البارزاني يطرق باب طهران بعد توتر بلغ حد القصف الصاروخي.. ماذا بجعبته؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة وصفتها أوساط إيرانية بـ"التاريخية"، أجرى رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، زيارة إلى إيران، التقى خلالها بكبار المسؤولين الإيرانيين، بعد توتر كبير ساد العلاقة بين طهران وأربيل، جرّاء القصف الإيراني المتكرر لأراضي الإقليم.

لعل أبرزها، إطلاق الحرس الثوري الإيراني 11 صاروخا باليستيا على أربيل  في 15 يناير/ كانون الثاني 2023، سقط عدد منها على بيت رجل الأعمال الكردي بيشرو دزيي، ما أدى إلى مقتله وطفلته البالغة من العمر 11 شهرا وصديق له ومساعدة المنزل.

وزعمت إيران في هجومها، أنها دمّرت مركزا لجهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد"، لكن السلطات العراقية في بغداد وأربيل، نفت هذه الرواية جملة وتفصيلا، وأكدت أن القصف استهدف منزل رجل الأعمال الكردي، وقدمت شكوى بذلك إلى مجلس الأمن الدولي.

"نقطة تحوّل"

في زيارة هي الخامسة له إلى إيران خلال 11 عاما، وصل نيجيرفان البارزاني، إلى العاصمة طهران في 5 مايو/ أيار 2024، والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام، تلبية لدعوة رسمية وجهت إليه من الجانب الإيراني.

البارزاني التقى خلال الزيارة بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ورئيسي الجمهورية إبراهيم رئيسي، ومجلس الشورى للبلاد (البرلمان) محمد باقر قاليباف، وقائد الحرس الثوري محمد سلامي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

وقال البارزاني خلال مؤتمر صحفي من طهران، في 7 مايو، إن علاقتهم مع إيران "تاريخية"، وإن المسؤولين الإيرانيين لمسوا "إرادة جدية لحل مشاكلنا مع الجانب الإيراني". 

وأوضح أنه جرى الاتفاق مع إيران على آلية لحل المشاكل، وأن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي "يدعم" ذلك، مؤكدا تطلع "إقليم كردستان لأفضل العلاقات مع إيران. سياسة إقليم كردستان الثابتة هي البقاء كعامل استقرار في المنطقة".

بدوره، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن علاقات كردستان مع إيران تقوم على روابط تاريخية ووطنية ودينية وثقافية، معربا عن أمله في أن تتحول هذه الزيارة إلى نقطة تحول في تحسين مستوى العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية بين الجانبين.

ونقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية في 6 مايو، عن رئيسي قوله إن "إيران هي سند وصديق كبير في الأيام الصعبة التي يمر بها العراق وكردستان"، لافتا إلى أن "حكومة بلاده تعد أمن العراق هو أمنهم". 

وثمن الرئيس الايراني تصرفات حكومة العراق وإقليم كردستان في تنفيذ بنود اتفاقية أمنية بين البلدين (لإخراج المعارضين الإيرانيين الأكراد)، مشيرا إلى أن "نزع السلاح الكامل وغياب العناصر المناهضة للثورة (النظام الإيراني) في الأراضي العراقية هي ضرورة".

وشدد رئيسي على أنه لا ينبغي لنا أن نسمح للعناصر المعادية والخبيثة بتعطيل العلاقات الودية بين الطرفين، لافتا إلى أن وجهة نظر المسؤولين يجب أن تتجاوز عداء الغرباء إلى تصميم وتنفيذ حلول لتطوير العلاقات في اتجاه تحقيق المصالح والمنافع المتبادلة بين إيران والعراق، والإقليم بشكل خاص.

وتتهم إيران بشكل مستمر إقليم كردستان باحتضان جهات تابعة للموساد الإسرائيلي، وأخرى تعادي النظام الإيراني متمثلة بالقوى الكردية الإيرانية المعارضة له، وبذلك تشن هجمات صاروخية متواصلة على الأراضي الشمالية للعراق.

تأمين كردستان

وبخصوص توقيت الزيارة ودلالاتها، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن "المصالح الأمنية والاقتصادية تتغلب على أي خلافات سياسية، وأن وجود نيجيرفان البارزاني في طهران ولقاءه كبار القادة والمسؤولين الإيرانيين، يأتي بعد توتر أصاب العلاقة بين إيران وإقليم كردستان العراق".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "إقليم كردستان يسعى إلى تجنّب شرور إيران ومليشياتها في العراق، التي تنفذ بين الحين والآخر هجمات على أماكن حيوية في أربيل والسليمانية وغيرها من المدن الكردية، وتسبب مشكلات اقتصادية كبيرة، مثل استهداف المطار أو حقول النفط والغاز". 

ولفت إلى أن "إيران تمارس ضغوطا كبيرة على الإقليم من خلال إطلاق يد مليشياتها، وذلك من أجل إخضاع أربيل إلى أرادتها، كون الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكمها لا يعد حليفا لها، على عكس الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يحكم السليمانية".

وفي 26 أبريل، تعرض حقل كورمور الغازي في السليمانية إلى هجوم، بطائرة مسيرة انتحارية تحمل بصمات مليشيات إيران، أدى إلى مقتل 4 من العاملين في شركة "دانة غاز" الإماراتية، وإصابة ثمانية آخرين، بعد نحو عامين من تعرضه إلى ثلاث هجمات صاروخية خلال 72 ساعة فقط.

على ضوء ذلك، أعلنت شركة دانة غاز الإماراتية، إيقاف الإنتاج مؤقتا في حقل كورمور، وأنها على تنسيق كامل مع سلطات كردستان، في دعم الالتزامات المعلنة بتقديم الجناة إلى العدالة، مؤكدة تطلعها لاستئناف عمليات الإنتاج في الحقل "بمجرد أن يصبح ذلك آمنا".

ويتفق مع هذا الطرح المحلل السياسي العراقي، أحمد الياسري، بالقول إن "الزيارة هدفها ضمانات أمنية يريدها الإقليم لمنع استهداف المواقع الحيوية والطاقة أو العمق الأمني بشكل مباشر من الجانب الإيراني، لذلك يتحرك البارزاني لضمان أمن كردستان".

ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن الياسري في 8 مايو، قوله إن "القاعدة الثانية للزيارة هي اقتصادية مبنية على فكرة تقاطع المشاريع التجارية في المنطقة خصوصا بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لذلك هو (البارزاني) يريد إعطاء ضمانات لإيران بأن هناك عملية توافق بين إدارة الإقليم وحكومة بغداد بهذا الخصوص لتقليل الضواغط الأمنية".

وفي 22 أبريل، زار الرئيس التركي العاصمة العراقية بغداد، ووقع مع العراق والإمارات وقطر، اتفاقية لإطلاق مشروع "طريق التنمية" الذي يربط دول الخليج العربي مع أوروبا عبر سكك حديدية.

وخلص الياسري إلى القول، إن "زيارة نيجيرفان البارزاني إلى طهران تأتي لتهدئة الجانب الإيراني، بما سينعكس على المشاريع العراقية بشكل عام وليس على إقليم كوردستان فقط".

"صفحة جديدة"

وعن أهمية الزيارة، قال كفاح محمود، المستشار الإعلامي لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني إنها "ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين، وستنهي توترات شابت هذه العلاقات في السنوات الأخيرة، وستنقل التعاون الثنائي إلى مرحلة جديدة".

وشدد محمود على أن العلاقات مع طهران "شابتها تشنجات منذ سنوات، في ظل شكوك القيادة الإيرانية بوجود معارضين لسياستها من الأحزاب الكردية المعارضة، يقومون بعملياتهم انطلاقا من أراضي كردستان"، حسبما نقلت وكالة "العالم العربي" في 7 مايو.

وتابع: "الاتفاقية الأمنية، التي وقعت بين طهران وبغداد (19 مارس 2023) بوجود ممثلي إقليم كردستان، أكدت للجانب الإيراني أنه ليس هناك شيء من هذا القبيل، وجرى إبعاد تلك العناصر، التي يُفترض أنها كانت تقوم بتلك العمليات، وأبعدت عن المناطق الحدودية إلى عمق كردستان، وعدّوا لاجئين مهاجرين من إيران تحت إشراف الأمم المتحدة".

وأكد محمود أن "الإيرانيين يدركون جيدا أن مصالحهم كبيرة في كردستان، خاصة أنها سوق إستراتيجية لبضائعهم، وهناك أكثر من 10 مليارات من الدولارات سنويا من صادرات إيران ومن استثماراتها في الإقليم، خاصة أن الإقليم يُعدّ بوابتها إلى العراق وإلى الخليج".

ورجح المستشار الكردي انتقال العلاقات بين إيران وكردستان العراق إلى "مرحلة إستراتيجية" جديدة، وأكد على أن الإقليم يرفض استخدام أراضيه في أي عمليات ضد الجانب الإيراني.

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي والدبلوماسي الإيراني السابق أمير الموسوي، إن زيارة البارزاني إلى إيران تعد تاريخية، فلقاؤه مع خامنئي، بمثابة قفزة في العلاقات بين أربيل وطهران، وتساعد على حلحلة الكثير من القضايا الثنائية، وخاصة في المجال الأمني والاقتصادي.

وأضاف الموسوي خلال مقابلة تلفزيونية في 7 مايو أن "الزيارة لها انعكاسات على العلاقة بين بغداد وأربيل، لأنه إذا لم تحل الأزمات داخليا فبالإمكان اللجوء للدولة التي لها العلاقات الطيبة مع الطرفين، خصوصا إذا رضي الجانبان بالدور الإيراني لحلحلة المشكلات بينهما".

ولفت إلى أن "الأزمات العراقية بعضها تحل في الإمارات وأخرى في تركيا، والبعض الآخر يجري حله في الولايات المتحدة الأميركية، وأن القليل جدا من هذه الأزمات تحل في طهران، وهذا أصبح عرفا عراقيا في مرحلة ما بعد عام 2003".

من جهتها، أشارت وكالة "مهر" الإيرانية خلال تقرير لها نشرته في 6 مايو إلى دور رئيس إقليم كردستان العراق في توطيد العلاقة بين أربيل وطهران، مقدمة سردا تاريخيا لعائلته ونضالها مرورا لمعيشته في إيران وإتقانه اللغة الفارسية، وتأكيدا على الحوار والتفاهم لحل المشكلات بين الجانبين.

وتطرقت الوكالة أيضا إلى تذبذب العلاقة بين إيران وإقليم كردستان على مراحل متفرقة، وكان أبرزها التوتر الأمني، ووجود جماعات كردية معارضة لطهران داخل أراضي الإقليم.

وتوقعت "مهر" الإيرانية أن "رفع زيارة نيجيرفان البارزاني إلى طهران، مستوى التفاعل السياسي بين الجانبين"، مشيرة إلى إمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية في ظل الزيارة هذه، التي قالت إنها ستعود بالنفع على الشعبين (الكردي، والإيراني).