف الكرة الغربي.
وهو ما يعني أن العلاقة السياسية بين الولايات المتحدة وجيرانها الجنوبيين هي في أيدي الجيش الأميركي.