11 نقطة تفرق عن كارثة لندن التاريخية.. هذه أسباب تلوث الهواء في بغداد

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

في سابقة لم تحصل من قبل، يعاني سكان العاصمة العراقية بغداد من تلوث الهواء بغمامة سوداء تحمل أبخرة الكبريت، وسط تحذيرات من تسبب هذه الانبعاثات بأمراض مسرطنة على غرار ما حصل في لندن في عهد رئيس الوزراء ونستون تشرشل عام 1952 وأبيد بسببها الآلاف.

الظاهرة بدأت تقلق سكان بغداد منذ 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، واشتدت بعدها بأربعة أيام، لا سيما بعد الساعة العاشرة مساء وحتى ظهيرة اليوم التالي، ليُجبر من يخرج في هذه الأوقات على ارتداء الكمامة، للتمكن من تخفيف رائحة الكبريت.

وبلغ التركيز الحالي للملوثات في الهواء نحو 30 ضعفا من المعدل الموصى به، وبذلك تصدرت العاصمة العراقية قائمة المدن الأكثر تلوثا في العالم.

رواية حكومية

على المستوى الرسمي، أعلن رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، عن إجراءات شاملة لمواجهة التلوث وتحسين البيئة في العاصمة بغداد، وذلك خلال حديث له في جلسة مجلس الوزراء، في 15 أكتوبر.

وبحسب بيان رسمي، قال السوداني إن "اللجنة المكلفة قدمت تقريرها بخصوص التلوث في بغداد، وإن الحكومة اتخذت جملة من المعالجات في إطار الحفاظ على البيئة، وإن التحديات البيئية تعد في مقدمة ما تواجهه الدولة اليوم".

وأشار إلى أن “التلوث يضاعف من تحديات التغيير المناخي، وهو نتاج سياسات خاطئة في التعامل مع المشاريع التي تسهم به”.

وبين أن "أجهزة الدولة تعمل على تقليل التلوث بالتشديد على التعليمات والأنظمة التي تحمي البيئة".

وتابع: “بدأنا في تقليل حرق الغاز، وماضون في تصفير ذلك مع عام 2028، ووقف انبعاث الغازات الدفيئة، خاصة في المحافظات المنتجة للنفط”.

ولفت إلى “تشكيل لجنة بخصوص تدوير النفايات وتوليد الكهرباء”، مضيفا: "بدأنا العمل من خلال أمانة بغداد، وهيئة الاستثمار، وبالتواصل مع شركات أجنبية".

وتحدث عن “وجود مشروع مساحات خضراء في العاصمة، إضافة إلى العمل على تفعيل مشروع مترو بغداد”، مبينا أن "هذه المشاريع تعد نقلة نوعية في مسألة معالجة التلوث، ووجهنا الوزارات والجهات المعنية للإسراع بإنجازها".

ورغم أن السوداني لم يكشف عن نتائج اللجنة الحكومية المكلفة بمعرفة الأسباب وراء التلوث، فإن وزارة البيئة عزت الظاهرة إلى "تغيرات في جودة الهواء المحيط بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية". 

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) في 12 أكتوبر، عن المتحدث باسم وزارة البيئة، لؤي المختار، أنه "خلال الأيام الماضية لوحظ انتشار رائحة مشابهة لرائحة الكبريت وارتفاع في مستويات بعض الملوثات خلال فترات الليل والفجر". 

وأوضح أن "هذه الحالة زادت مع بدء انخفاض درجات الحرارة وزيادة التفاوت بينها في الليل والنهار، حيث تندفع غازات الاحتراق إلى الأسفل بدلا من ارتفاعها إلى الأعلى وتخفيفها".

ودعا المتحدث إلى "اتخاذ بعض الاحتياطات البسيطة للحفاظ على الصحة العامة وخاصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية وتنفسية"، موصيا "بتقليل الوجود في الهواء الطلق خلال هذه الأوقات إذا كانت الروائح مزعجة، وإغلاق النوافذ لضمان جودة الهواء داخل المنازل".

وشدد على "ضرورة أخذ استراحة داخلية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي أو ارتداء الكمامات عند الاضطرار للخروج كإجراء احترازي"، مستدركا، أنه "لا يوجد داعٍ للقلق، فقط اتباع هذه الإرشادات البسيطة للحفاظ على سلامة الجميع".

"وضع خطير"

ورغم تقليل وزارة البيئة من خطورة التلوث الحاصل في أجواء العاصمة العراقية، فإن بيانات وتقارير نشرتها وسائل إعلام محلية ومراكز مختصة حذرت من عواقب الروائح التي يتنفسها سكان بغداد، مشيرة إلى أن  العراق بات يتعرض لـ "خطر إيكولوجي" (بيئي).  

وبحسب تقرير نشرته وكالة "السومرية" العراقية في 12 أكتوبر، فإن "نسبة مؤشر تلوث الهواء في بغداد منذ 9 أكتوبر، كان شديدا، بلغت 196، واليوم التالي 179، وبعدها بيوم 177، لكن في بعض الساعات يرتفع المؤشر إلى أكثر من 200 درجة، بينما الطبيعي هو  بين صفر و50 درجة".

وأضافت الوكالة، أنه "بتاريخ 12 أكتوبر، كان مؤشر التلوث خطرا وجرى تصنيفه بأنه -غير صحي جدا-، بوصول مؤشر جودة الهواء فيه إلى 223 درجة، مقارنة بتصنيف -غير صحي- للأيام الثلاثة التي سبقته".

وأشارت إلى أن "التركيز الحالي للملوثات يبلغ حوالي 30 ضعفا من المعدل الموصى به".

ومقارنة مع ما حصل من تلوث للجو في لندن عام 1952 وتسبب بمقتل 12 ألف شخص، نتيجة زيادة معدلات حرق الفحم في حينها، فإن درجة التلوث كانت 257 درجة، بينما وصلت في بغداد إلى 246، بمعنى أن الفارق 11 درجة فقط، حسبما ذكرت "السومرية".

وفي السياق ذاته، كشفت شبكة “ذا نيو آراب”، في 13 أكتوبر، الآثار السلبية لانتشار رائحة الكبريت الشديدة في بغداد، مؤكدة أن التعرض المستمر لها سيؤدي إلى "خلل صحي كبير في البلاد". 

وقالت إن التعرض بشكل مستمر لغاز الكبريت سيؤدي إلى "أمراض رئوية مزمنة" للمواطنين المتأثرين بالغاز، مشددة على أن العراق بات يتعرض لــ "خطر إيكولوجي". 

ورجحت الشبكة، أن يكون سبب انتشار رائحة الكبريت هو "حرق الغاز الثقيل في معامل الطاقة بالإضافة إلى حرق المخلفات بشكل غير منظم".

وفي هذا الإطار، أفاد موقع "آي كيو آير" (IQAir) السويسري المختص بمراقبة جودة الهواء العالمية، في 12 أكتوبر، بأن "بغداد تصدرت قائمة المدن الأكثر تلوثا في العالم".

ولفت إلى أن "مستويات التلوث في بغداد تجاوزت مدنا مثل لاهور في باكستان، والقاهرة في مصر، ودلهي في الهند، التي تشتهر بارتفاع نسب التلوث فيها".

"معمل كاتيوشا"

وبعيدا عن الرواية الرسمية وأخرى أوردتها تقارير إعلامية، نشر حساب "وزير عراقي" في 12 أكتوبر، معلومات تحدث فيها عن أسباب رائحة الكبريت والغازات السامة المسرطنة التي تنتشر ليلا في بغداد وتغطي السماء وتدخل بيوت العراقيين.

وقال الحساب الشهير على منصة "إكس" إن "هذا بسبب معمل أسلحة جديد تابع للمليشيات، جرى شراؤه من إيران، وهو معمل قديم جدا من صنع الاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي، نصب في منطقة النهروان النائية أطراف بغداد، ويتم تشغيله ليلا فقط حتى لا يُكتشف".

ووفق ما نشره "وزير عراقي"، فإن "المعمل اشترته حكومة السوداني، تحت بند النفقات السرية الحكومية على الحشد الشعبي، يشرف على إدارته مليشيا النجباء الإيرانية، وجرى تدريبهم في إيران مقابل أموال طائلة حتى يصنعوا سلاحا وصواريخ كاتيوشا في العراق".

وأشار إلى أن المعمل أخرجته إيران عن الخدمة عام 1988 بعد انتهاء حربهم الظالمة على العراق (الحرب الإيرانية العراقية)، ورمته في أطراف طهران، لكن حكومة السوداني اشترته بعشرات الملايين من الدولارات حتى تغذي الاقتصاد الإيراني.

من جهته، قال المهندس البيئي العراقي، حسام الربيعي، إن استمرار هذه الحالة من تصاعد دخان الكبريت واستنشاقه من المواطنين سيتسبب لهم بـ"مشكلات في الرؤية، وأخرى في الجهاز التنفسي".

وأضاف الربيعي خلال حديث لقناة "الحرة" الأميركية في 14 أكتوبر، أن "الدخان الكبريتي ناتج عن عمليات تصنيعية وتكريرية للنفط وحرق مواد نفايات يدخل النفط ضمن تركيبتها وأغلب مكوناتها هي ثاني أوكسيد الكبريت".

وأشار إلى أنه "حتى نتمكن من تحديد الحلول لهذه المشكلة المعقدة، فإن أول خطوة تتعلق بمصفاة نفط الدورة التي كانت عند إنشائها خارج حدود بغداد، وتقع اليوم نتيجة التوسع العمراني في قلب العاصمة". 

و"مصفاة الدورة" مجمع صناعي نفطي متكامل من أقدم مصافي النفط الكبيرة في العراق، يقع جنوب العاصمة بغداد، بدأ الإنتاج فيها أواسط خمسينيات القرن العشرين، وتنتج مواد عديدة منها بنزين السيارات والغاز السائل والشحوم  والأسفلت ووقود الطائرات.

وبرأي الربيعي، فإن الحل يكمن في “تقليل انبعاث تلك الغازات من المصفاة التي تعدّ أبرز مسببات التلوث في بغداد”.

وهناك "حل أفضل"، وهو إبعاد موقع المصفاة خارج حدود بغداد، لكنّه "أمر صعب جدا إذا لم يكن مستحيلا"، على حدّ تعبيره.

وفي 23 سبتمبر، أصدر مجلس محافظة بغداد توصيات تقضي بضرورة إخراج معامل الطابوق إلى خارج العاصمة، وتكون بمناطق بعيدة جدا عن الأحياء السكنية.

وكان من ضمن توصيات وزارتي الصحة والبيئة، وضع فلاتر وعوامل أخرى تحددها هاتان الوزارتان على أصحاب المعامل، لمنع انتشار مثل تلك الروائح الخطيرة.

ويطرح العراق 23 مليون طن من النفايات يوميا، في ظل انعدام مواقع الطمر الصحي وغياب طرق إعادة تدويرها بشكل صحيح، إذ تدفع البلاد ثمنا باهظا لعدم قدرتها على التعامل مع هذا الملف ما يضيف أزمة بيئية جديدة للبلاد، بعد التغير المناخي.