"تقسيم الكعكة".. مركز تركي يرصد تغيير دول أوروبية مواقفها بشأن ليبيا
وصف مركز أبحاث تركي، تغير مواقف بعض الدول الأوروبية من الحالة الليبية بأنه تغير لأجل المصلحة وسعي للحصول على قطعة من كعكة النفط والغاز وإعمار ما هدمته الحرب، محذرا من تلون بعض الدول.
ووجه "مركز دراسات الشرق الأوسط" (أورسام)، انتقادات عديدة لمواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي لالتزامها الصمت تجاه الموقف العدواني لقائد الانقلاب الليبي، خليفة حفتر وانقلابه ضد حكومة طرابلس الشرعية أبريل/ نيسان 2019.
واعتبر المركز في ورقة بحثية، أن تلك الدول لم تتبن دورا فعالا في المسرح الليبي بعد اتفاق "الصخيرات" السياسي عام 2015، وتشكلت على إثره حكومة شرعية للبلاد التي تعاني اضطرابات منذ ثورتها ضد الرئيس القذافي في 17 فبراير/ شباط 2011.
غموض أوروبي
البحث الذي نشره (أورسام) قال فيه: إن "بيئة عدم اليقين وتقلب التوازنات في الساحة السياسية منعت دول الاتحاد الأوروبي من دعم أحد الأطراف إلى حد ما".
وأضاف: "لما فشلت مؤتمرات باليرمو نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وبرلين يناير/ كانون الثاني 2020، في التوصل إلى حلول بناءة للأزمة، "باتت شرعية علاقات الاتحاد الأوروبي مع الجهات الفاعلة في ليبيا موضع تساؤل".
المركز أوضح أن "مفاوضات جنيف في أغسطس/ آب 2020، لم تسفر في ليبيا عن وقف إطلاق النار الذي أعدته اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 في 23 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020 كاشفة الغطاء عن المرحلة الحالية".
وفي الفترة من مارس/ آذار إلى يوليو/ تموز 2021، زار مسؤولون رفيعو المستوى من دول أوروبية القيادة الليبية الجديدة وأعربوا عن التزامهم بعملية بناء الدولة في ليبيا.
ويصف بحث (أورسام) التركي تلك الحالة بالقول: "ولا تزال دوافع هذه الدول غامضة في اتخاذ دور في السياسات الليبية الجديدة ومدى صدقها في السياسات التي تتبعها".
إيطاليا
ووفقا لمعدي البحث إسماعيل نعمان تيلجي، وفؤاد أمير شفقاتلي: "كانت إيطاليا، التي تدخلت في الأزمة الليبية لحماية مكاسبها بعد سقوط القذافي، على اتصال وثيق مع صناع القرار الليبيين في مجال الهجرة غير الشرعية وتأمين السواحل والطاقة".
"وعلى الرغم من أن إيطاليا تبدو وكأنها تتعامل مع الوضع في ليبيا كأزمة إنسانية، إلا أنه يمكن القول أن دافعها الرئيس متعلق بالطاقة والاقتصاد، وفق رؤية الباحثين.
أضافا "ويمكن القول إن شركة (إيني) الإيطالية للطاقة ومصالحها شكلت المحور الأساسي في أهداف إيطاليا وأولوياتها الرئيسة في ليبيا".
وأوضحا "ولما كان مجال نشاط الشركة يقع في غالبه في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني، الحكومة الشرعية الليبية بقيادة فايز السراج، ذهبت إيطاليا لدعم الوفاق دبلوماسيا".
"إضافة إلى ذلك، تولت إيطاليا مسؤولية تدريب وتمويل وحدات خفر السواحل الليبي لحماية الساحل ومنع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط".
وبينا أن "المنافسة مع فرنسا التي تريد زيادة نفوذها في ليبيا، والرغبة في لعب دور فعال في حل الأزمة الليبية، دفعا إيطاليا لقيادة قمة باليرمو في 2018 التي لم تسفر عن نتائج مرضية ولا حلول ملموسة".
"رحبت إيطاليا بحكومة الوحدة الوطنية التي تعتبر نتاج منتدى الحوار السياسي الليبي، بعد أن اتبعت سياسة نشطة ودبلوماسية متوازنة بين الأطراف المتنازعة بعد هجوم حفتر على طرابلس في أبريل 2019"، وفق الباحثين التركيين.
وتابعا "وفي هذا، كان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو أول عضو حكومي من بين دول الاتحاد الأوروبي يزور عبد الحميد دبيبة وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس".
الزيارة التي تمت في 21 مارس/ آذار 2021، عقد خلالها دي مايو اجتماعات مع وزيرة الخارجية ليلى المنقوش، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني، وكذلك دبيبة.
دور الشركات الإيطالية من مختلف القطاعات في عملية إعادة إعمار ليبيا ومسألة الهجرة كانت من العناوين الفرعية البارزة خلال المحادثات.
وفي 6 أبريل/ نيسان 2012، أي بعد 15 يوما من زيارة دي مايو، قام رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، ماريو دراغي، بأول زيارة خارجية له إلى ليبيا والتقى دبيبة والمنفي في طرابلس.
وقال دراغي في التصريحات التي أدلى بها بعد الاجتماع: إنهم "تناولوا القضية من منظور إنساني غير جيوسياسي"، فيما يتعلق بموضوع الهجرة، وأبدى رغبته في استمرار التعاون بين البلدين.
تطوير العلاقات التجارية وزيادة الاستثمارات من الموضوعات الأخرى التي نوقشت خلال زيارة دراغي إلى ليبيا.
والمفاوضات مستمرة بين شركة الطاقة الإيطالية "إيني" والشركة الحكومية الليبية "الشركة العامة للكهرباء" لإنشاء وتشغيل محطات الطاقة المتجددة في فزان جنوب ليبيا.
شركة الطاقة الفرنسية الأصل "أريفا" نشطة للغاية على طول حزام الساحل وفي جنوب ليبيا، لدرجة أن منطقة فزان تحولت لساحة منافسة بين فرنسا وإيطاليا.
روما وباريس "تعتمدان على موارد اليورانيوم في المنطقة لإنتاج الطاقة النووية أو تطوير الصناعات الدفاعية، وفق الباحثين.
وزيادة في الاهتمام بليبيا، أعادت إيطاليا فتح قنصليتها في بنغازي في 29 أبريل/ نيسان 2021، وذكر وزير الخارجية دي مايو أن القنصلية مهمة ليس لحماية مصالحها في طرابلس فحسب، ولكن في برقة وفزان أيضا.
دبيبة عقد اجتماعات ثنائية مع دراغي 31 مايو/ أيار 2021، بالعاصمة روما، أكد فيها أن الشركات الإيطالية تمثل أقوى الشركاء في إعادة إعمار ليبيا، وذكر أن شركة "إيني" شريك مهم في رفع الإنتاج النفطي اليومي لـ4 ملايين برميل.
وبالتزامن قال محمد المنفي قبل يوم من مؤتمر "برلين الثاني" 23 يونيو/ تموز 2021: إنهم يعتبرون إيطاليا "شريكا إستراتيجيا" وأظهر أن روما التي تبنت موقفا أكثر حيادية في السابق مقارنة بفرنسا، لها مكانة مهمة في إعادة إعمار ليبيا.
ويعتبر مركز "أورسام" التركي، أن احتمالية التقاء تركيا التي تصفها الحكومة الانتقالية بالفاعل الصادق والموثوق مع إيطاليا على أرضية مشتركة للعمل على استقرار ليبيا والحفاظ على الوضع الراهن، أعلى مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي.
ويمكن القول: إن حكومة دبيبة أعطت البلدين أدوارا مختلفة في سياق إعادة إعمار البلاد على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وصرح وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو خلال زيارته إلى روما في 27 يونيو أنهم سيبقون على اتصال مع إيطاليا لتتوصل ليبيا إلى حل سياسي دائم.
الأمر الذي يشير إلى وجود فرص تعاون محتملة بين البلدين في منطقة شرق البحر المتوسط أيضا.
ويدعم هذا تأكيد الطرفين على علاقات حسن الجوار بين البلدين في شرق المتوسط وليبيا أثناء زيارة وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني إلى إسطنبول في 13 يوليو/ تموز 2021، ولقاء نظيره خلوصي أكار.
فرنسا
ويشير كل من الباحثين تيلجي وشفقاتلي إلى أن فرنسا كانت واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تدخلا وفاعلية في العمليات السياسية في ليبيا، غير أنها زادت من حدة موقفها هذا في السنوات الأخيرة.
وبينما تسعى باريس لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية وعسكرية في ليبيا تتماشى ومصالحها الوطنية، فإن أهم عنصر في إستراتيجيتها الليبية تتمثل في خلق تصور عن نفسها كجهة أجنبية محايدة.
وتماشيا مع هذه الإستراتيجية، تحاول فرنسا كسب النفوذ بتولي دور الوسيط بين الأطراف الليبية، لتكون صاحبة كلمة في مستقبل ليبيا.
ويمكن القول بأن هذه إستراتيجية للتغطية على سياساتها التدخلية، إذ هي بهذه الطريقة، تحافظ على تأثيرها على العمليات السياسية في ليبيا دون أن تظهر بمظهر جهة فاعلة تدخلية.
المصالح المباشرة لفرنسا في ليبيا تشمل الأنشطة الاقتصادية والطاقة وصادرات التكنولوجيا العسكرية، وتراعي مصالح شركة "توتال" صاحبة استثمارات خليج سرت ومنطقة الهلال النفطي تحت سيطرة خليفة حفتر.
وهي تتعاطى مع ليبيا كمستعمرة سابقة تستورد منها نفطا رخيصا وآمنا عبر البحر الأبيض المتوسط، وفق رصد الباحثين، اللذين قالا: إن "مصالح فرنسا في مجال الطاقة سبب دعمها السري لحفتر".
ويعتبر وزير الدفاع آنذاك جان إيف لودريان العقل المدبر لدعم العمليات التي نفذها خليفة حفتر ضد ما زعموا بأنها جماعات إسلامية في شرق ليبيا بعد 2014.
ومع أن فرنسا أظهرت حيادا في موقفها تجاه حكومة الوفاق الوطني وحفتر بعد الاتفاق السياسي الليبي، إلا أن تحطم طائرة هليكوبتر في عام 2016 كشف عن سياسات فرنسا في ليبيا، بحسب المركز التركي.
وأوضح "إذ اتبعت فرنسا سياسات مزدوجة باسم الدبلوماسية الفعالة، وشاركت في عمليات ضد حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة".
وبعد توليه منصبه في عام 2017، استضاف الرئيس إيمانويل ماكرون فايز السراج وخليفة حفتر في مدينة لاسيل سان كلو بالقرب من باريس، ليعلن بعدها عن التوصل لوقف إطلاق النار.
لكن ما حدث بعد ذلك كشف عن النوايا الحقيقية؛ إذ دعم ماكرون، الذي كان يتحدث عن حفتر كفاعل شرعي في كل فرصة، حفتر بالأسلحة وأوصلها له عبر مصر رغم حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن.
وبالفعل، تم استخدام طائرات رافال الحربية التي باعتها فرنسا إلى مصر في العديد من العمليات الجوية بين أبريل 2019 ويونيو/حزيران 2020.
وقال المركز التركي: "لكن ومع تغير الفاعلين بعد منتدى الحوار السياسي الليبي، غيرت فرنسا في سياساتها الليبية وأظهرت دعمها للسلام الوطني والمصالحة من خلال إقامة علاقات وثيقة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي في طبرق، المنفي".
وفي هذا السياق، صرح الرئيس ماكرون خلال زيارة المنفي لفرنسا في 23 مارس/ آذار 2021، بأن "عليه دينا لليبيا والليبيين"، وأعرب عن دعمه لحكومة الوحدة الوطنية.
وشدد على ضرورة إخراج القوات التابعة لتركيا وروسيا من البلاد حتى تسير العملية كما هو مخطط لها.
كما وأعطت فرنسا، الضوء الأخضر لفتح قنصلية لها في بنغازي شرقي ليبيا، تماما مثل إيطاليا، بعد أن أعلنت في 29 مارس عن افتتاحها القنصلية الفرنسية في طرابلس بعد 7 سنوات.
وأثناء زيارته فرنسا، شدد دبيبة في البيان الصحفي المشترك الذي صدر عقب الاجتماع مع ماكرون على أهمية الجهود الدولية في الاعتراف بالشرعية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية ودعم سيادة البلاد وإنهاء وجود القوى الأجنبية فيها.
وكان لقاء دبيبة مع اتحاد أرباب العمل الفرنسي وبعض الشركات الفرنسية من المعالم البارزة الأخرى في زيارته لفرنسا.
وحضر الاجتماعات وزراء الاقتصاد والصحة والنقل والنفط وكبار المدراء التنفيذيين في شركات "دينوس" و"سانوفي" و"فينشي" و"توتال" العملاقة للطاقة.
من ناحية أخرى، يمكن القول بأن فرنسا التي شاركت في مؤتمر برلين الثاني، كانت أحد المسؤولين الرئيسيين عن انتهاء المؤتمر دون إيجاد حلول ملزمة.
إذ جعلت من وجود تركيا المشروع في ليبيا موضوع النقاش الرئيس، بينما كانت المشاكل المهمة مثل أزمة الميزانية في مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية، والمناقشات الدستورية ومحاولات حفتر لعرقلة حكومة دبيبة تنتظر النقاش. بحسب ما يراه معدا البحث.
وأردفا: "مع أن قرار مؤتمر برلين بشأن معايير الترشح كان من شأنه أن يقلل الأصوات المؤيدة لحفتر منتدى الحوار السياسي الليبي ويمهد الطريق لاتباع خارطة طريق موازية لعملية المصالحة السياسية الليبية".
وأضافا: "لقد عزز فشل القمم الدولية والمحلية المتتالية من قوة جانب حفتر، إذ أعلن الأخير إغلاق الحدود الجزائرية متذرعا بالهجوم الإرهابي في الجنوب".
"وبما أن هذا الإعلان جاء بعد إعلان فرنسا رغبتها في إنهاء عملية برخان في النيجر وتشاد ومالي، فإن هذا يعني بأن فرنسا ربما تعين وكلاء جدد في المنطقة من خلال دعم حفتر سرا"، وفق رؤية المركز.
ويوضح: يمكن تفسير مثل هذا السيناريو على أنه استراتيجية حتمية ستدعم فيها فرنسا مرة أخرى خليفة حفتر وما يسمى بالجيش الوطني الليبي، في حال تعرقل العملية السياسية".
ويرى أن "ما يؤكد هذا، عدم إدانة جرائم الحرب التي ارتكبها حفتر وأنصاره في البلاد بعد مؤتمر برلين الأول، في المؤتمر الذي عقد في 23 يونيو/ حزيران 2021".
على صعيد آخر، يعتقد المركز التركي أن فرنسا حافظت على موقفها المناهض من تركيا في السياسة الليبية منذ البداية.
وأنها "منزعجة من علاقات أنقرة بالحكومة الشرعية في طرابلس، وتعتقد باريس أن هذا التحالف يعيق مصالحها، وهي لذلك تحاول منع دول الاتحاد الأوروبي أيضا من التعاون مع تركيا في ملف ليبيا".
وفي معارضته لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، دعا ماكرون ليبيا للتوافق مع الاتحاد الأوروبي، والاعتراف بالحدود البحرية غير الموافقة للقانون الدولي مع اليونان وقبرص اليونانية.
اليونان
ويعتبر الباحثان تيلجي وشفقاتلي أن سياسات اليونان تجاه ليبيا تشكلت بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وكانعكاس لتنافسها مع تركيا على شرق البحر المتوسط، دعمت اليونان حفتر بعد الاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني، وأبدت استعدادها للانضمام لجميع التحالفات السياسية والاقتصادية المعادية لتركيا لعرقلة مكاسبها.
وتماشيا مع هذه السياسات، تم طرد محمد المنفي، سفير ليبيا في أثينا آنذاك، ودعي رئيس المجلس الرئاسي ومقره طبرق إلى أثينا في ديسمبر/ كانون الأول 2019.
وجاء في التصريحات بعد المفاوضات، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الشرعية ليست اتفاقية شرعية.
ليوقع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد ذلك على مسودة اتفاقية خط أنابيب الغاز الطبيعي "إيستميد" في 2 يناير/ كانون الثاني 2020، مع نظيره القبرصي اليوناني والإسرائيلي.
بجانب هذا، فإن عملية إيريني، التي نفذها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة تبرز في سياق معارضة تركيا، إذ يسهل تتبع وتفتيش شحنات الأسلحة عبر البحر، الأمر على حفتر الذي يتلقى الدعم بالبر والجو.
كما وأن استهداف المساعدات التي تقدمها تركيا إلى حكومة الوفاق الوطني الشرعية يحفز اليونان إلى المشاركة بنشاط في هذه العمليات.
ويرى الباحثان أن "جهود اليونان واضحة في إعادة تمديد مدة عملية إيريني التي انتهت في 31 مارس/آذار 2021".
"ومع أن اليونان بنت سياساتها في ليبيا على معارضة تركيا، إلا أنها أظهرت رغبتها في فتح صفحة جديدة مع الجهات الفاعلة الجديدة، وترك قضايا الخلاف جانبا، وسرعت اتصالاتها الدبلوماسية مع ليبيا"، وفق المركز.
وأوضح أنه "في 6 أبريل/ نيسان 2021، قام رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بزيارة ليبيا والتقى رئيس الوزراء دبيبة ثم بمحمد المنفي، الذي تم طرده عندما كان سفيرا في أثينا".
ميتسوتاكيس، الذي افتتح القنصلية اليونانية في طرابلس خلال زيارته، أكد أنهم ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا وأنه ينبغي إلغاؤها.
وعلى غرار فرنسا، شدد ميتسوتاكيس على أن إخراج القوات الأجنبية من البلاد عنصر أساسي لإحراز تقدم في العلاقات بين ليبيا والاتحاد الأوروبي.
من ناحية أخرى، أكد دبيبة أن ليبيا منفتحة على جميع أنواع الاتفاقيات مع مراعاة المصالح الوطنية لكل من اليونان وتركيا.
فيما تظهر لقاءات دندياس التي قام بها في بنغازي، إلى أن أثينا لا تزال تحتفظ بالبدائل الحالية على الطاولة، وأنها لم تتخل عن سياساتها السابقة التي تضر باستقرار ليبيا.
أخيرا، تتمثل الأولوية الرئيسة لليونان في إبعاد حكومة دبيبة عن تركيا باستخدام تأثيرها المحدود في شرق البحر المتوسط، وفق رؤية المركز التركي.
وتابع: بينما تحاول اليونان تشويه صورة تركيا الموثوقة في ليبيا، ترى اليونان أن تشكيل حكومة موالية لتركيا في ليبيا، يشكل تهديدا خطيرا على مصالحها الاقتصادية في شرق المتوسط".
ألمانيا
كانت ألمانيا مترددة بشأن عمليات الناتو التي شنت ضد نظام القذافي بقيادة فرنسا في عام 2011 وقدمت اقتراحا بتوسيع العقوبات.
مخاوفها من الهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصحراء إلى ليبيا ثم دول أوروبا، دفعت ألمانيا لسياسة الوساطة والحيادية في ليبيا، مع مراعاة الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة الهجرة داخل البلاد.
إدارة أنجيلا ميركل، التي ترى أن السلام والاستقرار في ليبيا يصبان في مصلحة ألمانيا، منزعجة تماما من سياسات ماكرون العدوانية في ليبيا.
وانتقدت بشدة دعم فرنسا لحفتر كخيار عسكري لأنه يعرقل عملية المصالحة، ولكونه أحد العوامل الرئيسة التي أطلقت أزمة الهجرة.
"ميركل أشارت إلى فرنسا باعتبارها عقبة أمام الاتحاد الأوروبي في إرساء سياسة مشتركة بشأن ليبيا، غير أن التنافس على تولي قيادة الاتحاد الأوروبي جعل ألمانيا وفرنسا أكثر نشاطا في ليبيا"، وفقا للكاتبين التركيين.
حضر قادة تركيا وإيطاليا ومصر والإمارات وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي وممثلو الاتحاد الأوروبي الأعضاء الخمسة بمجلس الأمن الدولي، قمة إنهاء النزاع المستمر منذ أبريل/ نيسان 2019 وإيجاد حلول دائمة للأزمة.
والتزمت الدول المشاركة بعدم التدخل في النزاعات المسلحة في ليبيا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية.
كما تم تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، التي مهدت الطريق لوقف دائم لإطلاق النار في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نتيجة لمؤتمر برلين.
والواقع أن استمرار هجمات قوات حفتر على طرابلس بعد المؤتمر واستمرار شحنات المرتزقة الأجنبية من قبل الدول المشاركة أثار التساؤلات حول مدى إمكانية تطبيق القرارات المتخذة.
وفي ضوء تقرير بعنوان "انعدام التوجه الغربي" والذي صدر في مؤتمر ميونيخ للأمن، والذي ذكر فيه توقف المذابح ما بعد الثورة، اتصلت ميركل، بدبيبة في 5 مارس/ آذار 2021 وهنأته.
ألمانيا تهدف إلى قيام العديد من الشركات الألمانية بمشاريع مهمة في ليبيا، وخاصة شركة "سيمنز".
وانعقد منتدى الخبراء الاقتصاديين الثالث في طرابلس في 31 مارس/ آذار 2021 بمشاركة مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى مثل وزير الاقتصاد الليبي محمد الحويج ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط ومدير شركة الكهرباء الليبية.
وبالنظر إلى سياساتها الثابتة تجاه ليبيا منذ عام 2011، تكتسب ألمانيا ثقة حكومة الوحدة الوطنية.
يتوقع أن يكون لألمانيا كلمة كممثل لدول الاتحاد الأوروبي في ظروف التوتر التي ربما تنشأ عن انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2021 والمناقشات حولها، بحسب تقييم الباحثين تيلجي وشفقاتلي.
وأضافا: "دعت ألمانيا المنفي ودبيبة ووزيرة الخارجية المنقوش لاجتماعات مؤتمر برلين الثاني، وأكد بيان المجتمعين على السلام والاستقرار في ليبيا، لكن الاجتماع لم يكن كافيا لتوضيح بعض الأمور المهمة.
إذ تم إغفال ما حدث في مدينة ترهونة والمقابر الجماعية التي وجدت فيها، ولم يتم التطرق إلى انتهاكات حفتر لحقوق الإنسان.
كذلك مهدت ألمانيا الطريق أمام إرجاء الحديث عن مشاكل ليبيا الأكثر أهمية ببقائها صامتة أمام الدول التي تحاول إظهار الوجود العسكري التركي في البلاد وكأنها مشكلة رئيسة.
مالطا
ووفقا للمركز، تعرضت مالطا منذ بداية الصراع في ليبيا لتدفق كبير من الهجرة غير الشرعية بسبب موقعها على البحر الأبيض المتوسط.
لذلك وضعت مالطا التي تعتبر بمثابة المحطة الأولى للاجئين الراغبين في العبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، سياساتها الليبية على أساس منع تدفق الهجرة غير الشرعية.
غير أنه ومع تصاعد الحرب الأهلية في ليبيا، فإن السياسات اللامبالية لإيطاليا وفرنسا دفعت مالطا لاستخدام اللاجئين كورقة رابحة ضد الاتحاد الأوروبي.
واتخذت مالطا مكانها كجزء من البيان المشترك الذي نشره وزيرا خارجية تركيا وليبيا في 6 أغسطس/ آب 2020 بعد أن ذهبت إلى تغيير جذري في سياساتها بتقاربها مع حكومة فايز السراج الشرعية وتركيا.
وفي البيان، أعربت الدول عن مخاوفها حول المشكلة التي ربما تتسبب بها الهجرة غير الشرعية، ليس فقط للاتحاد الأوروبي وإنما لليبيا أيضا، وأنه يجب تعزيز الحدود الجنوبية لليبيا.
غير أنه وبعد حوالي شهر، انتقد وزير الخارجية المالطي إيفاريست بارتولو السياسات الليبية لتركيا وروسيا خلال زيارته لأثينا في 8 سبتمبر/ أيلول 2020.
وأشار إلى أن أردوغان وبوتين هما المسؤولان عن أزمة اللاجئين في البحر المتوسط، ما اعتبره الباحثان إشارة إلى تغير موقف مالطا السريع.
عقد روبرت أبيلا اجتماعات ثنائية مع نظيره عبد الحميد دبيبة، وكذلك مع وزيري الخارجية والداخلية الليبيين في طرابلس في 5 أبريل/ نيسان 2021.
وأوضح في البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماعات، أن محاولات إعادة فتح القنصلية الليبية في مالطا بدأت، وأنها ستعمل في أقرب وقت ممكن، وأن الرحلات الجوية ستبدأ بين البلدين.
من ناحية أخرى، أكد دبيبة أن العديد من الاجتماعات التي استضافتها مالطا، والتي يراها شريكا اقتصاديا مهما، ساهمت بشكل كبير في استقرار ليبيا.
وقال: إنه سيبذل الجهود لتطوير العلاقات التجارية والسياسية بين البلدين. وفي هذا، تبرز مالطا، التي تبعد 350 كم فقط عن ليبيا، كواحدة من شركاء ليبيا التجاريين الأقوياء في المنطقة.
وبصفتها أحد المشاركين في مؤتمر برلين، يمكن اعتبار مالطا داعما لعملية المصالحة الوطنية في البلاد في المستقبل.
خاصة وأنها إحدى الدول المجاورة الأكثر ميلا للتأثر بالاضطرابات الداخلية الناجمة عن البدائل العسكرية مثل خليفة حفتر وموجة الهجرة الناتجة عن تعطل العملية الانتخابية.
خلاصة
وقال الباحثان تيلجي وشيفقاتلي: يلاحظ حدوث تغييرات كبيرة في سياسات اليونان وإيطاليا وفرنسا في ليبيا بعد حكومة الوحدة الوطنية.
ومع أنه يبدو أن مالطا وألمانيا تتبعان موقفا أكثر حيادية، إلا أنهما تشاركان الرأي السائد بشكل عام في الاتحاد الأوروبي، وتعتبران الهجرة والقضايا الأمنية ذات الصلة من بين أولوياتهما الرئيسة.
من ناحية أخرى، تهدف هذه الدول إلى الحصول على حصتها "من الكعكة" من خلال المشاركة في عملية إعادة الإعمار في ليبيا.
ونظرا لأن ليبيا أحد الموردين المهمين للغاز والنفط لدول الاتحاد الأوروبي، تعتبر ليبيا فرصة سانحة لتنويع مصادر هذه الدول في الغاز الطبيعي بدلا من الاعتماد الكلي على روسيا.
ولزيادة حصتها من المكاسب في ليبيا أثناء عملية الانتقال، تتخذ البلدان التي تتقارب مع الفاعلين الجدد في ليبيا بحجج مثل مشكلة الهجرة والمصالح الاقتصادية ومعاداة تركيا خطوات متوازنة وحذرة مع حلول الأمم المتحدة.
وتقدم الدول الثلاث، التي تتفق حول إبعاد القوى الأجنبية من البلاد، فرص الدعم والتعاون للفاعلين المؤقتين في ليبيا بشأن أمن الحدود وتدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
على صعيد آخر، ترى الدول التي تعارض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني أن وجود تركيا في ليبيا يمثل تهديدا لها على المدى الطويل.
وهي لذلك تتبنى خطابا يهدف إلى تضييق الخناق على النفوذ التركي في ليبيا ويعمل على تشويه صورتها وسمعتها عند الفاعلين المحليين والقضاء على مكاسبها.
وفي مواجهة هذا، يميز المسؤولون المهمون في ليبيا مثل رئيس الوزراء دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي المنفي ورئيس مجلس الدولة الأعلى الليبي خالد مشري دور ومكانة تركيا في البلاد عن روسيا والقوى الأجنبية الأخرى.
ويصفون تركيا بأنها دولة تعمل في إطار الاتفاقيات الدولية.
ومن الأهمية بمكان أن تعمل الجهات الفاعلة التي تعطي الأولوية للعمليات المدنية والديمقراطية في سياسة البلاد، وخاصة حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، مع الدول الأوروبية وتتعاون مع الجهات الفاعلة البناءة في هذا الصدد.
وإن كان لا ينبغي أن ننسى أن الأولويات في السياسات الخارجية لهؤلاء الفاعلين تتشكل من خلال مصالحهم الخاصة بدلا من أولويات الدولة التي يعملون لأجلها. بحسب ما يراه الباحثان.
لذلك، يجب على ليبيا الحذر والعمل بما يتماشى مع أولوياتها الخاصة أثناء التعاون مع الجهات الفاعلة الأوروبية.
من ناحية أخرى، يمكن القول: إن الفاعلين أمثال الإمارات ومصر يمكن أن يلعبوا دورا في بناء ليبيا إذا وضعوا حدا لأنشطتهم التدميرية في البلاد وبدؤوا أجندة بناءة.
أخيرا، وجب التأكيد على أن تركيا تمثل الحليف الأهم في عملية استقرار ليبيا وإقامة نظام سياسي في إطار المؤسسات الديمقراطية.