90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر والدمار يخيم على كبرى المدن.. ما الحل؟

منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

 بعد فرار بشار الأسد، يواجه السوريون مهمة صعبة متمثلة في إعادة إعمار البلاد. إذ تحاول كبرى المدن السورية الخروج من الدمار الذي عاقب به النظام شعبه الثائر. 

وفي هذا السياق، تقول صحيفة إلباييس الإسبانية إن سوريا باتت بحاجة ماسة إلى "خطة مارشال جديدة" للخروج من عنق الزجاجة وإعادة إعمار مدنها المدمرة.

وخطة مارشال هي مشروع اقتصادي لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولاحقا أصبحت خطة مارشال مصطلحا يستخدم كناية عن موضوع إعادة الإعمار في مناطق أو دول دمرتها الصراعات والحروب الأهلية.

حالة فوضى

وعن وضع المدن السورية المدمرة، أوضحت الصحيفة الإسبانية أن حي بابا عمرو لا يزال في حالة فوضى، حيث إنه كان معقل المعارضة ضد بشار الأسد في حمص. 

وقبل الثورة، كانت حمص قادرة أن تصبح ولاية أوهايو السورية، إذ إنها المحافظة المتوسطة التي يتقاسمها المسلمون السنة (70 بالمئة من السكان) والشيعة العلويون (20 بالمئة) والمسيحيون (10 بالمئة) منذ قرون.

 لكن، تحولت العاصمة الصناعية إلى مدينة شهيدة، ورمزا للوحشية التي يعاقب بها الأسد شعبه. 

"اضطررت للبحث عن الطعام في القمامة لمدة ثلاث سنوات حتى لا أموت من الجوع، مثل الجيران الآخرين".

بهذه الكلمات، يصف عبد الملهم البالغ من العمر 70 عاما، الحصار الطويل الذي فرضه الجيش على حي بابا عمرو حتى سنة 2015، تحت نيران المدفعية وانفجارات البراميل المتفجرة التي أسقطتها المروحيات.

ويتذكر هذا المسؤول الحكومي المتقاعد قائلا: "لقد كنا نفتقر للطعام والدواء، بقينا في جحيم كان من الأفضل أن نموت فيه". 

ومن بين الأنقاض، تبرز هياكل لأبنية يعيش فيها أولئك الذين لم يغادروا بابا عمرو قط، في ظروف مزرية.

ونقلت الصحيفة أن ثالث أكبر مدينة سورية، وهي مفترق طرق مركزي بين دمشق (160 كيلومترا إلى الجنوب) وحلب، بين ساحل البحر المتوسط ​​والصحراء الداخلية، قد فقدت 40 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة، بما في ذلك المناطق الحضرية. 

ومثل بقية المدن السورية، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لحمص- التي كانت مزدهرة ذات يوم- بنسبة 50 بالمئة خلال العقد الماضي، وفقا لتقديرات البنك الدولي.

مهمة صعبة

خلال عقد من السيطرة الكاملة على المدينة، بالكاد تناول النظام مسألة إعادة إعمار حمص. وبعد وقت قصير من الإطاحة به، تُركت المهمة الجبارة في أيدي السلطات الجديدة. 

لقد تحول رجال المجموعات المسلحة الذين انتصروا قبل أسبوعين إلى حراس أمن، مثل حسين الحيان، 31 عاما، الذي يتباهى بأنه كان ضابط شرطة لمدة "ثلاثة أيام". أما المسؤولون الجدد للمدينة، فلا أثر لهم سوى في المكاتب أو مقرات الاستشارات؛ لا أحد يعثر عليهم بين الشعب. 

ونقلت الصحيفة عن المهندس عبد الله البواب، البالغ من العمر 62 سنة، وهو رئيس الإدارة البلدية لمدينة حمص، قوله: "لدينا خطط مفصلة لإعادة إعمار الأحياء التي دمرتها الحرب، بالخطط والميزانيات، لكنني لا أستطيع تحديد التكلفة، فالليرة السورية لم تعد كما كانت". 

ويعترف قائلا: "نحن لا نملك المواد اللازمة لنعيد بناء سوريا، ومن دون خطة مارشال للاستثمارات الدولية، فلن نتمكن أبدا من المضي قدما".

وأشارت الصحيفة إلى أن سوريا ما بعد الأسد تعاني اقتصاديا، حيث أصبحت الكهرباء والبنزين نادرة وارتفعت تكلفة المواد الأساسية لتلبية أبسط الاحتياجات. 

ويلخص البواب البرنامج البلدي الانتقالي قائلا: "هدفنا أن تصبح حمص مدينة طبيعية مرة أخرى". 

لقمة العيش

وأوردت الصحيفة أنه بالمقارنة مع المدن السورية الكبيرة الأخرى، مثل درعا في الجنوب، أو دمشق وضواحيها، فإن تأثير الحرب منذ سنة 2015 واضح في المركز الحضري لمدينة محص.

مثل ساحة الساعة الشهيرة التي لا تزال مسرحا للاحتفالات بسقوط النظام، والشوارع التجارية المحيطة به.

ونقلت الصحيفة أن الطبيبة بيلان الزباك، التي تبلغ من العمر 27 عاماً، وهي تلوح بالعلم الوطني الجديد، تؤدي رحلة ذهاب وإياب من حين إلى آخر، مثل سبعة ملايين نازح آخر بسبب النزاع. 

واضطرت إلى مغادرة الغوطة الشرقية في منطقة دمشق بعد الهجوم الكيميائي سنة 2013 والهروب إلى إدلب. 

وتوضح في الساحة نفسها: "لقد عدت لزيارة والدي للمرة الأولى منذ 11 سنة، لكن حياتي وعائلتي الآن في الشمال، حيث سأعود الآن مرة أخرى".

ونقلت الصحيفة قصة الأختين آشيا وياسمين كباجي، من بين أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري في البلدان المجاورة، اللتين عادتا إلى حمص رفقة أطفالهما. 

وتقول الأخت الكبرى: "في مخيم لبنان، على الجانب الآخر من الحدود، لم نتمكن من كسب لقمة العيش. لا يزال أزواجنا في بيروت يعملون لكسب ما استطاعوا، لكنهم سيعودون قريبا". 

وفي بلدتهم حمص، لا يزال منزلهم قائما جزئيا. وفي الوقت الحالي، استقبلهم أقاربهم في انتظار إعادة تأهيل منازلهم. 

وتتفق مع شقيقتها ياسمين كباجي، قائلة: "لا يزال منزلنا غير صالح للسكن، ولكننا في سوريا أفضل". وتجيب آشيا: "نحتاج فقط إلى السلام والحرية".

ومن بين 190 ألف نسمة مسجلين في بابا عمرو سنة 2011، لم يبق اليوم سوى الخمس في معقل المعارضة السابق، على الرغم من أن المئات منهم يعودون كل يوم من الشتات حول العالم، مرددين الطقوس نفسها. 

أولا، يقومون بتحديد مكان أقاربهم الأحياء، ثم قبور المتوفين، ثم يتحققون لمعرفة ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة. 

اختبار حقيقي

تقول الصحيفة الإسبانية إن عملية إعادة إعمار سوريا تخضع بالفعل للاختبار في حمص، حيث يعيق غياب الخدمات الأساسية عودة اللاجئين الذين يرغبون في إعادة التوطين في بلدهم، حتى في منازلهم شبه المدمرة.

ويحصل موظفو القطاع العام على أقل من 30 يورو شهريا، ولا تزيد الرواتب في القطاع الخاص عن هذا المعدل بكثير. 

لذلك اختار الكثيرون امتهان أكثر من عمل واحد. في الأثناء، يقبع 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، ويغرق واحد من بين كل أربعة سوريين في الفقر المدقع، في بلد يقدر الدخل اللازم لإعالة الأسرة فيه بما بين 200 و300 يورو شهريا. 

وحتى لا تنهار سوريا الجديدة بسبب المجاعة، وعدت السلطات الجديدة بزيادة الرواتب ابتداء من يناير/ كانون الثاني 2024. 

في الأثناء، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان، حيث أودع العديد من السوريين مدخراتهم خلال الحرب، وسيطرت المليشيات الكردية الانفصالية، المدعومة من واشنطن، على حقول النفط، وأفرغت خزائن بلد دمره النزاع لأكثر من عقد من الزمن. 

ومن دون رفع العقوبات المفروضة على النظام من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فلن تشفى سوريا أبدا من عللها. 

ومن بين العديد من الاحتياجات الأخرى، يجب إعادة تأهيل أكثر من ثمانية آلاف مدرسة وإعادة ثلث النظام الصحي إلى الخدمة حتى تتوقف سوريا عن كونها دولة فاشلة.

وذكرت الصحيفة أن تكلفة إعادة بناء الدولة السورية ستكون باهظة. وتشير تقديرات سنة 2020 إلى أنه سيكون من الضروري توفير ما يقارب 240 مليار يورو، لإصلاح الأضرار الأكثر خطورة التي خلفتها الحرب.