المغرب يزيد أسعار الغاز.. هكذا خدع مواطنيه ببرامج دعم الطبقة الفقيرة
أعلنت الحكومة أنها ستبدأ الإلغاء التدريجي للدعم المخصص لغاز الطبخ في أبريل
وسط ظروف معيشية صعبة، تثقل الحكومة المغربية كاهل مواطنيها عبر فرضها زيادة جديدة على سعر أسطوانة الغاز، بالرغم من صرفها أرقاما فلكية على فعاليات ومهرجانات غنائية.
ونبه مواطنون إلى أن الحكومة تحايلت على فئة كبيرة من النسيج المجتمعي حين قدمت قبل أسابيع دعما اجتماعيا للطبقة الفقيرة وعادت لتسترجعه بطرق ملتوية.
وتأتي الزيادة تزامنا مع التحضير لمهرجان “موازين” الموسيقي العالمي بمبالغ فلكية لفناني ما يسمى بـ"الصف الأول" دون مراعاة للحالة الاجتماعية للمواطنين.
فوضى الأسعار
وقالت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية، عبر بيان نشرته في 19 مايو 2024، إن سعر قنينة الغاز من فئة 12 كيلوغراما سيقفز بدءا من 20 مايو/أيار من 4 إلى 5 دولارات.
ورأت الوزارة أن القرار يأتي “في إطار تنزيل (تطبيق) برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، اعتمادا على مبدأ الاستهداف الأنجع للأسر المستحقة له".
وتعمل الحكومة على تنفيذ خطة تقوم على إلغاء دعم بعض المواد الأساسية مثل غاز الطهي، مقابل الدعم المالي المباشر للأسر المحتاجة، حيث استفادت منذ أواخر 2023 ما مجموعه 3.6 ملايين أسرة حتى أبريل/ نيسان 2024، من 500 درهم (50 دولارا) شهريا.
فيما عززت برنامج الدعم بمجموعة من البرامج الاجتماعية منها تعميم التأمين الصحي، عبر استفادة 4.2 ملايين أسرة، وبرنامج دعم السكن، الذي استفادت منه 330 ألف أسرة على مدى 3 سنوات.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت الحكومة، أنها ستبدأ في الإلغاء التدريجي للدعم المخصص لغاز الطبخ بداية من أبريل 2024.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بالبرلمان آنذاك، إن "القنينة التي تباع بـ40 درهما (4 دولارات) حاليا، سعرها الحقيقي يصل إلى 130 درهما (13 دولارا)، يؤدي المواطن منها 40 درهما وتتولى الدولة أداء الباقي".
وأضاف أخنوش أنه “ابتداء من أبريل 2024 سيزداد ثمن أسطوانات الغاز 10 دراهم (دولار واحد) كل سنة، على أن تتوقف هذه الزيادة ابتداء من عام 2026”.
ومقابل ذلك، أعلن أخنوش عن الدعم المالي للعائلات المحتاجة بما لا يقل عن 500 درهم (50 دولارا) لكل أسرة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، أعلن المغرب الشروع في صرف أولى دفعات الدعم المالي للعائلات المحتاجة.
لكن بعد قرار زيادة الدولار، أدانت “نقابة الاتحاد الوطني للشغل” بالمغرب، الزيادة في أسعار غاز البوتان وتأثيرها على الحياة اليومية للمغاربة، مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات استعجالية لتجاوز تأثير هذه الزيادات على القدرة الشرائية.
ودعت النقابة عبر بيان في 22 مايو، الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة في “تقليل تداعيات تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال اتخاذ إجراءات فورية تأخذ في الحسبان الوضع المالي المتدهور للطبقة الشغيلة (العاملة)".
كما دعت إلى "استهداف ردم الفجوات الاجتماعية التي عمقتها سياسات الحكومة المنحازة للربحية وتضخيم رأسمال المال الافتراسي من خلال الاحتكار والمضاربات وفوضى الأسعار”.
وطالبت الحكومة بإعادة النظر في سياستها الاجتماعية والعمل على تبني نهج حوار وطني اجتماعي حقيقي، يضم مختلف الأطراف “ويتمكن من إيجاد حلول للتدهور المتراكم الذي يشهده الوضع الاجتماعي".
وأشار إلى أن هذا التدهور يشمل تكريس التهميش والإقصاء للكثير من الفئات المتضررة، واستمرار نزيف فقدان مناصب الشغل، وارتفاع مؤشر العاطلين واتساع نسيج إفلاس المقاولات وغيرها من المؤشرات الاجتماعية، والتي أكدتها مؤسسات وطنية ودستورية رسمية.
ونبهت النقابة إلى “ضرورة اعتماد ضمانات حقيقية لتعزيز العدالة الاجتماعية للجميع وتحسين دخل العمال المغاربة من خلال تخفيف الضرائب، مما يسهم في استعادة التوازن المعيشي اليومي للمواطنين ويحفظ كرامتهم”.
مختل وهزيل
من جانبه، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي يحيى اليحياوي: "ليست زيادة اليوم هي المهمة الأكثر أهمية منها، والأمرّ هي الشطر الثالث بعد سنتين، سيتضاعف ثمنها ثلاث مرات عما كانت عليه قبل 20 مايو، وستتخلص الدولة تماما مما تعده عبئا على الميزانية العامة".
وأضاف عبر منشور على فيسبوك في 21 مايو أنه "تم تصريف القرار بدعم اجتماعي مباشر مختل وهزيل... سيخفف بالتأكيد على من يتحصل عليه من الفقراء، ولو لم يخرجهم من نطاق الهشاشة والفقر... هو شراء لصمتهم المؤقت".
ولفت إلى أن "الدعم لن يستمر إلى ما لا نهاية، هو دعم بطعم التخدير، بمجرد ما يزول مفعوله، يستفيق المرء فيجد بعضا من أطرافه قد بتر، لا يمكن لدولة تستعد خزينتها الجائعة لاستقبال عام 2025 و2030، أن تستمر بتوزيع المال يمنة ويسرة، مدعية أنها تؤسس لدولة اجتماعية ما.".
وشدد اليحياوي على أن "هذا تحايل مفضوح، وسترفع الدولة يدها عن الدعم غير المباشر للسلع الحيوية، وسترفعها حتما عما يسمى الدعم الاجتماعي المباشر، ليجد المرء نفسه بالمحصلة لا يحتكم لا على هذا ولا على ذاك. من لا يعرف مغزى (لا حمار لا سبعة فرنك)، سيعرفه مع الدولة الاجتماعية الموعودة.".
صفحة باسم “كرسيف إكسبريس” قالت "في غفلة من الجميع.. حكومة أخنوش تقرر الزيادة في ثمن البوطا (قنينة الغاز).. ضروري يا إخواني يجب أن نتحرك ولا نصمت، إلى أي مدى ستلتزمون الصمت.. إذا سكت أهل الحق ظن أهل الباطل أنهم على حق".
وأضافت في منشور عبر فيسبوك في مايو، مخاطبة أعضاءها "على الأقل شاركوا وأيقظوا الناس، لأن الكيل طفح بسبب هذه الزيادات ووصلت للعظم.. شاركوا حتى تصل رسالتنا وشكرا".
من جهته، قال الناشط المدني زكريا النويني إن "الدعم المباشر مبرر حكومي للزيادة في قنينة الغاز، لكن الإشكال أن هناك ملايين المواطنين لم يستفيدوا منه وهم من الطبقة الفقيرة والمتوسطة في حدها الأدنى".
وأضاف النويني لـ"الاستقلال" أن "الحكومة تطبق برامج فصلتها على مقاسات لا تتماشى والوضعية الاجتماعية الحقيقية للمغاربة، هذه الحكومة بتقدير أن معظم وزرائها من أصحاب المشاريع الاقتصادية الضخمة يعتقدون أن المواطن على نفس الدرجة منهم".
وشدد على أن "الحكومة مطالبة بإعادة النظر في كثرة المشاريع والبرامج التي أطلقتها وتتحدث عن أرقام لا علاقة بها الواقع عدا مستوى البطالة الذي وصل إلى 13 بالمئة وهو رقم مخيف وينذر بالخطر".
ولفت إلى أن "زيادة العشرة دراهم تفتح الباب أمام ارتفاع أسعار باقي السلة، والمستفز هو أن المغاربة يتخوفون من أن الحكومة تتحايل عليهم لامتصاص جيوبهم بكل الوسائل الممكنة تحت غطاء قانوني لضخها في المشاريع الكبرى المتعلقة بكأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030".
عدم اليقين
وذهب رئيس الجامعة المغربية لجمعيات المستهلك، وديع مديح، إلى أن “قرار الزيادة في سعر غاز الطهو يأتي في سياق متسم بعدم اليقين الذي ميز أسعار العديد من السلع في الثلاثة أعوام الأخيرة”.
وأضاف لموقع "العربي الجديد" في 22 مايو أن "استعمال أسطوانات غاز الطهو لا يقتصر على الأسر في المغرب، بل تستعمل من أجل ضخ المياه لسقي الخضر والفواكه، ما من شأنه أن يرفع تكلفة الإنتاج ويؤثر على السعر النهائي في أسواق التجزئة".
ولاحظ أن "غاز الطهو يستعمل من المخابز بهدف توفير الخبز والحلويات، كما ترتهن إليه المطاعم في توفير الأكلات، ما يؤشر على احتمال ارتفاع أسعار تلك السلع".
وفي السياق، وجه الناشط المدني عبد العالي الرامي رسالة إلى الحكومة بالقول “يا حكومتنا الموقرة هل تعلمون أنه برفع الدعم عن قنينة الغاز سيمتد تأثيره إلى باقي المواد الأساسية الأخرى...”.
وأضاف الرامي في منشور عبر فيسبوك في 20 مايو: “مثلا أغلب الفلاحين يعتمدون في سقي المزروعات على قنينة الغاز، ورفع الدعم عنها سيرفع من تكلفة الإنتاج وهذه التكلفة لن يؤديها أحد سوى المواطن البسيط؟”.
ولفت إلى أن “كل البضائع سيرتفع ثمنها، المخابز بدورها تعتمد على غاز البوتان، وبالتالي ستزيد هي الأخرى في الخبز والحلويات... أضعافا مضاعفة لضمان استقرار أرباحها، مربو الدجاج أيضا يعتمدون على قنينة الغاز، أصحاب المطاعم... إذن عادي أن ترتفع أسعاره أيضا...”.
وسبق أن شرعت الحكومة المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2023 في تقديم دعم مباشر للأسر الفقيرة من أجل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن.
وتدعم الحكومة الدقيق والسكر وأسطوانات غاز البوتان ذات الاستعمال المنزلي.
وتعتزم الحكومة إصلاح هذا الدعم من خلال توجيه دعم مالي مباشر إلى الأسر الفقيرة بما لا يقل عن 500 درهم (50 دولارا) شهريا على أساس إلغاء دعم هذه المواد تدريجيا.
وفي تبرير حكومي لهذه الزيادة، أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع، أنه “من 2015 إلى 2023 خصصت الدولة 111 مليار درهم لدعم غاز البوتان لم يستفد 20 بالمئة من الفقراء إلا بـ2.5 مليار درهم سنويا، أي 14 بالمئة من هذه الحصة، في حين استفاد 20 بالمئة ممن لديهم الإمكانات من أكثر من 27 بالمئة من هذا الدعم”.
وتساءل لقجع، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بالبرلمان في 20 مايو، “هل نستمر في تخصيص العشرات من الملايين لدعم الميسورين وذوي القدرة الشرائية، أم نوفر هذه الهوامش ونعطيها مباشرة لأولئك الذين يحتاجونها؟”.
لكن هذه الزيادة تزامنت مع إعلان اللجنة المنظمة لمهرجان “موازين” العالمي للموسيقى المقرر في يونيو/ حزيران 2024 بالعاصمة الرباط، ما أثار “استفزاز” المواطنين، خاصة أنه وجه الدعوة لفنانين بمبالغ خيالية.
وقال المدون محمد نوري: “مسؤولو البلد يشيرون إلى أن هناك أزمة ولا يستطيعون دعم قنينة الغاز، والمواد الأساسية، ولكن باستطاعتهم تمويل مهرجانات موازين واستدعاء فنانين ومغنيين كبار لندعم لهم تعويضات بالملايين”.
وأضاف في منشور عبر فيسبوك في 24 مايو “حتى تعرفوا أن الأزمة فقط على الشعب المغربي الفقير”.
واستطرد: “تذكير من ذهب إلى المهرجان عليه إثم كبير وسيكون مشاركا معهم في الإثم والعدوان وسيسأل عليه أمام الله”.