خطر داهم.. لماذا تجددت التحذيرات من مدارس البعثة الفرنسية في المغرب؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل فرنسا مساعي هيمنتها اللغوية والثقافية على المغرب عبر مختلف الوسائل، ومنها ذلك بوابة مدارس بعثتها التعليمية، والتي تمتد على تراب الوطن، وسط توسع مستمر في أعداد المنتسبين إليها من أبناء المغاربة.

عودة النقاش حول هذا الموضوع طرحه العالم اللساني واللغوي، عبد العلي الودغيري، إثر انطلاق حملة التسجيل في مدارس البعثة الفرنسية، مشيرا إلى أن عددها بلغ 46 مؤسسة، فيما تجاوز عدد تلاميذها 47 ألفا.

إرث استعماري

وقال الودغيري إنه تم الإعلان عن تدشين مؤسسات أخرى ستفتح أبوابها في موسم 2024/2025، بشراكة مع شخصيات مغربية نافذة، فضلا عن سلسلة مدارس التعليم الكندي والبلجيكي المُستعملة للغة الفرنسية.

وشدد الودغيري في مقال رأي نشره عبر موقع "العدالة والتنمية" المغربي في 6 فبراير/شباط 2024، على أنه "لا يمكن أن يكون هنالك أي إصلاح حقيقي بعيد الأهداف واضحِ الرؤية لمنظومة التعليم بالمملكة في ظل ما نشهده من توسّع رهيب لبُؤَر التعليم الأجنبي، التي تزداد تمددا وتضخما وانتشارا يوما عن يوم".

وأردف "وذلك رغم التحذيرات والتحفظات المتكررة التي طالما عبّر عنها كثير من الباحثين والمختصين بالمجال التعليمي والتربوي والغيورين على بلادهم، الذين ما فتئوا يطالبون بوضع قيود تُوقف تنامي ظاهرة هذا النمط التعليمي وتقلِّل من أضراره التي تهدد مستقبلنا الثقافي ووضعنا اللغوي".

ونبه العالم اللساني إلى أن "مؤسسات البعثات التعليمية الأجنبية موروثة عن مرحلة الحماية (الاستعمار)، بمناهجها وتوجّهاتها الكبرى ولغتها وأهدافها المرسومة منذ ذلك الحين، والتي تمدّدها وتوسّع أنشطتها ومُنشآتها داخل المغرب باستمرار".

وتابع: "هذا يؤكد أنه إذا كان الاحتلال الاستيطاني أو الظاهري قد غادر عام 1956 فالاحتلال اللغوي والثقافي، ظل يعمل عمله ويركِّز وجوده ويعمِّق أنفاقه ومساربه في خلايا المجتمع بشكل لافت ومؤثر".


 

وذكر الودغيري أن خطوة هذه المؤسسات متعددة، ومن ذلك أنها أصبحت تعقد شراكات مع القطاع الخاص المغربي، وتحظى بحماية شخصيات نافذة في السلطة، كما أنها بدأت تجر القطاع التعليمي الخاص وراءها، في مناهجها ومقرراتها ولغة تدريسها.

وقال الودغيري إن العديد من نخب الجيل الجديد المسلّحة بالمال والنفوذ والسلطة، تساعد الاحتلال اللغوي على ترسيخ وجوده وتوسيع نفوذه من جهة، ويعمل من جهة أخرى على تحويل قطاع التعليم إلى مشاريع تجارية خاصة تُستثمر فيها الأموال وتصبح مجالا خصبا وسهلا لمراكمة الثروة دون اكتراث بسوء الأهداف ولا سؤال عن المآلات".

من جانبه، رأى رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، امحمد الهلالي، أن "مشكل هذا النمط من التعليم الأجنبي عامة، والفرنسي على وجه الخصوص، ليس في وجوده في حد ذاته فقط، وإنما في الامتيازات غير القانونية التي يحظى بها مقارنة مع التعليم الوطني".

وأوضح الهلالي لـ"الاستقلال"، أنه "تعليم ينتهك مبدأ تكافؤ الفرص بين المغاربة، وينتهك مبدأ المساواة أمام المرفق العام، ويمارس نوعا من الطبقية بين أبناء الشعب الواحد".

واسترسل "كما أنه لا يخضع لدستور البلاد وقوانينها من جهة تمتيع المواطنين المغاربة الذين يلجون إلى التعليم الأجنبي لحقوقهم في تعلم مقومات هويتهم الدينية والوطنية واللغوية".

أما على مستوى الممارسة، يردف الهلالي، "فقد تابعنا ونتابع كثيرا من التجاوزات القيمية والأخلاقية والتربوية في عدد من التهديدات للأمن الروحي والأمني والقيمي، من جهة نقل إشكالات تتعلق بالبلد الأجنبي المعني كفرنسا، إلى فضاءات ثقافية وتربوية لمواطنين مغاربة".

وتابع: "سواء تحت ستار حقوق الإنسان أو حقوق الأقليات، حيث يتم التطبيع مع قضايا تعد منكرات في البلاد، من قبيل محاربة المواقف النمطية اتجاه الشذوذ الجنسي والسلوكيات المثلية، وتحت ستار التربية الجنسية تنزلق ممارسات تربوية للتحريض على التطبيع مع الفواحش".

واستطرد: "وأحيانا تدعو هذه المؤسسات إلى رفع الطابوهات حول قضايا تعد في دين وثقافة التلاميذ من الفواحش والمنكرات، والدعوة إلى تشجيع العلاقات المحرمة بين المراهقين خارج الزواج باسم الحريات الفردية والعلاقات الرضائية".

ونبه الهلالي إلى أنه “تم  ضبط بعض الأشخاص بهذه المؤسسات ينتهكون القانون الجنائي، ويقترفون أعمالا يعدها القانون جريمة زعزعة عقيدة مسلم، بالتحريض على ترك الإسلام والدعوة لاعتناق المسيحية، كما تم ضبط عدد من التجاوزات في المناهج التعليمية، التي لا تراعي ثقافة وبيئة وقيم ودين التلاميذ في البلد”.

حوادث متكررة

استهداف مدارس البعثة التعليمية الفرنسية لأسس المغرب الثقافية والحضارية وحتى السياسية تكرر بأشكال مختلفة، وأثار انتقادات واسعة من عموم المواطنين، دون أن يؤثر ذلك على استمرار انتشارها في البلاد.

ففي مدينة القنيطرة نواحي العاصمة الرباط، استغلت أستاذة بمدرسة تابعة للبعثة الفرنسية، النقاش الذي أثير خلال فعاليات كأس العالم بقطر، والمتعلق بمشاركة الفريق الألماني، لتعرض صور غير لائقة توثق الشذوذ على أنظار تلاميذ بالابتدائي.

الحادث الذي وقع أبريل/نيسان 2023، دفع آباء التلاميذ إلى وضع شكاية أمام القضاء، بتهم "سوء معاملة الأطفال بالاعتداء على سلامتهم النفسية وعلى أمنهم، بواسطة صور إباحية منافية للأخلاق العامة، والتحريض على ذلك باستعمال وسائل إلكترونية والمساس بالثوابت الدستورية وزعزعة عقيدة مسلم".

وتفاعلا مع الواقعة، اتهمت النائبة البرلمانية حنان أتركين، البعثة الفرنسية في المملكة "بالقيام بتصرفات تمس الثوابت الدينية والوطنية للبلاد"، وذلك في سؤال كتابي حول الموضوع وجهته إلى وزير الخارجية، ناصر بوريطة.

ووفق موقع "المغرب35" المحلي، في 07 أبريل 2023، قالت أتركين إن "تصرفات صادرة عن مدارس البعثة الفرنسية بالمغرب، أثارت حفيظة الأسر التي لم تكن تتوقع أن تتحول الفضاءات التعليمية التي يدرس بها أبناؤها إلى أماكن لتصريف حسابات سياسية،والقيام بتصرفات غير معقولة".

وذكرت أن من الأمثلة على ذلك "عرض خريطة المغرب مبتورة من صحرائه، ومنع بعض المستخدمين من أداء فريضة الصلاة بأماكن معزولة بمقرات العمل، والتشجيع على الشذوذ، وغيرها من الممارسات المشينة".

وطالبت البرلمانية وزارة الخارجية المغربية بـ"الكشف عن التدابير التي ستعتزم اتخاذها من أجل ضمان احترام مؤسسات البعثات التعليمية الفرنسية بالمملكة للثوابت الدينية والوطنية".

وفي مايو/أيار 2023، تفاجأ طلبة مدرسة أجنبية خاصة في منطقة بوسكورة نواحي مدينة الدار البيضاء، بخريطة المغرب مبتورة في امتحان البكالوريا الدولية.

وعبر أولياء أمور التلاميذ في المدرسة المذكورة، عن رفضهم لزلات مدارس البعثة الفرنسية، مؤكدين أن ملف الوحدة الترابية للمملكة "خط أحمر".

وفي يوليو/تموز 2023، أثار النائب البرلماني خالد الشناق إشكالية التمييز في الولوج إلى المعاهد العليا الوطنية، بين التلاميذ الحاصلين على شهادة الباكالوريا/الثانوية العامة المغربية والفرنسية بالمغرب. 

وانتقد الشناق في سؤال كتابي وجهه إلى وزير التعليم العالي، عبد اللطيف الميراوي، القرار الذي اتخذته اللجنة المشرفة على تنظيم مباراة الالتحاق بـ"المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات"، والمتعلق بالمعايير المعتمدة بخصوص الانتقاء الأولي الخاص بالتلاميذ الحاصلين على شهادة الباكالوريا.

وقال النائب البرلماني إن اللجنة المذكورة أعلنت اعتماد معدل 18.21 من مجموع 20 في بعض التخصصات بالنسبة للحاصلين على الباكالوريا من الثانويات المغربية، حيث يحتسب هذا المعدل بالاعتماد على معدل الامتحان الوطني والجهوي، فيما طلب من التلاميذ من حاملي الباكالوريا الفرنسية معدل 15.06 فقط بخصوص الانتقاء الأولي.

وشدد الشناق على أن اعتماد معايير متفاوتة وغير متكافئة "يعد عملا تمييزا" بين الحاصلين على شهادة الباكالوريا، بحيث إن هذا العمل التمييزي ينتقص من قيمة الباكالوريا المغربية أمام شهادة أجنبية، وهو أمر لا يجوز أن يصدر عن معهد مغربي.

وأوضح أن "الخطوة تبدو كتشكيك في قدرة التلاميذ الحاصلين على باكالوريا مغربية، وتشكيك في المناهج والمعايير التي حصلوا من خلالها على هذه الشهادة، وهو أمر لا يمكن القبول به البتة".

مخاطر أمنية

وخلال سبتمبر/أيلول 2023، منعت المدارس التابعة للبعثة الفرنسية بالمغرب، جميع التلاميذ الذين يرتدون الحجاب أو العباية أو القمصان الطويلة من دخول مدارسها المنتشرة في المغرب.

وقالت تلك المدارس إن المنع يأتي لتطبيق قرار السلطات الفرنسية وقتئذ، القاضي بحظر جميع "المظاهر الدينية" في المدارس الفرنسية.

ورفض العديد من أولياء التلاميذ هذا القرار، مطالبين البعثات الفرنسية بإعادة الأموال التي صرفوها كواجبات التسجيل للموسم الدراسي 2023/2024 من أجل تغيير وجهات أبنائهم للدراسة في مؤسسات تعليمية أخرى.

غير أن المدارس التابعة للبعثات الفرنسية بالمملكة رفضت هذا الأمر، تحت مبرر أن واجبات التسجيل غير قابلة للاسترداد، وبعد شهر من احتجاجات آباء وأولياء التلاميذ تراجعت هذه المدارس عن قرارها.


 

وأكد رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الهلالي، أن المؤسسات التابعة للبعثة التعليمية الفرنسية، "تشكل خطرا على الأمن القومي للمغرب".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن الجهات الأجنبية الراعية لهذه الأنظمة التعليمية "تعمل على التحكم في سيادة البلد واختياراته، وذلك من جهة سيطرتها على مصادر إنتاج النخب العلمية والفكرية والسياسية".

وأيضا من خلال عملها على "استدامة تبعية البلاد واستمرار إلحاقه بهذه الدوائر الأجنبية، عبر تحكمها في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمغرب"، وفق الهلالي.

وأردف "هناك تحد يمس الأمن القومي، ويمس السيادة الوطنية، ويمس الثوابت الجامعة والقيم الدينية الوطنية، من خلال ترك هذا التعليم يشكل جيوبا استيطانية في المنظومة التعليمية والتربوية المغربية".

ولذلك، يشدد الهلالي على أنه "يتعين أن يخضع هذا التعليم لثوابت قيمية وتربوية، وأن لا يبقى خارج الرقابة".