ترامب وزيلينسكي.. هل يفوز "أفضل بائع في التاريخ" بصفقة أوكرانيا؟
"أوكرانيا لن تكون في موقع الأفضلية إذا ما بدأت مفاوضات السلام في المستقبل القريب"
في أكثر من مناسبة بعد عودته إلى البيت الأبيض، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستعد للتفاوض على صفقة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وأنه قد يجتمع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قريبا.
وتفاعلا مع هذه التصريحات، نشر مركز "فيكير تورو" التركي مقالا للكاتب التركي “طلحة ياووز” سلط فيه الضوء على آمال الهدنة في أوكرانيا مع وصول ترامب إلى الرئاسة.
هدنة قريبة
وذكر الكاتب التركي أنه قد مر عامان على بداية الحرب الشاملة التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا، والتي أسفر عنها مآسٍ إنسانية وأضرار كبيرة في المنطقة.
ورغم مرور تلك الفترة الطويلة، فإن الوضع لا يزال معقدا غير أن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة فتح آمالا جديدة بخصوص إمكانية التوصل إلى هدنة.
فقد ادّعى ترامب سابقا بأنه يستطيع إنهاء الحرب في 24 ساعة، ما أعطى شعورا بإمكانية حدوث تغيير في مسار الصراع.
وتتزايد التوقعات بأن بداية ولاية ترامب قد تشهد تقليصا كبيرا في المساعدات العسكرية الموجهة إلى أوكرانيا، وهو ما يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأميركية تجاه الأزمة.
فمنذ بداية الحرب، قدمت الإدارة الأميركية السابقة نحو 66 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
كما أن ترامب كان قد وصف الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال حملته الانتخابية بـ "أفضل بائع في التاريخ"، في إشارة إلى ما عده استغلالا للأزمة لتحقيق مصالح خاصة.
إضافة إلى ذلك، كانت إدارة بايدن قد أقدمت في نوفمبر 2024 على السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية.
وعلى إثر ذلك فقد قوبل هذا القرار بانتقاد شديد من قبل ترامب، الذي عده خطوة تصعيدية قد تؤدي إلى تفاقم الحرب.
ومن المتوقع أن يسعى الرئيس الجديد لإلغاء هذا القرار في حال توليه منصبه، مما يفتح المجال لتغييرات في إستراتيجية الحرب.
ومع تطور الأحداث، تبقى القمة المرتقبة بين ترامب وفلاديمير بوتين في صدارة الأحداث.
فهذا اللقاء، الذي يُتوقع أن يتم في أقرب وقت ممكن، قد يكون له تأثير كبير على مسار الحرب.
وعلى الرغم من عدم تحديد موعد أو مكان اللقاء بعد، فإن صربيا وسويسرا قد طرحا نفسيهما كدولتين مرشحتين لاستضافة المحادثات.
وحتى يتحقق هذا اللقاء، تظل التطورات العسكرية على الأرض هي العامل الحاسم في تحديد شروط المفاوضات المستقبلية من أجل السلام.
الوضع على الجبهة
وأردف الكاتب التركي أن روسيا تسيطر الآن بعد بداية حربها على أوكرانيا على ما يقارب من خُمسِ الأراضي الأوكرانية، وهذه المساحة تعادل تقريبا حجم دولة اليونان.
وبعد هذه الحرب الطويلة وبالرغم من أن كلا الطرفين لم يكشف عن الأرقام الدقيقة لخسائره البشرية؛ بسبب السرية العسكرية، إلا أن الحرب التي يقدر عدد القتلى والجرحى فيها بأكثر من مليون، قد أرهقت البلدين بشكل كبير.
ونظرا لوجود مفاوضات قريبة تلوح بالأفق، فإنّ روسيا قامت في الأشهر الأخيرة بتكثيف هجماتها في شرق أوكرانيا، وذلك بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأشار الكاتب إلى أن أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى خسارة أوكرانيا للأراضي على الجبهة هو نقص القوى البشرية الكافية.
وبالنظر إلى أن عدد سكان أوكرانيا يبلغ 38 مليون نسمة مقابل 144 مليون نسمة في روسيا، فإن الفارق العددي بين البلدين يشكل ميزة كبيرة لروسيا ويضع أوكرانيا في وضع غير متكافئ من حيث القدرة على متابعة العمليات العسكرية.
وأشار الكاتب إلى أن الاحتياطات البشرية لدى روسيا أكبر مقارنة بأوكرانيا، مما يخلق توازنا غير متكافئ في ساحة المعركة.
فقد تم تعزيز القوات الروسية بحوالي 10 آلاف جندي من كوريا الشمالية، في إطار اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين التي تضمن "مساعدة متبادلة" في حال تعرض أي منهما لهجوم.
أما في صفوف أوكرانيا، فيقاتل جنود من أكثر من 50 دولة في "الفيلق الدولي"، رغم عدم وجود أرقام دقيقة حول عددهم.
وأعلنت أوكرانيا أخيرا عن بدء هجوم جديد في منطقة كورسك، إلا أن التكلفة البشرية المرتفعة للهجمات الهجومية قد تجعل هذه الخطوة أكثر صعوبة على الجيش الأوكراني، الذي يعاني من نقص في الجنود.
وبالتالي، قد يكون هذا الهجوم الجديد تحديا إضافيا للأوكرانيين على المدى الطويل، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها في ساحة المعركة.
وذكر الكاتب التركي أن كلا من روسيا وأوكرانيا قد بدأتا باستخدام أساليب مختلفة بشكل متزايد في الفترة الأخيرة.
فعلى سبيل المثال في 17 ديسمبر 2024 تعرض إيغور كيريلوف، وهو قائد قوات الدفاع النووي والبيولوجي والكيميائي الروسي ومساعده، لعملية اغتيال في وسط موسكو على يد جهاز المخابرات الأوكراني.
وقد أثار الهجوم مخاوف بشأن الأمن في موسكو، حيث أصبح كيريلوف أعلى ضابط عسكري روسي يُقتل على يد أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، فقد بدأ الطرفان في استخدام هجمات الطائرات بدون طيار بشكل متكرر.
ففي ديسمبر 2024 نفذت أوكرانيا هجمات بالطائرات بدون طيار استهدفت مناطق داخلية في روسيا، بما في ذلك مدينة قازان في منطقة تتارستان.
وكانت هذه الهجمات تهدف إلى إثارة الخوف بين المسؤولين الروس وإظهار قدرة أوكرانيا على التسلل إلى أكثر المناطق أمانا في روسيا.
من جانبها، نفذت روسيا في 13 ديسمبر 2024 هجوما جويا واسع النطاق استهدف بشكل خاص البنية التحتية للطاقة الأوكرانية. وتعد هذه الهجمات من أنشطة الحرب النفسية التي تهدف إلى إرهاب المدنيين.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن الاقتصاد الأوكراني يواجه بالفعل صعوبات كبيرة بسبب حالة التعبئة، مما يضع ضغطا إضافيا على سوق العمل.
وفي حال استمرت الحرب لفترة أطول، قد يزيد اعتماد أوكرانيا على المساعدات الخارجية. ولكن وبسبب تولي ترامب الرئاسة فإنه من الممكن أن يحد من هذه المساعدات.
فرصة للسلام
ومع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، ظهرت آمال جديدة بخصوص إمكانية الوصول إلى هدنة بين الطرفين، يؤكد الكاتب التركي.
ففي سياق الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، أعلنت روسيا استعدادها للمشاركة في مفاوضات السلام بناء على اتفاقيات إسطنبول التي تم التوصل إليها في عام 2022.
تلك الاتفاقيات كانت تهدف إلى إيجاد حل دبلوماسي للنزاع القائم، وتضمّنت بنوداً تخص وقف إطلاق النار والانسحاب المتبادل للقوات.
ومع ذلك، قابلت أوكرانيا هذه المبادرة بالرفض التام معتبرة أن هذه المحاولة ليست أكثر من "إنذارات" غير جدية، وأنها لا تعكس رغبة حقيقية في التوصل إلى تسوية سلمية.
وعلى الرغم من هذا التباين الواضح في المواقف، فإنه لم يتم حتى الآن تقديم بدائل واقعية من أي من الطرفين بشأن اتفاقيات إسطنبول.
في هذا السياق يظل الغموض يكتنف الحلول الممكنة للأزمة، والسؤال المطروح هنا هو هل هناك مساعٍ حقيقية لإيجاد حلول دبلوماسية في ظل المواقف المتشددة.
من ناحية أخرى، يشير الواقع العسكري للجبهة إلى أن أوكرانيا تواجه تحديات كبيرة، سواء من حيث الموارد العسكرية أو الإستراتيجية.
ومع تصاعد الضغوط العسكرية على الجيش الأوكراني، يبدو أن وضع أوكرانيا سيكون في موقف ضعيف إذا ما بدأت مفاوضات السلام في المستقبل القريب.
وبالرغم من سعي أوكرانيا للحفاظ على موقفها العسكري والضغط على روسيا، إلا أن التحديات العسكرية قد تجبرها على مواجهة واقع صعب قد يدفعها في النهاية إلى القبول بالتفاوض.
وفي ختام مقاله، أكد الكاتب التركي أن الأزمة في أوكرانيا مازالت محكومة بمواقف متباينة، ويظل المستقبل القريب غامضا بشأن تطور المفاوضات.
وإذا كانت هناك أي فرص للسلام، فإن المفاوضات بحاجة إلى حلول عملية وقابلة للتنفيذ من جميع الأطراف المعنية.
لكن في ضوء الوضع العسكري الراهن والتحديات التي يواجهها الجيش الأوكراني، يبدو أن أوكرانيا لن تكون في موقع الأفضلية إذا ما بدأت مفاوضات السلام في المستقبل القريب.