هيئة دولية لنصرة الغنوشي ترى النور بالذكرى السنوية الأولى لاعتقاله.. ما القصة؟
"شيء مؤسف أن يسجن رجل مثله وقد كان رئيسا للبرلمان التونسي"
بالتزامن مع مرور عام على اعتقاله، شكل سياسيون ومفكرون وحقوقيون هيئة دولية لمناصرة زعيم حركة "النهضة" في تونس، رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، للمطالبة بإطلاق سراحه والكف عن استهدافه باستعمال "عصا" القضاء.
وصدر بحق الغنوشي حكمان، أحدهما بالسجن 3 سنوات، بتهمة تلقي حزبه تمويلا من طرف أجنبي، والآخر بالسجن لعام واحد، بتهمة وصف أجهزة الأمن بـ"الطواغيت"، فيما ينفي الغنوشي صحة الاتهامين منذ اعتقاله في 17 أبريل/ نيسان 2023.
ويتهم الرئيس التونسي قيس سعيد سياسيين بما وصفه بـ "التآمر على أمن الدولة"، بينما تتهمه المعارضة في المقابل، باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لانقلابه على الدستور في 25 يوليو/تموز 2021.
وفي 25 يوليو 2021، بدأ سعيّد فرض إجراءات غير قانونية شملت حل مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
رفع الظلم
وفي 16 أبريل/نيسان 2024، أعلن أكثر من 60 سياسيا ومفكرا عربيا وأجنبيا إطلاق هيئة دولية لمناصرة الغنوشي.
وقالت الهيئة في بيان إنه "من موقع التقدير لنضالات الغنوشي (82 عاما) وإسهاماته الفكرية والسياسية، وسعيا لرفع الظلم الواقع ضده، تعلن هذه النخبة المتميزة من شخصيات سياسية وعلمية رسمية وشعبية عن تكوين الهيئة الدولية لمناصرته".
وأوضح البيان، أن الهيئة تضع على رأس أهدافها ومطالبها "مناصرة الغنوشي والتعريف بإسهاماته الفكرية والسياسية رائدا من رواد مدرسة الديمقراطية والاعتدال الإسلامي في تونس والعالم".
وطالبت بـ"إطلاق سراحه دون قيد أو شرط، ورفع كل المظالم المسلطة عليه، وإلغاء الأحكام القضائية ضده، وإعادة التقدير له بوصفه قامة فكرية وسياسية في تونس".
كما طالبت بـ"الكف عن استخدام القضاء ضد الغنوشي وسائر المعارضين، والتوقف عن استهدافه وشيطنته سياسيا وإعلاميا من طرف السلطة وأذرعها التابعة لها".
ودعت الهيئة "الجهات الحقوقية والإنسانية في العالم إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على السلطات التونسية من أجل إخلاء المعتقلات من سجناء الرأي، واحترام المواثيق والقوانين الدولية".
وذكّر البيان بأنه تمت "مداهمة بيت الغنوشي بعد محاصرته بقوات أمنية في 17 أبريل 2023، دون مراعاة لحرمة سكن ولا سن ولا مكانة، ناهيك عن حرمة الشهر الفضيل، ثم تم اقتياده بعد ذلك لمركز إيقاف مجهول دون وجود محام يدافع عنه، حيث أخضع لتحقيق مهين مطول".
وأوضح البيان أن توقيف الغنوشي تم بعد مداخلة في ندوة حوارية لـجبهة "الخلاص الوطني"، عبّر فيها عن رفضه لخطوات الانقلاب في حل البرلمان وتعطيل المؤسسات وإلغاء الدستور وجمع السلطات، وذكّر فيها بمخاطر الإقصاء والاستثناء على وحدة النسيج السياسي الوطني.
ولفت إلى أن اعتقال الغنوشي جاء بعد أن أخضِع قبل ذلك لسلسلة من جلسات التحقيق المطولة لسبع مرات بما يعادل 110 ساعات، "بغرض استنزافه بدنيا ونفسيا عبر تلفيق قضايا مفتعلة وإصدار أحكام جائرة ضده، إلى جانب حملات سياسية وإعلامية منظمة بقصد شيطنته وتشويه سمعته هو وأفراد أسرته".
تهم زائفة
وفي تفاعلها مع مرور سنة على اعتقاله، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، إن "رئيس البرلمان التونسي المنحل، زعيم حركة النهضة، الغنوشي، أتم عاما كاملا في محبسه، على خلفية توجيه تهم زائفة بحقه".
وذكرت المنظمة في 17 أبريل 2024، أن "قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس، أمر بسجن الغنوشي، استجابة للنظام السياسي الذي وضع يده على القضاء، وعد كل منتقد أو معارض له عدوا يهدد استقرار البلاد".
وبالمناسبة نفسها، أصدرت حركة "النهضة" بيانا قالت فيه إن اعتقال زعيمها قبل عام "تم في وقت كان الصائمون يتطلعون لتنزل الرحمات لا لاستقبال المحن والمكاره".
ورأت أن الاعتقال جاء في "إطار مسار من استهداف المعارضة والشرعية ورموزها، وما رافق ذلك من قيام سلطة الانقلاب بإصدار قرار بغلق المقر المركزي والمقرات الجهوية والمحلية للحركة".
وحيت النهضة صبر الغنوشي و"صموده وموقفه المبدئي المتمثل في مقاومته للانقلاب، ورفض العودة إلى منظومة الاستبداد، أو مقايضة الحرية بالصمت والسكوت عن الخروقات والانتهاكات للحقوق وللدستور، وتعطيل المسار الديمقراطي واستبداله بحكم الفرد".
وتوجهت الحركة بالشكر إلى "الشخصيات الوطنية والدولية المرموقة التي شكلت هيئة دولية لمناصرة رئيس الحركة ورئيس البرلمان الشرعي الغنوشي، إيمانا منهم بأن مكانه الطبيعي خارج السجن، وتقديرا منهم لمكانته السياسية والفكرية والرمزية ولدوره في النضال العالمي من أجل الحرية والديمقراطية والحقوق العامة والفردية".
وطالبت بغلق ملف الاعتقالات السياسية والمبادرة بإطلاق سراح المعتقلين، وتهيئة البلاد لاستقبال الاستحقاق الانتخابي الرئاسي لعام 2024، وتمكين التونسيين والتونسيات من التعبير عن إرادتهم الحرة في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
بدوره، بعث الغنوشي برسالة من داخل السجن بمناسبة مرور عام من اعتقاله، أكد فيها أن خطابه بجبهة الإنقاذ الذي اعتقل بسببه لم يكن حادثا، بل كان مناسبا للأحداث التي جرت في البلاد، بسبب الانقلاب والحكم الاستبدادي والمطلق.
وشدد الغنوشي في رسالته المنشورة في 19 أبريل 2024، أن "الانقلابات تجسد حكم الرجل الواحد، كما ورد في إعلان الانقلاب الأول، حل المؤسسات الدستورية وإدخال الحكم بمرسوم تنفيذي".
وأردف "خطأنا لم يكن أننا أول من أعلن أن ما حدث هو انقلاب، وأننا سنقاومه سلميا في إطار القانون والدستور، خطأنا في تأييد شخص غير مناسب في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، ولو كانت الثورة التونسية كتابا لما وجدنا في داخله سطرا واحدا عنه".
واسترسل: "لم نتردد في الإعلان أنه انقلاب، ونقلنا هذه الرسالة بوضوح للشعب والعالم كما كانت بالفعل".
وشدد الغنوشي على مقاومة هذا الانقلاب من خلال قيم الديمقراطية والنضال السلمي والحفاظ على نواة المعارضة، ويرى أن كل "شعب يحقق الحرية بقدر ما يقدمه من تضحيات لتحقيقها".
وخلص إلى أن "حزب النهضة أول من أعلن أن ما كنا نواجهه هو انقلاب، وهذا دليل على أن فكرة الحرية أثبتت جذورا عميقة وأصبحت غير قابلة للتفاوض بغض النظر عن التكلفة والتضحيات".
دعم واسع
بدوره، قال البرلماني السابق زياد الهاشمي، في تدوينة على "فيسبوك" في 19 أبريل، "بكل فخر أقول أنا نائب في برلمان يرأسه الأستاذ الشيخ راشد الغنوشي.. كل الدعم سيادة الرئيس الشرعي لبرلمان الشعب..".
واسترسل: "تتفق أو تختلف مع الشيخ راشد، ولكن يستحيل أن نختلف على أنه قامة علمية ونضالية، وحجر تهشمت عليه كل الدكتاتوريات المعاصرة داخل تونس وخارجها.."، ويرى أن "هذا ما يزعج سعيّد فهو يرى نفسه قزما أمام جبل كالشيخ راشد أو الدكتور منصف المرزوقي وغيرهما..".
أما الباحث السعودي، مهنا الحبيل، فذكر على منصة "إكس" في 17 أبريل 2024، أنه "خلافا لحسابات المستبد قضية الرمز الوطني التونسي والإسلامي الكبير الغنوشي، تتجه في مدار حقوقي مدني إفريقي وعالمي، وهذا هو الدرب الصحيح".
وأردف "نبارك قيام هذه الهيئة، ونأمل أن تتقاطع قضية الشيخ راشد مع مراجعات الحراك الوطني الأخيرة في تونس اليوم والخروج من تحريضات السلطة، وتشويه مسيرة المناضل الكبير، وهو التشويه الذي قدم في سياق نقض ما تبقى من حرية ومشاركة شعبية لأبناء تونس".
أما الكاتب والأكاديمي السوري عبدالكريم بكار، فقال في تدوينة على "فيسبوك" في 16 أبريل، "عام مضى على اعتقال المفكر الكبير الغنوشي.. شيء مؤسف أن يسجن رجل مثله وقد كان رئيسا للبرلمان التونسي".
وأردف: "لا مراعاة لسن ولا لنضال ولا لأعراف دستورية"، داعيا إلى إطلاق سراح الغنوشي و"سراح شرفاء تونس الأحرار الذين تم سجنهم كجزء من أنشطة الثورة المضادة.. عاشت تونس حرة أبية، وعاش شعبها حرا كريما".
وعبر مقاطع فيديو نشرها أعضاء بالهيئة الدولية الداعمة للغنوشي، تساءل رئيس الحكومة المغربية الأسبق، عبدالإله بنكيران، "إن كنا في وطننا العربي والإسلامي لا يتسع صدر دولنا لأمثال الشيخ الغنوشي".
وأضاف "الغنوشي رجل صالح مستقيم، مشهود له بذلك من قبل كل من عرفه، كما أسهم في المحافظة على بلده وعلى استقراره، وأسهم في تنوير الحركة الإسلامية، وإدماجها في المجتمع والعصر".
وشدد بنكيران على أن ما يقع للغنوشي يخجلنا معشر العرب والمسلمين، مبرزا أننا "إن كنا نريد أن نتقدم فيجب أن نفسح المجال لكل الأفكار والفعاليات المختلفة".
وأردف "كفى، أطلقوا سراح الغنوشي لكي يرجع للقيام بدوره في تنوير الأمة والشعوب، وتنوير الحركة الإسلامية بأفكاره السباقة والتقدمية..".
أما المفكر الفلسطيني منير شفيق، فعبّر عن "أشد الحزن في أن يستمر الاعتقال السياسي المجحف للشيخ المجاهد العالم الغنوشي، الذي كرس حياته لإنقاذ تونس من السجون التعسفية، ودافع من أجل تونس الحرة والمستقلة التي تصون حقوق الإنسان وتحفظ كرامته".
وأضاف في مقطع فيديو بالمناسبة، "لقد آن الأوان لهذا الفارس العالمي والزعيم الشعبي أن يترجل من السجن، ويكمل عطاءه في ظل تونس التي نحبها، قاعدة للحرية والنضال من أجل فلسطين، لا سيما أنها تخوض حرب التحرير التي أطلقها طوفان الأقصى، وتتعرض لجريمة إبادة مستمرة منذ ستة أشهر ونيف..".
من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، محمد المختار الشنقيطي، أن محاكمة الغنوشي "سياسية، وهي نوع من الاستنزاف السياسي لكن تحت راية قضائية".
وأضاف الشنقيطي في مقطع فيديو، "هو استنزاف للغنوشي ولحركة النهضة ولتونس بعامة، ولذلك هي ليست معركة قضائية بل معركة سياسية".
وشدد الشنقيطي على أن "الأمر لا علاقة له بالعدالة ولا بالقضاء، بل إن جوهر المسألة هو استهداف ثورة تونس التي فجرت الآمال في الأمة، ولذلك يراد التنكيل بكل من كان له دور في إحياء الأمل بالحرية والكرامة في الأمة، وعلى رأسهم الغنوشي".
عدد كبير من أبرز الشخصيات على المستوى العربي والإسلامي والدولي وقعت على بيان تأسيس الهيئة، ومنهم الرئيس التونسي الأسبق، محمد المنصف المرزوقي، وحارث سيلاديتش رئيس المجلس الرئاسي الأسبق ورئيس الوزراء الأسبق للبوسنة والهرسك.
كما وقع على البيان رئيس البرلمان التركي السابق، مصطفى شنطوب، ورئيسا الحكومة المغربية السابقان عبدالإله بنكيران وسعد الدين العثماني.
ومن الشخصيات الموقعة أيضا، رئيس الحكومة الليبية الأسبق، مصطفى أبو شاقور، ونائب رئيس العراق الأسبق، طارق الهاشمي، ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى الأسبق، ديفيد ماك، والمفكر العربي، عزمي بشارة.
إضافة إلى الرئيس السابق لشبكة "الجزيرة" الإعلامية، وضاح خنفر، ووزير الخارجية التونسي الأسبق، رفيق عبدالسلام، واللورد جون ألدردايس، عضو مجلس اللوردات ورئيس البرلمان الإيرلندي السابق.
والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية، ريتشارد فولك، ومانديلا مانديلا النائب ببرلمان جنوب إفريقيا حفيد الرئيس الراحل نلسون مانديلا، إضافة إلى الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان.