زواج المسلمين ومواريثهم بخطر.. ما تداعيات اعتماد الهند قانونا مدنيا موحدا؟

12

طباعة

مشاركة

بدأت حكومة رئيس الوزراء الهندي المتطرف، ناريندرا مودي، فرض "القانون المدني الموحد" على المسلمين وإلغاء قوانين الشريعة الإسلامية بشأن الزواج والطلاق والميراث وغيرها، وجعلها موحدة بين المسلمين والهندوس والمسيحيين.

يأتي ذلك ضمن سياسة الهند لاستهداف المسلمين وتحويل البلاد إلى "أمة هندوسية" رغم أن بها 200 مليون مسلم.

ماذا جرى؟

حكومة ولاية "أوتاراخاند" التي يسيطر عليها الحزب الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جانتا" في جبال الهيمالايا، افتتحت عملية فرض هذا القانون على المسلمين بطرحه في 6 فبراير/شباط 2024 في مجلس الولاية، والموافقة عليه.

وأصبحت بذلك أول ولاية في الهند منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1947 تنفذ قانونا مدنيا موحدا، وذلك في تطبيق لوعد قطعه الحزب الهندوسي الحاكم بفرض هذا القانون قبل الانتخابات العامة المقررة في مايو/ أيار 2024.

ويقول المسلمون إن القانون يستهدفهم، وإنه جزء من خطة للحزب الهندوسي لتحويل الهند لدولة هندوسية خالصة تسعى لمحو "الوجود الإسلامي" في البلاد، وجزء من مغازلة حكومة مودي لأصوات الهندوس في الانتخابات المقبلة.

وخلال انتخابات عام 2014 التي فاز فيها حزب بهاراتيا جاناتا بغالبية مقاعد البرلمان، وعد بتمرير "القانون المدني الموحد" أو "يونيون كاربايد كوربوريشن" (UCC).

مع أنه برر ذلك بأن "المادة 44" من الدستور الهندي تقول "يجب تأمين قانون مدني موحد للمواطنين في جميع أنحاء أراضي الهند"، إلا أن الطوائف الدينية كافة وخاصة المسلمين حذروا من أن هدف القانون هو "تغول" الهندوس على عقائدهم.

وبدأ الحزب الهندوسي تمرير القانون عام 2017 بتقديم ورقة استشارية تنص على وضع قانون مدني موحد (UCC) إلى "لجنة القانون الهندية"، وهو ما رفضته اللجنة وأكدت أنه "ليس ضروريا ولا مرغوبا فيه في هذه المرحلة".

لكن نفس اللجنة عادت، بضغوط من الحزب الحاكم المتطرف، لفتح ملف "قانون الأحوال الشخصية الموحد" (يونيون كاربايد كوربوريشن) من جديد، بحسب صحيفة "هندوستان تايمز" في 15 يونيو/حزيران 2023.

وأوعز الحزب الحاكم لـ"لجنة القوانين الهندية رقم 22" في 14 يونيو/حزيران 2023، ببدء التحرك لاستطلاع آراء الهنود والطوائف الدينية، حول القانون الموحد، بحسب صحيفة "تربيون إنديا".

ومع أن المسلمين وطوائف دينية أخرى رفضوا القانون، فقد بدأ التحرك هذه المرة لفرضه عليهم، وشرعت ولاية "أوتاراخاند" في تنفيذ هذه الخطة بالموافقة رسميا عليه وبدء تطبيقه، لتفتح الباب أمام بقية الولايات لإقراره بالقوة.

وأقره مجلس الولاية الذي يسيطر عليه أعضاء الحزب الهندوسي المتطرف في 7 فبراير 2024 لتصبح هذه أول ولاية تشرعن هذا القانون وتمنع المسلمين من ممارسة حقوقهم بشأن الزواج والطلاق والميراث وغيرها وفق الشريعة الإسلامية، حسبما ذكر موقع "تايمز أوف إنديا".

ويقول منتقدو القانون المدني الموحد في الهند إن مثل هذه القوانين، والتي إذا جرى فرضها بجميع الولايات، تسعى في المقام الأول إلى استهداف المسلمين، البالغ عددهم نحو 200 مليون نسمة، وفق صحيفة "التايمز" البريطانية في 6 فبراير 2024.

وترى جماعات هندوسية متطرفة أن تمرير قانون الأحوال الشخصية الموحد "أمر مفيد في تحجيم الوجود الإسلامي"، حتى إنهم يسخرون من المسلمين الرافضين ويطالبون بحرمانهم من الخدمات.

ويزعمون أن "القانون المدني الموحد" سيمنع المسلمين من الزيادة الديمغرافية ويتحكم في مواليدهم، لأنه سيمنع "تعدد الزوجات" الذي يسبب زيادة النمو السكاني بين المسلمين رغم أن من يتزوجون أكثر من زوجة أمر نادر في الهند.

انتهاك الحقوق

وفقا لصحف هندية، سيضع "القانون الموحد" إطارا قانونيا لقوانين الزواج والطلاق والأراضي والملكية والميراث الموحدة لجميع الهنود، بغض النظر عن دينهم.

وسيتضمن أحكاما تشمل الحظر الكامل على تعدد الزوجات وقواعد الميراث الإسلامي، ويحدد سن زواج موحد للفتيات من جميع الأديان، ويضع إجراءات موحدة للطلاق تمنع المسلمين من تطبيق الشريعة.

ووفقا لقانون "يونيون كاربايد كوربوريشن"، سيكون سن الزواج 18 عاما للنساء و21 عاما للرجال لجميع الهنود هندوس ومسلمين وغيرهم.

وسيكون تسجيل الزواج إلزاميا في جميع الأديان، كما سيعد الزواج دون تسجيل باطلا، ولن يسمح بالطلاق إلا بعد مرور سنة واحدة على الأقل من الزواج، وفق صحيفة "تايمز أوف إنديا".

وهذا يعني أن الهند ستلغي سماحها، منذ الاستقلال عن بريطانيا، لجميع الطوائف الدينية باتباع قوانينها الدينية الخاصة بشأن قضايا مثل الطلاق والزواج وحقوق الملكية والميراث وحضانة الأطفال وغيرها.

لهذا قالت صحيفة "التايمز" في 6 فبراير، إن المسلمين في ولاية أوتاراخاند، يعتقدون أن القانون المدني الجديد في الهند "يستهدفهم بالأساس".

وأوضحت أن القانون الموحد الذي أعدته حكومة مودي، "يجبر السكان من جميع الأديان على الاشتراك في نفس القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث، ما يعني حظر تعدد الزوجات، ومساواة النساء والرجال في الميراث عكس الشريعة الإسلامية، وغير ذلك".

كما أن القانون المدني الموحد في الهند سيغير من حقوق الحضانة، التي تسمح في الوقت الحاضر للمرأة المسلمة بحضانة الطفل بعد طلاقها حتى يبلغ السابعة من عمره.

ووصف رئيس مجلس اتحاد المسلمين لعموم الهند، أسد الدين عويسي، هذا القانون بأنه ليس سوى "قانون هندوسي" يجري فرضه على المسلمين.

وفي حديث لوكالة "رويترز" البريطانية في 7 فبراير 2024، شدد عويسي على حق المسلمين في ممارسة دينهم وثقافتهم، لكنه قال إن قانون "يونيون كاربايد كوربوريشن سيمنعنا من ممارسة حقوقنا الأساسية".

وكتب "أسد الدين عويسي" عبر تويتر يقول إن مشروع قانون القانون المدني الموحد في ولاية أوتاراخاند "ينتهك الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور الهندي، لأنه يجبر المسلمين على اتباع دين وثقافة مختلفة".

وقالت "جمعية علماء الهند"، وهي هيئة إسلامية بارزة، تعارض القانون الجديد: "لا يمكننا قبول أي قانون يتعارض مع الشريعة، لأن المسلم يمكنه التنازل عن كل شيء، لكنه لا يمكنه أبدا التنازل عن الشريعة والدين"، بحسب مجلة "تايم" الأميركية في 7 فبراير 2024.

تقسيم الهند

كما أصدرت عدة جمعيات واتحاد إسلامية هندية بيانات ترفض القانون، وتؤكد أن الحكومة الهندوسية "تتآمر لتقسيم شعوب الهند مرة أخرى باسم قانون القانون المدني الموحد".

وقالت إن "ما يميز الهند هو أنها تنعم بثقافات وتقاليد وطوائف وأديان متعددة، وتعد نموذجا يحتذى به في الدعوة إلى الوحدة في التنوع في العالم". 

وأكدت على أن فرض القانون الموحد "هو محاولة خبيثة من قبل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا لتحريض الهندوس ضد المسلمين وترويج سياسات انقسامية وخلافات".

#CMKCR : We oppose #UCC Bill. #BJP Govt, which ignored the development and created enmity between people, is conspiring to divide people of the country again in the name of Uniform Civil Code (UCC) Bill. #BRS has been opposing the union government’s decisions which are… https://t.co/OoMX9CDz3v

— Sowmith Yakkati (@sowmith7) July 10, 2023

وعارضت المنظمات الإسلامية هذا القانون، ووصفته بأنه "ينتهك حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية"، وهو ما يصونه الدستور الهندي.

وقالت إنها ستلجأ إلى المحكمة العليا بشأن عدم دستورية فرض هذا القانون عليهم، لكن محللون يرون أن هذه الخطوة "قد لا تؤدي لتراجع الحزب الهندوسي الحاكم عن خطته لمحو هوية المسلمين".

ويرون أن المحكمة العليا خرقت الدستور عدة مرات حين وافقت على هدم مساجد للمسلمين مثل مسجد أيوديا (البابري) وحين سمحت للهندوس بالبحث عن آثار لآلهتهم داخل المساجد.

بل وسماح المحكمة العليا للهندوس بالصلاة داخل بعض المساجد وتخصيص أماكن لهم داخلها بالمخالفة لقانون أصدرته الهند عام 1992 يحظر تغيير صفة أي دار عبادة والإبقاء عليها كما كانت وقت الاستقلال.

وتضمن المادة 25-28 من الدستور الهندي الحرية الدينية للمواطنين وتسمح للجماعات الدينية بالحفاظ على شؤونها الخاصة.

كما يجيز الدستور لأتباع الديانات المختلفة اللجوء إلى محاكمهم الدينية للفصل في قضايا الأحوال الشخصية والإرث، لكن القانون الموحد سيلغي كل ذلك.

وتصاعد الاضطهاد غير المسبوق ضد المسلمين في الهند (14 بالمئة من السكان)، من جانب الهندوس (80 بالمئة) منذ تولي مودي السلطة عام 2014، ووصلت الأمور حد دعوة رهبان هندوس علنا إلى قتل المسلمين عام 2021.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 24 ديسمبر 2021 تقريرا يرصد قيام المئات من الهندوس المتطرفين بالقسم في مؤتمر عُقد عام 2021، على أن يحولوا الهند (العلمانية دستوريا)، إلى "أمة هندوسية، حتى لو تطلب ذلك قتل المسلمين".

ويخضع المسلمون في الهند لقانون الأحوال الشخصية الإسلامي (الشريعة) الصادر عام 1937، والذي يختص بقضايا الزواج والميراث والجمعيات الخيرية الخاصة بالمسلمين.

الكلمات المفتاحية