يقف خلفها الصهاينة وفرنسا وأميركا... تحذيرات من حرب بين الجزائر والمغرب
"الجنون الصهيوني لا يرتاح إلا بإشعال الحروب ونار الفتنة بين دول المنطقة"
وسط ضجيج الأصوات المحرضة على الحرب بين الجزائر والمغرب، انتفض مفكرون وسياسيون وأكاديميون للتحذير من مغبة هذه المساعي، وأثرها على المنطقة المغاربية ككل.
ونبه المفكرون إلى أن إشعال فتيل نار هذه "الحرب المدمرة" مدفوع من اللوبي الصهيوني والفرنسي والأميركي، بغية جر المنطقة إلى فوضى مطلقة.
فوضى عارمة
وقال المفكر المغربي، أبوزيد المقرئ الإدريسي، خلال ندوة نظمتها نقابة "الاتحاد الوطني للشغل" بالمغرب، في 9 مارس/ آذار 2024 بالعاصمة الرباط، إن "الحمقى من الطرفين يشعلون نار هذه الحرب، سياسيا وإعلاميا وشعبيا"، مشددا على أن "الغرب هو المستفيد الوحيد من هذا التوتر".
وأضاف عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، "إني أرعش من مجموعة من المؤشرات، وخاصة حين أسمع لمحمد العربي زيتوت، الرجل الجزائري الشريف، وهو يحذر من مساعي إشعال الحرب بين الجزائر والمغرب".
واسترسل المتحدث ذاته، هي مؤشرات "تؤكد الرغبة في إشعال حرب خرقاء حمقاء ليس لها أول من آخر، تقف خلفها أميركا وفرنسا وإسرائيل والإمارات، والمشكلة هي الاستجابة من الحمقى من الطرفين، ويوقد نارها الذباب الإلكتروني من الطرفين"، مسترسلا: "اتقوا الله في كل ما يشعل النار".
وقال المقرئ الإدريسي، إنه التقى بيهودي مغربي-فرنسي وابنه من الحاخامات، يتكلم اللهجة العامية كلها سب وشتم للجزائر، بدعوى حب المغرب، مشددا على أن "هذا أحد المؤشرات التي تبين أن إسرائيل تقود إلى المواجهة".
وذكر أن "الجنون الصهيوني لا يرتاح إلا بإشعال الحروب ونار الفتنة بين دول المنطقة"، مشددا على أن "الصهاينة يرون في استقرار الدول العربية والإسلامية عامل خطر على وجودهم وكيانهم المحتل".
من جانبه، تحدث السياسي الجزائري المعارض محمد العربي زيتوت، عن لعب النظامين الجزائري والمغربي بالنار، من خلال دعم الحركات الانفصالية في كل منهما، رغم أنها "حركات لا شعبية لها ولا وزن إلا قليلا".
وأضاف زيتوت في تغريدة على منصة "إكس" في 5 مارس 2024، أن كلا النظامين يعتقد أنه يمكن الضغط على النظام الآخر بحركته الانفصالية، مشددا على أن هذا "سيفاقم خصومات البلدين المتأججة أصلا".
وأردف: "لكن ما لا يدركه (ربما) حكام الجزائر والمغرب أن الانفصال سيغذّي النعرات العنصرية داخليا وإقليميا، وسيرتمي الانفصاليون (بطبيعة الأشياء) في حجر قوى خارجية تسعى لإحداث قلاقل داخل البلدين وتسخن طبول الحرب بينهما منذ فترة".
يسارع النظامان في #الجزائر و #المغرب بدعم الحركات الانفصالية (الأمازيغية)
وعلي الرغم من انها حركات لا شعبية لها ولا وزن إلا قليلا
إلا أن كلا النظامين يعتقد انه يمكن الضغط علي النظام الآخر بحركته الانفصالية
هذا لعب بالنار ليس فقط لان ذلك سيفاقم خصومات البلدين المتأججة أصلا…— محمد العربي زيتوت (@mohamedzitout) March 5, 2024
واسترسل السياسي الجزائري قائلا، لأن "بعض هذه القوى يسعى لإحداث فوضى عارمة في المنطقة المغاربية خدمة لأهدافه"، مبرزا أنه من الواجب على النظامين أن يدركا أن "مصير المنطقة واحد، وأن اللعب بنار الانفصال سيحرق الجميع".
وخلص زيتوت إلى أن "القوى الخارجية خاصة، الإمارات وروسيا، وإسرائيل وإيران، ستجعل من (بوابة الانفصال) طريقا سريعا لدمار المغرب الكبير كما دمر المشرق العربي"، وفق تعبيره.
تقدير موقف
تفاعلا مع هذه التنبهات، تأسف رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، نبيل الأندلوسي، لكون الأصوات الداعية إلى تهدئة الأجواء وتلطيفها بين البلدين الجارين، المغرب والجزائر، ماتزال قليلة العدد وضعيفة في قوة الإسماع.
وأضاف الأندلوسي لـ"الاستقلال"، أن "هذه الأصوات تكون في الغالب بعيدة عن مربع صناعة القرار، رغم أنها صاحبة حجة وبينة ومنطق وحكمة".
وقال إن "الأصوات الحكيمة بين البلدين يجب أن تُسمع بشكل أكبر، وعلى النخب السياسية ألا تستهين بأصوات إشعال نار الحرب والنفخ فيها، لأن قوى دولية يمكنها أن تأجج الصراع في سياق إعادة رسم خارطة المنطقة".
وأردف أنه "يمكن هنا استحضار التحذير الذي سبق وأعلنته السياسية الجزائرية والأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، بشأن وجود تحركات أطراف دولية لإشعال الحرب بين البلدين".
وعليه، يضيف الأندلوسي، يجب عدم الانجرار إلى خطاب التصعيد، مشددا على أن "كلفة الحرب ستكون قاسية على البلدين والشعبين، إذا ما قامت بينهما، لا قدر الله، لأن الحرب ليست نزهة".
وأشار رئيس المركز البحثي، إلى أن "السياسي المغربي الراحل محمد بن سعيد أيت إيدر، كان من الشخصيات التي نبهت لخطورة التصعيد بين البلدين".
وأضاف "كما كانت هناك مبادرة لتنظيم منتديات نقاش وحوار بين نخب البلدين، إلا أنها لم يكتب لها أن ترى النور".
وخلص الأندلوسي إلى أن "مثل هذه المبادرات يجب أن تستمر، وأن صوت الحكمة يجب أن يعلو، لأن القادم قد يكون أسوأ إذا ما استمرت أصوات تأجيج الحرب وتوسيع رقعة الخلاف".
تصعيد مستمر
وأكد الصحفي الجزائري عثمان مزياني، أن "هناك من يحرّض على حرب بين الجزائر والمغرب، وبلا مواربة"، منبها إلى أن "أكثر من طرف دولي وإقليمي معني بهذا التحريض الذي جعل من الحرب بصورها المختلفة قائمة لا محالة على وسائط التواصل والفضاءات الأخرى".
وأضاف مزياني في مقال نشره عبر صحيفة "العربي الجديد" القطرية في 14 فبراير/ شباط 2024، "حتى بدى في أذهان الناس أن أسباب وقوع الاشتباك، أكثر بكثير من أسباب السلم والانفراج".
ودعا إلى "التنويه بكل أصوات العقل والحكمة من الجزائر والمغرب بشأن التحذير من الدفع إلى أتون الحرب والاشتباك مهما كانت أشكالها، ومن مخاطر التطبيع مع الصهيونية على مستقبل المنطقة".
وأشار مزياني في هذا الصدد إلى "ما صدر عن الأمينة العامة لحزب العمال في الجزائر، لويزة حنون، والقيادية في اليسار الاشتراكي الموحد في المغرب، نبيلة منيب"، مبرزا أن "كليهما له صوت ونسق مرتفع في بيئته السياسية المحلية، وحضور معبّر غير مندمج بالضرورة في مصفوفة الخطاب الرسمي والدعائي".
وأضاف "قبل أيام قالت لويزة حنون، إن هناك تحركات لاختلاق بؤر توتر على حدود الجزائر في منطقة الساحل، وسعي لإيقاع حرب بين الجزائر والمغرب".
وأشارت إلى أن "هناك أطرافا تحرّض على الحرب بين الجزائر والمغرب، وذلك لمصلحة الكيان الصهيوني، وهذا يستدعي الحيطة والحذر من هذه المخططات ومنع جر الجزائر إليها".
وشدد الكاتب الصحفي على أن "مشكلة التوترات والحروب حاليا أنها أصبحت أيسر مما كانت، من حيث الأسباب والدوافع، وربما عادت الحروب بأشكالها المختلفة إلى سابق العصور عندما كانت تندلع بسبب بئر وكلأ وناقة".
واسترسل: "هذا يعني أن هناك هشاشة في نسيج السلم الإقليمي بشكل عام، والمنطقة المغاربية لا تشذ عن ذلك، وهي متخمة بالتوترات والحروب في جنباتها، ولذلك كلما كان صوت عاقل من هنا أو هناك، وجبت تحيته".
من جانبه، قال الأكاديمي المغربي حسن أوريد، إنه قرأ باهتمام بالغ ما قالته لويزة حنون، من أنها ترفض أن يُزجّ ببلدها في حرب مع المغرب، مقدرا أن "حنون ممن يشكلون ضميرا للبلد، ومرجعا وبوصلة له".
وذكر أوريد في مقال نشره عبر موقع "الجزيرة نت" في 8 فبراير 2024، أن "كل شيء يُوحّد بين المغرب والجزائر، عدا السياسة، والسياسة مرتبطة بمنظومة، ومرجعية، وسياق، وربما أشخاص".
واسترسل: "السياسة ليست هي الثابت وإنما المتحول.. ولكن هذا المتحول هو ما طغى على الثابت، بل الثوابت، ويوشك أن يُطوِّح بكل شيء".
وأوضح أوريد، والذي كان يشغل مهمة الناطق الرسمي باسم القصر الملكي في المغرب، أنه "رغم الجفاء بين البلدين، إلا أن جذوة الأمل لم تنطفئ، والدليل هو نداء لويزة حنون، ونداءات مماثلة، أسمعها هنا في بلدي".
وشدد الأكاديمي المغربي على أنه "مازالت هناك مساحة للعقل والرّوية، ولا تزال، هنا وهناك، عقول راجحة، وأصوات حصيفة.. ولكننا ندرك أن دعوة العقل هي آخر ما ينفذ حين تعلو الجلبة ويعمّ الصراخ. ونحن في ساعة الصراخ، ولمن يمعن في الصراخ".
وذكر أن "القيادتَين، تدركان عواقب المغامرة، وتعيان عمق الوشائج بين البلدين، ولكننا كذلك ندرك أن العالم متداخل، وأن الحروب قد تُخاض بالوكالة، يُسعّرها آخرون، لفائدتهم. وذلك ما ينبغي أن يستحضره العقلاء في البلدين".
وأضاف "الحرب التي أريدها ما بين بلدي المغرب وبين الجزائر، هي الحرب على الفقر، وعلى الجهل، بل أريد أن نخوضها سويا، ولا يمكن كسب هذه الحرب إلا سويا".
وختم أوريد بالقول: "لا أريد لبلدي أن يُزجّ به في مغامرة مع الجزائر.. ومازلت أتطلع لعقلاء، هنا وهناك، كي يطفئوا فتيل الجفاء".
مخاطر متعددة
وحذر تقرير معهد "إلكانو" الملكي في العاصمة الإسبانية مدريد، من تداعيات سباق التسلح بين المغرب والجزائر على المنطقة.
وأشار التقرير المنشور على موقع المعهد في 16 يناير/كانون الثاني 2024، إلى استمرار التوتر في الجوار المغاربي، حيث لا تظهر أي علامات على تراجع النزاع بين الجزائر والمغرب، اللذين قطعا علاقاتهما الدبلوماسية منذ أغسطس/آب 2021.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قد صرح في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022 أن قطع العلاقات مع المغرب "كان بديلا للحرب معه، وأن الوساطة غير ممكنة بين البلدين".
في المقابل، أكد الملك محمد السادس خلال خطاب في 30 يوليو/ تموز 2022، حرص المغرب على الخروج من هذا الوضع مع الجزائر، وبناء تعاون وثيق يعكس القواسم المشتركة والقوية بين الشعبين.
وبالعودة إلى التقرير الإسباني، فقد رصد تصاعد حدة العداء بين الجزائر والمغرب، مما دفعهما إلى دخول سباق التسلح، مما يعزز من تصاعد التوتر ويزيد من خطر وقوع حادث أو التسبب في تصادم.
وأكد التقرير الذي كان بعنوان "إسبانيا 2024: الآفاق والتحديات"، أن "أي زعزعة إضافية للاستقرار في منطقة المغرب العربي ستكون تحديا خطيرا لإسبانيا والاتحاد الأوروبي، ومن الممكن أن يسهم ذلك في زيادة التوتر والاضطرابات المتنوعة في دول الساحل".
وعلى هذا الأساس، حث التقرير إسبانيا على استخدام جميع الوسائل الممكنة لتجنب السيناريوهات السلبية، بالإضافة إلى التحضير لمواجهتها في حال حدوثها.
كما صدر تقرير أخيرا بالعاصمة الرباط عن "مدرسة الحرب الاقتصادية" بعنوان "المغرب، القوة الإقليمية: التحديات وعوامل النجاح الرئيسة والخيارات الإستراتيجية لعام 2040"، والذي حذر من احتمالية المواجهة العسكرية بين المغرب والجزائر.
وأكد التقرير أن البلدين "يوجدان في مأزق جيوسياسي ودبلوماسي ذي عواقب وخيمة على اقتصادات البلدين واستقرار منطقة المغرب العربي".
وفسَّر ذلك بزيادة الإنفاق العسكري، حيث تحتل الجزائر المرتبة الثالثة في هذا المجال على الصعيد الإفريقي بعد مصر ونيجيريا، بينما يأتي المغرب في المرتبة الرابعة.
وأشار التقرير إلى أن "سيناريو الحرب مع الجزائر" يدفع المغرب إلى تعزيز وتحديث أجهزته العسكرية بهدف حماية جاذبيته ومشاريعه الإستراتيجية.
وأوضح التقرير أنه "في حال قيام الجزائر بإثارة حرب مع المغرب، فإن الأخير رغم استثماراته العسكرية والدعم الذي يمكن أن يقدمه حلفاؤه، لا سيما واشنطن وإسرائيل والإمارات على وجه الخصوص، فإنه يخاطر بخسارة سنوات من التقدم من حيث البنية التحتية والمشاريع الإستراتيجية، وسيجد صعوبة في التعافي لتحقيق الطموح في أن يصبح قوة إقليمية".
ولفت التقرير إلى أن "الجزائر من جانبها يمكن أن تعتمد على مساعدة روسيا (شراء السلاح) وإيران، لكنها ستكون في موقف سيئ تجاه المجتمع الدولي".
وشدد على أن "العواقب ستكون وخيمة أيضا على السكان، وستكون الحاجة إلى الهجرة أكثر حدة من أي وقت مضى، خاصة نحو بلدان أوروبا".