طهران تحتجز صحفية إيطالية في حبس انفرادي بسجن "إيفين".. ما الأسباب؟
“تشيشيليا سالا سافرت في 12 ديسمبر إلى طهران بتأشيرة صحفية”
كشفت وزارة الخارجية الإيطالية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن إيران تحتجز الصحفية الإيطالية العاملة بصحيفة "إيل فوليو" وشركة "كورا ميديا" للبث الصوتي "بودكاست"، تشيشيليا سالا (29 عاما) في أحد سجون طهران منذ أكثر من أسبوع.
وأضافت الوزارة في بيان أن الحكومة تعمل مع السلطات الإيرانية على استيضاح الوضع القانوني لسالا، والتحقق من ظروف احتجازها.
من جانبها، قالت شركة "كورا ميديا" إن الصحفية المعتقلة وُضعت في حبس انفرادي بسجن إيفين، وإن إيران لم تكشف عن سبب اعتقالها.
صراخ وأنين
وبحسب الصحافة الإيطالية، نشرت سالا التي كان من المفترض أن تعود إلى إيطاليا في 20 ديسمبر، عددا من التقارير أثناء وجودها في طهران بشأن التغييرات في البلاد عقب سقوط نظام الرئيس السوري الدكتاتوري بشار الأسد الحليف لطهران.
وفي تسليطها الضوء على سجن إيفين، شمال غرب طهران، الذي تحتجز فيه سالا، انتقدت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية بأن هذه المنشأة السجنية المخصصة للمعارضين السياسيين والصحفيين والأجانب، تعد "رمزا مخيفا للنظام".
وأشارت إلى أن افتتاحه يعود الى عام 1972 وفيه احتجز المعارضون السياسيون حتى قبل قيام الثورة عام 1979 ونهاية عهد الشاه وتأسيس الجمهورية.
يتكون السجن من قسمين قسم للرجال وآخر للنساء، ويعيش السجناء إما في مهاجع جماعية مكتظة وفي ظروف صحية سيئة أو في زنزانات انفرادية صغيرة، بلا نوافذ ولا اتصال مع الآخرين.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية للسجن حوالي 15 ألف شخص، ويضم أقساما مخصصة للأجانب والمعارضين السياسيين.
وفي إحدى هذه الزنزانات تُحتجز الصحفية الإيطالية سالا منذ 19 ديسمبر، وقد سُمح لها بالاتصال بعائلتها وشريكها الصحفي في صحيفة "إيل بوست" دانييلي راينيري بعد يوم واحد من الاحتجاز.
وبعد أسبوع تمكنت من مقابلة السفيرة الإيطالية باولا أمادي، وكان عليهما التحدث باللغة الإنجليزية.
وكانت سالا قد سافرت في 12 ديسمبر إلى طهران بتأشيرة صحفية، وأجرت سلسلة من المقابلات وأنتجت ثلاث حلقات من البودكاست الخاص بها، وكان من المفترض أن تعود إلى روما في 20 ديسمبر.
وذكرت الصحيفة الإيطالية أن المعارضين والأجانب ممن أمضى فترات اعتقال داخل هذا السجن سيئ السمعة تحدثوا بعد خروجهم منه عن الظروف المعيشية بداخله.
ومنهم، رجل الأعمال البريطاني الإيراني أنوشه عاشوري الذي أمضى أربع سنوات في زنزانة انفرادية بتهمة التجسس.
وكان قد قال في شهادته لصحيفة "دي فيلت" الألمانية إن مساحة الغرفة تبلغ حوالي 8 أمتار مربعة، وإن الضوء مضاء باستمرار ليلا ونهارا مما يجعل النوم صعبا.
وجاء في أقواله أنه كان يسمع من زنزانته صراخا وأنينا قادما من الزنازين الأخرى.
بدوره، قال نزار زكا، وهو رجل أعمال لبناني اعتقل عام 2015، لنفس الصحيفة "في زنزانات الحبس الانفرادي ليس لديك أي شيء، فقط سجادة وبطانية.. لقد أصبت بجميع أنواع الالتهابات لأن معظم الوسائد والبطانيات متسخة ومليئة بالحشرات".
وبحسب شهادات أخرى، لا توجد أسرة لذلك يفترش المعتقلون الأرض للنوم.
متسخ ونتن
في عام 2022، اعتُقلت المدونة الإيطالية أليسيا بيبرنو، لأكثر من شهر في سجن "إيفين" ووجهت لها، مع ثمانية مواطنين أجانب آخرين، تهمة دعم الاحتجاجات التي كانت جارية بعد وفاة الشابة مهسا أميني في أعقاب إلقاء شرطة الأخلاق القبض عليها في طهران.
وقد أمضت بيبرنو معظم فترة الاعتقال في زنزانات مشتركة وتم إطلاق سراحها بوساطة دبلوماسية، وبعد عام كتبت كتابا روت فيه الفترة التي قضتها في السجن.
وفي مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" في سبتمبر 2023، وصفت سجن إيفين بأنه "مكان غير إنساني ومتسخ ونتن".
واستنكرت بأن المعتقلين في داخله "ينامون على الأرض ويُسمح لهم باستنشاق الهواء النقي فقط لخمس دقائق يومي الثلاثاء والخميس وحمام لمرة واحدة في الأسبوع في دش به فضلات بشرية لم ينظفه أحد".
وتابعت: "الطعام قليل ومثير للاشمئزاز، وكنا نسمع صراخ المعتقلين الذين يتم تعذيبهم".
من جانبهم، قال سجناء سابقون آخرون لشبكة "بي بي سي" إن الغرف المشتركة يتواجد داخلها ما يصل إلى عشرين شخصا ولا تحتوي على تدفئة.
وقد اكتظت زنازين وغرف السجن بالمعتقلين خاصة خلال فترة الاضطرابات المناهضة للحكومة التي بدأت بعد وفاة الشابة أميني ولقي خلالها أكثر من 500 شخص حتفهم وفق نشطاء، وفي عام واحد، اعتقلت السلطات الإيرانية أكثر من 19 ألف متظاهر.
وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022، اندلع حريق داخل السجن وحدثت مواجهات داخلية أسفرت عن مقتل ثمانية سجناء على الأقل.
ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أن ظروف احتجاز المعارضين أكثر صرامة وقسوة، مشيرة إلى بيانات أصدرتها منظمات غير حكومية مختلفة تستنكر فيها وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، وحالات تعذيب وعنف، جسدية ونفسية.
في هذا الصدد، ذكرت اعتقال المصورة والصحفية زهرة كاظمي، التي تحمل الجنسيتين الإيرانية والكندية، عندما كانت بصدد التقاط بعض الصور لمدخل السجن في يونيو/حزيران 2003.
وتوفيت في "إيفين" بعد 19 يوما بعد أن تعرضت لتعذيب حتى الموت، وفق ما قال محاموها فيما ادعت الحكومة الإيرانية حينها أن وفاتها "كانت عرضية ونتيجة لنزيف دماغي".
وفي عام 2009، احتجزت السلطات داخل نفس السجن الصحفي الإيراني الكندي مزيار بهاري الذي كان يعمل لحساب مجلة "نيوزويك" الأميركية، بتهمة التجسس، ونجح المحققون في انتزاع اعتراف منه ليتم بعد 118 يوما إطلاق سراحه بكفالة.
وطُلب منه التجسس على بعض معارضي النظام، لكنه تمكن بعد ذلك من الالتحاق بعائلته في لندن.
وفي يوليو/تموز 2014، ألقت طهران أيضا القبض على مدير مكتب "واشنطن بوست" في طهران، جيسون رضائيان، بتهمة التجسس واحتجزته في نفس السجن قبل أن تطلق سراحه في يناير/كانون الثاني 2016.
ومن الشخصيات البارزة التي لا تزال مسجونة في إيفين، ذكرت الصحيفة الإيطالية الناشطة الإيرانية نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2023، والطبيب السويدي من أصل إيراني أحمد رضا جلالي، المتهم بالتجسس لصالح إسرائيل.
ولأسباب سياسية، اعتقلت السلطات الممثلة الإيرانية الشهيرة ترانه عليدوستي والمخرج الإيراني جعفر بناهي في سجن إيفين وأطلقت سراحهما فيما بعد.