بعد إعادة مرعش لأصلها.. هكذا يعاقب "الشطر اليوناني" القبارصة الأتراك
ما زالت تتوالى ردود الفعل المناهضة لتوجه تركيا نحو تحويل منطقة مرعش في جمهورية شمال قبرص التركية إلى منتجع سياحي كسابق عهدها قبل 46 عاما، لكن هذه المرة جاء الرد بقرارات عقابية من قبرص اليونانية لمسؤولين قبارصة أتراك.
في 20 يوليو/ تموز 2021، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تحويل منطقة مرعش بجزيرة قبرص التركية من منطقة عسكرية مغلقة منذ العام 1974، إلى منتجع سياحي وإقامة عدد كبير من المشروعات هناك، ما أثار ردود فعل يونانية وأوروبية وأميركية غاضبة.
من جهته، رد رئيس حكومة قبرص اليونانية نيكوس أناستاسيادس، بإعلان سحب جوازات السفر القبرصية من أعضاء حكومة جمهورية شمال قبرص التركية، بدءا من رئيس الجمهورية أرسين تتار، وحتى أعضاء لجنة افتتاح منتجع "مرعش".
المتحدث باسم حكومة قبرص اليونانية ماريوس بيليكانوس أكد سحب جوازات سفر 13 مسؤولا بدعوى أنهم "أضروا بسيادة قبرص (..) وأظهروا مواقف عدائية تجاه جمهورية قبرص من خلال مساعيهم لتغيير وضع مرعش".
صحيفة "ستار" التركية نشرت مقالا للأستاذ في جامعة "حاج بايرام ولي" في أنقرة إسماعيل شاهين، قال فيه: "يمكننا القيام بنقاشات طويلة بشأن المصطلحات التي استخدمها بيليكانوس".
وأضاف: "غير أن أكثر ما يلفت النظر هنا محاولة حكومة قبرص اليونانية تهديد جميع القبارصة الأتراك الذين يحملون جنسية جمهورية قبرص من خلال 13 سياسيا".
"إذ ستكون حكومة قبرص اليونانية قادرة على سحب الجنسية من أي قبرصي تركي تعتبره يمس بسيادة جمهورية قبرص واستقلالها وأمنها وسلامتها الإقليمية"، وفق رؤية شاهين.
وقال: إن "حكومة قبرص اليونانية تحاول الضغط على القبارصة الأتراك الذين يؤيدون حل الدولتين بجوازات السفر، وفي الواقع، تتعارض الدعوة إلى حل الدولتين مع وحدة أراضي جمهورية قبرص، وفقا للقبارصة اليونانيين".
عقدة إينوسيس
مقال الكاتب التركي أشار إلى أن "الأتراك يدفعون باهظ الأثمان للأزمة القبرصية منذ عام 1963، إذ لا تزال (جمهورية قبرص) التي تأسست عام 1960 بشراكة سياسية بين الأتراك واليونانيين، تخضع لسيطرة اليونانيين منذ ذلك الحين".
ولفت إلى غياب ردود فعل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي تجاه تقييد حقوق الأتراك أو منعها في انتهاك صارخ للقانون الدولي والدستور.
وجزم بأن "سؤال: لماذا شعر الأتراك بالحاجة إلى إقامة دولة منفصلة؟ يبرز كسؤال رئيس يجب طرحه لفهم أفضل للقضية"، مضيفا أن "أي شخص يفهم القضية جيدا سيؤكد أنها ليست رغبة منهم في الانقسام أو الانفصال".
"كما أنها حقيقة تاريخية لا جدال فيها أن جهود الأتراك لتقسيم الجزيرة أو تفكيكها أو ربطها بالكامل بتركيا لا ترقى إلى مساعي حركة (إينوسيس) القبرصية".
وإينوسيس، حركة المجتمعات اليونانية التي تعيش خارج اليونان وتدعو لدمج المناطق التي يعيشون فيها مع اليونان.
الأكاديمي التركي كاتب المقال ألمح إلى أن "الخبراء يعرفون جيدا أن قضية قبرص نشأت من هوس اليونان بفكرة إينوسيس، والذي يعني ربط الجزيرة بأثينا".
وأضاف: "على الرغم من الشغف اليوناني بالإينوسيس والذي شكل جوهر الانقسام والصراعات في قبرص؛ حافظت الجزيرة على هويتها التركية حتى يومنا هذا بعد نضال طويل وشاق ضد مساعي ربطها باليونان".
"ولولا ذلك لم يكن ليختلف مصير القبارصة الأتراك عن مصير الأتراك الذين كانوا يعيشون في جزر البحر المتوسط، وتركوا لمصيرهم تحت الحكم اليوناني". وفقا للكاتب التركي.
العصا والجزرة
ويرى شاهين أن "السيطرة على الأتراك في القضايا الاقتصادية والاجتماعية هو الهدف الرئيس والنهائي للجانب القبرصي اليوناني".
"ومع حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2004 بطريقة تتعارض مع القانون الدولي، أصبحت الورقة الرابحة بيد الجانب القبرصي اليوناني أقوى من ذي قبل".
وتابع: "بعد ذلك، تحولت الإدارة القبرصية اليونانية إلى سياسة استخدام جواز سفر الاتحاد الأوروبي كأداة قوة ناعمة ضد القبارصة الأتراك".
"إذ يحاول الجانب اليوناني استخدام الفرص التي يوفرها الاتحاد الأوروبي للسيطرة على الجانب التركي بطريقة العصا والجزرة، وهكذا ليكافئ الذين يدعمون سياساته، ويعاقب من يعارضها"، وفق الكاتب.
وقال: إن "سحب جوازات السفر الخاصة بالـ13 دبلوماسيا كانت أول الغيث"، في إشارة لخطوات عقابية قادمة بحق القبارصة الأتراك.
وجزم بأن "الأتراك القبارصة يفضلون جواز وجنسية (جمهورية قبرص) للاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي يوفرها وسهولة السفر بها".
"كذلك فإن حظر السفر المفروض على جوازات سفر جمهورية شمال قبرص التركية بما أنها غير معترف بها دوليا من غير تركيا، شجع الناس على أن يصبحوا مواطنين في الاتحاد الأوروبي من خلال جمهورية قبرص"، بحسب الكاتب.
واستدرك: "غير أن فتح البوابات الحدودية بين الجانبين في الجزيرة 23 أبريل/ نيسان 2003، كان بمثابة نقطة تحول في توجه القبارصة الأتراك للحصول على جواز سفر جمهورية قبرص، المعروف باسم جواز السفر اليوناني".
"إذ أتيح للقبارصة الأتراك بهذا القرار، فرصة السفر مباشرة إلى جميع البلدان باستثناء تركيا عبر مطار (لارنكا) على الجانب اليوناني".
وأوضح أنه "وبطبيعة الحال، أدى هذا بالإضافة إلى المزايا التي وفرها انضمام قبرص اليونانية إلى عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2004، إلى تسريع حصول القبارصة الأتراك على جنسية جمهورية قبرص".
الكاتب لفت إلى أن "العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وقبرص انتقلت إلى بعد مختلف مع قبول الإدارة القبرصية اليونانية في الاتحاد الأوروبي تحت اسم جمهورية قبرص مطلع مايو/ أيار 2004".
"لم يكن الاتحاد الأوروبي يعتبر نفسه طرفا مباشرا في قضية قبرص حتى عام 2004، لينشط بعدها في القضية ويقول: (جميع أنحاء قبرص تعتبر أراضي تابعة للاتحاد الأوروبي)".
دور مريب
واستطرد شاهين: "الاتحاد الأوروبي يسعى لتحديد حدود ومضمون الحل لقضية قبرص".
وأضاف: "يتضح من القرارات والتصريحات الرسمية أن الاتحاد الأوروبي الذي شارك في مفاوضات قبرص بصفة مراقب، يؤيد نموذج حل اتحاد ثنائي المناطق ثنائي الطوائف على أساس المساواة السياسية، كحل وحيد".
وأكد أن "الاتحاد الأوروبي أطلق مشاريع مشتركة بالجزيرة منذ 2004، واتخذ خطوات لتشجيع المجتمع القبرصي التركي لنيل جنسية الاتحاد الأوروبي، وعمل لإنشاء روابط انتماء قوية إلى الاتحاد الأوروبي والجزيرة".
ولفت إلى أن "الاتحاد الأوروبي يرى أن حكومة جمهورية قبرص لا تملك سيطرة فعلية في أراضي قبرص التركية، ومع ذلك، لا يؤثر هذا على الحقوق الشخصية للقبارصة الأتراك، الذين هم بمثابة مواطنين في الاتحاد الأوروبي".
وأضاف "بعبارة أخرى، يعتبر القبارصة الأتراك مواطنين بدولة في الاتحاد الأوروبي، مع أنهم يعيشون بجمهورية شمال قبرص التركية، فقط المهاجرين من تركيا إلى قبرص بعد 1974 واستقروا فيها لا يمكنهم الاستفادة من الأمر".
"إذ إن وجودهم غير قانوني، وفقا للجانب اليوناني وبالتالي الاتحاد الأوروبي، بحسب الكاتب، ويوضح أنه "ولذلك، لا تسمح السلطات اليونانية لهؤلاء الأشخاص بالعبور إلى جنوب الجزيرة".
الأكاديمي التركي قال: "بما أن المجموعة المستهدفة من المشاريع المشتركة التي نفذها الاتحاد الأوروبي في جمهورية شمال قبرص التركية هم القبارصة الأتراك قبل عام 1974، فإن هذا يتسبب في العديد من المشاكل".
وألمح إلى أنه "قبل كل شيء يضعف هذا روابط الانتماء إلى جمهورية شمال قبرص التركية بما أنه يدفع الشعب من أصل قبرصي نحو الاتحاد الأوروبي والشعب من أصل أناضولي نحو تركيا".
وأردف: "ثانيا، يغذي هذا، التمييز القبرصي التركي في جمهورية شمال قبرص التركية، وبالتالي يقوض عملية بناء الدولة السياسية في جمهورية شمال قبرص التركية".
"إلى جانب أن الفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي للقبارصة الأتراك تضعف ولاء الشعب القبرصي التركي لتركيا"، بحسب رؤية الكاتب.
وينوه قائلا: "ولا يجب نسيان أن أوروبا وبريطانيا تحققان اندماج القبارصة الأتراك مع العالم بسهولة من خلال الجنسية التي تقدمانها لهم".
"ويمكن القول بأن الجنسيات تشكل أهم أدوات القوة الناعمة التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي ولندن في جمهورية شمال قبرص التركية".
شاهين يرى أنه "وبالنظر إلى كل هذا، يجب على تركيا أن تقوي روابطها سريعا وتزيد من انتمائهم لتركيا وجمهورية شمال قبرص التركية بإنتاج حلول وصيغ جديدة من شأنها فتح قنوات ارتباط القبارصة الأتراك بالعالم".
وأضاف: "يبدو واضحا عند تدقيق النظر في موقف الجانب القبرصي اليوناني أنه يهدف إلى إخضاع جمهورية قبرص لسيطرته وبسط سلطة هذه الدولة في الشمال على أراضي قبرص التركية".
كذلك "دمج القبارصة الأتراك في جمهورية قبرص بدلا من إقامة شراكة جديدة مبنية على المساواة السياسية".
ويختم شاهين مقاله قائلا: إن أزمة جوازات السفر التي حدثت تشير إلى أن الجانب اليوناني سيستخدم طريقة العصا والجزرة بعد اليوم أكثر فأكثر ضد القبارصة الأتراك".
وتوقع أن "تنتهز الإدارة القبرصية اليونانية كل فرصة على الطاولة وفي الميدان لإحداث شرخ في العلاقة بين سلطات جمهورية شمال قبرص التركية والقبارصة الأتراك".