ألوان الشذوذ على مناهج مرخصة من وزارة التعليم بالمغرب.. ما القصة؟
"هناك هجوم منسق ومنظم من أجل خلخلة النموذج التربوي المغربي"
في خطوة مفاجئة، انتقلت رموز الشذوذ وألوانها الشهيرة من بعض المواد والمنتجات في المغرب، إلى أغلفة مناهج تعليمية مرخصة من الحكومة، مما دفع إسلاميي البلاد إلى الدعوة للتحقيق في الموضوع.
وطالب عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية (معارضة)، مصطفى إبراهيمي، بسحب مناهج دراسية تحمل أغلفتها ألوان علم الشواذ.
جاء ذلك في سؤال كتابي وجهه إبراهيمي، إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، كشف فيه أن منهجا دراسيا للتعليم الأولي بعنوان "متعتي في بداية التعليم"، متداول في السوق، يحمل ألوان الشواذ.
تكتيك مفضوح
وتشمل ألوان علم الشذوذ 6 أجزاء ملونة بألوان الطيف، الأحمر، والأصفر، والبرتقالي، والأزرق، والأخضر، والبنفسجي، وهي التي تضمنها غلاف المنهج على شكل لولبي مرتبط بغيمة فوقها طفل وطفلة.
ورأى إبراهيمي، وفق موقع "العدالة والتنمية" في 10 ديسمبر/أيلول 2024، أن “تداول هذا المقرر الدراسي سابقة خطيرة، خاصة أنه مرخص له من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة”.
ووصف الأمر بـ"الفعل الشنيع" المنافي لقيم المغاربة المستمدة من دين الإسلام الحنيف.
واسترسل البرلماني: "كما قد ينطوي على نية ومخطط مبيت لزعزعة النسيج الاجتماعي المغربي، من خلال التشجيع على الرذيلة، وتطبيعا مع الفساد الأخلاقي، باستهداف فئة الأطفال في سن مبكرة ابتداء من سن الرابعة".
وأضاف أن "تداول هذا المقرر الدراسي، يعد هدما لكل القيم النبيلة، وتكتيكا مفضوحا لبرمجة لأطفال وأجيال المستقبل على التفسخ والانحلال والفساد".
وشدد إبراهيمي على أن ما وقع "ليس عملا منفردا ومعزولا، بل سبق لبرامج محو الأمية أن تضمنت عبارات لها إيحاءات ومعانٍ لنفس الأهداف، تم سحبها بعد التنبيه لها".
ودعا البرلماني وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي، إلى "فتح تحقيق في هذه الفضيحة، وترتيب الجزاءات المناسبة بحق كل من ثبت عليه القيام بهذا العمل الشنيع".
كما دعا إلى "توضيح الإجراءات القانونية والتنظيمية التي ستتخذها الوزارة، لقطع الطريق أمام مثل هذا العمل وعدم تكراره، احتراما لدستور المملكة الذي يعد الدين الإسلامي أحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية".
مسؤولية الوزارة
تفاعلا مع الحدث، قال الخبير التربوي حسن عديلي، إن “كل مخالفة في شكل أو مضمون أي مقرر (منهاج) تربوي يتوجب من وزارة التربية الوطنية سحبه من السوق الوطنية وعدم اعتماده”.
وشدد عديلي لـ"الاستقلال"، على أن "ما يسمى بالمجموعات التربوية أو كتب التعليم الأولي، يجب أن تنضبط بالإطار التربوي المنهاجي حتى يتسنى لها الحصول على المصادقة من الوزارة".
وأشار إلى "وجود لجان مسؤولة عن فحص هذه الكتب، لضمان تطابقها شكلا ومضمونا مع الإطار التربوي المنهاجي".
وقال عديلي إنه "تابع النقاش الذي خلفه الكتاب المتحدث عنه، غير أنه لا يستطيع الجزم بأن مؤلفي الكتاب كانت لهم الخلفية القاصدة لوضع تلك الألوان في غلاف المقرر".
واستدرك عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب السابق، "في نفس الوقت أقول إنه كان عليهم أن ينتبهوا إلى أن كل ما يتعلق بالرموز له دور وتأثير كبير على تشكيل الوعي الثقافي والفكري والتنشئة الاجتماعية والنفسية للطفل".
وأردف أن "الألوان بذلك الشكل أصبحت دوليا تعبر عن ميول معين، وتوجه ينتهك القواعد والقيم والطبيعة والفطرة البشرية، وكان الواجب هو تجنب هذا الشكل في غلاف الكتاب إن كانت الخلفية هي التعاطي مع ألوان مثيرة للطفل، لأن هذا الجانب يمكن تحقيقه من خلال اختيارات أخرى".
وأكد عديلي أن "العالم انتبه لدور هذه الرموز أو الألوان، ولذلك رأينا موقف قطر الرافض لها في كأس العالم 2022، مقابل حرص الأوربيين على إبرازها في الأنشطة الرياضية المنظمة لديهم، مما يبين أننا أمام حرب ثقافية وحرب رموز، وهي حرب خطيرة، لأنها تطبع مع ثقافة معينة".
وشدد المتحدث ذاته، على أن "ما وقع هو بداية للتطبيع مع سلوك مرفوض دينيا ووطنيا واجتماعيا، وأيضا على مستوى المنهاج التربوي، الذي يؤكد أن الكتب المدرسية يجب أن تخضع لمقومات البناء الوطني والدستوري والديني للبلاد".
ونبَّه عديلي إلى أن "أقل ما يمكن القيام به حاليا هو أن يتم سحب المقرر وتغيير الغلاف، هذا إن لم يكن الكتاب يتضمن محتويات ذات علاقة بالشذوذ"، مشيرا إلى أن "هذه مسؤولية الوزارة، لأنها هي التي تمنح الرخصة والإذن بالاستعمال".
سوابق مماثلة
وينتقد مراقبون عدم حزم السلطات المغربية في محاربة الشذوذ ومظاهره، والذي يحاول اختراق المجتمع عبر وسائل متعددة، خاصة منها التجارية والإعلامية والفنية.
ومن ذلك سماح السلطات بعرض فيلم ديزني "حارس الفضاء" بقاعات السينما المغربية، في 20 يونيو/حزيران 2022، في وقت منعته معظم الدول العربية، بسبب ترويجه للشذوذ.
هذا السماح خلق مفاجأة للمجتمع، خاصة أن أزيد من 420 شخصية مغربية، ضمنهم سياسيون وأكاديميون ودعاة وأطباء وكتاب وفنانون، وقعوا عريضة تدعو إلى وقف عرض الفيلم، نظرا لتحريضه على الشذوذ.
كما ظهر في السنوات الأخيرة بعض الشواذ المغاربة عبر منابر الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، والذين تحدثوا بوجه مكشوف عن أسباب دخولهم إلى عالم الشذوذ، في محاولة لاستدرار عطف المشاهدين وتضامنهم أو تفهمهم، دون أي تحرك من السلطات.
واستعدادا للموسم الدراسي الجديد، شرعت الأسر المغربية في اقتناء الأدوات الدراسية، والتي كان كثير منها بألوان الشذوذ، وسط تحذيرات أطلقها مواطنون ونشطاء في المجال التربوي والتعليمي من خطر التطبيع مع ثقافة الشذوذ، داعين الأسر وأولياء أمور التلاميذ إلى الوعي بطبيعة هذه الألوان ودلالاتها وأثرها على الناشئة.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي حسن الخباز، إنه مع كل دخول موسم دراسي جديد تنتشر بشكل قوي أخبار تفيد بوجود منتجات تحمل ألوان الشذوذ.
وعبر الخباز في مقال رأي نشره عبر موقع "الأحداث الوطنية" المحلي في 29 أغسطس/آب 2024، عن استغرابه من انتشار منتجات تحمل ألوان الشذوذ في السوق المغربية.
وتابع: “غير أن هذا الاستغراب يرتفع مادامت هناك أفلام مغربية تروج لهذا السلوك الشنيع ويسمح بتداولها، وهناك مؤثرون على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي لهم ميولات جنسية شاذة ومتطرفة، بل يدعون إليها عبر قنواتهم بكل حرية”.
وشدد الخباز على أن "انتشار هذا الأمر يشكل مصدر خطر على الجيل الجديد من أبناء الوطن، خطر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويجب أن نضع حدا لهذا التسيب الذي يضرب في عمق ديننا الحنيف الذي حرم اللواط".
وأردف "أعرف سيدة نقلت أبناءها من فرنسا للمغرب لأن أستاذة أكدت لتلاميذها أنه بإمكانهم اختيار ميولاتهم الجنسية من الآن بكل حرية، ولن يستطيع أحد الحيلولة دون تحقيق ذلك، فما كان من السيدة الشريفة بعد أن أخبرها ابنها إلا أن هربت بأبنائها لبلدها الأم المغرب".
واستطرد: “فكيف سيكون رد فعلها إذا علمت أن بلدها الإسلامي أيضا يروج لمثل هذه السلوكيات التي حرمتها كل الأديان وتعارضها الإنسانية جمعاء؟”
معركة كبيرة
ويرى كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، خالد الصمدي، أن “رسالة الكتاب المدرسي الحامل لألوان الشذوذ مشتركة مع رسائل ينشرها فاعلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يسعون بشكل مباشر للمس بقضايا القيم والهوية”.
وأضاف الصمدي لـ"الاستقلال"، و"من ذلك ما نسمعه منهم بخصوص البرامج والمناهج التعليمية، فهي كلها تتحدث عن ضرورة (إعادة النظر)، والدعوة إلى (التسامح) و(قبول الاختلاف)، ومصطلحات أخرى تصب في هذا الاتجاه".
واسترسل: “كما يعملون على تحريف المفاهيم، ومن ذلك الحديث عن العلاقات الرضائية بدل مصطلح الزنا، وغيرها، وكذا الدعوة إلى التسامح مع المختلف، ليس قصدهم المختلف في الدين أو العقيدة بالحوار والنقاش، بل مع كل مختلف كيفما كانت تصوراته وأفكاره وميولاته، ومن ضمن ذلك ما ارتبط بالشذوذ”.
وشدد الصمدي على "وجود هجوم منسق ومنظم من أجل خلخلة النموذج التربوي المغربي، ذلك النموذج الذي يقوم على محددات واضحة، وأولها الدستور".
وتابع: “ثم (القانون الإطار) والذي تضمن في مقدمته ومرجعياته مقتضيات تتعلق بالهوية والانتماء”، مشيرا إلى أن “تمريرها في البرلمان كان معركة قوية وكبيرة”.
ونبه الصمدي إلى أن "هناك من لا يعجبه هذا الوضع، وهؤلاء يجدون أنفسهم محاصرين بمقتضيات القانون الإطار، مما دفعهم إلى تهميشه وعدم تفعيله، بالنظر إلى هذه المقتضيات التي جاء به"، واصفا الوضع بـ"المستغرب جدا".
واسترسل: "وجه الاستغراب أن الملك محمد السادس حين دعا إلى تحويل الرؤية الإستراتيجية إلى قانون إطار، تحدث بوضوح عن (ضرورة القطع مع الإصلاح وإصلاح الإصلاح)، لكن، ورغم إصدار القانون، ما تزال الحكومة تخالف مقتضياته، بعد أن أبقت عليه مجمدا".
وأشار الصمدي إلى وجود تقرير صدر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، باسم "القيم في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، أشرف عليه حين كان عضوا في المجلس، بتشاور مع مجموعة من الخبراء في المجلس، وبمصادقة الجمعية العامة للمجلس، بعد نقاش طويل حول قضية الهوية والانتماء.
وقال الخبير التربوي الدولي إن “في مقدمة هذا التقرير تم التأكيد على ضرورة التركيز على قضايا الهوية والانتماء والمرجعية في المنظومة التربوية والعلمية”.
ونبَّه الصمدي إلى أن “الدستور والقانون الإطار وتقرير المجلس الأعلى أطرت في مجموعها الانتماء والهوية في النموذج التعليمي المغربي بكل وضوح، غير أن رافضي هذه الثوابت سلكوا مسلكا آخر، عبر خرجات وفلتات لجس النبض، ومنها المقرر المشار إليها وما سبق ذكره بشأن الانفتاح والتسامح وغيرها”.
وعبر الوزير السابق عن توقعه بأن “يستمر هؤلاء في جس النبض، وتتبع ردود الفعل التي خلفتها حركاتهم لدى الرأي العام”، مشيرا إلى أن “هذا تقوم به جهات داخلية ودوائر دولية”.
وفي ظل هذا الوضع، قال الصمدي إن “معركة الهوية والانتماء هي معركة الفاعلين والمؤثرين وأهل الفكر والثقافة، في الإعلام والثقافة وكل المجالات الأخرى المرتبطة بكينونة الإنسان وقيمه”.
ولذا يرى الصمدي أن “قضية غلاف المنهاج هي قطرة في بحر كبير، وفي ظل مخطط للهجوم على قضايا الهوية والانتماء في المغرب”، مشددا على أن "الناس لن تستسلم لهذا، وعليها مقاومته والوعي به وبأدواته ومخاطره الكبيرة جدا".