وسط استعصاء رئاسي.. هل يعود الحريري للعمل السياسي بلبنان؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع انسداد كل الأبواب المؤدية إلى انتخاب رئيس جديد لجمهورية لبنان في ظل فراغ هذا المنصب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، بدأت الأوساط اللبنانية في الحديث عن احتمالية عودة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري للحياة السياسية.

ورغم أن منصب رئاسة الجمهورية في لبنان يعد من حصة الطائفة المارونية المسيحية، إلا أن منصب الحكومة المسنود للطائفة السنية يعد في نظر المراقبين "كلمة السر" وراء كسر حالة الجمود السياسي الحاصل في هذا البلد.

الحريري للواجهة

إذ ما تزال القوى اللبنانية تقف على مسافات بعيدة حول المرشح الرئاسي الوحيد حالة الشغور الرئاسي المستمرة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون.

وقد فشل البرلمان اللبناني 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد والمدعوم من إيران، وخصومه. 

وأمام هذا الاستعصاء المتواصل بدأ اسم زعيم تيار المستقبل ورئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري (سني)، يتردد في الإعلام اللبناني مع عودته إلى لبنان.

وعاد الحريري إلى لبنان من أجل إحياء ذكرى اغتيال والده رفيق في 14 فبراير/شباط 2005 جراء انفجار استخدمت فيه 1800 كلغ من مادة "تي إن تي"، مع 21 شخصا آخرين، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقته في سيارته.

وعام 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا، سليم عياش، وهو عضو في "حزب الله" (حليف إيران والنظام السوري) بعملية الاغتيال، بينما برأت 3 متهمين آخرين ينتمون للحزب، ورأت أنه لا دليل على أن "قيادة الحزب" كان لها دور في الأمر.

وفي أول ظهور له بعد ابتعاده عن الأضواء، زار سعد الحريري فور عودته إلى بيروت، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالمقر الحكومي.

وأقيمت للحريري مراسم استقبال رسمية في السرايا الحكومية، وقد رحب ميقاتي بالحريري "في بيته"، متمنيا "أن تكون ذكرى استشهاد والده ورفاقه مناسبة جامعة تؤكد وحدة اللبنانيين في وجه الأخطار المحدقة بلبنان" على حد وصفه.

وربط كثير من ساسة لبنان عودة سعد الحريري في هذا التوقيت بتواصل الشغور الرئاسي، ومع اقتراب الذكرى السنوية التاسعة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري يوم 14 فبراير/شباط 2005.

وفي 24 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن الحريري "تعليق" عمله السياسي ودعا "تيار المستقبل" إلى فعل الشيء نفسه، وعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية، وبالفعل التزم التيار بتلك الدعوة.

واتخذ رئيس تيار المستقبل هذه الخطوة لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، على حد وصفه. وقال الحريري، بعد عودته لإحياء ذكرى اغتيال والده، إنه "لم يتراجع" عن قراره تعليق عمله السياسي.

اللافت أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري غازل الحريري بقوله في 4 فبراير 2024: "أهلا وسهلا بعودتك للعمل السياسي عندما تقرر والانتخابات الاخيرة أثبتت أن سعد هو الناجح الأكبر على الرغم من اعتكافه".

وخلال الفترة الأخيرة برزت حملة ترويجية في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قادها ناشطون في تيار "المستقبل"، لعودة سعد الحريري المعتكف عن العمل السياسي إلى لبنان عودة نهائية.

وبحسب مواقع لبنانية، فإن شوارع بيروت والحواضر ذات الثقل الديموغرافي السني انتشرت فيها بصور الحريرييْن، مع سيل من الأخبار والتحليلات والتكهنات حول رجوع الحريري عن اعتزاله، لا سيما مع التحضيرات المكثفة لإقامة تجمع جماهيري حاشد قرب ضريح والده في ساحة الشهداء وسط بيروت.

والحريري الابن حظي بتعاطف سني واسع وغير مسبوق منذ دخوله عالم السياسة عام 2005، وسط فراغ يهيمن على الساحة السياسية.

أصوات داعمة

ويوجد سعد الحريري رجل الأعمال البارز حاليا في دولة الإمارات كمنفى اختياري له، ولا يزور لبنان إلا لإحياء الذكرى السنوية لاغتيال والده.

وتجدد أخيرا الحديث عن استثمارات الحريري في الإمارات بدعم من قيادتها، وهو ما كشفه موقع "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتي الفرنسي.

وقال الموقع إن رئيس الوزراء اللبناني السابق يحظى بدعم مالي من مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد.

وأوضح مطلع فبراير/ شباط 2023، أن "الحريري يرتبط ارتباطا وثيقا بإدارة شركة استثمارات جديدة في أبوظبي تسمى Nerve Investment.

وقد شكل سحب السعودية الغطاء السياسي الداعم للحريري خطوة نحو إضعاف حضوره، ولهذا يؤكد مراقبون على أهمية الموافقة السعودية لبزوغ نجم الزعيم السني الأكثر نفوذا في لبنان إلى الآن كونه مايزال يمثل "عباءة الحريري الأب".

وضمن هذا السياق، رأى النائب السابق عن "كتلة المستقبل" السنية نزيه نجم، في تصريح صحفي أن "الوقت حان لعودة الحريري، لأخذ مكانه كمرجعية سنية ووطنية، ولإعادة التوازن في لبنان".

ولفت إلى أنه "لم يملأ الفراغ الذي تركه كمكون وطني لبناني وسني، يمثل الاعتدال، وعودته من هذا المنطلق واجب وطني".

وأضاف أن "من واجبات سعد الحريري أن يعود للوقوف إلى جانب مؤيديه، وفتح الأقنية العربية التي أغلقت بفعل الممارسات الخاطئة، لأننا لا نستطيع العيش دون البعد العربي".

لكن رغم ثبات القاعدة الشعبية الموالية لـ "سعد الحريري" في لبنان، إلا أن التنظيم السياسي لتيار المستقبل لم يعد كما كان في السابق بعد أن هجره الكثير من كوادره وعناصره.

ولهذا يرى كثير من المراقبين أن الحريري إن عاد "فسيجد طائفة موزعة الانتماء بينه وبين قوى أخرى وشخصيات قديمة وصاعدة.

والأكثر أهمية أن بعض هذه الطائفة ذهب إلى المحور الآخر، إما عن قناعة وأما لتأمين مصالحه لدى أطراف مؤثرة وفاعلة"، وفق ما قال الكاتب اللبناني راغب جابر في مقال له نشره في صحيفة "النهار العربي".

ومع ذلك، فإن عودة الحريري للحياة السياسية حال تمت، فإنها تأتي في توقيت حساس يدخل فيه حزب الله المدعوم من إيران مناوشات مع إسرائيل، ولذلك يراها البعض مرهونة بحسابات سعودية.

إشارة سعودية

ونقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، عن مقربين من سعد الحريري، قولهم إنه "لم يصدر عنه ما يوحي بالعودة، أو أي إشارات بالتراجع عن قرار تعليق العمل السياسي".

ونقلت الصحيفة أيضا عن مسؤولين من التيار "المستقبل" شرحهم للموقف بشأن ما يحكى عن عودة الحريري إلى لبنان، بأن هناك "رسالة جريئة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تطلب إعادة النظر في مستقبل السنة، وإعادة مد اليد إلى الحريري في ظل استحالة إنتاج بديل منه".

ولفتوا إلى أن "ثمة نزعة سنية تتعاظم منذ عام 2019 تميل الى رفع الصوت في وجه السعودية بأسلوب عتابي يوصي بالانتباه: احرصوا ألا نذهب فرق عملة في لبنان"، في إشارة إلى التحذير من تهميش السنة على حساب باقي الطوائف.

وأشاروا إلى أنه "لا شيء جديدا حتى الآن بشأن موف الرياض. لا تزال تتعامل مع هذا الملف (الطائفة السنية) بلا مبالاة. الواضح حتى الآن أن العلاقة مع الحريري لم تجد سبيلا لحل واضح، بل لا تزال في أقل مستوياتها".

وكان غياب الحريري عن الانتخابات النيابية عام 2022، قد أحدث فجوة كبيرة، إذ لم تتشكل كتلة سنية وازنة تكون فاعلة في المشهد اللبناني كما في الدورات البرلمانية السابقة حينما كان تيار المستقبل نشطا.

فقد أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية حصول حزب الله وحلفائه على نحو 62 مقعدا من أصل 128، بعدما كان يمتلك نحو 71 مع حلفائه وأبرزهم حركة أمل (شيعية) والتيار الوطني الحر (ماروني) في انتخابات 2018.

وشهدت الانتخابات التي حصد فيها سياسيون إصلاحيون 12 مقعدا انخفاضا واضحا في نسبة المشاركة بلغت 41 بالمئة نتيجة لمقاطعة أطراف معارضة للمشهد الحالي، وفي مقدمتها تيار المستقبل (سني) بزعامة الحريري.

وللتنويه، فإنه في تلك الانتخابات حاول بهاء الحريري وهو النجل الأكبر لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق، دخول البرلمان عبر لوائح مدعومة منه إلا أنه فشل؛ بسبب ضعف حضوره شعبيا داخل الطائفة السنية وإبقاء الولاء محفوظا لأخيه المعتزل سعد.

وهذا التباين في نتائج الانتخابات، انعكس لاحقا على الاستحقاقات الانتخابية الأخرى في البلاد، لا سيما الرئاسة حيث تعجز أغلب القوى على دفع مرشح لوحدها وتمكينه من الدخول لقصر بعبدا في بيروت.

وأمام ذلك، زاد الشغور الرئاسي في لبنان الوضع الاقتصادي سوءا في وقت تشهد البلاد منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

وفي الوقت الراهن تدير البلاد حكومة تصريف أعمال بقيادة نجيب ميقاتي عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن.

أما اللجنة الخماسية الخاصة في لبنان والتي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لإنهاء الشغور الرئاسي الذي سيفتح بدوره الباب أمام حكومة جديدة والبدء بمساعدة لبنان فتعول على تجاوز الأزمة الاقتصادية الطاحنة المتواصلة.