من الصومال إلى السنغال.. كيف نجحت تركيا في زيادة حضورها بإفريقيا؟

16 days ago

12

طباعة

مشاركة

رأى مركز دراسات تركي أن زيارة رئيس السنغال بشير جمعة فاي إلى أنقرة، تعكس السياسة الناجحة للغاية للشراكة الإستراتيجية التي طورتها تركيا في إفريقيا. 

وبين مركز سيتا في مقال للكاتب التركي “تونتش دمير تاش” أن النموذج الناجح الذي طبقته تركيا في الصومال يجذب اهتماما كبيرا من الدول الإفريقية الأخرى ويحظى بتقدير واسع.

وبين أن أبرز خطوة تركية تجاه إفريقيا عام 2011 قد تحققت في الصومال، في إشارة إلى زيارة رئيس الوزراء التركي، آنذاك والرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان إلى مقديشو.

وكان أردوغان وقتها أول رئيس حكومة غير إفريقي يزور مقديشو، التي كانت تواجه أزمة إنسانية نتيجة الجفاف، وهي الزيارة التي حملت لاحقا أبعادا إنسانية واقتصادية وسياسية، وحركت المياه الراكدة لنجدة الصومال الذي كاد العالم أن ينساه في خضم أزماته المعقدة.

 وإلى جانب هذه الخطوات، لوحظ أن المساهمات المقدمة للصومال لها آثار إيجابية على بقية القارة، وفق الكاتب.

تركيا والسنغال

وزار جمعة فاي أنقرة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024 وأبرم مع أردوغان 5 اتفاقيات في مراسم جرت بالعاصمة أنقرة. 

وجرى توقيع بروتوكول بشأن إنشاء مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين تركيا والسنغال.

كما وقع مسؤولون من البلدين مذكرات تفاهم حول التعاون في مجالات التحضر العمراني والطاقة، والميكنة الزراعية والتعليم العالي.

وفي اليوم التالي، انطلقت فعاليات منتدى الأعمال التركي السنغالي، بمدينة إسطنبول، بحضور جودت يلماز نائب الرئيس التركي والرئيس السنغالي بشير جمعة فاي.

والمنتدى نظمه مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي DEİK لتمهيد الطريق لتعزيز التعاون بين البلدين. 

وحضر المنتدى وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي محمد فاتح كاجر، ورئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي نائل أولباك.

ومن الجانب السنغالي حضر رئيس مجلس العمل الوطني بايدي أغني، ورئيس وكالة الاستثمار باكاري باثيلي، وعدد من رجال الأعمال الأتراك والسنغاليين.

مفهوم "البركة"

وقال الكاتب إن استثمارات تركيا وتعاونها في الصومال في مختلف المجالات مثل المساعدات الإنسانية والصحة والتنمية والأمن والاقتصاد والزراعة والتحضر والطاقة، قدمت مساهمات إيجابية لكل من مقديشو والمنطقة، فضلا عن علاقاتها مع السنغال. 

وبفضل هذا التطور ارتقت العلاقات بين تركيا والصومال إلى مستوى يتجاوز الشراكة الإستراتيجية. 

وقد أتاح هذا الوضع فرصة لتركيا للتميز بشكل إيجابي بين الدول الإفريقية، التي تدرك جيدا تاريخها البعيد عن الاستعمار في الماضي، وتلاحظ مدى ابتعاد أنقرة عن الأنشطة الاستعمارية الحديثة اليوم.

فمن المعروف أن سياسة تركيا في إفريقيا تقوم على نهج يعطي الأولوية للاحترام المتبادل والمصالح المشتركة الموجهة نحو الناس. 

وتستند سياسة تركيا في إفريقيا على مبادئ الاحترام المتبادل والإنسانية والمصالح المشتركة، فضلا عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية والعمل بشفافية وصدق، مما يؤثر إيجابيا على علاقات تركيا مع الدول الإفريقية. 

ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن الأنشطة الأخيرة لتركيا في إفريقيا، التي تهدف إلى تحقيق النمو المشترك ماديا ومعنويا قد تأثرت بمفهوم "البركة". 

فعلى سبيل المثال، يبدو أن قصص النجاح التي حققتها تركيا في الصومال قد حازت على قبول من دول أخرى. 

فالطلبات المتزايدة لعقد شراكات مع تركيا والتعاون في المجالات الإستراتيجية تعكس تجسيد مفهوم "البركة" في إفريقيا، مما أسهم في خلق بيئة من النمو والرفاهية في القارة على المستويين المادي والمعنوي. 

ويشمل مفهوم البركة هنا، إلى جانب التنمية الاقتصادية، الانسجام الاجتماعي والتعايشَ السلمي والتنمية المستدامة. 

وفي هذا السياق، يظهر تأثير تركيا بشكل واضح في دول مثل السنغال والنيجر، مما يدل على أن النموذج التركي قد أوجد قيمة دائمة في القارة السمراء، بل ويحظى بقبول متزايد من قبل عدد متزايد من الدول.

بلد مرغوب فيه

واستدرك الكاتب: الاتفاقيات والزيارات رفيعة المستوى والتعاونات الجارية على قدم وساق، هي أكبر داعم للحجج التي تُظهر تركيا كـ“بلد مرغوب فيه" أو "دولة مطلوبة" في إفريقيا. 

فالنموذج التركي الذي يُطبَّق في إفريقيا، يعد بفضل نهجه الديناميكي والفعّال، وسيلةً لتقديم حلول سريعة لاحتياجات الدول الإفريقية. 

إذ يُسهِّل هذا التعاون تحقيق نتائج ملموسة بسرعة، مما يعزز الثقة والانتماء لتركيا، وفق الكاتب.

وأردف: “فمن خلال مساعداتها الإنسانية، ومشاريعها التنموية، واستثماراتها في البنية التحتية والصحة والتعليم فضلا عن دعمها لتعزيز الديمقراطية، ستصبح تركيا شريكا فعالا وموثوقا في القارة الإفريقية”. 

وبعد الصومال استقبلت النيجر ثم السنغال اليوم هذا التوجه بترحيبٍ كبير، مما أسهم في تطور العلاقات الثنائية إلى أبعاد جديدة. 

وفي الآونة الأخيرة، كانت أبرز الأنشطة هي أعمال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي باستخدام سفينة "أوروتش رئيس" البحثية التركية في المياه الصومالية، وتوقيع اتفاقيات هيدروكربون في النيجر. 

هذا بالإضافة إلى توقيع تركيا اتفاقيات تعاون في مجالات الطاقة والتعدين والهيدروكربونات مع ما يقارب 20 دولة إفريقية، من بينها ليبيا ومصر ونيجيريا والجزائر وجيبوتي وأنغولا والسودان.

من ناحية أخرى، استمرت انعكاسات القوة الناعمة لتركيا في إفريقيا لسنوات. 

في هذا السياق، يشكّل استقبال أمينة أردوغان عقيلة الرئيس التركي، للسيدة الأولى السنغالية ماري خوني فاي في "بيت الثقافة الإفريقي" مثالا على تأثير تركيا في مجالات الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة. 

فهذه اللقاءات، التي تُعرف باسم "الدبلوماسية النسائية"، تعزز الروابطَ الثقافية وتسهم أيضا في إنشاء علاقات ودية بين الشعوب. 

كما أن التزام أمينة أردوغان بقضايا البيئة يلقى اهتماما واسعا في إفريقيا، حيث تعد الأنشطة المرتبطة بمشروع “صفر نفايات”، من أهم التطلعات المستقبلية للتعاون بين تركيا والسنغال. 

ولذلك، فإن تعاون تركيا مع إفريقيا يتجاوز المجالات الثقافية والاقتصادية، ويفتح نوافذ جديدة لحل التحديات المتعلقة بتغير المناخ. 

وفي هذا السياق، يُعزز توجّه تركيا نحو الأمن البيئي والاستدامة البيئية الثقةَ والانتماءَ الودي تجاه تركيا لدى دول إفريقية أخرى مثل السنغال.

مستقبل العلاقات

واستدرك الكاتب التركي: ليس من الخطأ القول إن تركيا تبرز كدولة تنجز أعمالها في إفريقيا بأفضل وأسرع طريقة. 

كما أن غياب أي تطبيقات سلبية من قبل تركيا، وأخذها في الحسبان حساسيات الدول الإفريقية يسهم في تعزيز هذه العلاقات وتوطيدها. 

وتظهر تأثيرات الخطوات التي اتخذتها تركيا مع دول مثل السنغال والنيجر والصومال في تحسين الظروف المعيشية اليومية للمجتمعات الإفريقية ورفع مستويات الرفاهية فيها، وفق الكاتب.

وأضاف: تسهم الشراكات الاقتصادية والتجارية التي أنشئت بين تركيا والدول الإفريقية، بما في ذلك السنغال، في دمج اقتصاديات القارة بشكل أكبر في الشبكة التجارية العالمية. 

وفي هذا السياق، من المتوقع أن تزداد استثمارات الشركات التركية في السنغال، وهي إحدى الدول المستقرة في غرب إفريقيا، بعد زيارة الرئيس السنغالي والاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

فالمشاريع التي تنفذها الشركات التركية مع القطاع الخاص في إفريقيا، خاصة في مجالات البناء والبنية التحتية والطاقة والزراعة والصحة، تعمل على تعزيز فرص العمل المحلية وتوفر للسكان فرصا اقتصادية مستدامة، وفق الكاتب.

وختم مقاله قائلا: في إطار مبدأ الفوز المشترك ستتيح الاستثمارات المرتقبة في السنغال فرصا جديدة للتعاون الإستراتيجي بين البلدين وستسهم في نقل الشراكة إلى مستويات جديدة. 

وفي هذا السياق فإن العلاقات بين تركيا وعدد من الدول الإفريقية، بما في ذلك السنغال، ستستمر في التطور المؤسسي والنمو المستدام وتوطيد العلاقات والتعمق فيها، بحسب تقديره.