بين الإجلاء و الشراكة المستدامة.. ما مصير انسحاب قوات أميركا من العراق؟
في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة العراقية عن تحقيقها إنجازا بتحديد موعد لإنهاء وجود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد، فإن الأخيرة تتحدث عن محادثات تجريها مع بغداد من أجل تحويل مهام هذه القوات إلى شراكة أمنية ثنائية مستدامة.
وعلى وقع الروايتين الأميركية والعراقية، برزت جملة من التساؤلات بشأن مدى انسحاب قوات التحالف الدولي، وهل نجحت المليشيات الموالية لإيران في إرغام الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع العراق لبحث موضوع الإجلاء.
وتنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق لتقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية منذ سيطر تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا في 2014، إضافة إلى وجود مئات العسكريين من دول أخرى أغلبها أوروبية في البلاد في إطار التحالف الدولي.
تصريحات متضاربة
في 28 يناير/ كانون الثاني 2024، أعلن الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أن إنهاء مهمة التحالف الدولي هي إحدى فقرات البرنامج الحكومي، وأنها قد ابتدأت رسميا منذ الاجتماع الأول للجنة العسكرية العليا برعاية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وقال العوادي لـ"وكالة الأنباء العراقية" (واع): إن "انطلاق أعمال اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين العراق والتحالف الدولي، هو حلم كبير جدا، حيث إن التحالف الدولي أنشئ عام 2014 وانتهت العمليات العسكرية عام 2018، ومنذ ذلك التأريخ والتحالف موجود داخل العراق".
وأضاف المتحدث باسم الحكومة العراقية أنه "بعد مرور سنوات من التحرير، فإن مهمة التحالف الدولي بحاجة إلى المناقشة"، مشيرا الى أنه "لا يمكن لهذا التحالف أن يبقى إلى ما لا نهاية".
ولفت إلى أن "الحوار بدأ بين قوات التحالف الدولي والحكومة العراقية برعاية السوداني، وأن مشوار نهاية مهمة التحالف الدولي في العراق وضع على السكة"، موضحا أن "رئيس الوزراء قدم تعهدا بأن مهمة التحالف ستنتهي خلال دورة حكومته الحالية (2025) وهذا ما سيجري ويتحقق".
وشدد العوادي على أن "جزءا من تحقيق إنهاء مهمة قوات التحالف هو عدم إبقاء أي قوات على الأراضي العراقية والانتقال إلى مرحلة جديدة من التعاون العسكري والأمني".
وانطلقت في 27 يناير، أولى جولات اجتماعات العراق والولايات المتحدة الثنائية برعاية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وأن مختصين عسكريين سيتولون إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، حسب بيان رسمي عراقي.
وعلّقت سفيرة واشنطن ببغداد، ألينا رومانوسكي عبر منصة "إكس"، قائلة: كان اليوم أول اجتماع لمجموعات العمل التابعة للجنة العسكرية العليا الأميركية العراقية، سيناقش الطرفان كيفية انتقال مهمة قوة المهام المشتركة للتحالف الدولي إلى شراكة أمنية ثنائية مُستدامة مع مرور الوقت.
في السياق ذاته، نفت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية سابرينا سينغ أن تكون محادثات اللجنة العسكرية العليا بين بغداد وواشنطن والتي أعلنت عنها وزارة الخارجية العراقية والبنتاغون تتعلق بسحب القوات الأميركية من العراق وذلك بعد تقارير عن تفاهمات في هذا الملف.
ونقلت صحيفة "الواشنطن بوست" في 27 يناير، عن المتحدثة قولها إن المحادثات بين بغداد وواشنطن حول قضية الوجود العسكري الأميركي موجودة حتى قبل الحرب بقطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، وتصاعد التوتر في المنطقة وخاصة الهجمات على القواعد الأميركية.
انقسام مليشياوي
في الوقت الذي أشادت فيه عدد من المليشيات الموالية لإيران بالمحادثات العراقية الأميركية، ورأت أنه ثمرة ضرباتها العسكرية، فإن حلفاء آخرين لطهران رفضوا ذلك، وأكدت مواصلة الضربات للوجود الأميركي في العراق والمنطقة.
وقال قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" إن "انسحاب القوات الأجنبية التي دخلت العراق بعنوان التحالف الدولي، خطوة مهمة وبالاتجاه الصحيح، لتحقيق الأمن والاستقرار، واستكمال السيادة الوطنية".
وأضاف الخزعلي خلال تدوينة له على موقع "إكس" في 25 يناير: "في الوقت الذي نجدد فيه دعمنا لتحقيق هذا الهدف، الذي سيكون إنجازا بل انتصارا كبيرا ناتجا عن جهود عمليات المقاومة الإسلامية والدماء الطاهرة التي أريقت في هذا الطريق".
وعلى الوتيرة ذاتها، كتب أبو آلاء الولائي زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" على "إكس" في 25 يناير، قائلا: "إن ركون الاحتلال الأميركي إلى التفاوض وإعلانه الاستعداد للانسحاب من العراق هو ثمرةٌ تحققت ببركة دماء شهداء المقاومة الإسلامية العراقية، وضرباتهم المباركة ضد الاحتلال".
وتابع: "نحيي الموقف القوي والثابت لرئيس الحكومة العراقية الأخ محمد شياع السوداني، بإصراره على انتفاء الحاجة لأي وجود أجنبي عسكري في العراق، وثقته العالية والراسخة بقدرات قواتنا المسلحة".
وفي المقابل، كان لمليشيا "النجباء" العراقية الموالية لإيران، رأي آخر من المحادثات بين بغداد وواشنطن، بالقول "إننا مستمرون بمواصلة العمليات العسكرية ردا على العدوان الأميركي الصهيوني على غزة وحتى تحقيق النصر المؤزر وطرد آخر جندي للمحتل من أراضينا".
وأضافت "النجباء" خلال بيانها في 27 يناير، أنها "لن تلتفت لأكاذيب المحتل بجدولة انسحاب وما شاكل، إن لم يتحقق الانسحاب على أرض الواقع وبشكل واضح".
ولفت إلى أن "البعض من الخونة ممن باع دينه وشرفه وعقيدته للمحتل عليه أن يتدارك وضعه قبل أن يعاد عليه سيناريو أفغانستان، إما أن يهرب بشكل مخزٍ أو يبقى ليحاكم بجريمته قريبا، ونخص بالذكر الذين يتعاملون بشكل مباشر مع المحتل وترتبط مصالحهم ببقاء الاحتلال".
وفي السياق ذاته، قال المتحدث الأمني باسم "كتائب حزب الله" العراقية المعروف إعلاميا بـ"أبو علي العسكري" خلال بيان له في 26 يناير، إن "ما يحاول الأميركي تمريره تحت عنوان المفاوضات لإخراج القوات لن ينطلي علينا البتة".
"دعاية سياسية"
وبخصوص مدى انسحاب القوات الأميركية، قال الباحث في الشأن العراقي ميثم محمد صاحب، إن "الولايات المتحدة لن تنسحب من العراق، ذلك لأنها ترتبط باتفاقية طويلة المدى وفيها جانب أمني، بالتالي باستطاعتها تبويب وجودها العسكري".
ووقع العراق والولايات المتحدة عام 2008، اتفاقية أطلق عليها اسم "الإطار الإستراتيجي"، تضمنت محاور عدة، من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، إضافة إلى بنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.
ولفت صاحب إلى أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن تترك العراق البلد النفطي وصاحب الموقع الإستراتيجي بالمنطقة، وتخرج بطريقة قسرية، لأن المليشيات هنا لا تحظى بتأييد شعبي، إذا أراد البعض أن يشبه الحالة العراقية بما حصل من انسحاب كلي في أفغانستان عام 2021".
وأشار إلى أن "حديث البعض عن انسحاب أميركي من العراق بفعل الضربات التي توجهها للقواعد العسكرية التي يوجد فيها أميركيون، بل سيستمر الردّ الأميركي على هذه الهجمات وربما توجّه إلى شخصيات قيادية في المليشيات الشيعية".
وعلى الصعيد ذاته، يقول رئيس مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، إن مسألة الانسحاب الأميركي "مجرد دعاية سياسية تلعبها أطراف الإطار التنسيقي"، وأن من يخرج عن هذا الرأي هي المليشيات ذات التمثيل البسيط في السلطة المتمثلة بـ"كتائب حزب الله" و"النجباء".
وأردف حسين خلال حديث لصحيفة "إندبندنت عربية" في 29 يناير، قائلا: "تبدو الإشكالية الرئيسة في ما يتعلق بالانسحاب الأميركي من البلاد مرتبطة بتكرار مشهد اللايقين الذي أعقب انسحابهم السابق أواخر عام 2011".
ولفت إلى أن "المخاوف من تكرار الاضطرابات الأمنية والسياسية التي أعقبت الانسحاب الأميركي السابق في ظل تضخم النفوذ الإيراني على حساب العراق، سيجعل تفعيل الانسحاب أمرا شبه مستحيل".
ورأى حسين أن أي انسحاب أميركي من البلاد "سيزيد الأعباء على القوات العراقية بمختلف صنوفها سواء على الصعيد الاستخباراتي أو الجهد القتالي أو توفير الغطاء الجوي".
وشدد رئيس المركزي العراقي للدراسات على أن هذا الأمر تدركه أطراف "الإطار التنسيقي" وهو ما يجعل "أي عمل تشريعي أو تنفيذي فعلي لإخراج القوات الأميركية غير متحقق حتى الآن".
المصادر
- العوادي: مهمة التحالف الدولي ستنتهي خلال دورة الحكومة الحالية
- واشنطن تنفي علاقة مباحثاتها مع بغداد بملف الانسحاب العسكري
- النجباء تتحدث عن "تواجد سري" للامريكان في جميع مفاصل الدولة.. وتتوعد "الخونة" بسيناريو افغانستان
- الخزعلي: انسحاب القوات الأجنبية من العراق خطوة هامة وبالاتجاه الصحيح
- ما هو موقف الأحزاب العراقية تجاه الانسحاب الأميركي؟
- كتائب حزب الله: مفاوضات انسحاب الأمريكان أكذوبة لن تنطلي علينا